الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    نقيب معلمي الإسماعيلية يناقش مع البحيري الملفات التي تهم المدرسين    مى عبد الحميد الرئيس التنفيذى لصندوق الإسكان الاجتماعى: حققنا حلم«مليون شقة» لمحدودى الدخل.. وطرح تجريبى لوحدات الإيجار    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    مجزرة مروعة في مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات.. مليون فلسطيني يحاصرهم الموت    بث مباشر مباراة مصر وبوركينا فاسو الخميس 6 يونيو 2024    استبعاد 5 لاعبين.. قائمة إيطاليا النهائية في أمم أوروبا 2024    عُمان.. الاثنين 17 يونيو أول أيام عيد الأضحى لعدم ثبوت رؤية الهلال    «عبده الميت».. متهم جديد في قضية سفاح التجمع    آسر ياسين يكشف شخصيته في «ولاد رزق 3»    فضل شهر ذي الحجة وسنن الرسول عليه الصلاة والسلام به    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    البنك الأهلي المصري يطلق حملة ترويجية لاستقبال الحوالات الخارجية على بطاقة ميزة المدفوعة مقدماً    غرامة تصل إلى 10 ملايين جنيه في قانون الملكية الفكرية.. تعرف عليها    عطل مفاجئ يتسبب في انقطاع مياه الشرب عن بعض مراكز بالفيوم    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    رئيس هيئة الدواء يستقبل رئيس هيئة تنظيم المستحضرات الدوائية بالكونغو الديموقراطية    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    توقيع مذكرة تفاهم بين الرابطة الإيطالية لشركات الأدوية واتحاد الصناعات المصرية    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "أوهمت ضحاياها باستثمار أموالهم".. حبس المتهمة بالنصب والاحتيال في القاهرة    حركة تغييرات محدودة لرؤساء المدن بالقليوبية    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    نقابة المهن التمثيلية تنفي علاقتها بالورش.. وتؤكد: لا نعترف بها    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    جيش الاحتلال ينفي إعلان الحوثيين شن هجوم على ميناء حيفا الإسرائيلي    وزير الخارجية يلتقى منسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    «الإفتاء» توضح أفضل أعمال يوم النحر لغير الحاج (فيديو)    هل يحرم على المضحي الأخذ من شعره وأظافره؟.. الإفتاء تجيب    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 الجزائر وفقا للحسابات الفلكية؟    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    10 سنوات من الإنجازات.. قطاع السياحة يشهد نموا ًكبيراً ونهضة بمناخ الاستثمار    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    الأقوى والأكثر جاذبية.. 3 أبراج تستطيع الاستحواذ على اهتمام الآخرين    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    تباين أداء مؤشرات البورصة بعد مرور ساعة من بدء التداولات    تركي آل الشيخ: أتمنى جزء رابع من "ولاد رزق" ومستعدين لدعمه بشكل أكبر    والدة الأبنودي مؤلفتها.. دينا الوديدي تستعد لطرح أغنية "عرق البلح"    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    انخفاض 10 درجات مئوية.. الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة    مقابل وديعة دولاية.. مبادرة لتسهيل دخول الطلاب المصريين بالخارج الجامعات المصرية    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    بوريل يستدعي وزير خارجية إسرائيل بعد طلب دول أوروبية فرض عقوبات    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أولى صفقات الزمالك وحسام حسن ينفي خلافه مع نجم الأهلي وكونتي مدربًا ل نابولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغجري وصراخ السواقي
نشر في أخبار السيارات يوم 21 - 04 - 2018


مع أشرف البولاقي وعدد من أدباء الوادى الجديد
يرتبط كل شخص في حياتي بصورة ذهنية، بمشهد معين، يمكن رسمه في لوحة، أو حفره في صخرة، لكن المشهد لا يظل جامدا إلي الأبد، بل حيا ومتحركا دون أن يفقد هويته، وكأن حياة ذلك الشخص تذهب يمينا ويسارا لا لتتجاوز ذلك المشهد أوتفلت منه، بل لتجسده بشكل أوضح من خلال تفاصيل أكثر وأكثر.
غجري قوي البنية موثق بحبال يحاول التخلص منها، لا يستطيع ولا يستسلم.
تلك صورة عبد الناصر علام، لم تغب أبدا، حتي عندما التقيته في المرة الأخيرة، بعد أن داهمه المرض، كان الغجري قوي البنية، يلعب مع حباله لعبته الخالدة.
في بداية التسعينيات لعب عبد الناصر علام دور الغجري في مسرحية بنفس العنوان من تأليف بهيج إسماعيل وإخراج يس الضوي، وعُرضت علي مسرح مدرسة الزراعة بنجع حمادي.
تحدثت يومها عن العرض، تحدثت عن الغجري عبد الناصر علام بارتياح لم يحدث بعدها أبدا. يومها ولدت صورة الغجري، ولدت أمام الناس وظلت حية في نفسي فقط.
الغجري صفة منبوذة في مناخنا القبلي، إنها شتيمة، وشخصية الغجري في المسرحية شريرة أيضا. كما أنه، منضبط جدا، وواقعي، ومتزن، كيف أفرد ذراعي حين استقبل صديقي وأقول: أهلا بالغجري؟
شارك علام في مسرحية أخري بعنوان »صراخ السواقي»‬، لا باعتباره ممثلا بل باعتباره كاتب أغنيات، وجاءت تلك المشاركة إنقاذا لي، فقد التحمت السواقي بالغجري لتضبط صورته، وتضيف إلي تركيبته العطرية، ملامح أخري مثل الأصالة والرسوخ في المكان.
لم يكن البعد الغجري في عبد الناصر أكثر من رمز لقوته الفطرية الكبيرة، جسدا وروحا، وقد تلحق بالرمز دلالات أخري، مثل غربته، وعدم تورطه في خصومات ثقافية قبلية، أوانخفاض مكانته في الواقع قياسا بما يستحقه، وقد جاءت الساقية مثل مقص يشذب الغجري من إيحاءات تخص الكلمة ولا تخصه هو.
كيف يكون المرء غجريا وساقية في نفس الوقت؟
هذا هو عبد الناصر، وتلك صورته وهي تنبت وتنموحتي تصبح شجرة وتستقر إلي الأبد.
تتعدد زوايا النظر إلي الشخصية، أو الهويات الفرعية، فهناك شاعر العامية، وهناك كاتب الأغنيات والأعمال الفنية الأخري، وهناك الشخص العادي، وغيرها، وفي كل هذه الحالات، كان الغجري موثقا بحبال يحاول التخلص منها، لا يستطيع ولا يستسلم.
لعبد الناصر مثل كثير من الجنوبيين ظاهر جسدي مختلف تماما عن الباطن. وجه متجهم يغطي منجما من الظرف وخفة الدم، كان وجهه وبنيته القوية يتركان دلالات لا يريدها، كانا ينسجان حبالا وكان يحاول تمزيقها بلا جدوي.
لتعرف عبد الناصر لا بد أن تقترب كثيرا منه، وهو أمر صعب لا يتوافر إلا لأشخاص قليلين، وكانت هناك مسافات لا ضرورة لها تبعد الآخرين عنه، مسافات وهمية تجلب سوء الفهم، كيف يمكن تمزيق مثل تلك المسافات؟
بعدما اشتد عوده الشعري بين الناس، واتسع نطاق عطائه مع التمثيل المسرحي وكتابة الأغاني، رسم الجميع صورته بوصفه نسخة أخري من الأبنودي، لا بمعني نسْخ تجربته الشعرية، بل نسخ مسيرته، وتحقيق شهرته، وكانت هناك خطوة لابد منها في تقديره وهي الذهاب إلي القاهرة، وكان البقاء في مدينته حبلا من تلك الحبال التي حاول التخلص منها ولم يستطع.
ظل بالنسبة للصورة التي صدقها الجميع وصدقها هو غجريا منبوذا وساقية معطلة.
كان عبد الناصر علام يقف في منطقة شعرية، تحتفي بتدفقه العاطفي القوي، وانحيازه للأنين والصرخات، كان قلبه مركز تركيزه، والتلقي الشفاهي محور التشكيلات الجمالية التي يتبناها، حيث يقوم الجسد العفي عبر الصوت والإيماءات بالعمل مع الكلمات في القبض علي وجدان المتلقي وتحقيق التواصل المباشر والسريع مع عوالمه، كان غجريا يحمل ألما كبيرا، وكان ساقية نصفها في الهواء ونصفها تحت الأرض.
نصوص عبد الناصر هي الأخري صارت حبلا، فقد تعقدت الحركة الشعرية، وانفتحت أسئلة كثيرة جدا أمام الشاعر، ولم تعد قصيدة العامية تعبر عن جنس أدني من الفصحي، بل صارت تعبر عن الشعر بندية كاملة، ولم يعد التلقي الشفاهي هو الوسيلة الوحيدة، أو الأساسية، وكان عبد الناصر علام واعيا بكل تلك المتغيرات، ومهتما بعدم تكرار نفسه، خاصة في ظل معاناة شخصية واجتماعية وسياسية ثابتة، وكان مستعدا للقفز في مغامرات شعرية جديدة علي مستوي الأسلوب وطريقة النظر للشعر ودوره في هذا العصر، وقد رأيناه، وهو يحاول التمرد علي كتاباته السابقة، كما هوالحال في ديوانه »‬عيال أخري» وهويعيد توظيف الألعاب الشعبية من أجل تقديم تجربة مختلفة، لكن شيئا في جسده كان يشده لتجربته الأساسية، لتدفقه العاطفي، لقوته الفطرية الكبيرة، وانحيازه للأنين والصرخات والجماليات التي تقبض علي وجدان المتلقي، ظل حتي النهاية غجريا وساقية في نفس الوقت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.