جزء من السيرة الذاتية مصر التي في خاطري أساطير التليفزيون العربي من القاهرة! تحفظ ذاكرتي عن عام 1965 أن السفير المصري في لبنان اللواء عبدالحميد غالب استدعي عددا من قادة عشائر ووجهاء منطقة بعلبك - الهرمل في البقاع وأطلعهم علي الظروف السياسية الصعبة التي تمر بها الجمهورية العربية المتحدة مستثيرا نخوتهم العربية لعدم المشاركة في بث السموم إلي مصر في هذه المرحلة وخاصة أن مصر محاصرة اقتصاديا من الغرب وأمريكا تحديداً والسموم التي يقصدها اللواء غالب هي الحشيش الذي كان يصنع في هذه المنطقة من نبتة القنب الهندي وهو مصدر الرزق الأساسي لأهاليها في ظل انعدام الخدمات وفرص العمل للأهالي وكان جزء كبير منه يتم تهريبه إلي مصر عبر منافذ مختلفة. طلب غالب من قادة العشائر ووجهائها أن يتوقفوا عن زراعة القنب الهندي وعن صناعة الحشيش حتي لايساهموا مع إسرائيل والغرب في الإساءة إلي مصر وناسها واقتصادها والسلوك الاجتماعي المعتمد علي العمل ولا شيء غيره. عرض اللواء غالب علي العشائر دعم زراعات بديلة في منطقتهم وأهمها زراعة دوار الشمس وأبدي استعداد مصر لشراء مواسم هذه الزراعة التي تنتج ثلاثة خصائص يمكن الإفادة منها في الحصول علي موارد مالية. الخاصية الأولي: هي بذرة دوار الشمس التي يمكن بيعها كاللب تسالي مع توكيد فائدتها في التخفيف من الكوليسترول. الخاصية الثانية: هي الزيت المميز المستخرج من دوار الشمس وهو زيت نباتي يمكن تصنيعه وبيعه في الأسواق. الخاصية الثالثة: هي أن زراعة دوار الشمس بين نباتات وأشجار مثمرة يمكن أن يشكل حماية لهذه النباتات والأشجار بامتصاص الحشرات الطائرة حولها. التزم قادة ووجهاء العشائر أمام غالب بالتوقف عن زراعة القنب الهندي وغابت هذه النبتة عن سهول المنطقة أعوام 65 66 67 حصلت النكسة في ذلك العام.. ونزلت جماهير لبنان لمصر وعدد من البلاد العربية تطالب عبدالناصر بالتراجع عن استقالته.. وكنت تري قادة العشائر في مقدمة المظاهرات بملابسهم المميزة. - عبدالحميد غالب كان هذا السفير المصري في لبنان أهم السفراء العرب والأجانب مرورا علي لبنان في تاريخه الحديث وكان خصوم جمال عبدالناصر في لبنان يسمونه المندوب السامي المصري في لبنان لكن أحدا لم يتمتع بشعبية كاسحة في هذا البلد بعد جمال عبدالناصر أكثر من عبدالحميد غالب. كانت مفكرته اليومية مليئة منذ الصباح الباكر حتي آخر الليل بمواعيد مع سياسيين وحزبيين وقادة شعبيين وسفراء ومثقفين. بل كان حلم كثيرين أن يحظوا بلقاء مع اللواء غالب وهو كان صاحب كاريزما مميزة في الشكل وفي الحديث وفي الجوهر والأهم أنه كان سفيرا لجمال عبدالناصر معبود ومعشوق اللبنانيين (أو قسم كبير منهم). كانت كلمة من غالب تجعل هذا نائبا أو وزيرا أو مديرا عاما أو سفيرا أو منفيا وكان معظم سياسيي البلد يطمحون أن يفتح لهم اللواء غالب الباب نحو مصر ليقابل جمال عبدالناصر ويحتفظ في اللقاء بصورة مع المارد الأسمر فينجح في استثمار الصورة في لبنان بطبعها بعشرات الآلاف ووضعها علي الحيطان لتعلنه مرشحا عن انتخابات نيابية في لبنان. كان كثيرون يعتقدون أن عبدالحميد غالب يملك أموال قارون لكثرة حضوره في كل أنحاء الوطن ومظاهرات الحب التي كانت تستقبله وتقابله في كل مكان يحل فيه وفي الطغيان الإعلامي الناصري في الصحف والمجلات اللبنانية مقابل طغيان المال الخليجي الذي كان يسير صحفا ومجلات أخري. كانت "الأنوار" صحيفة جمال عبدالناصر اليومية ورئيس تحريرها سعيد فريحة رشح نفسه عن مقعد نيابي في دائرة بيروت الثالثة عن مقعد روم أرثوذكسي تحت رايات جمال عبدالناصر، وكانت "الحوادث" المجلة الناصرية الأولي في لبنان وقد أسماها صاحبها سليم اللوزي باسم الحوادث تيمنا بتسمية انتفاضة 1958 ضد حكم كميل شمعون باسم الحوادث. وكانت مجلة كل شيء وجريدة الشعب وصحيفة صوت العروبة والسياسة وبيروت والمساء واليوم ومجلتي المجالس المصورة.. ثم جريدة المحرر بعد ذلك كلها صحف ومجلات ناصرية يقابلها صحف الحياة والنهار والجريدة والجمهورية والشمس ولسان الحال... وغيرها صحف تتلقي الدعم من الملحق العسكري السعودي ثم السفير علي الشاعر. بدا لفترة أن الصراع في لبنان تجسد بين السفيرين عبدالحميد غالب وعلي الشاعر ممثلين لمصر عبدالناصر والمملكة السعودية الملك سعود ثم الملك فيصل. خرج عبدالحميد غالب من لبنان عام 1967 وبعد النكسة واسمحوا لي هنا أن أروي روايتين شخصيتين عن هذا الإنسان السفير ممثل جمال عبدالناصر.. ولم أكن لأقابل أحدا منهما بحكم أنني كنت مازلت طالبا حين كان كل منهما نجما شهبا مر في حياة مصر ولبنان والعرب ثم خبا. - نديم دمشقية يروي عن عبدالحميد غالب في غمرة السلوك القميء والفاسد والمفسد الذي مارسه كل من غازي كنعان ورستم غزالي في لبنان أثناء فترة الوصاية السورية علي بلدنا التي استمرت 30 سنة سألت الدكتور نديم دمشقية عن عبدالحميد غالب الذي كان خصومه يصفونه بالمندوب المصري السامي. قال لي دمشقية الذي كان سفيرا للبنان في مصر عندما قامت الثورة وكان جمال عبدالناصر تعرف عليه وبات من أصدقائه حتي أنه كما يروي دمشقية (رحمه الله) كان يطلب منه أن يحضر له الملوخية اللبنانية كي يتناولها في منزله. إنه (دمشقية) كان سبب التعجيل بنقل عبدالحميد غالب من لبنان إثر نكسة 1967 متحدثا عن تجاوزات حصلت في سياسة غالب في لبنان وأن جمال عبدالناصر قد استجاب له علما بأن جمال كان بصدد مراجعة شاملة لسياسته العربية السابقة علي النكسة بعدها بحكم الظروف العربية التي دفعته لرفع شعار وحدة الصف قبل وحدة الهدف ردا علي الشعار السابق علي النكسة وحدة الهدف قبل وحدة الصف. ويتابع دمشقية أنه شعر بالندم الشديد بسبب دوره في نقل عبدالحميد غالب من لبنان... لماذا قال دمشقية: أن غالب عندما كان سفيرا في لبنان كان يتقاضي راتبه بالدولار وكان هذا الراتب يكفيه كي يدرس أبناؤه في إحدي الجامعات الأمريكية في الخارج، أما بعد أن عاد إلي وزارة الخارجية في القاهرة فإن راتبه بالكاد كان يكفيه وهذا كان يعني العجز عن متابعة دفع تكاليف دراسة أولاده في الخارج. شقيقة نديم السيدة سلوي السعيد دمشقية التي كانت تقيم مع زوجها الفلسطيني في القاهرة وفي العمارة التي كان عبدالحميد غالب يقطن فيها في مصر نقلت له حال السفير اللواء. فجعل الندم يؤرقه لوقت طويل إلي أن اهتدي إلي طريقة لإعادة الاعتبار ولو ماديا لغالب. قصد دمشقية صديقه منير ابو حيدر الذي كان أسس شركة T.M.A طيران عبر المتوسط للشحن التجاري وطلب منه تعيين عبدالحميد غالب مستشارا في الشركة براتب يكفيه كي يتابع تعليم أولاده في الجامعة الأمريكية في بيروت.. وقد تم له ذلك وزال الأرق والأسف عن دمشقية وظل يحتفظ لعبد الحميد غالب بكل الاحترام والحب. - حكاية تقي الدين الصلح أما رئيس وزراء لبنان الأسبق تقي الدين الصلح فحدثني بما يكمل رواية السفير دمشقية قائلا: أنه شاهد عبدالحميد غالب بعد النكسة وعودته إلي القاهرة زائرا للبنان سائرا في شارع الحمرا الشهير فدعاه إلي شرب فنجان قهوة في مقهي cafeide paris وأثناء تناول غالب فنجانه لمح تقي الدين الصلح أن هناك رتقا في كم جاكيتة غالب فلم يصدق نفسه.. وقال في نفسه: هذا الذي كان يمكن أن يصبح من أغني أغنياء لبنان لو أراد.. يرسل جاكيتته إلي الرفا لرتق فتق فيها بدلاً من أن يشتري عشرات البدل الجديدة من أرقي دور الأزياء في أوروبا وبيروت. - التليفزيون العربي عندما بدأ التليفزيون العربي بثه من القاهرة كان اللبنانيون ينتظرون فصل الصيف من كل سنة ليتمكنوا من متابعة برامجه. نعم لم يكن البث الفضائي عبر الأقمار الصناعية قد اكتشف أو اخترع بعد لكن فترة الانقشاع الجوي وهدوء الرياح كانت تسمح بوصول البث العربي إلي لبنان. كنا أنا وشقيقي علي وأبناء عماتي والأصدقاء نتسابق للجلوس أمام جهاز التلفاز في صالون منزلنا بعد ظهر كل يوم جمعة من أيام الصيف حيث العطلة المدرسية الصيفية لنتابع مباريات كرة القدم المصرية، خاصة إذا كان أحد الفريقين المتبارين النادي الأهلي بالدرجة الأولي.. والزمالك بالدرجة الثانية ثم فيما بعد الإسماعيلي والترسانة. وكان التليفزيون العربي يقدم بعد صلاة الجمعة أسبوعيا برنامجا اسمه نور علي نور للراحل أحمد فراج الذي كما نعرف قبل ذلك عنه أنه تزوج لعدة سنوات من الفنانة صباح قبل أن يتولي تقديم هذا البرنامج. أما اجتماع اللبنانيين حول التليفزيون العربي فكان يتكرر عدة مرات أسبوعيا وشهريا وخاصة في فصل الصيف في احتفالات ذكري عيد الثورة، من خطاب جمال عبدالناصر في الحادية عشرة من يوم 23 يوليو إلي خطابه الآخر في يوم 26 يوليو في الإسكندرية ذكري تأميم قناة السويس، إلي خطابه يوم عيد العمال 1 مايو من كل عام ثم في ختام اجتماع المؤتمر العربي للاتحاد الاشتراكي العربي. وكنت ومازلت احتفظ بذكري تغيب عدد من طلاب الثانويات والجامعات في لبنان عن دراستهم للجلوس أمام المذياع وأمام التليفزيون ليتابعوا مناقشات إعداد الميثاق الوطني الذي صدر يوم 21/5/.1962 أما اليوم الذي كان عيدا حقيقيا في بيروت فهو يوم العرض العسكري بمناسبة أعياد الثورة في 23 يوليو من كل عام حتي كان العام 1966 آخر أيام العروض العسكرية إلي أن جاءت نكسة 67 لتلغي هذه الاحتفالات فيما بعد.. ليستعاد العرض العسكري المصري بمناسبة يوم 6 أكتوبر وحربها المجيدة عام 1973 الذي توقف أيضا بعد حادثة المنصة عام 1981 إثر اغتيال الرئيس أنور السادات. في فترة الشباب الأولي كنا نتباهي أمام الشيوعيين في لبنان بأن جمال عبدالناصر كان يخص الفقراء والعمال في إلقاء خطاباته أمامهم.. لأنهم في نظره هم أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة وقراراتها. كان كل أبناء جيلي من المسلمين في لبنان تقريبا من مؤيدي جمال عبدالناصر.. ومصر ومن متابعي كل ما يصدر سواء في الثقافة والأدب لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ومحمد عبدالحليم عبدالله، ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس وفتحي غانم.. أما الصحف والمجلات المصرية روزاليوسف والمصور، وآخر ساعة، الاثنين، صباح الخير، الكواكب.. فكانت الأكثر مبيعا حتي من المجلات اللبنانية. وكان مكتبة الحاج وفيق مبيض تطلب من مكتبة التوزيع العربية مائة نسخة أسبوعيا من عدد الجمعة من الأهرام الذي يضم مقال محمد حسنين هيكل بصراحة،وكان علي كل من يحتفظ بنسخة من هذا العدد أن يدفع الثمن سلفا للحاج وفيق يوم الخميس حتي يتسني له قراءة المقال بصراحة رغم أن إذاعة صوت العرب كانت تذيع المقال بكامله في السادسة من مساء يوم الصدور نفسه. كانت كل معلوماتنا وثقافتنا مستمدة من الإصدارات المصرية، وكان والدي أبو علي أحمد رحمه الله يدخل إلي بيتنا كل أنواع الكتب المصرية، وكنا نتسابق أنا وأخي عَلِي عَلَي من يمسك بها أولا لقراءتها ولا يتركها إلا بعد أن يفرغ منها، وهكذا قرأنا لكبار الكتاب المصريين والأدباء مجانا - علي حساب الوالد - وكنا مازلنا في طور المراهقة أو ابتداءً منه. كنا كلنا ناصريين بالمعني العاطفي ثم السياسي ثم العقائدي.. ومن كان ليس كذلك من أترابنا كانوا يعدون بالأصبع الواحد فهذا بعثي لأن قريباً له كان بعثيا.. وذاك شيوعي لأن والده كان شيوعيا أما غير ذلك فكل الناس كباراً ونساءاَ وأمهات وجدات وأجيالا جديدة كانت تعشق مصر وتعشق عبدالناصر. - عبدالحليم حافظ في لبنان كان الموسم الصيفي في لبنان مهرجانا مفتوحا لعدة أشهر حيث يقصده المصطافون العرب من كل البلاد العربية لتمضية صيف حافل بالطقس الجميل والمطاعم المميزة بأكلها المتنوع وحفلاتها الموسيقية التي تستضيف عمالقة الطرب العربي وعلي رأسهم عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش.. ولم تمض حفلة لعبدالحليم في مدرج لبنان عالية دون مشكلة جماهيرية أو بين الجمهور وقوي الأمن الداخلي. كان حليم يحضر إلي لبنان بعد انتهاء احتفالات الثورة التي كان يقدم فيها كل عام أغنية جديدة يكتبها صلاح جاهين ويلحنها كمال الطويل وينتظرها الملايين. وكان متعهدوا الحفلات الحريصون علي نجاحها يحرصون من هنا علي ألا يسبب قلقا في الحفل الذي ينتظره الآلاف كل عام.. فكانوا يطلبون من حليم ألا يغني أية أغنية ثورية ناصرية "بالأحضان، يا أهلا بالمعارك، المسئولية، بلدي يا بلدي" حرصا علي عدم استفزاز أحد في لبنان.. وكان حليم يتظاهر بالقبول.. لكنه ما أن يصعد إلي المسرح حتي يبدأ هتاف الناس وبشكل متواصل ناصر، ناصر، بالأحضان بلدي يا بلدي.. وهو يبتسم محاولا تهدئة الهتافات فيعطي إشارة للموسيقي بما يظنه الناس استجابة لمطالبهم لكن الجميع يكتشف أن حليم سيغني أغنية عاطفية.. والناس تشتعل من جديد بالهتاف بالأحضان.. ناصر.. ناصر.. وعندما يبدو أن حليم سيستجيب لما يطلبه الحاضرون، كان الجمهور يفاجأ بصعود رجال الدولة الذين كانوا تحت رئاسة ماروني مسعاد في الشيعة لجمال عبدالناصر ليطلبوا من حليم التوقف عن تقديم أية أغنية سياسية. مقابل رجال الدولة كان فوج إطفاء بيروت يصعدون أيضا إلي المسرح لحماية عبدالحليم ولمجابهة رجال الدولة. كانت حفلات عبدالحليم سياسية بامتياز وخاصة أن الناس كانت تعتبره سفير ثورة 23 يوليو ولم يمر في تاريخ شعب أو أمة مطرب تساوت فيه أغانيه السياسية مع أغانيه العاطفية وقد برع في النوعين مثلما كان حال عبدالحليم حافظ. وقد حفظت ذاكرتي أن حليم واجه الموقف نفسه في إحدي الاحتفالات الرسمية في الكويت وبحضور شيوخ الأسرة الكريمة الحاكمة، حيث طلب منه أحدهم وحرصا علي عدم إغضاب أحد ألا يغني أية أغنية ثورية ناصرية فوافقهم.. لكنه ما أن بدأت الموسيقي خلفه تغزف مقدمة أغنية عاطفية.. أهواك من ألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب حتي هبت جماهير الكويت طالبة منه أغنية بالأحضان كلمات صلاح جاهين وألحان الموسيقار كمال الطويل. ولم يتوقف هتاف الناس حتي توقف عزف موسيقي أهواك.. ثم نظر عبدالحليم إلي الصفوف الأولي من الحضور من علية القوم مشيرا لهم برفع حاجبيه بأنه مغلوب علي أمره.. ثم أُعْطِي الإذن.. ل.. بالأحضان. - محمد طه! ولم يقتصر الأمر علي العندليب معشوق الملايين في أرجاء الوطن الكبير حبا واحتضانا وشوقا.. إذ ها هو المطرب الشعبي محمد طه الذي يغني مع فرقته الموسيقية وآلاتها العجيبة المواويل المصرية الريفية يكتسح لبنان حبا وترحابا.. وهو قادم من مصر بلد الحب والمرجع السياسي والأم الرؤوم.. وقد شهدت فيها سينما عايدة في أحد شوارع بيروت الشعبية الناصرية "الزيدانية" مهرجان حب لمحمد طه وفرقته انتهت بأن حملته الجماهير علي الأعناق بعد الحفلة وهي تهتف له ناصر.. ناصر. كنا نغني لصباح ومعها يأبو الدلال والبغددة، أسمر أسمر طيب مالو لشكري سرحان وحسونة ما ترد علي "فريد شوقي" فايت علي بيتنا.. ولم نهتم أبدا لأغانيها اللبنانية رغم أن النقد الفني كان يداهمنا بالقول أن اللهجة اللبنانية كانت تظهر قوة صوت صباح، لكن اللهجة المصرية كانت تظهر عذوبته. أما نجاح سلام التي سبقت الكثيرين ومحمد سلمان إلي القاهرة فلها مع الأغنية الوطنية قصة شهيرة عندما قدمت في حفلة وطنية أغنية بدي عريس.. اسمر عربي.. شرط من المتحدة طلبي أي أنها تريد عريسا من مصر أو سوريا، وقد منعتها السلطات اللبنانية من إقامة الحفلة فيما بعد كما منعت إذاعتها رسمياً. ومحمد سلمان الشاعر المؤلف الملحن المطرب المخرج وهو أساسا أستاذ رياضة في الكلية العمالية فإن أهم ما يحفظه اللبنانيون عنه أنه عندما جاء إلي مصر أبدع حبا ووفاء لها وظل علي حبه لمصر حتي لقي وجه ربه. محمد سلمان هو فتي جنوبي شعبي من قرية كفر دونين في قضاء بنت جبل علي الحدود مع فلسطينالمحتلة، عشق عبدالناصر، وغني له لبيك يا علم العروبة كلنا نحمي الحمي، وله في العهد الملكي مشكلات عاطفية عديدة أبرزها أنه كان منافسا للملك فاروق في كشف عشق إحدي الممثلات الشهيرات التي شاركته عددا من أفلام السينما. لم يتسن لي معرفة هذا الفنان الموهوب إلا بعد أن استقر في لبنان رغم أنه كان مستأجرا غرفة في فندق شيراتون علي مدار السنة، وفي لبنان ورغم طلاقه من نجاح سلام التي أنجبت له سمر وريم فإنه مات في غرفة الإنعاش التي أقامتها نجاح خصيصا في بيتها لعلاج سلمان حتي رحل إلي بارئه. - سلمان وعبدالوهاب ونختم عن محمد سلمان ومصر التي عشقها وأخرج كل أفلامه اللبنانية باللهجة المصرية، ومعظم أبطالها من مصر يروي لي سلمان قبل الرحيل بعدة سنوات عن حبه وإعجابه بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب فيقول إن هذا الرجل أنقذ حياة ابنته سمر التي كانت متزوجة من يساري لبناني "رحمه الله" وذلك عندما عمدت سمر إلي توزيع بيان سياسي ضد زيارة أنور السادات للقدس في في 19/11/1977 فاعتقلتها السلطات المصرية، ولأنها كانت تحتفظ بإقامة رسمية فقد قررت ترحيلها خارج الأراضي المصرية جن جنون سلمان لأنه كان يعتمد علي ابنته لتدبير أمور حياته في القاهرة، وهو المعروف ببوهيميته والفوضي التي كانت سببا لطلاق نجاح سلام منه، ولم يجد من ينقذه سوي محمد عبدالوهاب فقصده ليطلب منه وساطة تبقي ابنته في مصر، وبالفعل أجري عبدالوهاب اتصالا هاتفيا بوزير الداخلية يومها انتهي ببقاء سمر في مصر شرط ألا تتدخل في شئونها. ويتابع سلمان أن هذا الجميل من عبدالوهاب قابله سلمان بوفاء مشهود عندما طلب منه أحد الأمراء العرب الذين كانوا أصدقاء الموسيقار الكبير أن يهاجم لحنه الجميل لوردة في يوم وليلة فرفض سلمان، وكان ثمن هذا الرفض أن سلمان منع من حضور مجالس الأمين العربي ومنع من حضور مهرجان سنوي كان يعقد ويلتقي فيه الفنانون والمثقفون وبعض السياسيين العرب ويختم سلمان: كله يهون من أجل حب مصر وعبدالوهاب. رئيس تحرير مجلة الشراع اللبنانية