رغم الخطاب الذى أرسله السيد البدوى رئيس حزب الوفد لمجلس الشعب للتنصل من نوابه، لايزال هناك 15 نائبا حزبيا معارضا فى مواجهة 438، يمثلون أحزاب الوفد الممثل بنواب دون هيئة برلمانية، والتجمع والغد والجيل والسلام والعدالة، و50 نائبا مستقلا، ومع هذا المشهد تعالت الأصوات وبرزت التحليلات التى تتهم البرلمان الجديد بأنه برلمان بدون معارضة .. فهل يكون البرلمان بلا معارضة، وهل هذا العام سيكون انطلاقة لحياة سياسية بدون معارضة؟ البرلمان الذى ما لبث أن شكل لجانه النوعية بعد انتخابات الأربعاء الماضى، لم تظهر ملامحه المعارضة حتى الآن وتم الحكم عليه مسبقا بدون دلائل وشواهد، ولكن الحقيقة والسوابق التاريخية تقول إن هذا المجلس ستكون معارضته شرسة. الحديث عن برلمان بلا معارضة مقارنة بالبرلمان الماضى، قائم على بعض النقاط المظهرية ولكن إذا تم النظر بعمق نجد أن العكس هو الصحيح، فقد كان برلمان 2005 يضم بداخله أكثر من 115 معارضا، هذا هو العدد ولكن كيف كان الناتج الكمى وهل أوجد إفادة للحياة السياسية والعمل العام ودور البرلمان فى الرقابة والتشريع، هل كان تمثيل المعارضة الماضية مشرفا ؟! بكل تأكيد كانت هناك العديد من السلبيات والتى طغت على الإيجابيات التى حققها الشكل المعارض، فلقد كانت معارضة لها شكل عشوائى غير متزن، غير قائم على أهداف سياسية مطلوب إحرازها، كان هدف هذه المعارضة هو المشاركة من أجل الشو الإعلامى تارة، فإذا نظرنا إلى تشكيل المعارضة الماضية نجدها جاءت ب 88 نائبا محظورا يمثلون جماعة الإخوان المسلمين، و6 نواب وفديين تمت زيادتهم فى نهاية الفصل التشريعى السابق بعد ضم بعض المستقلين غير المنتمين للجماعة المحظورة إلى الهيئة البرلمانية للوفد، وكان حزب التجمع اليسارى موجودا بنائب وحيد وهو المخضرم عبد العزيز شعبان الذى فاز فى انتخابات ,2010 ولكن الموت عجل به قبل انعقاد البرلمان وحزب الغد جاء بنائب واحد وهو رجب هلال حميدة ونائبان من الحزب الدستورى، هكذا كان مشهد المعارضة التى تعالت على أساسها أصوات تلاحق البرلمان الجديد بأنه بلا معارضة! وإذا أقمنا هنا نوعا من المقارنة الفعلية بين برلمان 2005 ونظيره فى 2010، سنجد بعض النقاط المهمة للحديث عن كون البرلمان الجديد بدون معارضة أم بمعارضة فعالة، المجلس الحالى جاء ب 5 أحزاب أصحاب تيارات سياسية مختلفة كلها موجودة فى الشارع المصرى كأفكار بغض النظر عن عدم وجود بعض هذه الأحزاب بشكل قوى بين رجل الشارع لأسباب تتعلق بالصراعات الداخلية على المراكز القيادية، هذه الأفكار والتيارات متنوعة ما بين ليبرالى ويسارى ويمينى ووسط، نواب جاءوا فى الأساس من الشارع يضعون الأمن القومى فى الاعتبار لا يخدمون مصالح خارجية مثلما كان يحدث من 70 % من تشكيل معارضة برلمان 2005، هذه النسبة التى خرجت فى جماعة الإخوان المسلمين، وكانت معارضتهم معارضة غير منطقية، كانت معارضة فى إطار صراع سياسى يراه الإخوان فى جماعة دينية ممثلة فيهم ونظام سياسى يخدم مصالح الدولة. فالمعارضة التى كانت كبيرة عدديا، ولكن من حيث الكيف غير موجودة لأن هذا العدد الكبير يحمل فكرا واحدا ويسعى لتحقيق أهداف واحدة، تتم المحاربة عليها بكل الطرق فى إطار مبدأ السمع والطاعة، نجد من بين 88 نائبا 5 نواب هم نجوم معارضة تعارض من أجل المعارضة وتحاول بشتى الطرق إحراج النظام، وبطبيعة الحال كانت تعارض فى قوانين وقرارات وترفض اتجاهات تتفق مع مصلحة المواطن والدولة لأنها اعتادت على المعارضة دون أن تفكر، لأنها تأتى إلى البرلمان صباح كل يوم بخطة تم إملاؤها من مكتب الإرشاد وليس بمصالح يطلبها ويلح عليها أهالى الدائرة الذين جاءوا بهؤلاء النواب. ولكن مع تكرار هذه الصورة تم فضح هذه السيناريوهات، سيناريو آخر مساند لدولة إيران، فطالما تحدث نواب الإخوان الذين يمثلون المعارضة ظاهريا عن ضرورة عودة العلاقات المصرية مع طهران فى محاولة للضغط على النظام المصرى وإحراجه، ثم الحديث بأن العمل بدولة دينية ونظام ولاية الفقيه هو ما تحتاجه مصر، فضلا عن ذلك فالحقيقة تقتضى أن نذكر الأداء الفعال لهذه الكتلة، هذا الأداء قائم بالشكل الأول على الشو الإعلامى وحشد الفضائيات التى تعمل ضد مصر وليس ضد النظام المصرى، فضائيات تعمل ضد الدولة كانت ملاذهم حتى يتواجدوا فى الشارع كما ظنوا، ولكن أين كانوا من دورهم كمعارضين حقيقيين يحاربون لمشاكل أهالى دائرتهم أو يتواجدون بشكل فعال فى التشريع أو يراقبون الحكومة بقضايا حقيقية وليست مفبركة تم إعدادها من صحف خاصة، وهذا ليس دور النائب، فالنائب سواء كان معارضا أو من الأغلبية يمتلك أدوات أهمها الحصانة، الحصانة التى يستخدمها فى الحصول على مستندات ووقائع يراقب بها الحكومة ويحرجها ولا يستخدم هذه الحصانة ضد الشرطة فى حفظ الأمن العام، لا يستخدم حصانته كمعارض فى الإفراج عن معتقلى الجماعة. هذه كانت المعارضة بشكل كبير فى برلمان 2005، معارضة لإثارة الأعصاب وليست لإثارة القضايا الحقيقية، معارضة بفكر واحد وليست بأفكار متنوعة، وبالرغم من الرقم القياسى الذى حققه البرلمان الماضى فى أعداد المعارضين، ولكنه كان من أضعف المجالس التى جاءت بمعارضة تحرج الحكومة، المعارضة فى أى برلمان بالعالم هى الأقلية، وبالتالى ليست صاحبة أغلبية، ومهما كان عدد المعارضين فإن جدوى وجودهم ليس بالتصويت لأنهم مهما بلغ عددهم فوجودهم متعلق بالمشاركة والنقاش الفعال الذى يثير النقاط غير الواضحة، أو الكشف عن فساد حكومى مثلا، ولكن فى البرلمان الماضى تحولت الاستجوابات إلى وسيلة لتثبيت أقدام الحكومة والتسويق لإنجازاتها، بعد أن كان يشهد كل دور انعقاد قيام المعارضة بتقديم حوالى 200 استجواب غير قائمة على حقائق ومستندات. وفى النهاية ضاعت هيبة هذه الأداة القوية للاستهتار فى استخدامها بعد أن وجدنا فى فصول تشريعية سابقة قيمة الاستجواب لأنه كان حدثا، وعندما كان يطرح استجوابا كان حدثا يتابعه الجميع وتتخوف منه الحكومة. السوابق البرلمانية تتحدث عن معارضة شرسة قوية كانت تتحدث باسم الشعب وتهز الأرض من تحت أقدام الحكومة، كانت تعارض من أجل المصلحة العامة، والدليل ما حدث فى مجلس الشعب الذى تم انتخابه عام 1976، هذا البرلمان خير شاهد على أن المعارضة مهما قل عددها إلى 13 نائبا وليس 15 بجانب 50 من المستقلين فى مجلس 2010، تستطيع أن تكون أقوى من الأغلبية، ففى عام 1979 رفض 13 نائبا معارضا تحت القبة اتفاقية كامب ديفيد التى وقعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات مع إسرائيل وواجهوا تمرير هذه الاتفاقية باسم الشعب، واستطاعوا بالمعارضة التى قامت على المناقشات إقناع بعض رموز الأغلبية بخطورة الموافقة على الاتفاقية ووضعوا النظام وقتها فى مأزق عندما لم يستطع الحصول على الموافقة من مجلس الشعب ولم يكن أمام الرئيس السادات سوى حل المجلس، وبالرغم من مرارة هذه السابقة إلا أنها يصعب تحقيقها فى الوقت الحالى إذا استطاعت المعارضة القوية استمالة الأغلبية لوجهة نظرها لأن طريقة حل البرلمان اختلفت وسائلها ووضع لها ضوابط بعد التعديلات الدستورية الأخيرة. رموز عديدة من المعارضة كانت تأتى فى البرلمان بمفردها، ولكنها كانت فعليا بمئات النواب من الأغلبية ومازال التاريخ يذكرهم، نجد مثلا النائب المعارض الراحل ممتاز نصار الذى قدم فى أحد الفصول التشريعية استجوابا واحدا كان مثار حديث الرأى العام على مدى خمس سنوات وهو هضبة الأهرام، واهتزت أركان النظام واستجاب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فى حين أن أحد نواب المعارضة تباهى فى الفصل التشريعى الماضى بأنه قدم 127 استجوابا ولم يستجب له أحد لأنها كانت استجوابات لا ترقى لطلبات الإحاطة، ولا ننسى المعارضة أيضا عندما استطاعت أن تحرج رئيس الوزراء عاطف صدقى فى نهاية الثمانينيات عندما كان يترأس المجلس د. رفعت المحجوب، وهى فى الحقيقة واقعة طريفة عندما كشف نواب المعارضة وقتها تقاعس الحكومة، وكان صدقى فى مكتب رئيس البرلمان يحتسى الشاى تاركا حذاءه لتلميعه، وما أن هاجت المعارضة فنادى عليه المحجوب فى الإذاعة، فهرول «صدقى» إلى القاعة خوفا من المعارضة الحقيقية ناسيا أنه بدون حذاء ليتفاجأ وهو واقف فى وسط القاعة أنه «حافٍ»! وهذه السوابق تثبت أن المعارضة بالكيف وليست بالكم، والقول بأن البرلمان بدون معارضة هو حكم خاطئ فى ظل وجود بعض الصقور المعارضين الصاعدين إلى قبة البرلمان من الشارع، فنجد فى الوفد سفير نور ومحمد المالكى وعاطف الأشمونى وطارق سباق وحمادة منصور، وفى التجمع أمينة شفيق ورأفت سيف وعبد الحميد كمال، وفى الغد نائبا مخضرما وشرسا مثل رجب هلال حميدة. وفى إطار الحديث عن أن: هل البرلمان سيكون بلا معارضة؟ كان لابد من الحديث مع رموز المعارضة الحالية، ويقول اللواء سفير نور: قد يكون معارضا قويا يعتمد على الحقائق المدعمة بالمستندات ويعمل لصالح الوطن واستقراره ويحارب من أجل مصالح المواطنين، فالمعارضة بالكيف وليست بالكم، فكان معارض واحد فى أحد البرلمانات قبل الثورة وهو يوسف الجندى بمفرده تحت القبة يحقق كوابيس للحكومة، وهنا نجد أن هناك نائبا معارضا ب 100 نائب، وهناك 100 نائب ليسوا بقوة معارض واحد والدليل المعارضة فى البرلمان الماضى، ماذا حقق هؤلاء النواب ؟! ويقول الفقيه الدستورى وعضو مجلس الشورى شوقى السيد: إن الذين يتهمون البرلمان بأنه بلا معارضة، حتى يكون الاتهام موضوعيا لابد أن ننتظر الممارسات وعندئذ نقيم المعارضة، مطالبا بضرورة الوضع فى الاعتبار بأن المعارضة تكون من أحزاب المعارضة مؤكدا أن الحزب الوطنى سيفرز نواب معارضة أشرس من ممثلى الأحزاب، وهذا موجود فى مجلس الشورى، فهناك اصوات من الوطنى تنتقد بموضوعية وتتكتل مع المعارضة فى مواجهة الحكومة، مجلس الشعب به ممثلو 5 أحزاب معارضة، وهناك نواب مستقلون سيمثلون نافذة معارضة.