رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماعا موسعا لأعضاء هيئة التدريس بالتربية النوعية    "الشيوخ" يدعم "العمرة بلس".. ومناقشات حول السياحة الدينية في مصر    رئيس مجلس الشيوخ يعلن رفع الجلسة العامة لموعد غير محدد    محافظ المنوفية يفتتح حمام السباحة بمركز شباب أشمون باستثمارات 8 مليون جنيه    المنيا تعلن استمرار فتح باب التقدم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    توفير فرص عمل ووحدات سكنية ل12 أسرة من الأولى بالرعاية في الشرقية    وزير الخارجية يشارك في اجتماع وزراء خارجية دول تجمع بريكس    الرئيس السيسي يؤكد ل"بلينكن": ضرورة إنهاء الحرب على غزة وإنفاذ المساعدات للقطاع    رئيس فنزويلا يحذر المعارضة من إثارة العنف خلال انتخابات يوليو    مباراة وحيدة بين مصر وغينيا بيساو قبل موقعة اليوم بتصفيات المونديال..تعرف عليها    جدول مباريات كوبا أمريكا2024.. كل ما تريد معرفته قبل بداية البطولة    مصر تحصد ذهبية منافسات الفرق في بطولة إفريقيا لسلاح الشيش    بطولة كوبا أمريكا..موعد المباراة الافتتاحية والقناة الناقلة    اسكواش - مصطفى عسل يصعد للمركز الثاني عالميا.. ونور الطيب تتقدم ثلاثة مراكز    غرفة عمليات تعليم سوهاج: لا شكاوى من امتحانات الثانوية العامة    نجت بأعجوبة، الفنانة مروة أنور تتعرض لحادث مروع    بآية قرآنية.. أحمد خالد صالح وهنادى مهنا يردان على أنباء انفصالهما    مكين: اعلان حالة التأهب القصوى بالمستشفيات والادارات الصحية لمارثون الثانوية العامة بالدقهلية    مستشفيات جامعة أسوان تعلن خطة الاستعداد لعيد الأضحى    «القومي للبحوث» يوضح أهم النصائح للتغذية السليمة في عيد الأضحى    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    «مودة» ينظم معسكر إعداد الكوادر من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    قبل عقد المؤتمر بمصر.. نائب رئيس بنك دول "بريكس" يؤكد الرغبة في توسيع عملياته بالعملات المحلية    الأوقاف: افتتاح 27 مسجدًا الجمعة القادمة| صور    إعلام إسرائيلى: قتلى وجرحى فى صفوف الجيش جراء حادث أمنى فى رفح الفلسطينية    "كابوس".. لميس الحديدي تكشف عن كواليس رحلتها مع مرض السرطان.. لماذا أخفت هذه المعلومة عِقدًا كاملًا؟    ياسمين عبد العزيز ترد على رسالة أيمن بهجت قمر لها    شقيقة الفنان خالد أنور تتعرض لحادث سير (صورة)    متى تبدأ التكبيرات في عيد الأضحى وما صيغتها؟.. «الأوقاف» توضح التفاصيل    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في ختام تعاملات الإثنين    «الدفاع الروسية»: تدمير زورق مسيّر أوكراني بنيران مروحية روسية    محافظ أسيوط يشيد بتنظيم القافلة الطبية المجانية للرمد بقرية منقباد    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    البابا تواضروس الثاني ومحافظ الفيوم يشهدان حفل تدشين كنيسة القديس الأنبا إبرآم بدير العزب    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    عرض ولاد رزق 3.. القاضية في أمريكا وبريطانيا ونيوزيلندا.. بطولة أحمد عز    مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو مراجعة الثانوية أمام النيابة: بنظم المراجعات بأجر رمزي للطلاب    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    يوم الصحفي المصري "في المساء مع قصواء" بمشاركة قيادات "الاستعلامات" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" و"المتحدة"    "حقوق إنسان الشيوخ" تستعرض تقارير اتفاقية حقوق الطفل    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    خادم الحرمين الشريفين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي ضحايا غزة    سرقا هاتفه وتعديا عليه بالضرب.. المشدد 3 سنوات لسائقين تسببا في إصابة شخص بالقليوبية    في موسم امتحانات الثانوية العامة 2024.. أفضل الأدعية رددها الآن للتسهيل في المذاكرة    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    مظاهرات في ألمانيا وأمريكا تطالب بوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    «الصحة»: خدمات كشف وعلاج ل10 آلاف حاج مصري من خلال 24 عيادة في مكة والمدينة    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    جمال عبدالحميد يكشف أسباب تراجع أداء منتخب مصر أمام بوركينا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب الإستنزاف المصرية - المصرية


البرادعى ومواصفات المرشح المستحيل للمعارضة
العملية الإخوانية لتغيير رؤساء التحرير
أهم مواصفات حروب الاستنزاف أنها لاتنتهى بنصر كامل. أو حتى جزئى. وإذا كان لكل حرب هدف استراتيجى فإن (الاستنزاف) حرب من النوع التكتيكى ليست لها أهداف بعيدة. مؤقتة. لاتسعى إلى تغيير موازين القوى وإنما إلى إرباك هذا الطرف أو ذاك وتشتيت القوى وبعثرة المقومات.. بدون أن يحدث تعديل جوهرى فى المواقع داخل ميادين المعارك.
وأخطر أنواع (الاستنزاف) هو ذلك الذى يحول الحياة المصرية اليومية إلى (حروب).. ويجعل من الديمقراطية معركة.. ويصبح معها الحراك نوعا من النزال الدامى.. وبحيث تتطور الأمور فيكون النقاش الحر تجسيدا لمنطق حروب العصابات.. وبدلا من أن تكون المساعى هادفة إلى مقاصد قومية فإن الروح العامة تجسد معانى ومواصفات الحروب الأهلية.. وشق الصفوف.. وفض الوئام.. ونثر بذور الثأر المتتالى.
هكذا استحالت حياتنا السياسية إلى مجموعة من حروب الاستنزاف المتوالية.. كلها نيران صديقة. الأطراف من بلد واحد. لكن بنادقهم توجه إلى صدورهم قبل أن توجه إلى الآخرين. عمليات متكررة من الانتحار المتتابع. والعقول التى تخبط نفسها فى الحيطان. لاتتريث لحساب الأهداف.. ولاتزن أغراض النزال.. وإنما تخوض المعارك من أجل أن تخسر.. وينطبق عليها وصف (حرب بلا نصر).. بل هى حروب لاتسعى أصلا إلى أى نصر.
والعامل المشترك فى هذه الحروب المتوالية هى الصحافة. الجرائد كتائب وألوية. الأقلام بنادق ومدافع. ولأن الحرب خدعة.. ومناورة.. تتوه الحقائق فى الصحف.. وتضيع المهنية.. وتنهار المعلومات.. وتسود الشائعات.. وتنتشر الأكاذيب.. ويضيع المعنى الحقيقى لدور وصفه الصحيفة.. التى يفترض فيها أنها تبيع الحقائق. وبالإجمال فإن هذا الواقع الناشىء من كون الصحف هى أداة وميدان الحرب فإن (الاستنزافات المصرية) هى فى الأغلب (حروب ورقية).. ليست لها علاقة بمجريات المجتمع وتفاعلاته وإن كانت تشغله وتشاغله ولاتفيده.
وليس صدفة أن يشهد الشهر الماضى عددا من تلك الحروب، التى استنزفت العقل المصرى.. وأهدرت الطاقة والوقت.. بدون إحراز أهداف حقيقية.. ومنها ما كان حربا لمجرد الحرب.. ومنها ما كان حربا جديدة لإنهاء حرب سابقة لم يعثر لها على نهاية لائقة.. وهذا لم يكن شهر الصدفة.. لأنك ببساطة يمكن أن تراجع أحداث الشهر الذى سبقه فتكتشف أنه كانت هناك أحداث مثيلة.. وأمور مشابهة.. وبالتالى فإننا صرنا أمام ظواهر مقيمة.. وواقع نخشى أن يصبح مستمرا.
وفى كل مرة تنقسم الصحافة إلى فريقين. كل يوجه نيرانه إلى الآخر. وتغيب بعد أول جولة السياسة.. فتصير الحرب صحفية. ويعتقد المراقبون أنه لابد أن تنتهى المعركة بانتصار هذا أو ذاك.. متناسين إنه لم تكن هناك معايير أصلا لنشوء الحرب.. إلى أن تخمد النيران المتأججة.. فيطرح الناس تساؤلات حول السبب الذى أدى إلى نهاية تلك الحرب أو غيرها.. فلا يعثرون على مبرر.. وتزداد الحيرة.. ويتلوها الإحباط.. ومع تكرار الوقائع يكتشف المجتمع فى كل مرة أنه قد خسر بعضا من روحه.. وفقد بعضا من مقومات قوامه.. ولايسمح له بأن يعالج نفسه ويستعيد ما خسر.. إذ سرعان ما يجد نفسه فى عرمرم استنزاف جديد.
إن الخاسر الأول فى هذه (الاستنزافات) هو الرأى العام.. الذى يجد نفسه قيد تخبط دائم.. وسوداوية مستمرة.. لاتتقدم نحوه يد يمكن أن تقوده إلى أفق الضوء.. فيظن أنه فى نفق مظلم لانهاية له.. ويعتقد أنه يعيش أزمة.. بينما الواقع مختلف.. والحقائق مناقضة لذلك الإحساس.. ويؤدى هذا التباين ما بين الحالة المزاجية والحالة الواقعية إلى نشوء فجوة كبيرة تتسع كل يوم.. ما بين الروح والجسد.. العقل والجسم.. الطموح والإمكانيات.. وهى حالة لن تنتهى إلا بإعلان دائم لوقف إطلاق النار.. وتحويل الديمقراطية إلى أن تقوم بدورها الحقيقى: نقاش حر من أجل المجتمع وصالحه.. لكى تنتصر مصر.. وليس لكى ينتصر المتناحرون فى ساحات الاستنزاف.
وعادة ما تتطور الحروب المصرية - المصرية لأكثر من سبب.
الأول هو إصرار فريق على تجاهل حقيقة ساطعة كما الشمس.. ودفنها خارج سياق المتداول من نقاشات. بحيث يغيب عنصر أساسى فى تقييم الأمور عن الرأى العام. مما يسبب له الارتباك.
الثانى أن القانون عادة ما يتم تغييبه.. ولايلجأ إليه المتناحرون.. فيعتقدون أنهم يخوضون تنافسا بلا قواعد.. أو يمكن أن يعيدوا صياغة تلك القواعد أثناء هذه المعركة أو تلك.
والثالث هو أن فرقا من المعارضة تعتقد أنها يمكن أن توجه ضربة قاضية لنظام الحكم.. فى كل معركة تفتعلها.. حتى لو كان الملف هينا والموضوع لايساوى.. وهى ضربة قاضية لاتوجد لها أسس.. حيث الملاكم لايملك قبضة قادرة.. وصدره مكشوف.. وأقدامه لايمكنها أن ترفعه.
والرابع أنه إذا كان فيما بين فصائل المعارضة فى مصر فئة من اليساريين والمتأسلمين الذين تستغرقهم قيم هجرها العصر وغادرها الزمن.. فإن تلك الفئة صارت تعدى الآخرين بأفكارها وتوجهاتها.. فأصبح اليمينى يعمل بمنطق وأدوات اليسارى.. والمدنى العصرى يخوض النزال بأدوات التطرف. والخامس هو أنه فى أحيان كثيرة تميل الأغلبية إلى تجاهل بدايات المعارك.. ولاتشتبك معها إلا فى وقت متأخر.. وبعد أن يكون الأمر قد استفحل.. فيظن محاربو الفريق الآخر أنه قد اقتربت مرة تلو غيرها فرص النصر.. فيستمرئون نحو مزيد من إشعال النيران.. إلى أن يكتشفوا حقيقة (عدم الإمكان).
غير أنى حين أحلل (استنزافات ) الشهر الأخير - على سبيل المثال - أجد فى بعضها بارقة أمل.. غير مقصودة.. لم يسع أحد إليها.. نشأت عشوائيا.. زهرة وجدت نفسها فى فوهة بندقية منسية.. بارقة أمل لابد أن ننتبه إليها.. ونركز عليها ونشير لها.. حتى لا تكون كل تلك المعارك التى نخوضها ضد بعضنا البعض مجرد محاولات متكررة للانتحار.. أو تعذيب الذات على الطريقة (المازوكية).. كما لو أننا نعانى من مرض نفسى جماعى.
المرشح المستحيل
عنوان هذه المعركة (البحث عن مرشح للمعارضة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة).. فى ضوء افتقاد الأحزاب إلى كوادر قادرة على أن تخوض الانتخابات بحيث تتمتع بالقدرة على التنافس مع أى مرشح متوقع يمكن أن يتقدم به الحزب الوطنى.
الجانب الغائب الأول فى حقائق الساحة والذى تم تجاهله من الباحثين عن ذلك المرشح أو ذاك هو: أنه للمرشح أن يمتلك مقومات دستورية لايستطيع أن يخوض بدونها أى تنافس انتخابى.. وفق نصوص المادة 67 من الدستور.
الجانب الغائب الثانى هو أنه لا يمكن تغيير الاشتراطات الدستورية بدون أن تكون هناك قوة سياسية قادرة على ذلك.. يساندها تيار قوى فى المجتمع.. ولديها الآليات القانونية لتعديل الدستور.. فى ظل اقتناع الأغلبية الشرعية بأنه لايوجد مبرر جديد لتعديل الدستور.
الأكذوبة الأولى فى المعركة هى أن نظام الحكم لا يريد أن تكون هناك انتخابات تنافسية على الرغم من أن الحكم نفسه هو الذى قام بتعديل الدستور من أجل تغيير نظام الانتخابات الرئاسية من الاستفتاء على مرشح واحد إلى التنافس بين أكثر من مرشح.
الأكذوبة الثانية أن أى مرشح قوى يفتقد المقومات الدستورية سوف يقنع الرأى العام فى مصر.. ويمكنه أن يحقق انتصارا على مرشح حزب الأغلبية أيا ما كان.. حتى لو كان قادما من الفضاء.. وليست له علاقة بالواقع المصرى.. ولم يعترك تفاعلاته اليومية.. بل ولم يتدرب على حروب الاستنزاف المتكررة.
الأكذوبة الثالثة هى أن مصر يمكن أن تنطبق فيها سيناريوهات غيرها.. فإذا كان أديبا قد استطاع أن يكون رئيسا لدولة تشيكيا هو فاتسلاف هافيل.. فإن عالما يمكن أن يصبح رئيسا لمصر.. مثل محمد البرادعى وأحمد زويل.. وهذا كلام غير منطقى ويتناقض مع الواقع المصرى.
الأعجوبة الأهم فى مجريات النقاش السفسطائى حول اسم محمد البرادعى كمرشح تقدمه الصحف وموقع الفيس بوك لكى يخوض انتخابات الرئاسة هو أن تلك الصحف وبعضا من فصائل المعارضة تصورت أنه يمكن أن يصبح (البرادعى) مرشحا مقدسا لايمكن مقاربته.. أى ليس على أحد أن يقيمه.. أو أن يناقشه.. فى ضوء أنه صاحب منصب دولى سابق.. وحصل على جائزه نوبل.. وقدمت له الدوله قلادة النيل.
فى هذا السياق تم تجاهل حقيقة جديدة.. وهى أن مكانة البرادعى كمصرى عظيم لايمكن أن تناقش.. باعتباره رجلاً مميزاً.. وصاحب تاريخ وإنجاز.. ومن بين أربعة مصريين حصلوا على نوبل وحققوا لمصر إنجازا لم يتحقق لدولة عربية أو إسلامية.. ولكن هذه المكانة لاتحصنه إلا حين يبقى فى إطارها كعالم وقانونى.. أما وقد قرر أن يخوض النقاش السياسى فإن هذا يحوله إلى سياسى فى ساحة الديمقراطية.. عليه أن يقبل بقواعد اللعبة.. دستوريا وسياسيا وصحفيا.
كما أن أساس أى عملية انتخابية تنافسية هى أن يقبل الجميع النقاش.. ففى السياسة لايوجد مقدسون.
على سبيل التذكير فإن نوبل التى حصل عليها الرئيس السادات لم تمنحه قداسة.. ولم تخرجه من ساحة الجدل.. بل إنه ذهب إلى منطقة الاغتيال لنفس الاسباب التى أدت به إلى أن يحصل على جائزة نوبل.
وقد لاتكون (حرب الاستنزاف) حول موضوع البرادعى.. وحول موضوع المرشح المعارض المنافس لمرشح (الوطنى) المتوقع - أيا ماكان - قد انتهت.. لكن هناك حقيقة قد أظهرتها الجولات التى تمت على مدى الأيام الأخيرة.. كما أن هناك نتيجة.. وهناك علامة إيجابية أفرزها النقاش.. وهى كما يلى:
- الحقيقة.. هى أن من حق كل مصرى أن يسعى إلى الترشح لأى نوع من الانتخابات.. سواء سعى لرئاسة جمعية.. أو نادٍ.. أو اتحاد ملاك عمارة.. أو رئاسة الجمهورية.. ولكن لكل ترشيح مقومات.. فلكى ترأس ناديا لابد أن تكون عضوا فيه.. ولكى تدير عمارة لابد أن تسكن فيها.. ولكى تكون مرشحا فى الانتخابات الرئاسية لابد أن تنطبق عليك مقومات المادة 67 من الدستور.
- النتيجة.. هى أن محمد البرادعى فى حد ذاته حتى الآن هو مرشح مستحيل للمعارضة.. وقد أضفى بعدا جديدا على استحالته حين قال أنه لن يخوض الانتخابات الرئاسية عن أى حزب مصرى.. ومن ثم فإن عليه أن يكون مرشحا مستقلا لو أراد.. وهذه بدورها لها شروط.. وبقى أن يحاول السعى إلى نيل الأصوات التى تمكنه من ذلك.
- العلامة الإيجابية غير المقصود السعى إليها.. أن الحديث عن البرادعى قد رفع سقف توقعات الرأى العام من الفصائل والأحزاب المعارضة.. بمعنى أنه لايمكن أن تطرح المعارضة مرشحا صالحا دستوريا للانتخابات أقل من مستوى البرادعى ومواصفاته.. لن يكون مقبولا ترشيح متهم سابق فى قضية تزييف.. أو شخص عابر.. أو مجرد عضو أى هيئة عليا فى أى حزب.
كرامة المصريين
وفى الأسابيع الأخيرة أيضا شهدت مصر (حرب استنزاف ) مصرية - مصرية.. رغم أن طرفاً أساسياً فيها كانت هى الجزائر.. والقصة معروفة ولاتحتاج إلى تفاصيل مكررة.. وقد تناولت الأمر من قبل فى هذا المقال ثلاث مرات.. من زوايا مختلفة.. وفى حين أن النقاش الحاد كان يدور بيننا وبين الجزائريين بعد الأفعال غير المقبولة التى جرت فيما بعد مباراة أم درمان يوم 81 نوفمبر الماضى.. فإن الطريقة التى تم التعامل بها مع الموضوع داخليا من قبل بعض الأطراف جعلت الأمر يبدو وكأنه أيضا مسألة داخلية.
لقد أدير الأمر على المستوى الصحفى والفضائى فى مراحل تالية بما يؤدى إلى هذه النتيجة رغم أنه ليس كذلك على الإطلاق.. ولذا ذهبت صحف أجنبية كثيرة إلى تحليل الأمر على أنه نوع من التعبير عن أزمة داخلية مصرية. ومضت إلى تحميلها للموضوع أبعاداً لها علاقة بالنقاش السياسى فى المجتمع.. وقد ردد على هذا الأمر وزير الإعلام الجزائرى عز الدين ميهوب حين قابلته قبل أيام فى مؤتمر فى البحرين (ملتقى قادة الإعلام العرب).. وذهب إلى أن توصيف الجزائر للموضوع هو أنه (أمر مصرى داخلى).. علما بأن هذا الوزير من بين المقربين إلى الرئيس بوتفليقة.
وليس من الواجب هنا أن أتطرق إلى المناقشة القصيرة التى دارت بينى وبين الوزير على اعتبار أنها لم تكن للنشر.. ولكن طريقة التعامل المرتبكة من الناحية الصحفية والفضائية هى التى جعلت الأمور تصل إلى هذا الحد.. مع العلم بأن لنا حقوقاً أكيدة لن يتم التنازل عنها فى إطار الجدل مع الجزائر.. حتى لو كانت الأجواء السياسية بين البلدين لاتريد الذهاب إلى تصادم أبعد وأعمق.. فى ضوء العلاقات التاريخية المفترضة بين البلدين.
إن الحقيقة الأهم التى تم تجاهلها فى هذا الإطار هى أنه لايوجد خلاف استراتيجى عميق بين مصر والجزائر.. وأن الجزائر رغم كل الذى جرى ليست عدوا وإنما هى بلد عربى شقيق.. وإن كل الذى جرى هو فى عرف التقييم كان ناتجا عن أحداث وتفاعلات مباراة كرة قدم.. وبالتالى كان غريبا فى هذا (الاستنزاف) تجهيز الرأى العام على أنه يمكن الذهاب إلى سيناريوهات بعيدة مع الجزائر.. فى حين أن الرسالة الأساسية فى إدارة الأزمة بعد الاجتماع الذى عقده الرئيس مع مجموعة الأزمة يوم 91 نوفمبر لم تكن تصل إلى ذلك.
لقد أهينت الكرامة المصرية العامة فى أحداث 81 نوفمبر.. وبرعاية رسمية من الدولة الجزائرية للأفعال الغوغائية التى قامت بها مجموعات (الكسحة) الجزائرية فى السودان.. وقال الرئيس فى مجلس الشعب (أنا معكم.. ولكن لابد أن أمسك نفسى) مما يعنى أن على رئيس الدولة أن يتخذ القرارات الواجب من خلالها الحفاظ على المصالح المصرية (جسديا وماديا).. وحين قال الرئيس قبل أيام من جديد أنه لم يذهب بعيدا فى موضوع الجزائر حفاظا على العلاقات التاريخية بين البلدين ظن البعض وسوق الكثيرون أن هذا نوع من التنازل عن الحق المصرى فى الأمر.. وهو ما يعبر عن حقائق غائبة تم تجاهلها أيضا فى ذلك الاستنزاف.
الجانب الغائب الأول فى هذه المسألة أن الدولة المصرية استطاعت أن تحافظ على المصالح المصرية (جسديا وماديا).. رغم الخسائر النفسية.. إذ لم يسقط قتيل مصرى.. وكل المصريين عادوا من السودان سالمين.. وكل المصالح المصرية فى الجزائر تحت مسئولية الحماية من الدولة الجزائرية.
الجانب الغائب الثانى أن مصر بالفعل قامت بعدد من الإجراءات المتوالية فى سبيل نيل الحق المصرى المعنوى.. والناتج عن عمليات الترويع التى قام بها الجزائريون.. أهمها وأولها استدعاء السفير المصرى فى الجزائر وهو إجراء غير مسبوق عربيا تقريبا.. ولم يتخذ من قبل إلا ضد إسرائيل إبان انتفاضة عام 0002,. ومنها كذلك الإصرار على أن تنال الشركات المصرية تعويضات مالية وتأمينية عما لحق بها من أضرار فى الجزائر يوم 51 نوفمبر بعد المباراة الأولى.. ومنها أن مصر رفضت كل محاولات الصلح والتقارب التى قام بها بعض الأشقاء والأطراف فى أعقاب اندلاع الأزمة.. على اعتبار أن هذا الامتناع فى حد ذاته رسالة إلى الجزائر وغيرها.
الجانب الغائب الثالث فى تلك المسألة هى أنه لم تجر أى محاولة لاستخدام الأزمة مصريا وفى الإطار الداخلى.. فهى لم تكن منظمة.. كما أنها لم تكن موظفة من قبل أى طرف.. وكل التفاعلات فيها كانت عفوية وغير مرتبة.. وكنتيجة ردود أفعال مصرية لأفعال جزائرية.
وأما الحقيقة المرة التى كشفتها الأزمة وينبغى العمل عليها والمضى فى معالجتها فهى أن هناك قدرا من الحقد والحسد يواجه مصر والمصريين من بين كثير من الدول الشقيقة لابد أن نتوقف أمامه.. وقد ناقشت هذا فى الأسبوع الماضى محملا المجتمع فى مصر ما لابد أن يقوم به من مسئوليات لعلاج تلك المسألة.
وأما الجانب الإيجابى الذى أسفر عنه الأمر دون قصد من أحد فهو أن الأزمة كشفت عن شعور وطنى جارف.. وعن التفاف شعبى عام حول الدولة المصرية التى قال معارضون أنها لاتحظى بهذا التماسك الداخلى الذى كشفته المواقف المتتالية فى موضوع الجزائر.
خطة رؤساء التحرير
وفى الأيام الأخيرة، تحديدا فى الأسبوع الماضى، كان أن اندلعت حرب استنزاف جديدة.. من المقرر - رسميا - أن تنتهى غدا.. حين تعقد الجولة الثانية من انتخابات نقابة الصحفيين.. بين المرشح المخضرم الأستاذ مكرم محمد أحمد.. والمرشح المستجد الأستاذ ضياء رشوان.
وعلى الرغم من أن الصحافة هى أهم ساحات وأدوات حروب الاستنزاف السياسية المصرية - المصرية.. فإنها هى كانت هذه المرة هى البطل والمقصد من تلك المعركة.. بأسلحة أبنائها وأدوات أعضاء نقابتها.. وإن كان فى الخلفيات تتناثر أهداف سياسية متنوعة.. وتصفيات حسابات لاعلاقة لها بالصحافة.
الجانب الأول الغائب فى هذا الاستنزاف هو أنه لا يمكن تحويل معركه نقابية إلى معركة مجتمعية مصغرة.. وأن دعاية التغيير فى بيت دعاة التغيير والإصلاح لايمكن لها أن تكون انعكاسا لدعوة تغيير أخرى فى المجتمع كما أراد بعض السياسيين أن يصوروا ذلك وقالوا به فى تصريحات تليفزيونية.
الجانب الغائب الثانى أن تلك هى فى الأساس معركة نقابية.. حتى لو أصبحت لها أبعاد سياسية.. وهناك حرص هائل من كل القطاعات الصحفية تقريبا على أن يتم الحفاظ على مهنية النقابة.. ودورها المرسوم بحكم القانون والعرف والتقاليد.
الجانب الغائب الثالث هو أنه رغم الاهتمامات السياسية للصحفيين إلا أنهم تشغلهم تماما القضية الاجتماعية التى تمثل ضغطا جوهريا عليهم فى حياتهم اليومية. وهى تشمل كل الجوانب المالية والإسكانية والصحية.
الجانب الذى غيب عمدا هو أن منصب نقيب الصحفيين لايشترط فيه السن.. ولايتطلب أن يكون من يشغله بطلا فى الألعاب الرياضية.. وأن الاختيار لايكون على أساس جيلى.. ولا قبلى.. ولاطائفى.. وإنما على أساس مهنى ومصلحى.. ووفق المقومات التى يملكها النقيب.. وأهمها صلاحيته للتمثيل العام للصحفيين.. وقدرته على تحقيق المصالح.
وقد أظهرت عملية الاستنزاف التى أسفرت عنها الانتخابات مجموعة من الحقائق:
الأولى أن هناك تياراً ناصرياً - إخوانياً.. لديه رغبة أكيدة فى العبث فى مقومات النقابة والمؤسسات الصحفية القومية على حد سواء.. إن كان من خلال سعى أحد المرشحين لمنصب النقيب إلى تحميل موقعه المفترض بخصائص ليست له من الناحية القانونية.. أى أن يتجاوز النقيب دوره.. أو من خلال مسعاه إلى استخدام النقابة فى أحداث انقلاب على رؤساء التحرير فى الصحافة القومية.
وباعتباره مرشحا لايمكن إنكار ارتباطه المعنوى والسياسى مع تنظيم الإخوان المسلمين، إذ أنه المدافع التليفزيونى والصحفى الأول كما تثبت ذلك كل الوقائع عن الإخوان المسلمين، فإن المرشح ضياء رشوان قد تورط فى الكشف عن نواياه حين وزع رسالة موبايل على أعضاء الجمعية العمومية تقول (من يرغب فى تغيير رئيس تحرير القومى عليه أن ينتخب ضياء رشوان).. وقد أنكر المرشح هذه الرسالة وقال إنها منسوبة إليه.. ولكنه لم يتقدم ببلاغ إلى النائب العام لكى يقاضى من ادعى أنه قد لفق عليه هذه الرسالة.. فضلا عن أن الصحيفة الأولى فى التأييد له والتى توجد فيها غرفة عملياته (الدستور) - المرتبطة أيضا بالإخوان.. قد نشرت أن الرسالة نابعة من معسكره وفق ما ذكرت فى عدد يوم الجمعة.
الحقيقة الثانية هى أن المعركة أظهرت مجددا التأثير الحقيقى.. تنظيميا وعضويا وسياسيا وصحفيا للمؤسسات الصحفية القومية.. وإلا ما كان الإخوان قد سعوا من خلال المرشح المستجد إلى أن يروجوا لخطة تغيير رؤساء تحرير الصحف القومية.
الحقيقة الثالثة أن هناك عملية تربص دائمة بالمؤسسات الصحفية القومية.. وأن هناك سعيا إلى تفجيرها.. وأن هناك محاولات سوف تتكرر من خلال اعتصامات ومن خلال مظاهرات.. لو لم تسفر عن نتائج فإنها على أقل تقدير سوف تؤثر على الاستقرار.. وتشغل الصحفيين عن أعمالهم.. وبما فى ذلك مواجهة التطرف الذى تمثله جماعة الإخوان المحظورة.
ومن المؤكد أن هناك عديدا من حروب الاستنزاف المصرية الأخرى.. وبما فى ذلك العملية الصحفية السياسية التى أدت إلى استقالة وزير النقل السابق محمد منصور بعد أن حمل مسئولية كارثة قطار العياط.. والذى من المدهش أنه لقى بعد الحملة التى تعرض لها شعورا متعاطفا عبر عن نفسه فى نفس الصحف التى كانت قد هاجمته.
وقبلها كان أن تحولت فتوى بخصوص إجراءات ارتداء النقاب وضوابطه فى المعاهد الأزهرية.. وإجراءات لتنظيم المسموح بارتدائه فى المدن الجامعية وفى امتحانات الجامعات.. تحولت إلى حرب استنزاف لجهود الإمام الأكبر وكل المؤيدين للقيم العصرية والمدنية التى تحافظ على خصائص المجتمع.
ومن قبل الاثنتين تحولت مطالبات خبراء وزارة العدل إلى نوع آخر من حروب الاستنزاف التى غابت فيها حقائق.. وجهلت فيها جوانب قانونية وتم شغل المجتمع بتفاصيلها اليومية وجرت محاولات لكى تكون أداة لغل يد وزير العدل فى أن يقوم بدوره.. واستغلت فى فى ممارسة ضغوط من تيارات بعينها أيضا لصالح أمور أخرى ليس من بينها ما يعنى الخبراء ومطالبهم وإن كانوا هم فى صدارة تلك الصورة.
وهناك عشرات أخرى من الأمثلة التى لن تتوقف.. والتى سوف تستمر.. لأسباب مفهومة.. طالما ظن البعض أن هذه أو تلك أو غيرها يمكن أن تؤدى إلى إحداث خلل فى الاستقرار.. أو هز الأوضاع السياسية.. أو تحويل موضوع صغير إلى قصة كبيرة تنتقل إلى الشارع.. أو تصوير الأمر على أن المجتمع يعانى من احتقان هائل.. وهذا أمر غير حقيقى.. لكنها مصر التى سوف تظل كذلك إلى أكتوبر 1102.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
أو علي موقع المجلة :
www.rosaonline.net/weekly
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.