إذا عربت خربت.. هذه هي القناعة الجزائرية العامة.. وهي تشير إلي أننا لسنا أشقاء بالمعني الذي يحاول البعض ترويجه.. ذلك أن الشعب الجزائري يمثل خلطة قاسية من البربر الذين يقدرون التعبير الهمجي ووسائله العنيفة.. والأصل يترجم الفرع.. هذه هي خلاصة رؤية د. سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع الجنائي بجامعة عين شمس، وأحد الذين يحللون بجرأة واقع المصريين.. ولأنه أحد أقوي المحاربين لثقافة العشوائيات فقد حاورناه عن الأحداث الغوغائية التي ميزت سلوك الجمهور الجزائري الذي حضر مباراة منتخبه ضد منتخب مصر في الجزائر.. أو من يطلقون عليه جمهور! - ما تقييمك للأحداث التي صاحبت مباراة مصر والجزائر.. وما تلاها من ردود فعل علي المستويين الشعبي والرسمي؟ - علينا أن نستفيد من الدروس المستفادة من هذه التجربة المؤلمة، بحيث يمكن فيما بعد التعامل مع الدول العربية، وغير العربية.. إننا نعيش حالة من التعميم المخل مؤداه أن جميع الدول العربية متشابهة وأنها تماثلنا وهذا ليس صحيحا لأن كل بلد مختلف عن الآخر. الخطأ الأساسي أن سياستنا في التعامل مع الجزائر حكومة وشعبا لا تنطوي علي فهم موضوعي للتركيبة الاجتماعية للشعب الجزائري.. إننا نغفل تاريخ هذا الشعب الذي يضم أقساما متصارعة، فالغالبية العظمي من الشعب الجزائري تنتمي لأصول بربرية، ورغم أنهم مسلمون إلا أن لهم لغتهم الخاصة، وقد كافحوا بقوة لتعترف السلطة الجزائرية بلغتهم كلغة ثانية، ولا يعتبرون أنفسهم عربا مثل الأفغان والباكستان، ومناصرتهم للقضية الفلسطينية لكونها إسلامية، وأن فهم المصريين لهذا الوضع يساعدنا في تفهم الأحداث ومراجعتها في إطار التدخل الرسمي لنزع فتيل الأزمة. - هل لمسألة الحساسية أبعاد سياسية وثقافية أم أن الأمر مقصور علي ما يرتبط بالطبقة الشعبية مثل كرة القدم؟ - لقد أثر الاحتلال الفرنسي تأثيرا خطيرا علي الشخصية الجزائرية، فقد استمر 132 عاما وخلف وراءه مجتمعا منقسم الهوية، يظهر ذلك سواء في التعامل اللغوي أو الثقافي، ومعظم الجزائريين لديهم ثقافة فرنسية أكثر منها عربية، والإدارة العامة في الجزائر منذ الاستقلال عام 1962 لم تكن تعرف العربية، ورفعوا شعارا كان يقال إذا عربت خربت! وإن اللغة العربية بالنسبة لغالبية الجزائريين هي لغة القرآن الكريم، وبالتالي لا يوجد لديهم ما ندعيه بالشقيقة، أو أن مصر كانت سببا في إلغاء ومقاومة الهوية البربرية عبر عملية التعريب، ودعم ثورة الجزائر، وهو ما جعل شرائح مهمة وكبيرة بالجزائر تكره مصر ولديها رواسب قديمة خرجت وتصاعدت أثناء المباراة في السودان، وطبيعي لا يمكن أن يصدق عقل أن كل هذا العداء بسبب مباراة كرة قدم، وغير معقول أن تتحرك القيادة السياسية والقوات المسلحة أو تكون ردود أفعال الفائز بهذا العنف! - البعض دعا لأن تعيد مصر حساباتها السياسية تجاه المنطقة العربية علي خلفية أحداث المباراة، هل تؤيد هذا الاتجاه أم لا؟ - لابد أن تعيد مصر حساباتها في التعامل مع بعض البلدان العربية، بما يحفظ للمصري المتواجد فيها كرامته، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض الدول الأجنبية، وأن يؤدي الدبلوماسي دوره. - البعض رأي فيما حدث نقطة إيجابية هي التفاف الشعب حول الموقف الرسمي كيف يمكن استغلال هذه الروح والبناء عليها؟ - بأن نستلهم روح أكتوبر العظيم في محاربة التخلف والفقر وجميع أشكال التمييز. - لماذا تظهر هذه الروح في كرة القدم فقط ولا تظهر إزاء تحديات كبري أخري؟ - لأنها الفرصة المسموح من خلالها بالتعبير عن فرحتهم أو غضبهم وتفريغ ما لديهم من مشاعر فياضة. - كيف نطرح أهدافا أكبر يمكن جمع الناس حولها؟ - من خلال الدعوة إلي مؤتمر قومي جماهيري تشارك فيه جميع القوي الاجتماعية دون تفرقة لأي سبب سياسيا كان أو عقائديا، ووضع تصور لما يمكن أن يحقق للمصري ما يستحقه.. ويمكن التحرك بأن ينظم كل فريق مجموعة بحثية في شتي المجالات. ؟ بمناسبة النقاش الذي طرح مؤخرا.. ما المجال الذي يجب أن تتحرك فيه مصر.. هل ننكفئ علي أنفسنا.. أم نفكر في صيغة أخري للقومية العربية.. أم نطرح أنفسنا كجزء من العالم الكبير أو الكوكب كله؟ - هذا الكلام خيالي ومثالي.. ومصر لم تطرح نفسها كشقيقة كبري في العالم العربي، بل هم الذين اختاروها، مثلا ثورة 1952 قادت ثورات عربية أخري في دول عربية.. هم الذين طلبوا الثقافة والعلم والفن المصري، وطلبوا الأطباء والمهندسين والأساتذة.. مصر لم تفرض نفسها علي العالم العربي، بل العرب هم الذين سعوا إليها.. لابد أن تعود الريادة المصرية بأن نصلح أنفسنا ونحارب الفساد. - مرت بنا مواقف مشابهة ولم نستفد منها.. لأن الحماس الذي كان يواكبها تلاشي.. كيف نستطيع الاستمرار؟ - نعم، مرت مواقف مشابهة، ولم نستفد منها بالشكل المناسب ومن أجل أن نستفيد من هذه الروح يجب أن نلجأ إلي العقلانية في التفكير والبعد عن المصالح الذاتية المدمرة، وتغليب الحلم القومي، وأن نكون علي قلب رجل واحد. - ما القضايا التي يجب أن نوجه لها هذه الطاقة؟ - تعمير الصحراء وتحويلها إلي مزارع ومصانع.. لحظتها سوف تحل مشاكل البطالة ويعود العامل والمواطن المصري من الخارج للعمل في مصر، وسوف يأتي عمال من دول عربية يعملون عندنا ونصدر لهم علماء ومهندسين وأطباء وغيرهم. - ما الأكثر أولوية القضايا القومية أم الداخلية أم أن هناك تماسا بين الاثنتين؟ - لا يمكن الفصل بين القضايا القومية والداخلية، فالقضية الداخلية لها أبعاد قومية والعكس صحيح، مثلا أمريكا تقود العالم لأنها تهتم بقضاياها الداخلية والقومية.. وهو ما جعلها في ريادة العالم. الجميع كان يلتف حول أم كلثوم، بعيدا عن أنها مصرية.. لا يوجد تعارض بين القضايا الداخلية والقومية، فالعالم أصبح قرية صغيرة. - في رأيك هل مازالت الشعارات التي كانت مطروحة مثل القومية العربية والأخوة والأخت الكبري والتسامح إزاء ما تفعله بعض الدول العربية صالحة للاستخدام أم أنه آن الأوان لتعديل هذه الشعارات وبدلا من السعي لقيادة الأمة العربية تكون هناك مشاركة من كل دولة فيما تتميز به؟ - من قال إننا نسعي للقيادة ومن نقود وبأي دليل نقود بلادا أخري؟! الوضع أصبح متغيرا، وكل دولة أصبح لها نفوذ أو نقاط قوة، وكل دولة أصبحت تريد الزعامة والريادة نظرا للمتغيرات التي حدثت والانقسامات التي تضرب العروبة.. في السابق كان الالتفاف حول القومية العربية أمرا ضروريا ومهما، والدليل أن عبدالناصر عقب نكسة 1967 طلب اجتماع العرب بالخرطوم لدعم دول المواجهة مع العدو الصهيوني فحضر الجميع واستجاب وبدأت حرب الاستعدادات لأكتوبر الذي أعاد الكرامة العربية، والدول العربية هي التي منحت مصر الريادة والزعامة لتراثها الثقافي والحضاري وتميزها في المنطقة خلال هذه الفترة، والعرب هم أنفسهم الذين يهمشون الآن الدور المصري ويرفضون ريادتها للمنطقة.