بهجة أحد الشعانين تملأ كنائس الدقهلية، صلوات وتراتيل وابتكارات من السعف (صور)    خبير اقتصادي: صندوق النقد يتوقع تحسنًا كبيرًا في الأوضاع الاقتصادية المصرية    بحضور حكمدار غرب.. إزالة فيلا مخالفة في الإسكندرية | صور    العاصمة الإدارية تستقبل نائب رئيس الوزراء البحريني    بايدن ونتنياهو يناقشان هاتفيًا المفاوضات مع «حماس» ووقف إطلاق النار في غزة    بصواريخ F16، كتائب القسام تعلن إيقاع قوة من جيش الاحتلال في كمين ألغام وسط غزة    بلينكن يشيد باتفاق أذربيجان وأرمينيا على ترسيم الحدود    مغادرة فريق اتحاد الجزائر «الملعب البلدي ببركان».. وإلغاء المباراة رسميا    استقالة عبد الحق بن شيخة من تدريب سيمبا التنزاني    محافظ الدقهلية: دعمي الكامل والمستمر لنادي المنصورة وفريقه حتي يعود إلي المنافسة في الدوري    لمناقشة الاستعداد للامتحانات، تعليم الوادى الجديد تعقد الاجتماع الدوري لمجلس الأمناء    أخبار سوهاج اليوم.. بتر ساق شاب سقط من القطار الروسي    أخبار الفن اليوم.. علا غانم تكشف تفاصيل اقتحام فيلتها في أبو النمرس.. ومنع عرض مسلسل الحشاشين في إيران لهذا السبب    ملك أحمد زاهر عن والدها: أتعامل معه خلال التصوير كفنان فقط    الرقابة الصحية: القطاع الخاص يقدم 60% من الخدمات الطبية حاليا    بايرن ميونخ يغري برشلونة بجوهرته لإنجاز صفقة تبادلية    فرقة بني سويف تقدم ماكبث على مسرح قصر ثقافة ببا    خبير تربوي يكشف أهمية توجيه الرئيس لدراسة الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات    حفيظ دراجي يرد عبر «المصري اليوم» على أنباء رحيله عن «بي إن سبورتس»    أون لاين.. خطوات إصدار بدل تالف أو فاقد لبطاقة تموين 2024    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    امتحانات الفصل الدراسي الثاني.. نصائح لطلاب الجامعات ل تنظيم وقت المذاكرة    وزير السياحة السعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة على البحر الأحمر    تعرف على مواعيد امتحانات المرحلة الإعدادية في مدارس الأقصر    الوفد ينظم محاضرة تحديات الأمن القومي في عالم متغير    حكم ورث شقة إيجار قديم بالتحايل؟.. أمين الفتوى يوضح    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    بعد عامين من انطلاقه.. «محسب»: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع المصري    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    فيلم «شقو» ل عمرو يوسف يتجاوز ال57 مليون جنيه في 19 يوما    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    رمضان عبد المعز: فوّض ربك في كل أمورك فأقداره وتدابيره خير    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    بصلي بالفاتحة وقل هو الله أحد فهل تقبل صلاتي؟..الإفتاء ترد    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    البوصلة    حسام غالي: «شرف لي أن أكون رئيسًا الأهلي يوما ما وأتمناها»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واحة الغروب:مثلث الأنثي بين المرئي والمكتوب
نشر في أخبار السيارات يوم 29 - 09 - 2018

حين تتكئ الصورة علي نص إبداعي وقيمة تاريخية وبناء فني رصين، تحتاج إلي طاقم عمل فني موهوب يجسد اختزالات العبارة، وبياض النص الذي يفجر طاقة التخييل عند كاتب النص الدرامي، فيكون قادرا علي استكناه جوانب لم يقلها الروائي صراحة، فتخرجها الكاميرا صورة مجسدة متفجرة بالأحاسيس. هذا ما قدمته الدراما المصرية في مسلسل واحة الغروب عن رواية الكاتب الكبير البهاء طاهر.
من الرواية إلي المسلسل ينتقل القارئ إلي مشاهد، فتتفاعل حواسه ويجد نفسه يغوص عميقا ويحيا تفاصيل مرحلة زمنية ماضية تعود إلي القرن التاسع عشر، عقب ثورة عرابي.
العمل الدرامي واحة الغروب أعاد تشكيل العبارة الأدبية من جوانب عديدة فخلق المكان أو الفضاء الذي تجري عليه أحداث الرواية، وشحنه بالعناصر الدلالية والإيحائية من حيث نمط المكان وشكله الهندسي، فالمكان دائما يعكس نفسية ساكنيه، وهذا ما دل عليه نمط بناء الواحة فصمم بدقة فنية تضاهي الواحة الحقيقية، فبيوتها متقاربة جدا والشوارع بين هذه البيوت ضيقة، و هذا ما يعكس طبيعة أهلها الاجتماعية ولا تختلف بيوت الواحة فيما بينها لتطبعهم بنفس الطباع.
ومع أن النص المرئي تمثيل للواقع،»‬ إلا أنه في حقيقة الأمر خلق لواقع جديد من الزمان والمكان ويتميز بالحركية والتوتر وايقاعه الخاص، ولا تقع مفرداته في سلسلة طولية بنظام التعاقب بل تتبع
بلاغتها الخاصة المتراكبة تستخدم حيل التقديم والتأخير، الإيجاز والبطء، المجاز والحذف، وتنتج معناه اعتمادا علي موقع كل وحدة بالنسبة للوحدات الأخري».*
يبدأ المسلسل بأول مشهد وهو تصوير المعركة التي حدثت في إسكندرية ودخول الإنجليز ووأد ثورة عرابي، وهو حدث مفصلي تقوم عليه بقية أحداث المسلسل مشهد لا يختلف عن ثورات الألفينية الثالثة، ما حدث في الماضي يعود، ولكننا نستعيده من التاريخ وكأن الدول العربية تدور في حلقة لا تستطيع الخروج منها، لأسباب نستطيع معرفتها من خلال الرواية أو المسلسل، انهزام جيش عرابي ووأد الثورة ووصم الثوار بالخيانة، أحداث شكلت نفسية محمود، التي ما فتئت تطلب الموت، وتكره الحياة. وترفض الواقع الذي ربض تحت حكم الاستعمار. وهو الواقع الآن بتلك القوي التقليدية التي مازالت تجثم علي كاهل الشعوب العربية.
هذا الإسقاط صوره المسلسل بعمق فني، وصورة مجسدة بتقنية تحويل المونولوج الممتد في الرواية لبطلها محمود وهو يستعيد ذكرياته الماضية. احتاج العمل الفني إلي طاقم كبير لإبراز أبعاد الرواية ونقلها إلي مشاهد حية و مؤثرة، فمن كتابة السيناريو إلي الديكور والإكسسوار وملابس الشخصيات وتصميم المناظر والمواقع التي أقنعت المشاهد بالصورة التي كانت عليها تلك الفترة الزمنية إلي التصوير والإضاءة والإخراج والموسيقي التصويرية، والكثير من التقنيات الحديثة التي برع الطاقم الفني في تنفيذها.
احتشد في العمل الفني جوانب عديدة وعناصر غنية يمكن الحديث عنها، سواء من الجانب الدرامي أو من النص الروائي المكتوب. ولعل الموضوع المهم في العمل هو موضوع الأنثي.
حيث مثلت الأنثي بالنسبة للعمل الروائي والمسلسل محورا مهما، سواء في إبراز البعد النفسي والأزمة الوجودية لبطل العمل، أو التعبير عن جانب مهم وهو العلاقة بين الشرق والغرب والاختلاف بين الشخصية العربية والغربية.
أظهر مسلسل واحة الغروب »الأنثي» بثلاثي أبرز أبعادا عديدة ومهمة في شخصية محمود الذي جسدت واقع الإنسان العربي من حيث علاقته بنفسه، وعلاقته بواقعه، وعلاقته بالآخر الغربي
فظهرت الأنثي في بداية المسلسل »‬بنعمة»، تلك الجارية السمراء التي نشأت مع محمود عبد الظاهر في بيت أسرته، وظلت معه كجارية ومحبوبة، فتعلق بها جدا، ولكنها أيضا أظهرت بعدا آخر في أزمة محمود عبد الظاهر بطل الرواية والمسلسل. لم تُظهر الرواية تفاصيل حياة محمود مع نعمة، بل كانت تتراءي من خلال أحلامه فقط، ولكن العمل الدرامي استطاع أن يجسد نعمة واقعا حيا بكل تفاصيله وأبعاده وإن كانت المشاهد لا تتعدي المشهدين. لم تكن نعمة في العمل الدرامي تلك الجارية السمراء التي تعلق بها محمود فقط، بل هي الماضي المتجذر بكل قوته في نفسية محمود، ومحمود إنما صورة للإنسان العربي بكل أزماته الحاضرة والماضية. ينهزم الرجال في المعارك و يلجؤون إلي حضن الأنثي، يعلقون علي جسدها راية انتصار وهمي، فكانت نعمة الجانب المضيء من حياة محمود بعد أن أظلم الجانب الآخر في وجهه.
»‬معركة وأنثي» ثنائية أظهرت وفاقمت أزمة محمود عبد الظاهر، فكان فقدان نعمة القشة التي قصمت ظهر محمود بسبب أنانيته ونظرته التقليدية والدونية للجارية، فهو لم يكن يدرك التغيير الذي يحدث في نفسه، فظلت العادات والتقاليد حاجزا منيعا للاعتراف بحقيقة مشاعره، هذه العادات هي نفسها التي جعلت أهل الواحة يختبئون خلف أسوارهم، ويجترون أزماتهم ويختلقون الحروب بينهم.
فقد النعمة و ظل إلي نهاية حياته وهو يبحث عنها. ومن ناحية أخري جسدت نعمة واقعا اجتماعيا كان موجودا في تلك الفترة، وهو الطبقية والتدرجات الاجتماعية في المجتمع.
أضاف المسلسل أيضا علي لسان نعمة حكاية تحكيها لمحمود من ضمن الحكايات التي برعت في سردها لمحمود، اقتصاص العبارات في الحكاية كان دقيقا جدا حيث ارتبطت بنهاية محمود في آخر العمل. وكأنه وهو يسمعها اختزنها في لا شعوره لتتحقق إلي واقع، وهذا ما أظهره المشهد بفنية كبيرة وهو يعكس ملامح محمود أثناء استماعه للحكاية.
أما كاثرين فظهرت في المسلسل بعد ثلاث حلقات حين التقاها علي السفينة الذهبية، في أسوان، عبرت شخصية كاثرين التي جسدت دورها الفنانة منة شلبي عن شخصية إيجابية مناقضة لشخصية محمود الذي قام بأدائها الفنان خالد النبوي، كاثرين أيضا جاءت من إيرلندا وتكره احتلال الإنجليز لهم، لهذا قبل محمود الارتباط بها، ارتبطت بمحمود وجمعتهما أزمة واحدة هي أزمة الاستعمار الإنجليزي لبلديهما.
جسدت كاثرين طوال المسلسل الإنسان الغربي الطموح المغامر الذي لا يقف عند الهزائم بل يحاول أن يضع قدمه في مكان آخر ليستمر في العطاء، فهي لا تنظر إلي الماضي، أو تقوم بدور الجلاد لنفسها إن هي أخطأت، تعطي مساحة واسعة لفكرها لينطلق، تحاول أن تفهم محمود وتبادر إلي حل أزمته، تصمم علي خوض تجربة السفر عبر الصحراء الخطيرة ومن ثم العيش في الواحة، تسعي هناك لاكتشاف مقبرة الاسكندر في واحة ترفض دخول الغرباء والأجانب، وتتحكم فيهم قيم وعادات
صارمة تجاه المرأة. وعلي لسانها تتفجر الحقيقة في وجه محمود عند نهاية المسلسل حين تتعرض لحادث الرجم من سكان الواحة »‬سيوة» لتصفهم بالأغبياء لأنهم لا يدركون قيمة أرضهم وأهمية العلم والانفتاح، وتصف محمود بالمرض لأنه اختار أن يعذب نفسه دون أن يري بعين أخري إلي الوقائع والأحداث.
بين نعمة وكاثرين تقع مليكة ابنة واحة سيوة والتي تختلف عن أهل الواحة، فهي عاشقة للحرية والجمال وترفض الاستسلام وإن تعرضت للضرب، مليكة امتلكت موهبة صناعة التماثيل من الطين، وبتفاصيل فنية دقيقة تبرز ملامحها، حتي أن جدها يتساءل من أين تعلمت هذه الصنعة التي لم يسبقها إليها أحد في الواحة، نبتة واحدة فقط ظهرت في هذه الواحة التي تلطخت بالدم و تعيش الظلام، نبتت مليكة، ولكنهم اقتلعوها بعنف، ليقتلعوا كل جمال في حياتهم. ولكن مليكة الضلع الثالث في المثلث الذي فاقم عذابات محمود النفسية، حين سلمها للموت دون محاولة منه أن يفهم ما الذي كانت تريده منه، وما هي أزمتها في الواحة، ظلت تلاحقه في أحلامه بعد مقتلها، وظلت عقدة أخري تطارده، فهي الأشجع حين واجهت أهل الواحة حسب تعبير محمود، وهي المتأملة في النجاة من حياة تكرهها بين قومها.
ظل هذا الثلاثي المؤنث هو المهيمن في العمل الدرامي، ليكشف وجوه الأزمة الإنسانية، والواقع العربي المأساوي الذي يدور في دائرة مغلقة إلي الآن.
*د. صلاح فضل: قراءة الصورة وصور القراءة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.