مثلما تقول العبارة الشهيرة «نفتح الشباك أم نغلقه» اليوم يتساءل الأمريكيون في حيرة نبني المسجد والمركز الثقافي الإسلامي في مانهاتن أم نرفضه ولم يلق معبد أو مركز ثقافي ديني أو عرقي في تاريخ أمريكا ما لقيه هذا المسجد من تضارب في الآراء واشتباكات فكرية واتهامات متبادلة بين الطرفين، ففي الولايات معابد لكل الأديان بلا استثناء حتي إنهم سمحوا عام 1912 ببناء معبد ضخم للبهائيين لم يكتمل إلا عام ,1953 حرية الإيمان وحرية التعبد مكفولة في الدستور الأمريكي بموجب المادة الرابعة عشرة ورغم ذلك مازالت الحملة ضد بناء هذا المسجد والمركز الثقافي في جزيرة مانهاتن بنيويورك مشتعلة، ومازالت الأقلام تدلي بدلوها في هذا الموضوع الخطير الذي يري البعض أنه يهدد الكيان الأمريكي ويهز جذوره هزا. وقد لفت انتباهي مقال للكاتب الكندي من أصل هندي «هارون صديقي» رئيس تحرير جريدة تورنتو ستار السابق وكاتب عمود بها حاليا و «هارون» كما يتضح من اسمه مسلم، ولكنه يحمل الجنسية الكندية ويعيش في كندا منذ السبعينيات وفي عام 1978 انضم إلي تورنتو ستار أوسع الجرائد الكندية انتشارا ليصبح محلل الشئون الخارجية في عام 1979 وظل يرتقي في العمل بها حتي أصبح كاتب الصفحة الرئيسية، قبل أن يحال إلي التقاعد وقد حصل «صديقي» علي العديد من الجوائز، وينظر له باحترام عميق في كندا وإلي جانب العديد من المناصب التي يحتلها فهو رئيس سابق لنادي القلم بكندا ورئيس نادي القلم الدولي للكتاب في المنفي ومن أهم كتبه التي لاقت تعليقات كثيرة كتابه « أن تكون مسلما» وقد لقيت كتابات «صديقي» نقدا شديدا من أولئك الذين لا يتحملون أي آراء مغايرة عن إسرائيل واتهم بالتعصب للمسلمين وبأنه صار «المتحدث الرسمي للجماعات المتطرفة» بل وأنه يبذل جهودا مضنية للدفاع عن بلدان العالم الثالث مهما تكن تصرفاتها المشينة وقد وصفه أحدهم بأنه «إسلامي يقيم في تورنتو ستار» ومن الآراء التي تسببت في هذا النقد «لهارون صديقي» دعوته إلي انسحاب القوات الكندية من أفغانستان، وقوله إبان أزمة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول أن حرية التعبير الصحفية ينبغي أن تخضع لمرسوم لجنة حقوق الإنسان بكندا التي تنص علي أن «حرية التعبير ليست مطلقة ويجب أن تكون متوازنة مع حقوق الدين والإيمان». وقد رأيت أن أترك مساحتي هذا الأسبوع لمقال هارون صديقي الذي يعبر بقوة عن موقف المفكرين المسلمين الذين يعيشون في الغرب ويتصدون لافتراءات بعض كتابه وسياسيه الذين زرعوا في بلادهم رأيا عاما معاديا للإسلام والمسلمين، وأغلبهم يفعل ذلك عن غير علم بالإسلام ودون أن يحاول فهمه. في مقال يحلل الضجة المثارة حول بناء المسجد في مانهاتن ويصفها بالهيستيريا التي لا أساس لها كتب الكاتب الكندي من أصل هندي «هارون صديقي»: أصحاب نظريات المؤامرة وخاصة في العالم الإسلامي، عللوا ماحدث يوم 11 سبتمبر بأنه من تدبير الإسرائيليين أو الأمريكيين أنفسهم وبعد مرور تسع سنوات علي الحادث أصبح الأمريكيين يرددون نفس النغمة نظرية المؤامرة. فوفقا «لاستطلاع بيو» يعتقد ثمانية عشر في المائة من الأمريكان أي 55 مليون أمريكي، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسلم ويستخدم العديد منهم اسمه الأوسط فقط: حسين بينما يدعوه راش ليمبو «الإمام أوباما». ويعلن نيوت جينجريتش ممثل الحزب الجمهوري في ولاية أوكلاهوما أن الشريعة الإسلامية تتسلل خلسة إلي أمريكا ويقول«إن الأمر بات من الخطورة أن هناك حربا مشتعلة من أجل بقاء أمريكا» وقد أطلق البعض علي السيدة إيلينا كاجان التي تم تعيينها مؤخرا قاضيا في المحكمة العليا لقب «القاضية الشرعية» لأنها كانت عميد كلية الحقوق بجامعة هارفارد التي تدرس الفقه الإسلامي. وهناك اثنان من أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس سو ميريك من كارولينا الشمالية وبول براون من جورجيا،يعتقدان أن الشباب المتدربين المسلمين في الكابيتون هيل هم جزء من خطة تسلل إسلامي سرية للسيطرة علي الولاياتالمتحدةالأمريكية!. ثم هناك العاصفة التي أثيرت حول مسجد جراوند زيرو. هذا الغضب العارم يعني أن الإسلام وحده المسئول عن هجمات 11/9 وقد انتقد عضو جمهوري في الكونغرس من ولاية تكساس، رون بول هذه الحملة الغاضبة فكتب يقول إن هذه الضجة جزء من عملية طويلة ومحكمة وحملة مدبرة من قبل أولئك «الذين يريدون حربا لاتنتهي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطي» و«الذين لا يفوتون فرصة لاستخدام الكراهية تجاه المسلمين لحشد التأييد للحروب الوقائية سيئة التدبير». ويقيس بول جينجريتش ، عضو الحزب الجمهوري البارز المركز الإسلامي المقترح ببناء معرض للنازية بجوار متحف المحرقة في العاصمة واشنطن ، أو تشييد نصب للمحارب الياباني في ميناء بيرل هاربور! هذا رغم أن المسجد المطلوب بناؤه بالقرب من موقع سقوط برجي مركز التجارة العالمي لن يشيده أسامة بن لادن، بل طلب التصريح به زوجان أمريكيان مسلمان، معروف نشاطهما الدؤوب للتقريب بين الأديان. ثم يذكر «صديقي» تعليق جون إسبوزيتو، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج تاون في العاصمة واشنطن علي ما قاله عضو الحزب الجمهوري «لا يمكن أن يكون جينجريتش بهذا الغباء» لقد صار التعصب ضد المسلمين مقبولا لدرجة أن «ساسة التيار السياسي السائد، من بينهم اثنان من الجمهوريين المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة (جينجريتش وسارة بالين) ومعلقون بوسائل الإعلام ومسيحيون وصهيونيون متشددون وعدد كبير من الأمريكيين يشعرون بأنهم يمكن أن يقولوا أي شيء عن الإسلام والمسلمين، وأن يفلتوا من العقاب». وأضاف «إنهم ببساطة ليسوا أعضاء في أحزاب الأقلية المعادية للمهاجرين كما هو الحال في أوروبا». رأي إسبوزيتو المنقول عن طريق البريد الإلكتروني يتناقض مع رأي «صديقي» الذي أعرب عنه في عمود سابق، وهو أن الأصوات المعادية للمسلمين في أمريكا هامشية واسبوزيتو ، مثقف كاثوليكي محترم يكتب بغزارة حول الإسلام المعاصر، وفي آخر كتبه، رقم 45 وعنوانه «مستقبل الإسلام» يتناول كل المواضيع المثيرة للجدل من الإسلاميين المتطرفين إلي الرهاب من الإسلام في الغرب . إن العاصفة التي واجهها الشروع في بناء المركز الإسلامي في مانهاتن تعكس عمق شعور الأمريكان بالضيق بدليل أن عددا قليلا من الأسر التي فقدت أقاربها في الحادي عشر من سبتمبر لا تعارض المشروع، والمعارضة في نيويورك أقل منها في مختلف أنحاء الولاياتالمتحدة. إن العديد من الدراسات تظهر أن نسبة كبيرة من الأمريكيين يعترفون بتحيزهم ضد المسلمين، ويوافقون علي التنميط العنصري لهم وإجبارهم علي حمل بطاقات هوية، ويرون أن المسلمين لا ينبغي أن يسمح لهم بخوض انتخابات الرئاسة أو الكونجرس أو أن يعينوا في المحكمة العليا وغير ذلك من إجراءات كانت تطبق علي اليهود في أوروبا العصور الوسطي. ويقول «صديقي»: يحدث كل هذا علي الرغم من أن المسلمين الأمريكيين مندمجون تماما في المجتمع الأمريكي، وأنهم أكثر ثقافة وأوفر عددا في قوة العمل الأمريكية، والمرأة المسلمة، حسب تقرير دخل الأسرة الشهري، أكثر تساويا إلي الرجل، مقارنة مع النساء والرجال في الجماعات الدينية الأخري. ويقول إسبوزيتو: إن الخوف من الإسلام قد أصبح بسرعة مثل معاداة السامية - متجذرا في العداء وعدم التسامح تجاه المعتقدات الدينية والثقافية والمجموعة الدينية أو العرقية الأخري. إن سرطان الخوف الاجتماعي من الإسلام يجب أن ينظر إليه كظاهرة غير مقبولة مثل معاداة السامية. لقد ساءه أن يري «رابطة مكافحة التشهير» الموقرة المكرسة لمكافحة التشهير والتحامل، قررت معارضة بناء مسجد وسط مانهاتن ليس لأن المسلمين ليس لديهم الحق في بنائه، وإنما حماية لمشاعر المعارضين! هل هذا هو المعيار الذي تستخدمه الرابطة أو ستجمع له التبرعات في نضالها ضد معاداة السامية؟ إن موقف هذه الرابطة المتناقض مع أهدافها المعلنة جعل فريد زكريا الكاتب ومقدم برنامج بال«سي إن إن» يعيد لها الجائزة التي منحتها له، معلنا أن موقفها يتعارض مع هدفها المعلن المتمثل في مكافحة التمييز والتعصب. وقال إسبوزيتو إن هذه الضجة التي يتردد صداها في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة تضر البلاد بطرق عدة: فهي تغذي نظرية بن لادن التي تزعم أن أمريكا في حالة حرب مع الإسلام، ويساعد تنظيم القاعدة وغيره علي تجنيد المزيد من المتشددين، كما أنها تهز مكانة أمريكا ذاتها. «ما هو علي المحك اليوم هو جوهر من وماذا نكون كدولة ومجتمع، وما هو أساس هويتنا، والمبادئ والقيم الواردة في دستورنا»؟ هذه هي الاتجاهات السائدة اليوم التي صدرت «الإسلاموفوبيا» من أوروبا إلي الولاياتالمتحدة نقلتها عن مقال كاتب كندي مسلم له وزنه، فكيف سنواجهها؟ وهل أعدت جامعة الدول العربية خطة للتصدي؟ وما موقف اتحاد الكتاب العرب ووزارات الثقافة العربية والإعلام والفضائيات الغارقة في فتاوي العصور المظلمة؟ إن كنيسة «دوف وورلد أوتريتش» في جاينسفيل بولاية فلوريدا لم تتراجع عن تهديدها الأخرق بحرق القرآن الكريم إلا بعد تحذير الجنرال بترايوس قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الذي صدر خوفا علي سلامة الجنود الأمريكيين في أفغانستان، وخشية أن تؤدي تلك الخطوة الرعناء إلي تصاعد العنف ضد وحداته خاصة بعد المظاهرات الغاضبة التي اجتاحت كابول. وحسنا فعل مسلمو أمريكا الذين قرروا عدم إقامة أي احتفالات بعيد الفطر هذا العام عدا إقامة صلاة العيد، الذي يتوافق حلوله مع ذكري هجمات سبتمبر، فمتي نتحرك نحن في الاتجاه الصحيح؟ اقرأ ملف "كيف يفكر العالم" روزا 2