كتب لنا من روما : الاب رفيق جريش السادس عشر واتخذ شعار «مسيحيو الشرق .. شركة وشهادة». وقد لبى كل أساقفة الشرق الأوسط دعوة البابا بندكتوس خاصة أن عقد هذا اللقاء كان مطلبهم منذ زمن بعيد.. وقد شاركت أنا فى المجمع بصفتى خبيرا إعلاميا وكنت واحدا ضمن 15 خبيرا من ضمنهم خبير فى العلاقات مع الإسلام وخبير فى العلاقات مع اليهود. . اجتمع فى روما الأساقفة الكاثوليك من كل بلدان الشرق من تركيا إلى إيران مروراً بمصر ولبنان وفلسطين وسوريا والأردن والعراق ودول الخليج وغيرها من بلاد المنطقة، بالإضافة إلى عدد من أساقفة بلاد المهجر ورؤساء الدوائر الفاتيكانية المعنية بهذه المنطقة. شارك فى المجمع عدد من الكنائس الأرثوذكسية والجماعات الكنسية الإنجيلية وممثل عن اليهودية ومسلم شيعى هو آية الله سيد مصطفى أحمد أبادى أستاذ فى كلية القانون فى جامعة الشهيد بيهيشتى بإيران ومسلم سنى هو الدكتور محمد السماك المستشار السياسى لمفتى لبنان. واستمر المجمع 14 يوما شهد كل يوم 4 جلسات.. وعلى الرغم من طرح موضوعات شائكة فى كل من هذه الجلسات فإن أيا منها لم يشهد جدلا وذلك لأن من قواعد المجمع عدم التعقيب.. فلكل شخص الحق فى الحديث مدة لا تتجاوز ال5 دقائق حتى يتمكن كل الحضور وعددهم فاق ال400 من الحديث وللتمكن من عرض أكبر قدر ممكن من المشاكل والتحديات التى تواجه كنائسنا - الشعب المسيحى - فى الشرق والذى يفتخر أنه ينتمى إلى الأراضى التى مر فيها الأنبياء والتى كانت مهد رسالة يسوع المسيح ومنها انطلقت الكنيسة مبشرة العالم كله برسالته. وعلى الرغم من الحرص الشديد الذى التزم به الجميع فى احترام كل العقائد والاتجاهات فإن ما دار فى المجمع أثار ردود أفعال متباينة كان أبرزها تصريحات نائب وزير الخارجية الإسرائيلية (دانى أيالون) حينما أدان تصريحات أعضاء مجمع أساقفة الشرق الأوسط حول الانتهاكات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية قائلا: «إن السنودس رهينة أغلبية مناوئة لإسرائيل» ووصف السنودس بالبروباجاندا الموالية للعرب. وقد ذكرت صحيفة «أفينيرى» التابعة لمجلس أساقفة إيطاليا أن رد فعل نائب وزير الخارجية الإسرائيلية تضمن تهديدا ضمنيا باحتمال حصول تبعات سلبية على العلاقات بين الكرسى الرسولى وإسرائيل، ما يعنى بالتالى حسب الصحيفة إثارة الغبار وخلط المسألة اللاهوتية مع المسألة السياسية والإنقاص من دور الكنيسة الكاثوليكية.. واعتبرت الصحيفة التى يمكن أن نعتبرها معبرة عن الرأى الرسمى للفاتيكان أن المسئول الإسرائيلى أخطأ قراءة النداء الذى وجهه أساقفة الشرق وأكدت الصحيفة أن معظم الأساقفة الذين شاركوا فى أعمال السنودس عرب قريبون من المأساة متسائلة: كيف لا تتضمن آراؤهم استنكارا لوضع مشحون بالصعاب؟ وبالفعل الصراع العربى -الإسرائيلى أخذ حيزا كبيرا من جلساتنا ودعونا الأسرة الدولية أن تتكاتف من أجل حل هذا النزاع حلاً نهائياً على أساس دولتين لكل منهما استقلالها وأمنها. وعبر عدد من الأعضاء عن قلقهم تجاه الإجراءات أحادية الجانب من قبل إسرائيل والتى تهدد مدينة القدس وتوشك أن تخلّ بالتوازن السكانى فيها. وفى حقيقة الأمر فإن موقف الأساقفة لم يقتصر على التنديد بسياسة الاستيطان الإسرائيلية، بل شمل أيضا انتقادا صارخا للإسلام السياسى وغياب الحرية الدينية فى البلدان ذات الأغلبية المسلمة. الغريب أن تأتى ردود الأفعال الإسرائيلية بهذا العنف والتطرف بالرغم من تأكيد المجمع فى البند ال41 من الوثيقة النهائية التى أصدرها على أهمية تشجيع مبادرات التعاون والحوار مع اليهود بهدف تعزيز القيم الإنسانية والدينية وتحقيق العدالة والسلام.. كما دعا المجمع إلى قراءة العهد القديم (التوراة) للتعرف أكثر على عادات اليهود، مما يقود إلى فهم أعمق للديانة اليهودية، وأكد الحاضرون وعلى رأسهم البابا بندكتوس أنهم ضد معاداة السامية ومعاداة اليهودية فى ظل تفرقة بين الدين والسياسة.. كما ناشد آباء المجمع قيادات الديانة اليهودية أن تعمل من أجل الحوار مع أصحاب الشأن على القضاء على النزاع السياسى الذى مازال يعكر أجواء الحياة فى بلادنا . وبشكل عام أعاد قداسة البابا بندكتوس التأكيد على أهمية الحوار بين الأديان والثقافات وقال بالحرف: إن الحوار بين المسيحيين والمسلمين لا يمكن اعتباره رفاهية أو أمرا يحدث حسب الرغبة، لكن علينا أن نتعامل معه على أنه احتياج ملح وضرورى. وكان من أهم ما دعا إليه السنودس ونص عليه صراحة فى بيانه الختامى هو وجوب قيام القادة الدينيين المسيحيين بتشجيع الشعب المسيحى على الحج إلى الأراضى المقدسة... وكما اتفق جميع الحضور فى المجمع فالشرق هو مهد الوحى المسيحى. ومنذ فجر التاريخ خطى إبراهيم فى العراق وموسى فى مصر وسيناء والمسيح فى الأراضى المقدسة (مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل ولبنان). وكان بالطبع من أهم الموضوعات التى ناقشها المجمع بشكل أساسى هو «هجرة المسيحيين من الشرق».. والذى يبالغ البعض فى الحديث عنه فيتساءل: «هل سيصبح الشرق بلا مسيحيين؟.. وخلص المجمع إلى أن عدد المسيحيين يقل بالفعل فى دول الشرق الأوسط.. ربما لا يكون الحال هكذا فى مصر، لكنه فى المجمل يتناقص.. ومن هنا دعا المجمع إلى أهمية توطيد مشاعر الانتماء لدى مسيحيى الشرق لأن الانتماء للأرض التى ولد عليها الشخص عامل مهم فى تكوين هويته. ناشدنا من روما مجتمعاتنا الكنسية الوفية بألا تخضع لأى مغريات وتبيع أرضها.. وفى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة قرر المجمع إنشاء لجنة تكون مسئوليتها منح المسيحيين مساعدات لاستعادة امتلاك أراضيهم أو لشراء أراض جديدة ولمساعدتهم على عدم التفريط فى أراضيهم . وبالطبع كان العراق النموذج الأبرز، حيث ناقشنا مع كهنة العراق معاناة الشعب العراقى، وبالتالى معاناة كنيسة العراق وأبنائها المهجرين فى أنحاء العالم بسبب تناحر المجموعات المسلحة الخارجة عن الدين والقانون والتى تسببت فى تهجير أكثر من نصف مليون عراقى مسيحى خلال 10 سنوات.. وهى نسبة كبيرة من مسيحيى العراق. وكحل عملى للأزمة توصلنا إلى وجوب إنشاء لجنة تقوم بدراسة ظاهرة الهجرة والعوامل التى تقف وراءها لتخرج بطرق وحلول للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.. وأن تفعل جهودها لتدفع تواجد المسيحيين فى الشرق خاصة من خلال مشاريع التنمية التى تعمل على الحد من ظاهرة الهجرة. وحيّا آباء السنودس الحكومات والقادة السياسيين على الجهود التى يبذلونها كما وجّهوا إليهم نداءً بخصوص المساواة بين المواطنين.. فالمسيحيون مواطنون أهليون وأصليون يعيشون فى ولاء تام لأوطانهم ويؤدون واجباتهم الوطنية كاملة ، فمن الطبيعى أن يتمتعوا بكامل حقوق المواطنة ومنها حرية المعتقد وحرية العبادة وحرية التربية والتعليم واستخدام وسائل الإعلام والعمل على إحلال السلام العادل الدائم الذى سيوقف نزيف الهجرة.. وهنا فرقنا بين حرية العقيدة وحرية الممارسة الدينية فإن معظم دول الشرق تكفل حرية الممارسة الدينية من بناء كنائس وإقامة شعائر لكنها لا تكفل حرية العقيدة بمعنى أن اختيار اعتناق أى دين غير الدين الإسلامى فعل يعاقب عليه القانون. وقد نتج عن المجمع لجنة أخرى من الكهنة لدراسة وضع المؤمنين الكاثوليك فى منطقة الخليج حتى تقوم بطرح اقتراحات على الكرسى الرسولى لإيجاد الحلول الملائمة. وأكد السنودس على أهمية توسيع استخدام اللغة العربية. خبرة سنودس الشرق الأوسط أبرزت أهمية توسيع استخدام اللغة العربية التى شاركت فى تطور الفكر اللاهوتى والروحانى للكنيسة وبخاصة التراث المسيحى الثقافى فدعت إلى توسيع استخدامها فى معظم معاهد الفاتيكان وفى الاجتماعات الرسمية. بقى أن أقول.. ماذا بعد؟ خرجنا كلنا معبئين بعدد من المهام على المستوى الداخلى والخارجى ونصلى جميعا لكى لا تتفاقم الأصولية الدينية فى مصر وكل بلدان الشرق حتى لا يفقد الشرق كما قال ... جزءا من هويته إذا هجره المسيحيون.