تضمنت المحاضرة التي ألقاها وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بالنادي الثقافي مؤخرا حول »أثر العلاقات الخارجية العمانية في ظل المتغيرات»، تقديم رؤية متكاملة لمسار تلك السياسة، التي تمثل نموذجا يحتذي، خاصة وان يتم صياغتها وفقا لتعليمات السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، بعد توليه السلطة في عام 1970، ويتم تنفيذها عبر وزارة الخارجية، وعلي رأسها عميد وزراء الخارجية العرب يوسف بن علوي، صاحب الأدوار المتميزة في العديد من الملفات والقضايا، والتي نجحت طوال تاريخها، في تطبيق سياسة خارجية ضمنت لها العيش في أمن واستقرار في منطقة تموج بالمشاكل والتحديات، خاصة المنطقة العربية وفِي القلب منها مجموعة دول الخليج التي لم تهنأ باستراحة محارب خلال العقود الاخيرة، فقد شهدت ثلاث حروب خلال فترة زمنية منذ عام 1981 وحتي عام 2003 سواء حرب الخليج الاولي بين العراق وإيران، والثانية لتحرير الكويت، والثالثة غزو العراق وتوابعها مازلت مستمرة، ورغم أهمية المحاضرة الا ان الجزء الخاص بعملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين هي الأكثر أهمية في اعتقادي، خاصة وان سلطنة عمان شهدت حدثين مهمين علي صعيد هذا الملف، الاول في فبراير من العام الماضي، عندما زار الوزير يوسف بن علوي القدس بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، والثاني الاعلان عن زيارة قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلي العاصمة مسقط في نهاية اكتوبر من العام الماضي. حاولت اسرائيل الترويج للزيارة علي انها اختراق مهم في العلاقات الاسرائيلية الخليجية وتمثل تطبيعا للعلاقات بين الطرفين، وللاسف الشديد وقع بعض المراقبين العرب في »الفخ الاسرائيلي»، دون دراسة ومعرفة بطبيعة توجهات السياسة الخارجية العمانية او سماتها، التي كشف عنها دورها الإيجابي في عشرات الملفات الإقليمية والعربية والدولية. والتاريخ القريب يثبت ان سمات السياسة العمانية تتلخص في الجنوح إلي السلام والتمسك بلغة الحوار والتفاوض كسبيل وحيد لحل الأزمات، ومن ذلك دورها في محاولات التهدئة والوساطة اثناء الحرب العراقيةالايرانية في ثمانينيات القرن الماضي، حتي تكللت جهودها بالنجاح، وقبول ايران بالقرارات الاممية بوقف إطلاق النار، ولعل موقفها من الصراع العربي الإسرائيلي، ابرز دليل فقد جاء الموقف العُماني، فريداً بين المواقف العربية من مبادرة السلام المصرية الإسرائيلية في السبعينيات، ورفضت قطع العلاقات مع مصر بعد قرارات قمة بغداد 197، كما ساهمت بدور كبير في دفع مفاوضات الملف النووي الإيراني حتي تم التوصل إلي اتفاق بين طهران ومجموعة خمسة زائد واحد، ودورها مستمر في منع تصاعد التوتر في منطقة الخليج بعد الموقف الامريكي الاخير بالانسحاب من الاتفاق النووي. ولعل ما قاله الوزير يوسف بن علوي في محاضرته بخصوص الصراع العربي، يكشف بوضوح وبدون اي لَبْس حقيقة التحركات العمانية الاخيرة، وتتلخص في الآتي: اولا: يؤكد ان التحركات العمانية ابعد ما تكون عن مسعي للتطبيع مع اسرائيل كما روجت جهات عديدة، في فهم خاطئ لتلك التحركات، فمسقط في هذه القضية لاتغرد» خارج السرب العربي» وهي ملتزمة بمبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت في عام 2000، فعمان لَيس لها برامج خفية، بل محاولة لتسهيل اعادة الحوار بين الطرفين، بطلب منهما وثقة في مقاصدها، وبالتالي فإن الزيارات التي حصلت، يعلم بها الرئيس الفلسطيني وكذلك رئيس الوزراء الاسرائيلي. ثانيا: حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة بعد 70 عاما من الصراعات، باعتباره هدفا استراتيجيا وتأثيراته إيجابية، ليس علي الفلسطينيين وحدهم بل للجميع، مع متابعة عمانية لهذا الهدف بكل مصداقية. ثالثا: الإقرار بصعوبة ازمة القدس للخلط بين ما هو سياسي وديني، رغم ان الاخير لا يمثل مشكلة، فالمسجد الأقصي وقبة الصخرة والأماكن المقدسة الأخري، بالإضافة إلي الكنائس المسيحية، وإلي الحائط، جميعها معروفة من الناحية الجغرافية ومن حيث المساحة، ولكن المشكلة أن الكل يدعي تاريخه هناك، ولم تتحقق طوال 70 عاما مطالب اي من الجهتين، فإذا هي أرض مقدسة ملك للبشرية. رابعا: رغم ان اسرائيل دولة قوية عسكريا واقتصاديا، الا انه يسودها شعور بالخوف، الذي لن يزول سوي بإقامة دولة فلسطينية، ويمكن التوافق علي قضايا مثل القدس والمستوطنات والأمن.