ديكتاتورية ووكر للإرهاب ومستودع لتهريب المخدرات واللاجئين ومقر للأزمات والكوارث والفساد والتوترات السياسية والأمنية، هذه هي صورة مصر في الصحافة والإعلام الإسرائيلي، الذي لا يترك كبيرة أو صغيرة في مصر إلا ويرصدها ويعلق عليها، في ظاهرة من الضروري ألا تمر هكذا بدون الوقوف أمامها ودراسة أبعادها بشكل دقيق، خاصة أن هناك أطرافا مصرية متورطة فيها بالفهلوة، فمن الملاحظ أن هناك نوعيات من الأخبار التي تنشرها الصحف الخاصة والمعارضة التي تستهوي الصحف الإسرائيلية فتترجمها وتعلق عليها، وبعدها بأيام تترجم نفس هذه الأخبار من العبرية إلي المصرية بعد التطورات التي أدخلت عليها وكأنها أخبار جديدة لزوم الإثارة، وهذا نموذج من التجاوب الصحفي بين هذه الصحف المصرية والإسرائيلية في غير صالح مصر، وبالطبع «الدستور» و«المصري اليوم» أبلغ أمثلة علي ذلك! الكل يلاحظ أنه خلال السنوات الأخيرة حدثت تطورات متسارعة جدًا في مجال الترجمة من العبرية للعربية والعكس، بعدما كان الأمر يتوقف علي أخبار محددة وغالبًا سياسية أو دينية ورياضية وفنية واجتماعية، لكن بشرط أن تكون ذات بعد، والحديث هناك علي الصحف المصرية والإسرائيلية، أصبح الأمر في غاية الاختلاف الآن، ففي الساحة الصحفية المصرية اتسعت رقعة الاهتمامات بالترجمة من العبرية، فهناك مواقع ترصد أخبارا وتترجمها يوميًا من أغلب الجرائد الإسرائيلية، بالإضافة لترجمة التقارير والمقالات الإسرائيلية في الصحف المصرية، لكن الاتساع الإسرائيلي مختلف تماماً، حيث يرصد من الأتفه إلي الأخطر مادام مصريًا، وفي كل المواقع والجرائد بشكل مثير للتساؤل. وهناك عدد كبير من الصحفيين الإسرائيليين من كل التيارات السياسية والدينية المجيدين للغة العربية الذين يترجمون الأخبار المصرية بخلاف الأخبار الواردة من وكالات الأنباء، وبالتالي أصبح من التقليدي أن تقرأ رأيا إسرائيليا كل عدة ساعات في القضايا المصرية وبالصور، وأحياناً تكون أفضل من الصور المنشورة في الصحف المصرية، وغالباً ما يترجم لو كان فيه إحراج وتشويه لمصر، وإن حدث وتراجع صاحب الرأي الإسرائيلي عن موقفه ضد مصر يتم تجاهل هذا الأمر تماماً من الصحف المعارضة والخاصة، في شكل غير مهني بالمرة. تراجع الاهتمام بالترجمات العبرية في الصحف القومية باستثناء «روزاليوسف» التي لديها من مترجمي اللغة العبرية ثلاثة ترصد من خلالهم التقارير الإخبارية والتغطيات واللقطات الغريبة والمقالات الحاملة لآراء من المهم أن يطلع عليها القارئ المصري، بأمانة لأن أساس الترجمة هي الأمانة لا الإثارة. وبعيداً عن أي إيماءات سياسية حول الاختلاف النوعي بين السياسة التحريرية ل «روزاليوسف» والصحف الخاصة والمعارضة، فإن هناك جامعا من المفروض ألا يفرقنا كما يحدث وهو المهنية، وفي واحد من أكثر الأمثلة خطورة كانت شائعة شراء مصر للغاز الطبيعي التي تصدره لإسرائيل مرة أخري ولكن بسبعة أضعاف السعر في صفقة وصلت إلي 14 مليار دولار لسد العجز الذي حدث في محطات توليد الكهرباء وتسبب في تفاقم أزمة انقطاعات الكهرباء.. هذه الأقاويل هي مفاد الخبر الذي ترجمته وتناقلته الجرائد والمواقع الإسرائيلية مساء الأربعاء الماضي من جريدة «الشعب» الإلكترونية المصرية المعارضة.. الأمر الأكثر غرابة هو أن الجرائد والمواقع المصرية عندما تناقلتها لم تذكر بالمرة أن الخبر قد ترجم من صحيفة مصرية، بل ترجموه علي أنه من مصدر إسرائيلي ووصفوه بالفضيحة وطالبوا الحكومة بالرد عليه وألا يكون هذا تخاذلا وخزيا، قبل أن تتسع بؤرة الاهتمام المصري بالبعد الجديد للخبر مع فروق التوقيت بين القاهرة وتل أبيب كانت قد نشرت بعض الصحف بيانا من شركة «مير حافا» الإسرائيلية الشريك الإسرائيلي في شركة «EMG» المنفذة لعقد تصدير الغاز المصري لإسرائيل ينفي ما رددته الصحف المصرية المعارضة والخاصة ووصفتها بالفبركة المحيرة، وأكد عدم إمكانية إعادة البيع لمصر مرة أخري ووصفت قيادات في هيئة الطاقة الإسرائيلية الخبر بأنه كاذب. وبالطبع لم يترجم هذا النفي الإسرائيلي واكتفت الصحف المصرية التي فردت مساحات للفبركة ووصفتها بالفضيحة التي أثارت الرأي العام المصري، بنشر النفي المصري في مساحة صغيرة صفحات داخلية، والغريب أن هذا الأمر رصدته الجرائد الإسرائيلية وعلقت عليه وكأنهم يقرأون الطبعات المطبوعة لا الإلكترونية، خاصة أنه ليس كل الصحف المصرية موجودة علي النت بنظام «BDF» لعرض الصفحات المطبوعة، وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنه حتي مع بداية استخراج الغاز الإسرائيلي بكميات كبيرة في 2012 كما هو متوقع لن نبيعه لمصر، وبالطبع كل هذا لم يترجم لأنه ليس في صالح السياسية التحريرية لمثل هذه الصحف الخاصة والمعارضة التي تحقق هدف إسرائيل دون أن تدري، كما هو الحال في الموقف الذي نحن بصدده. وهذا بالطبع ليس الموقف الذي تريده الصحف الإسرائيلية صحفا مصرية تدري أو لا تدري لأن الأهم النتيجة، وكان أحدث موقف قبل أزمة الغاز، الأنباء المتضاربة التي ترددت حول الصواريخ التي أطلقت علي إيلات والعقبة مؤخرا، وتبنت بعض الصحف الأنباء الإسرائيلية حول إطلاقها من سيناء بتورط حماسي فيها، قبل أن تعلن مصادر مصرية ذلك، والتشفي في أزمة القمح. وبالتالي، فإن التجربة أثبتت أن مثل هذه الترجمات والانسياق وراء تقارير استخباراتية محبوكة بعناية يعرض الأمن القومي المصري للخطر، ويجعل من هذه الجرائد والمواقع المصرية أبواقا للإسرائيليين لكن بالعربي لا بالعبري، أي أنهم يخدمونهم بهذه الترجمات ولا يخدمون المصريين كما هو مفروض! وحتي هذا التخبط في الترجمات المصرية للتقارير العبرية مرصود في الصحف الإسرائيلية، ويري محللون إسرائيليون أنها محاولات للوقيعة بين القاهرة وتل أبيب حتي يتطور الأمر إلي حرب أو علي الأقل توتر وأزمة، وهذه طبعا تفسيرات مدفوعة من جهات إسرائيلية معينة، تريد أن توصلها لجهات مصرية، أحيانا تكون مكشوفة ولا تخيل علي طفل صغير كما يقال، وأحيانا تكون تفسيرات وتأويلات محبوكة جدا!! ومراصد الشئون المصرية في الصحافة الإسرائيلية أصبحت سمة من سمات صحف تل أبيب، وهي تتتبع أخبار الحوادث وحتي الفن والرياضة والاقتصاد وبالطبع السياسة الداخلية التي تصور مصر علي أنها دولة قلاقل، فصفقة مثل شراء السيد البدوي لصحيفة الدستور، ما هي مصلحة القارئ الإسرائيلي في معرفة تفاصيلها حتي يترجم هذا الخبر في بعض الصحف الإسرائيلية وما فائدة الضجة التي أثارت مواقع رياضية إسرائيلية ضد اللاعب المصري المحترف «أحمد المحمدي» في صفوف سندرلاند الإنجليزي لضبطه وهو يشرب في نهار رمضان! وأكيد إن كانت الصحف الإسرائيلية ترصد مثل هذه الأخبار وردود فعل المسلسلات الرمضانية علي المشاهد المصري، فطبيعي أن تتابع باهتمام تطورات قضية سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» منذ البداية وحتي الآن من خلال وكالات الأنباء والصحف المصرية الخاصة والمعارضة، وبالذات لأنها غيبت الصحف القومية إلا إذا رصدت اتجاهاً معيناً في مقال ما، أو تغطية معينة أو أنباء رسمية، وترصد أيضا تصريحات وزير الإنتاج الحربي المصري «د.سيد مشعل» حول أن التسليح الإيراني لا يضر إسرائيل فقط بل الدول العربية أيضا، بالإضافة إلي انتشار بوسترات حملات دعم «جمال مبارك» في الشارع المصري والجدل السياسي المثار حولها، مع طرح تساؤل هل حملات تعيين جمال مبارك كوريث لأبيه بدأت؟! وبالطبع هذه النوعية الأكثر طلبا للترجمة في الصحف الخاصة والمعارضة المصرية تحت عنوان «اهتمام إسرائيلي بحملات دعم جمال مبارك للتوريث» رغم أنها تقارير مترجمة وصور من وكالات الأنباء لكنهم يصورونها علي أنها تقارير إسرائيلية والفارق واضح بالطبع. فيما انقلبت كل المواقع والصحف الإسرائيلية مع إعلان الرئيس مبارك اختيار الضبعة كموقع لأول محطة نووية مصرية، ونزلت أنباء الأزمة السياسية الدعائية في تل أبيب التي تبلورها محاولات إطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلي أسفل، وصعدت هذه الأنباء وصورة الرئيس مبارك إلي فوق، خاصة أنه قبلها بأيام كانت بعض الصحف الإسرائيلية قد نشرت تقريراً يشكك في قدرة مصر في استئناف برنامجها النووي وضعف كوادرها النوويين، ووجد إقبالا من الصحف المعارضة والخاصة لترجمته! ولم ينس «روعي نحمياس» الكاتب الإسرائيلي المهتم بالشئون المصرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن يسجل إسقاطا، وهو أن هذا جاء متزامنا مع احتفال المعارضة المصرية بأزمة انقطاعات الكهرباء في مصر، والتي وصفها بأزمة الطاقة التي قطعت الكهرباء في أيام الحر الشديد في شهر الصوم، مشيرا إلي أن هذا الهجوم وصل إلي الفيس بوك وأنصار البرادعي طالبوا المواطنين بألا يسددوا فواتير الكهرباء، فيما اهتم بالطبع بالتأكيد المصري علي أن هذه القدرة النووية الجديدة لن تستغل عسكريا. ومن غير المتوقع أن تتوقف هذه الظاهرة الإسرائيلية التي تعكس مدي تعاظم المكانة المصرية في الصورة الذهنية الإسرائيلية التي تراقب كل صغيرة وكبيرة مصرية من تطورات قضية هشام طلعت مصطفي وحتي أزمة اللاجئين والجاسوس الإسرائيلي الذي يطلبه الإسرائيليون كلما زاروا مصر، وحتي قضية النقاب التي شغلت الدوائر الرسمية والصحفية لفترة في القاهرة، وأزمة بيع أراضي الدولة، لكنهم بصورة مثيرة لا يتابعون تطورات الانتخابات البرلمانية أكثر من متابعة جدل الانتخابات الرئاسية، والمطلوب من الجرائد المصرية التيقظ للمصلحة المصرية مهما كانت الاتجاهات السياسية مختلفة، حتي لا تخدم الأجندة الإسرائيلية.