ليست عندي مشكلة، في الاعتراف بأنواع من «الأحقاد»، مقيمة داخلي.. بل إنني أعتبر أن الاعتراف أو تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية لهو قيمة نبيلة، ونادرة.. وغيابها سبب رئيسي في تأخر مجتمعاتنا.. وترسيخ غطرستها المزيفة. وكلما اعترفنا بالأخطاء.. أو الرذائل أو الأحقاد، أو الغيرة، أو الرغبة في الانتقام كلما كان الشفاء منها أسهل.. وتكون نتيجته، هي الارتقاء بنفوسنا، والصعود درجة صعبة علي سلم الصفاء الروحي، والسلام الداخلي مع النفس. لذلك أعترف ببساطة وتلقائية، أنني امرأة، «حاقدة»، علي أشياء كثيرة. أحقد علي «البحر»، لسحر تحولاته، وتجدده، وتقلباته.. أحقد علي «الكروان» لغنائه الممتزج بأشجانه.. أحقد علي «الفراشات» والورود، لعمرها القصير.. أحقد علي «المطر» لقدرته علي غسيل المدينة، والإطاحة بالتراب.. أحقد علي «القلم»، لإيمانه الثابت الذي لا يتزعزع، بقدرتي علي تجاوز الألم والعبث، بنسج الكلمات، وغزل القصائد.. أحقد علي «الحياة»، لأنها ماضية علي دربها، دون أدني مبالاة بأحد.. لا يرمش لها جفن، حين تجمدنا الكوارث، وتشلنا الصدمات.. وأحقد علي «الإنسان»، الذي لا تهزمه الحياة، ولا تهده المآسي. «والشمس»، كم أنا حاقدة عليها.. هي في منتهي السخاء.. تمنح نفسها، دون قيد.. دون شرط، للأخيار، والأشرار، علي حد سواء. والفيروس، يستفز حقدي، لأنه علي قدر ضآلته، يفتك بنا، دون رحمة.. دون ندم وأحقد علي كل إنسان، يستطيع أن ينام، دون أقراص، تأمر النوم بالحضور. وأنا امرأة حاقدة، علي الدول التي تقدمت، جنس من البشر، تفرسني إنجازاته.. وتقدمه.. واكتشافاته.. وحرياته.. ودساتيره.. وقوانينه.. ودقة وقته، وانضباط نظامه.. وسن تشريعات صارمة، للحفاظ علي الهدوء.. واجتهاداته الدءوبة، لتقديم سعادات جديدة، لشعوبه. وهل لأحد، أن يلومني علي هذا الحقد..؟! ونحن «العرب»، نستهلك، ما تنتجه الدول المتقدمة، من الإبرة حتي الصاروخ، وبعد ذلك يتبجح البعض، ويشتمهم.. ويتهمهم بالانحلال الأخلاقي، والكفر.. والانحراف.. والإباحية، وكل الرذائل. هل لأحد أن يلومني حين يزداد حقدي علي الدول المتقدمة، بعد أن قرأت هذا الخبر: «أقيم في ولاية فلوريدا الأمريكية منتجع فاخر، اسمه «والت ديزني وورلد»، به أحدث الوسائل التكنولوجية للراحة، والتسلية والاسترخاء، والاستمتاع ومخصص للكلاب والقطط». هل نتصور مثل هذا المنتجع الفخم الذي يستهدف تقديم المتعة للكلاب والقط.. بينما نحن هنا لا قيمة للإنسان.. ولا أهمية لوجوده؟ إن الكلاب والقطط والحيوانات في تلك المجتمعات التي نستهلك أشياءها، ثم نشتمها لهي كائنات تكاد تكون مقدسة.. لها جمعيات ومنظمات خاصة لمتابعة عدم انتهاك حقوقها.. وهناك مواثيق عديدة لحقوق الحيوانات، يتم الالتزام بها حرفيا.. ومن يؤذي كلباً أو قطة يسجن، أو يدفع غرامة عالية، وعليه الاستعانة بمحامي للدفاع عنه قانوناً في ساحات المحاكم. والكلاب والقطط، في تلك المجتمعات التي نستهلك منتجاتها، ونشتمها.. تقيم في دور رعاية للحيوانات، حيث تجد الاهتمام بتغذيتها ونظافتها، وعلاجها والعطف عليها، مثل دار المسنين. أو دار اليتامي. وإذا رغب أحد في اقتناء كلب، أو قطة في بيته.. فإنه يخضع لاختبارات، مكثفة.. وعليه أن يوقع عقوداً، تفيد التزامه، بالاهتمام بالكلب، أو القطة، وتقديم الرعاية من كل النواحي.. وإلا تعرض لعقوبات مشددة، وجزاءات لا فرار منها. وإذا انتقلنا إلي مجتمعاتنا، التي تشهر راية العروبة.. وراية الإسلام، نجد أن «الإنسان»، في وضع لا يحسد عليه. في مجتمعات العروبة الإسلامية، «الإنسان».. رخص التراب.. والنساء أرخص من التراب، ومصطلح «حقوق الإنسان» مجرد حبر علي ورق.. وزخرفة إعلامية.. واستعراضات حنجورية.. وخطب عصماء. لكن الحقيقة التي لا يتحملها أحد، ولا أحد يريد سماعها، هي أن «حقوق الإنسان»، مهدرة منتهكة.. مداسة يومياً بالأحذية.. وبلدوزر الكلام المعسول للمسئولين. هنيئا للكلاب والقطط، في ولاية فلوريدا الأمريكية، ولا عزاء لنا، نحن البشر المقدر علينا مجتمعاتنا العربية الإسلامية. بديهي بعد قراءتي لذلك الخبر أن تزداد قائمة أحقادي وتشمل الكلاب، والقطط في منتجع، «والت ديزني وورلد»، في ولاية فلوريدا في الولاياتالمتحدة.؟ ؟ من بستان قصائدي : أمطار العدل إلي متي ستظل تائهة عن سمائنا؟ والكون تري متي يرانا ويبالي بنا؟