فى ليلة تاريخية استثنائية من المهم جدا ألا نضيع مكاسبها، تحدى المصريون الخوف وشائعات تفجير المساجد والكنائس التى انتشرت فى الساعات الأخيرة فى ليلة عيد الميلاد، خرج المسلمون قبل الأقباط للاحتفال وازدحمت الكنائس بهم فى كل مصر، حتى أن فى بعض الكنائس وقف المسلمون كدروع بشرية وهتفوا ضد الإرهاب فى الوقت الذى كان يقيم المسيحيون فيه مراسمهم القداس، التى تبدلت أجواؤها الحزينة والحدادية على أرواح ضحايا تفجير القديسين بسرعة إلى أفراح. خرج الأطفال من أجواء القلق التى سيطرت عليهم منذ الحادث، ليتفرغوا لمداعبة القساوسة للحصول على البركة وبعض البخور الذى كانوا يملأون به المكان بالمباخر التى لوحوا بها فى كل الأرجاء. وتوافد قيادات الدولة وسياسيوها ومثقفوها وفنانوها كان أكبر دليل على قوة حالة التوحد التى ينعم بها المجتمع المصرى هذه الأيام كفائدة أساسية من هذه الفجيعة التى اعتصرت كل القلوب المصرية آلاما بسببها، وضم طابور المعزين والمهنئين فى نفس الوقت مندوب الرئيس مبارك وعددا كبيرا من الوزراء فى مقدمتهم وزير الأوقاف د. حمدى زقزوق الذى سبق الجميع وحضر بصحبة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب للكاتدرائية لترديد عبارات اختلطت فيها عبارات التهانى بالتعازى، وتبادل زقزوق القفشات مع البابا كعادته، عندما قال له «افتكرنا فى صلواتكم» فرد عليه «انت بركتنا يا بونا» ومسح على ردائه الأسود تبركا، وكان من بين الزائرين المبكرين صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى والأمين العام للحزب الوطنى ود. فتحى سرور رئيس مجلس الشعب اللذان أكدا على أن حكمة البابا منعت مظاهر الغضب القبطى من الوصول لمنطقة صعبة، فيما حضر الاحتفال جمال مبارك الأمين العام المساعد وأمين السياسات بالوطنى وشقيقه علاء مبارك وحرمه هيدى راسخ والوزراء د.على المصيلحى وعائشة عبدالهادى، بالإضافة إلى د.زكريا عزمى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية. ودارت كلمات البابا القليلة فى نفس أجواء الرسائل التفاؤلية ، حيث قال: وأنا أهنئكم بعيد الميلاد، وأعزى أبناءنا فى الإسكندرية هؤلاء الأبرياء الذين لا ذنب لهم، أعزى أبناءنا فى نجع حمادى الذين مرت على ذكراهم سنة، وأضاف: إن كانوا قد قدم المجوس للسيد المسيح فى يوم ميلاده الذهب واللبان والمر فإننا نقدم له أرواح أبنائنا الضحايا الغالين علينا والتى صعدت له، مشيرا إلى قول الرئيس مبارك «إن دماء أبنائنا ليست رخيصة»، وقال إنه يشكر الرئيس على هذه الكلمات وعلى تهنئته بالعيد وتعزيته فى اتصاله معه أول أمس الخميس، وكرر شكر الرئيس من أعماق قلبه لأنه جعل عيد الميلاد عيدا وطنيا لجميع المصريين. فى تأملاته الدينية على خلفية العيد ركز أيضا على أن رسالة المسيح هى المحبة والخير والسلام، وقال للمصريين: أحبوا الخير كما أوصانا الله، وشكر الغير الذى قام بجهد كبير وأثنى على الإفراج عن محتجزى العمرانية، فى إشارة لرفضه الانتقادات التى وجهت للأمن من بعض الجهات القبطية والمتظاهرين الغاضبين. وكان هذا اليوم التاريخى قد دارت عقارب ساعته وسط إجراءات أمنية مشددة شارك فيها عدد كبير من الضباط والجنود، مع تخفيف الإجراءات على المصريين أمام الكنائس بتوسيع الممرات فى الكردونات الأمنية التى أحاطت بالكنائس، إلا أن الحركة كانت محسوبة والتعامل كان فوريا مع أتفه اشتباه، واستخدمت الكشافة فى الكنائس بوابات إلكترونية تكشف عن الأجسام المعدنية، ونفذ المصلون تعليمات الأمن بعدم الخروج من مكان واحد حتى أن أغلبهم كان يخرج من الباب الخلفى للكنيسة ولا يقف أمامها كثيرا، وقصرت مدة الصلاة فلم تطل إلى الواحدة من صباح اليوم التالى كما هو معتاد بل توقفت عند الحادية عشرة. وتوافد المسلمون منهم عدد كبير من المحجبات المهنئات والمعزيات فى كنيسة السيدة العذراء ومار مرقص فى فيصل ودخل منهن نسبة غير قيلة للكنيسة وحضرن أكثر من نصف ساعة من القداس والتقطن الصور مع المسيحيات من صديقاتهن. فيما خيمت أجواء من الهدوء، مشوبة ببعض الحزن على مطرانية شبرا الخيمة، وعلى باقى كنائس القليوبية، بالرغم من الأعداد الكبيرة التى امتلأت بها الكنائس منذ الساعة الخامسة من عصر أمس الأول. وأكد الأنباء مرقس أسقف شبرا الخيمة وقليوب والقناطر فى العظة ، أن الشعب المصرى أثبت أنه فى «الضائقة» واحد، مردفا: رأيت بنفسى إخواننا المسلمين الذين أكدت تصرفاتهم البراءة من هذا الفعل.. فمن فعل هذا إنسان لا دين له، ولا أخلاق.. وتتبرأ منه جميع الأديان.. لكنه أثبت دون إدراك حب المصريين لبعضهم البعض. جمال وعلاء مبارك كانا فى مقدمة المعزيين والمهنئين وأدعوكم للتفكر فى مشاركة إخواننا المسلمين لنا فى الصلاة.. وتواجدهم معنا، الذى يؤكد معدنهم الأصيل، وهو معدن كل المصريين، موجها الشكر لكل من قدم واجب العزاء، قائلا: نحن جميعا نواسى بعضنا البعض . ورغم الأجواء الصعبة والأحوال الجوية المتقلبة التى انتهت ببعض الأمطار، احتفل الأقباط بعيد الميلاد فى الإسكندرية حيث توافدوا بالآلاف على الكنائس للمشاركة فى القداس والصلاة على شهداء الحادث. وفى ميدان جيهان المتاخم للكنيسة التف مئات المسلمين حول الأقباط لتهنئتهم بالعيد وأضاءوا الشموع للتضامن معهم. فيما بدأ القداس فى كنيسة القديسين برئاسة الأب مقار بالصلاة على أرواح الضحايا. كما شهدت جميع الشوارع المؤدية للكنائس البالغ عددها 65 كنيسة وخصوصا أقدمها وأكبرها الكاتدرائية المرقصية بمحطة الرمل، تشديدات أمنية وتم منع السيارات من الانتظار بعد تطويقها بحواجز حديدية، مما أدى إلى تغيير مسارات عدد كبير من الشوارع الرئيسية والفرعية. وأكد الأب مقار أن «الإرهاب» عدو جميع المصريين مسلمين وأقباطا داعيا للحفاظ على نسيج الوطن والتصدى للمغرضين الذين يحاولون تفتيت أوصاله، وأشار مقار إلى أن الأمن قادر على تتبع الجناة والكشف عن ملابسات الحادث ومطاردتهم لتقديمهم للعدالة. وفى دير سمعان بمنشأة ناصر شارك عدد كبير فى الاحتفال وسط تشديدات أمنية . مشايخ فى كنيسة مسطرد وشهدت كنائس أسيوط إقبالا كبيرا على الرغم من تقديم موعد القداس، حيث بدأت الصلاة من الرابعة عصرا حتى الثامنة مساء لظروف الأنبا ميخائيل مطران أسيوط الصحية، وارتدى المشاركون الملابس السوداء حدادا على الضحايا . وزار اللواء مجدى أيوب محافظ قنا والقيادات الشعبية والتنفيذية مطرانيتى قنا ونقادة للتهنئة، وأكد خلالها أن مصر مستهدفة لأنها أكبر وأقوى دولة فى المنطقة عكس ما كان يريده منفذو الحادث. وقال الأنبا شاروبيم أسقف قنا وتوابعها إن الحادث كان مؤلما ولكن نقطة الضوء فيه أنها أظهرت ما فى القلوب بين جميع المصريين من حب ومودة ووحدة وحرص على أمن الوطن، مشيرا إلى أن خطاب الرئيس مبارك أراح القلوب وأزال الكثير من الأحزان. وشهدت نجع حمادى إجراءات أمنية مشددة، وسيطر الحزن على أرجاء المدينة لمرور عام على الحادث الأليم الذى شهدته المدينة وخلت الشوارع من المارة فى مشهد أعاد إلى الأذهان ما حدث العام الماضى وقام الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادى وتوابعها بأداء صلاة فى دير الأنبا بضابا وأناب الأب صموئيل فى قيادة قداس عيد الميلاد بكنيسة ماريو يوحنا، ولم يتم استقبال المهنئين. المحجبات فى وقفات تضامن امام الكنائس وفى المنوفية استقبلت الكنائس العديد من الأقباط، متميزة بكاميرات المراقبة التى وضعت منذ أيام. وفى شمال سيناء شارك جميع أقباط كنيسة مار جرجس بالعريش فى القداس . وفى الفيوم تضاءلت نسبة مشاركة الأقباط، فى حين شارك أكثر من 80% من أقباط البحر الأحمر وامتلأت الكنائس عن آخرها. وفى الأقصر بلغت نسبة الحضور فى كنيسة العذراء مريم أكثر من 2500 قبطى وأكثر من 500 مسلم، أما كنيسة نجع الصباغ فشهدت حضور 3000 قبطى و1000 مسلم. وفى المنيا ارتدت السيدات ملابس سوداء كحداد، بينما ارتدى الأطفال وبعض الفتيات ملابس ملونة وامتلأت الكنائس والأديرة والمطرانيات بالمصلين. تركزت عظة العيد على تهدئة الشباب الذين أطلق عليهم بعض الأقباط أنهم «شباب متهور» تحركه العواطف والحزن على أرواح الضحايا دون التفكير الصحيح. لا للأرهاب وسط هذه الأجواء رصدت «روزاليوسف» واقعة إنسانية فى كنيسة العذراء بالزيتون.. عندما حضر «المواطن» محمد سعيد ويعمل مدرساً للغة العربية ومادة التربية الدينية وسجل اسمه فى سجل الزيارات قائلاً: جئت إليكم لأقول.. أنا مسلم أنا معكم.. نحن وحدة واحدة.. نعيش معاً.. ونموت معاً. اللافت أيضاً أنه قبل التفاف عدد من التلاميذ الذين تعرفوا مدرسهم داخل مقر الكنيسة وقف عدة دقائق تجاذب أطراف الحديث مع عدد من خدام الكنيسة . «يا حضور القداس وجهوا قلوبكم.. وأبصاركم إلى مهد الرضيع».. بهذه الكلمات وجه الأنبا بطرس بطرس جيد كاهن الكنيسة مشيراً إلى أنه إذا كان قد سمح بالشر مؤقتاً فإن الخير سوف يأتى. فيما سيطرت على المصلين نقاشات جانبيه تطرقت إلى التخوف من تكرار التفجيرات. وقبيل انتهاء مراسم القداس اشتبه الأمن فى شخص يقف وحيداً أمام مدخل الكنيسة الجانبى وبسؤاله قال لهم: أنا مسيحى. لا للأرهاب ومع المواطنة لافتة بين برج كنيسة القديسين وجامع خليل حمادة وفى الجيزة كان أن انتشرت سيارات الدوريات الأمنية بالشوارع وسيارات شرطة النجدة منذ الساعات الأولى للقداس.. وسيطر الهدوء على قداس كنيسة «مارمينا» بالعمرانية التى شهدت الأحداث الأخيرة، وكان من اللافت للنظر أن شارك خمسة أطفال مسلمين صديقتهم بإحدى المدارس الابتدائية الاحتفال حاملين الورود.. وهو ما دفع العديد من السيدات المتواجدات للاحتفاء بهم وتقبيلهم فرحا بهذا الأمر. خالد أحمد سنوسى موظف بحى العمرانية قال ل«روزاليوسف» إنه حضر وأصدقاؤه إلى الكنيسة للاحتفال مع جيرانه الأقباط بعيدهم كما يحتفلون معنا بأعيادنا.. فكلنا إخوة.. وكلنا معا يد واحدة فى مواجهة أى عدو للبلد. أما لطفى جبران خادم كنيسة مار مينا فقال لنا: إن حزننا على شهداء كنيسة القديسين بالإسكندرية داخل القلب.. وسوف نقف كلنا يداً واحدة ضد الإرهاب. شيخ يخطب فى الكنيسة والاقباط يستمعون فى حين فرضت أجهزة الأمن إجراءات مشددة حول كاتدرائية الجيزة بشارع مراد، إذ تواجد العديد من قيادات الأمن بالمحافظة وسط حظر لدخول المسلمين، إلا من تواجد منهم مع أصدقائه المسيحيين، والمعروفين منهم لقيادات الكنيسة. وأقبل الأقباط على كنيسة مارمرقص بشبرا بأعداد كبيرة منذ الساعة السادسة مساء والتى امتدت - أى الصلوات - حتى الحادية عشرة، وشهدت الكنيسة حضور عدد من المسلمين بشكل فردى، وخصص لهم بطاقة للضيوف المسلمين، يعلقها الزائر فى رقبته أثناء تواجده داخل الكنيسة، كتب على الوجه الأول لها بخط كبير «الدرع البشرى، للوحدة الوطنية» فوق علامة مائية للهلال بداخله الصليب. اطفال القداس فى كنيسة مارينا بالعمرانية أجواء العيد مها ثروت ربة منزل عبرت عن حزنها الشديد مما حدث فى الإسكندرية وأنه أفقدها بهجة الشعور بالعيد لكنها حضرت إلى الكنيسة للاحتفال لأنها اعتادت على ذلك مؤكدة أنها ينتابها قلق وخوف. فى حين قال هانى حنين صاحب مطبعة إنه لا يشعر بأى شىء يعكر أجواء العيد وأن الأمور تسير عادية وأن الدنيا (زى الفل) على حد وصفه. صفوت سعد صاحب مكتب رحلات سياحية وصف أجواء الاحتفال بأنها طبيعية وأنه لا يخاف من أى تهديدات لأن العمر بيد الله مشيرا إلى أن التواجد الأمنى الكثيف جعله يشعر باطمئنان أكثر، مضيفا: «يجب أن يكون التواجد الأمنى بهذا الشكل دائما على الكنائس وليس فى الأعياد فقط» ومقيما الجو العام فى الاحتفال بالعيد بأن الناس آتية للصلاة والاحتفال ولا يوجد فى أحاديثهم أى شىء حول ما حدث من اعتداء على إحدى الكنائس بالإسكندرية مؤكدا أن ما حدث شىء محزن. وكيل الاوقاف وكل قيادات قنا يشاركون الاقباط اعيادهم على باب الكنيسة قال كيرلس يوسف 18 سنة أنه يتضايق من الإجراءات الأمنية المكثفة وأخبرنا أنه سمع من أحد أصدقائه أنهم لا يسمحون لأحد بدخول الكنيسة إلا من معه بطاقة إثبات شخصية قائلا: أنا لسه مطلعتش بطاقة.. طب هعمل إيه دلوقتى .