في سبتمبر من العام الماضي، كتبت مقالا في تلك المساحة بعنوان »الأسوأ»،قلت فيه ان الرئيس الامريكي قد يكون وفقا للوقائع، هو الأسوأ في تاريخ امريكا، بمنظور دعمه لإسرائيل وانحيازه اليها وإضراره بالمصالح القومية العربية، اشرت في المقال إلي خطته لتصفية القضية الفلسطينية، كجزء أولي في مخطط يتضمن ثلاث مراحل محددة ومدروسة، تضمنت الاولي والتي كتبت عنها، تصفية القضية الفلسطينية. اما الثانية في المخطط الشيطاني الذي يقوم بتنفيذه وفقا لتوجهات »اليميني الامريكي المتصهين»، فتمثل في القرار الاخير بالاعتراف بالسيادة الاسرائيلية علي الجولان السورية، ونحن امام المرحلة الثالثة والمشهورة »بصفقة القرن »التي تم تأجيلها لاعتبارات تتعلق بخوض نتنياهو للانتخابات القادمة، والتي تكرس للهدف الأكبر لترامب، وهي اعلان اسرائيل قائداً لمنطقة الشرق الأوسط، »والدولة النموذج». صحيح ان هذا هو وقت التضامن مع الشعب السوري، وليس نظامه، ومع الإقرار هنا بأن موقفي مثل مواقف الملايين من العرب والمسلمين، ومن دول العالم وشعوبها، بعدم الاعتراف بالقرار الامريكي، لتبقي الجولان سورية عربية، ولكن مع الوقت نفسه لابد ان نصارح أنفسنا بالحقائق علي الارض، لنتعرف عن القادم الأسوأ وهو »صفقة القرن» الحقيقة الاولي : ان ردود الافعال العربية والدولية ساعدت وتساعد ترامب علي الاستمرار في مخططه 'خاصة وأنها تفاوتت بين الشجب والادانة، او انها مخالفة للشرعية الدولية، سواء في ذلك بعد قراري ترامب بخصوص القدس او الجولان، ولكن الواقع ان بعض الدول سارت في »ركب ترامب» وسعت إلي نقل سفارتها من تل ابيب إلي القدس، ولعل رد الفعل الوحيد جاء من الملك عبدالله ملك الاردن، الذي الغي زيارة إلي رومانيا بعد قرارها بنقل سفارتها للقدس. الحقيقة الثانية : ان النظام السوري منذ عام 1967 يتحمل الجزء الأكبر من ضياع الجولان اولا، والرضا بالأمرالواقع ثانيا منذ ذلك الوقت، دون اي مسعي حقيقي لاستردادها عسكريا، وقد يكون صعبا،او سلما كما حدث في الحالة المصرية، وفِي الحالة السورية التاريخ يتحدث عن البيان رقم 66 الذي صدر عن حافظ الأسد وكان وزيرا للدفاع في ذلك الوقت، عن سقوط الفنيطرة قبل ساعات من وصول اول جندي إسرائيلي إلي تخومها، مما ساعد في انهيار معنويات القوات السورية، اما في 1973 وفِي ظل التنسيق الكامل بين البلدين مصر وسوريا، كانت استراتيجية الحرب علي الجبهتين، ان الهجوم يستهدف تحرير جزء من الاراضي المحتلة وتغيير حالة اللاحرب واللا سلم،وبعدها يتم الدخول في تفاوض من مركز أفضل، ودخلت سوريا مفاوضات فك الاشتباك كما جري علي الجبهة المصرية، وتمر السنون دون تحقيق أي إنجاز، وهناك محطات مهمة من التفاوض غير المباشر بين الطرفين، سواء بعد مؤتمر مدريد عام 1991،وبعدها بحوالي عامين توصل الطرفان إلي مايسمي »وديعة رابين» وبعدها دخلت إسرائيل مرحلة حكومات اليمين، وبروز نجم نتنياهو وضاعت الجولان، ويكفي ان نعرف ان آخرمحاولات التوسط كانت في عام 2008،ومن يومها لم تعد الجولان اولوية لدي النظام، الذي قبل بالأمر الواقع دون محاولة تغييره. - الحقيقة الثالثة وهي الأكثر مرارة ومأساوية، نحن امام ثمانية أعوام من الصراع الداخلي، استهلك النظام كل قدراته للبقاء في الحكم، ودفع الثمن الشعب السوري، والاخطر ان الوجودالإيراني وحزب الله ساهم في الابقاء علي النظام دون ان يكون له دور في إطار مايسمي »بمحور المقاومة والممانعة»،ولم يكن تحرير الجولان علي اجندة الجميع، لا النظام السوري ولا ايران، التي تتحكم في مفاصل الدولة، وكذلك حزب الله، كما ان الوجود الروسي واستمراره- كما قال بشار الأسد بنفسه مؤخرا- لايرتبط بمكافحة الاٍرهاب، مما يؤشر علي استمراريته، ولعل السؤال الاهم الذي يجب طرحه في هذه الحالة ماهو الفرق بين احتلال اسرائيل للجولان، وبين التبعية السورية لايران، او الوجود الروسي، هناك الاجابة لا فرق، سوي انهم موجودون بطلب من النظام وليس الشعب السوري الذي تحول إلي الضحية الاولي ومن قبله، نهاية الحديث عن سوريا موحدة او صاحبة قرار، والمكسب الوحيد في ذلك كله هو بقاء بشار وعائلة الأسد، التي تحكم البلاد منذ عام 1970 وهو مكسب بائس علي جثة شعب عظيم. ونحن في انتظار الكارثة الكبري،التي لن تتأخر كثيرا، وهي صفقة القرن وبوادرها كارثية، والتي رد علي مؤشراتها الملك عبد الله الثاني، عندما أعلن مؤخرا وبكل وضوح، رفض فكرة الاردن »كوطن بديل» او التوطين، او اي تغيير في طبيعة مدينة القدس.