لم يكن يعلم أحمد شعبان المجند الشهيد أن يوم الأربعاء الماضي سيصبح فارقا في حياته لهذه الدرجة التي يفارقها، فقط لأن جزاءه أنه كان يقف في كشك حراسته الخشبي المعلق علي بعد أكثر من 3 أمتار عن الأرض ليحمي حدود وطنه من هؤلاء الغوغائيين الذين يتربصون به. وكان للأسف في مرمي بندقية أحدهم وهو القناص الحمساوي الذي أصابه العمي ليحول بندقيته من إسرائيل إلي مصر، وكأنها المحتل الآن، لكنها في الحقيقة الشقيقة التي تتحمل قتل أبنائها والتعريض بكرامتها أمام العالم في أسوأ تشنيع سياسي وأمني واستراتيجي، من أجل ما يسمي بالقضية الفلسطينية - لو تتذكرون - والتي يقتلها هؤلاء قبل أي أحد آخر متفوقين علي ذلك في إسرائيل .. لكن هل سنسكت ؟! بالطبع الجميع يدرك أن مصر كان يمكنها تعطيل جهود السلام التي تبذلها بأي حجة مقبولة، لكنها ترفض العقاب الجماعي الذي يتهمنا به الحمساوية، إلا أنه واضح للغاية أن التبجح الحمساوي يتضاعف مع الوقت، ومادمنا نسكت لن يتوقف أبدا، فما لبثنا أن نتجاوز أزمة حتي نقع في أخري معهم، فلم تمر حتي الآن الذكري الثانية للاقتحام الحدودي الذي قام به الحمساوية للحدود المصرية، الأمر الذي نحاول حله الآن بدون حديث عن دفع التكاليف، أو علي الأقل أن يعرف كل طرف قدره، فلا يرضيهم أن تكون حدود مصر آمنة، ولا يختلفون في ذلك أبدا مع الإسرائيليين، ففي الحدود المصرية - الإسرائيلية يعاني جنودنا من عمليات تهريب الأفارقة والعمالة غير الشرعية والمخدرات، وفي الحدود المصرية الفلسطينية نعاني من آلاف الأنفاق التي تهرب كل ما تتصوره، بخلاف الانتهاكات التي لا تتوقف بسبب عدم إظهار العين الحمراء لمثل هؤلاء الذين لا يفهمون سواها، فإما أن تشتريهم بالمال أو السلطة أو الردع . وبالتالي فلا يستبعد المراقبون أن يستمر هذا التوتر حتي في أقل الأوقات قلقا، بل هناك من يبالغ ويشبه بين القلاقل في غزة وحرب الحوثيين مع اليمن، وكأنه يدعوهم للخروج علي مصر خاصة أن لهم جواسيس في الداخل، هم الإخوان، الذين تناسوا البلد الذي يحملون جنسيته وأبناؤهم ؟! ومن ضمن هذه التقارير تقرير إسرائيلي، ينسب لخبراء مخابرات أمريكيين قولهم إنهم يتوقعون أن يتحول جنوبغزة إلي صعدة جديدة، حيث يحتمي عناصر القاعدة من السلطات اليمنية وتشن عليها هجمات ضارية، وهذا من ضمن التفاسير التي دفعت مصر للتعجيل بالإنشاءات الحدودية التي تقوم بها حاليا، لمواجهة هذه الاحتمالات غير البعيدة لو كانت موجودة من الأساس؟! وتفيد التصورات الأمريكية أنه كما تهتم البنية التحتية للقاعدة الإرهابي في بلوشستان الباكستانية، بتصدير المحاربين لليمن، ستصدر مقاتليها لغزة ومنها تضر مصر قبل إسرائيل، وستكون حجة تل أبيب لإعادة احتلال غزة مرة أخري، لكن لن يكون ذلك قبل سبتمبر المقبل، وبالتالي لايزال أمامهم وقت طويل. وحماسيا، فلم يستطع هنية رئيس الحكومة الفلطسينية المقالة أن يخدع مصر بالأسلوب الإسرائيلي الذي استخدمه حينما عزَّي القيادة المصرية في شهيدها الذي لم يكمل عامه ال,22 وكأنهم ليسوا قتلته ولم تختف الدماء التي لطخته من يده، وأكمل لعبته بالدعوة إلي سرعة حل الخلافات العالقة بينه وبين مصر، محاولا أن يمنح نفسه شرعية ليست له، إلا أنها لعبة مكشوفة، وكان له ما يستحقه من تجاهل وكأنه لا يتحدث أساسا، إلا أنه فضح نفسه من خلال صحافته التي تشن هجوما قذرا علي مصر من بداية أعمال الإنشاءات الحدودية التي تحمي مصر. حيث ادعي أنه بدأ تحقيقا في المناوشات الحدودية التي وقعت، وهم يكيلون الاتهامات لمصر حتي أنهم يكذبون القاهرة بعد 72 ساعة من الواقعة ويخرفون بأن الشهيد شعبان مات برصاص مصري، فادعي المتحدث باسم حماس د. سامي أبو زهري أن حادث إطلاق النار علي الجندي المصري وقع أثناء وجود مسيرة سلمية فلسطينية علي الحدود للاحتجاج علي الاعتداء المصري علي قافلة (شريان الحياة 3). ولفت أبو زهري النظر إلي أنه رغم عنف المواجهة المصرية؛ فإن الشرطة الفلسطينية الموجودة في المكان تصدَّت للحادث بهدوء، ودفعت بالشباب بعيدًا عن مكان الحادث. وأن حركته ليست معنيةً بأي تطورات علي الحدود ولا بالتصعيد ضد مصر، مشيراً إلي أنها تطالب بحلول سلمية للخلافات والملفات العالقة، وخاصةً قضية الإنشاءات علي الحدود المصرية مع قطاع غزة.وقال أبو زهري: إن انفلات الأوضاع علي الحدود المصرية الفلسطينية وحوادث إطلاق النار؛ بسبب حالة الغليان التي يمرُّ بها سكان القطاع بعد عزم مصر بناء الجدار .. أي أنهم يجدون المبرر، وبالتالي ستستمر التجاوزات والاقتحامات الحدودية خاصة أن هناك حالة من التصعيد والتربص . ويخرفون في أحد منابرهم المدعية أنه من العار أن تعلن مصر.. الكبيرة.. فشلها في حماية شريط بطول 15 كيلومترا من السهل أن تحرسه دوريتان لحرس الحدود، فشلا يستوجب عليها إقامة ذلك الجدار! اللهم إلا إن كانت تخشي الاجتياح البشري الكثيف بالعجائز والنساء والأطفال من غزة! وهو ما لن يمنعه ألف ألف جدار! إذ لو قرر أهل غزة.. فسيمرون من منتهاه.. عبر الأراضي التي يحتلها العدو، الذي سيسمح لهم وقتها بالمرور إلي مصر تحت حمايته دون اعتراض، ولأسباب إنسانية وأمام كاميرات الدنيا وعيونها! وبذلك تنتقل المشكلة إلي سيناء كوطن بديل كما ترغب أو تخطط وتتمني إسرائيل ومن وراءها، وكما تساعدها عليه مصر الرسمية بخطأ القرار أو خطيئته، لا فرق، كما يدعون. ومنطقيا، إنه من حق أي كل دولة ذات سيادة الدفاع عن حدودها الجغرافية أو المعنوية حيال ما تراه، وحدها، يمثل تهديدا مباشرا لأمنها القومي بثوابته الجغرافية أو الدينية أو الإنسانية والتاريخية والسياسية والاقتصادية، وبالطرق التي تراها مناسبة، ومن منظور متفرد يحقق التأمين المستهدف لبقائها، ويوفر الحماية الكاملة لمصالحها، ويحافظ علي أمنها وأمن مواطنيها في المقام الأول والأخير. والغريب أن كل ذلك يتزامن مع المحاولات المصرية الحثيثة لإحياء عملية السلام بالفعل لا الكلام، ولذلك كانت زيارة وزير الخارجية أحمد أبوالغيط والوزيرعمر سليمان، لواشنطن، في وقت تتصارع فيه المقترحات الفلسطينية والإسرائيلية علي تحديد إطار عملية السلام الجديدة التي اتفق علي أنها لن تطول عن عامين إلا وتكون قد حققت شيئا ملموسا. فالرئيس الفلسطيني كان مهتما بالترويج برزمة أفكاره لعملية السلام تقوم علي مبدأين هما تجميد مؤقت للاستيطان لمدة ستة أشهر، حتي لو كان سراً، والشروع في مفاوضات علي الحدود بين الجانبين، وأبدي مرونة في نسبة تبادل الأراضي بين إسرائيل والدولة الفلسطينية للتغلب علي مشاكل الاستيطان والقدس والحدود، إذ أبدي استعداده لقبول تبادل بنسبة تتراوح بين 5,2 و3 في المائة، علماً بأنه عرض في السابق تبادلا بنسبة 9,1 في المائة فقط، في حين كانت إسرائيل تطالب ب 5,6 في المائة في عهد إيهود أولمرت. فهل هذا جزاء مصر، وهي الوحيدة التي تساند الفلسطينيين، أم أن الحمساوية لا يفكرون في شيء إلا في مصلحتهم ولا تهمهم فلسطين ولا يحزنون، خاصة أن هذه المفاوضات تبعدها عن الصورة عكس ما تريد هي وحلفاؤها، ولذلك تهتم بعرقلتها، وفي المقابل تركز علي صفقة الأسري لأنها تديرها بنفسها؟! فيما كشفت الأحداث المتلاحقة خلال الأيام الأخيرة عن أننا لم نتعلم شيئا من أزماتنا رغم قسوتها، فجنودنا يتساقطون بنيران شقيقة ونحن لا نتحرك مكتفين بالغليان، وأتساءل: هل كان يستطيع نشطاء قافلة شريان الحياة أن يفعلوا ما فعلوه في ميناء العريش في أي دولة اخري، ومن أين عرفوا أن مصر لا تصعد مهما كان وهناك مساحة للتحرك، بل التجاوز دون عقاب، فكيف علموا ذلك، هل هذا من ترتيبات القافلة ؟!.. التي سربت لمنظميها مع الوقت ؟ فلا تعرف لماذا عطلنا القافلة بسبب عربات الدفع الرباعي الفاخرة التي طلبتها قيادات حماس، ثم فجأة سمحنا بالعبور مع بعض الاشتراطات التي تكاد لا تذكر، وهناك رفض عام لهذا التغيير في الموقف المصري حتي لو كان التهدئة وعدم إيذاء أي منا، وبالطبع هذا يضعفنا ويجعل خصمنا يلعب علي نقاط ضعفنا خاصة لو كانت مكررة.. وكانت الاشتباكات بدأت بين أعضاء القافلة وقوات الأمن المصرية التي رفضت السماح بعبور السيارات الخاصة بأعضاء القافلة من معبر رفح إلي قطاع غزة لأن هذه السيارات لا تندرج في إطار المساعدات الإغاثية، داعية إلي عبورها من معبر العوجا الذي تسيطر عليه إسرائيل. غير أن أعضاء القافلة اعترضوا علي هذا القرار، واشتبك العشرات منهم مع الشرطة المصرية ورشقوها بالحجارة، قبل أن يستولوا علي ميناء العريش ويسدوه بسياراتهم، إلي أن تم التوصل فجرا إلي اتفاق بوساطة تركية يقضي بفتح الناشطين المداخل إلي ميناء العريش الذي احتلوه طوال الليل، في مقابل سحب مئات رجال الشرطة المنتشرين في المنطقة. وكان ضروريا أن نذكر بهذه الأحداث التي لا يمكن أن تحدث في أي مكان في العالم دون حساب قوي لأنها تمس السيادة، التي لا تعرف عدوا ولا حبيبا، خاصة أن هذه السياسة ستعطي الفرصة لهؤلاء الذين قتلوا شهيدنا وسبقوا بالشكوي والاستعراض، حتي يعيدوا الكرة، والكثير من المراقبين لا يستبعد أن تتجدد هذه الاشتباكات بين الجانبين من حين لآخر حتي تكون بمثابة ضغط علي مصر لوقف الإنشاءات الحدودية، أو لتتحمل ما سيفعل فيها . وتزامن التصعيد الميداني مع تصعيد في الهجوم الإعلامي من حماس علي النظام المصري، إذ اعتبر النائب عن الحركة مشير المصري خلال التظاهرة أن الاعتداء علي المتضامنين الأجانب مع غزة يمثل اعتداء علي 40 دولة، داعياً القاهرة إلي فك الحصار عن غزة.. وكأنها هي التي تحاصرهم، وبالتالي حماس تنصل إسرائيل من مسئولية استمرار احتلال القطاع.