حرب غزة.. هل وضعت خطة بايدن نتنياهو في ورطة؟    استشهاد 19 فلسطينيا فى غارات إسرائيلية على غزة    توافد طلاب الشعبة العلمية بأزهر أسيوط لأداء امتحان الجبر والهندسة.. فيديو    الأمم المتحدة تحيي اليوم العالمي للبيئة    التموين: هناك 4.3 طن ذهب دخلوا مصر خلال مبادرة زيرو جمارك    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش طرق التعاون المشترك مع الأجهزة التنفيذية    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 5-6-2024 في البنوك    ليلة ساخنة في تل أبيب.. الحرائق تلتهم الأخضر واليابس وصواريخ حزب الله تدك المستوطنات    تعرف على عقوبة أفشة في الأهلي.. وموقفه من العودة للتدريبات    «معدومي الضمير وضموا لاعبين مبيعرفوش يباصوا».. ميدو يهاجم مسؤولين سابقين في الإسماعيلي    افرحوا يا ستات.. سقوط أسعار الفراخ البيضاء اليوم 5 يونيو    "الناجح يرفع إيده" رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الأقصر    محافظ الدقهلية: توفير إيواء مؤقت ومساعدات للأسر المتضررة بانهيار عقار ميت غمر    شديد الحرارة نهاراً ومعتدل ليلاً.. حالة الطقس اليوم    جميلة عوض تتصدر الترند بعد عقد قرانها على أحمد حافظ (صور)    ما سبب صيام العشر الأوائل من ذي الحجة ؟.. الإفتاء: وصية الرسول    منها الحيض.. مركز الأزهر للفتوى يوضح جميع أحكام المرأة فى الحج    ما هو السن الشرعية للأضحية وهل يجوز التضحية بالتي لم تبلغ السن؟.. الإفتاء توضح    برلماني: سنظل في الوضع الاقتصادي السيئ مع استمرار قيادة مدبولي    المصري البورسعيدي يكشف موعد الإعلان عن الملعب الجديد في بورسعيد    تعادل إيطاليا مع تركيا في مباراة ودية استعدادًا ليورو 2024    عبدالله السعيد: انتقلت إلى الزمالك بالعاطفة.. وأريد الاعتزال بقميص الأبيض    النائبة مها عبد الناصر تطالب بمحاسبة وزراء الحكومة كل 3 أشهر    «هنلعبوا السنيورة».. أحمد فهمي يطرح بوستر فيلم «عصابة الماكس» استعدادًا لطرحه في عيد الأضحى    برلمانية: نحتاج من الحكومة برامج مٌعلنة ومٌحددة للنهوض بالصحة والتعليم    دونجا: جمهور الزمالك "بيفهم كورة".. ولا توجد أزمة مع حسام حسن    فجور عصابة العسكر ..الشارع المصري يغلى بسبب العيش والحكومة تستعد لرفع أسعار الكهرباء والبنزين    3 عقوبات أمريكية في انتظار «الجنائية الدولية».. فما هي؟    «الأهلي» يرد على عبدالله السعيد: لم نحزن على رحيلك    جورجيا تعتزم سن تشريع يمنع زواج المثليين    الإفتاء تحذر المصريين من ظاهرة خطيرة قبل عيد الأضحى: لا تفعلوا ذلك    إبراهيم عيسى: المواطن يشعر بأن الحكومة الجديدة ستكون توأم للمستقيلة    أحمد كريمة: من يعبث بثوابت الدين فهو مرتد    نبيل عماد يكشف حقيقة خلافه مع حسام حسن    وفد «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية يصل القاهرة لاستعراض الأوضاع الحالية في غزة    استغلالا لزيادة الطلب، ارتفاع أسعار سيارات شيري تيجو 7 المجمعة محليا والتطبيق اليوم    طريقة عمل البرجر، بخطوات سهلة ونتيجة مضمونة    البابا تواضروس: بعض الأقباط طلبوا الهجرة خارج البلاد أيام حكم مرسي    برلمان سلوفينيا يوافق على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة    «شديد السخونة».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف موعد انخفاض درجات الحرارة    محافظ المنوفية: تفعيل خدمة المنظومة الإلكترونية للتصالح بشما وسنتريس    البابا تواضروس: حادث كنيسة القديسين سبب أزمة في قلب الوطن    البابا تواضروس يكشف كواليس لقائه الأول مع الرئيس السيسي    سم ليس له ترياق.. "الصحة": هذه السمكة تسبب الوفاة في 6 ساعات    علماء الأزهر: صكوك الأضاحي لها قيمة كبيرة في تعظيم ثوابها والحفاظ على البيئة    البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج الثور    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج الحمل    مدرب منتخب تونس يشيد بمدافع الزمالك حمزة المثلوثى ويؤكد: انضمامه مستحق    البابا تواضروس: التجليس له طقس كبير ومرسي أرسل رئيس وزراءه ذرًا للرماد    البابا تواضروس يكشف تفاصيل الاعتداء على الكاتدرائية في عهد الإخوان    إعدام 3 طن سكر مخلوط بملح الطعام فى سوهاج    "تحريض على الفجور وتعاطي مخدرات".. القصة الكاملة لسقوط الراقصة "دوسه" بالجيزة    حمو بيكا يهدي زوجته سيارة بورش احتفالا بعيد ميلادها (فيديو)    وزارة الصحة: نصائح هامة يجب اتباعها أثناء أداء مناسك الحج    مع اقتراب عيد الأضحى.. 3 طرق فعالة لإزالة بقع الدم من الملابس    عيد الأضحى 2024 : 3 نصائح لتنظيف المنزل بسهولة    مؤسسة حياة كريمة توقع اتفاقية تعاون مع شركة «استرازينيكا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح عيسى : مصريون لا طوائف


صلاح عيسى يكتب:
يتسع مفهوم النخبة ليشمل أطيافا واسعة من القادة السياسيين والاقتصاديين والثقافيين والريفيين والتكنوقراطيين الذين يديرون المصالح والمرافق العامة، ويؤثرون في الرأي العام ويشكلون وعيه.. وهي نخبة تتنوع رؤاها للشأن العام تنوعا ربما يصل إلي حد التناقض التام طبقا لدرجة الوعي وطبيعة المصالح، وتتسع صفوفها لتضم شخصيات تبدأ بالدكتور أحمد زويل، والدكتور «أحمد الطيب» وتصل إلي محمد أفندي السنحقدار - مدرس اللغة العربية والخط بمدرسة بشلا الأولية - والحاج «حسنين أبو دقه» عمدة كفر أبوطاقية.
ولأن النخبة هي التي تشكل وعي الناس فمن المؤكد أن أقساما منها هي المسئولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن تأسيس الرؤية الطائفية، التي أدت إلي تتابع وتزايد حدة موجات التوتر الطائفي في نصر خلال الأعوام الأربعين الماضية، وهي مصر تضم أشتاتا من كل أطياف النخبة تجمع بين القسس والمشايخ، والساسة المعارضين وغير المعارضين، وبين الوعاظ المتجولين والفقهاء الذين يحتلون شاشات الفضائيات وبين الدجالين والمفكرين، وجدوا في الطائفية سوقا مفتوحة لتحقيق مكاسب سياسية أومالية مضمونة في الدنيا وتوهموا أنها ستضمن لهم دخول الجنة في الآخرة!
--
بين بداية العشرينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي كان الظن السائد أن الوطنية المصرية قد تبلورت بعد أن واجه المصريون المسلمون والمصريون الأقباط رصاص جنود الاحتلال البريطاني بصدورهم، وأنهت المعركة الوطنية ما كان بينهم من توترات بلغت ذروتها قبل الحرب العالمية الأولي وتخلقت نخبة ترفع شعار الدين لله والوطن للجميع، وتؤمن بالمقولات الديمقراطية الوطنية التقليدية من «الأمة مصدر السلطات» إلي «المساواة في الحقوق والواجبات من دون تمييز بسبب الدين»، وهكذا تبلورت الجماعة الوطنية المصرية، وتأسس المجتمع السياسي الذي ينقسم فيه المصريون إلي جماعات تختلف حول ماهو دنيوي وليس حول ماهو ديني، وتنقسم إلي أحزاب تدافع عن مصالح اجتماعية وتنظيم حول رؤي سياسية تتجه بوصلتها السياسية إلي اليمين أو اليسار أو الوسط، وليس إلي الكنيسة أو المسجد، وتفصل بين ماهو ديني وماهو سياسي، وتدع مالله.. لله.. وتختلف حول ما «بقيصر» وما للشعب!
ومع بداية الخمسينيات ولأسباب تتعلق بقيادتها ذات الأصول العسكرية اتبعت ثورة يوليو النمط الذي كان سائداً في ثورات التحرر الوطني في عصر الحرب الباردة فأنهت التعددية السياسية، وفرضت علي المجتمع نوعاً من الوحدة القسرية تصورت أنها الكفيلة بتعبئته لتحقيق هدفها في القفز علي فجوة النمو التي تفصل بينها وبين العالم المتقدم من دون أن تنتبه إلي أن مصادرة التنوع الطبيعي في المجتمعات هي ضد قوانين الطبيعة وقوانين المجتمع، وأنه سوف يؤدي بالضرورة إلي انصراف هذا التنوع إلي مسارب فرعية يعبر بها عن نفسه.
وذلك ما كان: حل القنوع الجهوي ثم الكروي محل القنوع السياسي، ليصل إلي ذروته بعودة الجماعة الوطنية إلي القنوع الديني، وبدلاً من أن تنقسم أفقياً إلي أحزاب سياسية تعبر عن تناقض في المصالح الدنيوية، أصبحت تنقسم رأسيا إلي مسلم وقبطي وأوشكنا أن نتحول من مصريين إلي طوائف!
--
كان ذلك هو المناخ الذي تخلقت فيه تلك الأقسام من النخب المصرية التي سعت لاستثمار المسألة الطائفية لتحقيق مكاسب سياسية مؤقتة ولاتخلو من الابتذال، كان من بينها محاولة جناح من إدارة الرئيس السادات التحالف مع الجماعات الإسلامية التي كانت قد بدأت تنشط علناً في بداية السبعينيات لتصفية المعارضة اليسارية التي تواجهها فأتاحت لها فرصة للتمدد والانتشار وذودتها بالسنج والمطاوي والجنازير،.. ولم تتنبه إلي أن تلك الجماعات تتبني مشروعاً يسعي للانقضاض علي الجميع إلا حين اتخذت هذه الجماعات من ممتلكات الأقباط وأشخاصهم هدفا لرصاص بنادقها، واتخذت من الرئيس السادات نفسه هدفاً لطلقات رشاشاتها!
وفيما تلي ذلك من سنوات وفي ظل سياسة الانفتاح الاقتصادي أصبح الاستثمار في الدين يدر علي المستثمرين فيه أموالاً تفوق الاستثمار في تجارة السلاح وتجارة المخدرات، ونشأت شركات توظيف الأموال لكي تنصب علي الناس باسم الربح الحلال وتسرق أموالهم، وتحقق من ورائها ربحاً حراما.. وتدفقت أموال النفط علي السوق المحلية، ومعها الكتب والمواعظ التي تبشر بالمذاهب الإسلامية المتشددة في موقفها ليس من أتباع الأديان الأخري فحسب بل من أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة معها.. وفتحت ثورة الاتصالات الباب واسعاً أمام نشأة نخبة من الدعاة الإسلاميين يروجون لهذه المذاهب ويربحون من وراء ذلك ملايين الدولارات.
--
كان من سوء الحظ أن سياسة الانفتاح الاقتصادي التي واكبها استثمار الدين لتحقيق مكاسب سياسية لم يواكبها علي الصعيد الرسمي انفتاح بالقدر نفسه في مجال السياسة يعيد بناء المجتمع السياسي المصري الذي تقوضت أركانه منذ بداية الخمسينيات، وفشلت صيغة التعددية الحزبية المقيدة التي بدأت عام 1976، في إعادة المصريين إلي حلبة التنوع الأفقي علي أساس الاختلاف في الأمور الدنيوية، بسبب ما تعرضت له من حصار، انتهي إلي عدم تداول السلطة مما أفقد الجميع الثقة في أنها يمكن أن تشارك في إدارة الدولة لتحقق برامجها.
في مواكبة هذه التطورات انسحب الأقباط كما انسحب المسلمون من المجتمع الذي لم يعد سياسياً، وتحصنوا بالكنيسة كما تحصن المسلمون بالمسجد لتتحول المؤسسة الدينية سواء كانت رسمية أو غير رسمية، إلي مؤسسة تعبر عن خليط يجمع بين الهوية الطائفية والسياسية، والمصالح الاجتماعية لأتباعها تدافع عما تعتبره حقوقها ضد ما تعتبره عدوانا عليها من أتباع الطوائف الأخرة! والأصل في الدولة المدنية هو الفصل بين ماهو ديني وماهو سياسي وهو ما يعني أن يقتصر دور المؤسسة الدينية علي تقديم الخدمة الروحية لأتباعها، وهي واحدة من ست مؤسسات ينبغي أن تلتزم الحياد التام تجاه الجدل الحزبي هي المسجد والكنيسة والقضاء والشرطة والجيش والإدارة الحكومية.
--
تحول الكنيسة والمسجد إلي مؤسسة حربية هو أحد أعراض تفكك المجتمع السياسي، ونجاح الهجمة التي قامت بها نخبة الفتنة لتنفيذ مخطط تحويل مصر إلي مجتمع طائفي، وهو مايهدد وحدتها الوطنية.. ووحدة ترابها الوطني بأفدح الأخطار، ويهدد بالتالي استقرار المنطقة.
وهو ما يفرض علينا أن نشترك في وضع استراتيجية كاملة تشمل كل ما يمكن اتخاذه من أساليب، لوأد الفتنة في مهدها، وإعادة بناء المجتمع المصري ليعود كما كان مجتمعاً سياسيا ينقسم فيه الناس أفقياً إلي أحزاب سياسية ولاينقسمون رأسيا إلي طوائف!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.