رئيس بنك القاهرة: توجيه 50 مليون دولار من قرض مؤسسة التمويل الدولية لتمويل التجارة    "الأوقاف": تطوير مساجد آل البيت علامة مضيئة ومشرقة في تاريخ الدولة المصرية    شمال سيناء: لا شكاوى في امتحانات صفوف النقل اليوم    تعرف على 11 شرطًا التقديم.. «الداخلية» تُعلن قبول الدفعة العاشرة ب معاهد معاوني الأمن 2024 (تفاصيل)    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    بني سويف: إزالة 575 حالة تعد على أملاك الدولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة 22 لإزالة التعديات    لاتفاقهم على تحديد الأسعار.. «حماية المنافسة» يحرك دعوى جنائية ضد 7 سماسرة في سوق الدواجن    قوات الاحتلال تعتقل 30 من ذوي الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس» خلال مظاهرات في تل أبيب    مجلس الشيوخ ينعى النائب عبدالخالق عياد.. ويعلن خلو مقعده    تين هاج: من يطالب بإقالتي لا يفهم في كرة القدم    الصحف الأوروبية.. ماركا: مانشستر يحدد سعر بيع جرينوود والصن: بايرن ميونخ يرغب في ضم موهبة كريستال بالاس    «ضد المشروع».. ليفاندوفسكي يثير أزمة داخل برشلونة    مجلس الشيوخ يبدأ مناقشة خطط الحكومة للتوسع في مراكز الشباب    تصل للسجن 7 سنوات.. «خبير تربوي» يكشف عقوبة تسريب الامتحانات    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 1445 هجريًا.. ومفاجأة للمواطنين بشأن الإجازة (تفاصيل)    المشدد 5 سنوات لعاملين بتهمة إصابة شخص بطلق ناري بشبرا الخيمة    «شهد افتتاح مسجد السيدة زينب اليوم».. من هو «مفضل الدين» سلطان البهرة؟    إيرادات مفاجئة لأحدث أفلام هنا الزاهد وهشام ماجد في السينما (بالتفاصيل والأرقام)    بالمجان.. متاحف مصر تحتفل باليوم العالمي وتفتح أبوابها للزائرين    لتنمية النشء والتأهيل لسوق العمل.. بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والشباب والرياضة (تفاصيل)    السيطرة على حريق شب بسوق السد العالي في البساتين    ضبط قضايا اتجار في العملات الأجنبية ب16 مليون جنيه خلال 24 ساعة    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بمنطقة البدرشين    مواعيد القطارات من القاهرة إلى الإسكندرية واسعار التذاكر اليوم الأحد 12/5/2024    بعد رفع الفائدة 8% خلال 2024.. توقعات بتثبيت أسعارها خلال اجتماع البنك المركزي الشهر الجاري    وزيرة التخطيط: 10.6 مليار دولار استثماراتنا مع صندوق مصر السيادي خلال السنوات الماضية    الجزار يوجه بعدم التهاون مع المقاولين في معدلات التنفيذ وجودة تشطيبات وحدات سكن لكل المصريين    «الصحة»: ملف التمريض يشهد تطورًا كبيرًا في تحسين الجوانب المادية والمعنوية والعلمية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق «التوكتوك» وسرقته بالفيوم    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    كاميرون: يجب تنفيذ وقف مؤقت للقتال في غزة    صحيفة بحرينية: نأمل أن تكون المنامة نقطة انطلاق جديدة للعمل العربي المشترك    حكم أخذ قرض لشراء سيارة؟.. أمين الفتوى يوضح    «صناعه الشيوخ» تناقش تطوير المنطقة الصناعية بعرب أبو ساعد بالجيزة    انتحار ربة منزل في غرفة نومها بسوهاج.. وأسرتها تكشف السبب    مشتريات عربية تقود صعود مؤشرات البورصة في مستهل تداولات الأسبوع    وزير التعليم العالي : 7 مستشفيات تابعة للجامعات الخاصة في مرحلة متقدمة من الإنشاء والتجهيز    الدفاعات الأوكرانية تدمر خمس طائرات استطلاع روسية في خيرسون وميكوليف    فيلم Kingdom of the Planet of the Apes يتجاوز 22 مليون دولار في أول أيام عرضه    الرئيس الأمريكي يعزي البرازيل في ضحايا الفيضانات    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن التربية على حب الغير أول مبادئ إعداد الأسرة اجتماعيا "2"    جوتيريش يجدد دعوته إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة لأسباب إنسانية    فى احتفالية خاصة تحت شعار «صوت الطفل».. المجلس القومى للطفولة والأمومة يطلق «برلمان الطفل المصرى»    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بقرية زاوية العوامة بالضبعة.. غدًا    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    «القاهرة الإخبارية»: القيادة المركزية الأمريكية تسقط 3 مسيرات جنوب البحر الأحمر    السادسة والنصف مساء اليوم.. أرسنال يصطدم ب مانشستر يونايتد فى صراع التتويج بالدوري الإنجليزي    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي قبل مباراة مانشستر يونايتد وآرسنال اليوم    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    من مسجد السيدة زينب.. السيسي يشيد بدور طائفة البهرة في ترميم مساجد وأضرحة آل البيت    مش هروحه تاني، باسم سمرة يروي قصة طريفة حدثت له بمهرجان شهير بالسويد (فيديو)    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    حظك اليوم برج العذراء الأحد 12-5-2024 مهنيا وعاطفيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يقولون : السياحة حرام.. ودم السائح حلال!

فتوى الشيخ ابن باز يقول فيها: إن العناية بالآثار على الوجه الذى يحدث يؤدى إلى الشرك بالله عز وجل وعلا: لأن النفوس ضعيفة ومحمولة على التعلق بما تظن أنه يفيدها، والشرك بالله أنواعه كثيرة غالب الناس لا يدركها، والذى يقف عند هذه الآثار سواء كانت حقيقية أم مزعومة بلا حجة يتضح له كيف يتمسح الجهلة بها، والذين يستغلون هذه الآثار وتزيين زيارتها يهدفون إلى الكسب المادى، وليس هناك من يخبر الناس والزوار بأن المقصود فقط هو العبرة والتاريخ
الشيخ محمد بن باز، كتاب فقهاء النفط تأليف صالح الوردانى. ص 186 الناشر مدبولى.
فتوى أخرى للشيخ عمر عبدالرحمن يقول فيها: السياحة حرام ومصر لا تحتاج إلى السياح الذين يتوافدون عليها لكى يتكسب الناس من ورائهم، ويجب على السياح أن يبتعدوا عن بلادنا.
من كتاب الشيخ عمر عبدالرحمن - دار الوطن للنشر- المؤلف محمود فوزى.
هذا نموذج لعشرات الفتاوى التى كانت منتشرة فى السبعينيات فى الأحياء الشعبية سواء فى خطب الجمعة أو فى دروس الدين.. وتدور كلها حول شعارات أن السياحة حرام - ودخل السياحة حرام، ومن يتعامل فى السياحة كمن يأكل الربا وماله حرام!
وتطالب الحكومة بمنع دخول السياح فى بلادنا.
وبلغ الأمر أن الشيخ عمر عبدالرحمن يتمنى فى خطبه لو يستطيع هدم الهرم وأبوالهول بالمعاول.. حتى لا يجد السياح ما يغريهم بالحضور إلى بلادنا!
أما السبب الخطير فى هذه العداوة للسياح.. إلى حد قتلهم بالمدافع الرشاشة والقنابل اليدوية.. فهو أنهم يلبسون ملابس قصيرة ويشربون الخمر، والنتيجة الحتمية لهذه الفتاوى والأفكار الجاهلية هى ظهور مشاعر عدوانية وإجرامية نحو السياح الأبرياء بين العوام والجهلة وما أكثرهم!
وبلغ الأمر إلى تكوين فرق وتشكيلات من الجماعات الإرهابية مهمتها مطاردة السياح وقتلهم فى أى مكان من القاهرة إلى الأقصر وأسوان، وبلغ هذا العدوان القمة فى مذبحة الأقصر الرهيبة سنة 1995 التى راح ضحيتها 60 سائحا سويسريا، جاءوا إلى مصر الحضارة: مصر السلام.. يحملون لنا ولتاريخنا ولشعبنا كل تقدير واحترام ويضحون بالوقت والمال والأمن فى أوطانهم.. فانظر كيف نستقبلهم بالمذابح الجماعية وطوابير الإعدام؟
العجيب فى الأمر أن هذه الأفكار والفتاوى الجهنمية تنتقل بسرعة رهيبة من بلد إسلامى إلى بلد آخر مثل إندونيسيا! التى تعتبر السياحة فيها أحد موارد الدخل الرئيسية، فقد انقض أعضاء الجماعات الإرهابية، وللأسف الشديد أنهم تحت مظلة الإسلام أيضا وباسم الإسلام انقضوا على السياح فى جزيرة بالى.. وهم يحملون السيوف والسكاكين وقتلوا 180 سائحا أجنبيا.
وفى يوم 18 مايو 2003م تسللت الجماعات الإرهابية إلى مدينة الدار البيضاء فى المغرب إلى الأماكن السياحية، حيث أطلقوا النار، وفجروا الآثار حتى بلغ عدد القتلى 40 وعدد الجرحى مائة منهم أجانب ومنهم مواطنون محليون.
والسؤال الآن: كيف يحدث كل هذا التوافق.. وهذا الالتقاء الفكرى بين جماعات التطرف والإرهاب، فى العالم الإسلامى قاطبة من إندونيسيا إلى المغرب؟!.. وكيف تنتشر هذه الفتاوى والأفكار بهذه السرعة والقوة رغم ما فيها من إجرام وانحراف عن الدين ومن خطر على الإسلام والمسلمين؟!
وبرغم أن الأسباب التى يتعللون بها لإراقة هذه الدماء وقتل السياح.. أسباب تافهة.. وساذجة وغير مقنعة.. فتصور أيها المسلم لو كانت هذه الدعوة إلى الخير.. وإلى وحدة العالم الإسلامى، وإلى الإنتاج الصناعى والعلمى والاقتصادى، وإلى منافسة شعوب العالم فى الكمبيوتر والتكنولوجيا والبرمجيات، لما لقيت كل هذا الاهتمام والاستجابة الرهيبة والواسعة الانتشار كقتل السياح، ومن هنا نخرج بعدة نتائج مهمة:
أولا: إن هناك قوى محركة من خارج العالم الإسلامى تريد أن تحطم الإسلام والمسلمين.. وهى قوى منظمة ومدربة وذكية، وهى لا تظهر فى الصورة لأنها تعمل فى الخفاء والكتمان.. وتستعمل سلاح الفتنة ونشر الأفكار الهدامة والمدمرة، لتحطيم الإسلام من الداخل، وتأتى فى مقدمة هذه القوى المخابرات الإسرائيلية والأمريكية معا بعد أن أصبحتا شريكتين فى الأهداف والتخطيط والاستراتيجية، ولمزيد من الاطلاع على هذه الحقيقة اقرأ كتابى إسرائيل كما عرفتها، الذى يفضح بتوسع طرق هذه الجهات فى تحطيم خصومهم من الداخل دون أن يظهروا فى الصورة الناشر دار الأمين للطباعة والنشر.
ثانيا: إن الشعوب الإسلامية كلها تقريبا فى المرحلة الراهنة شعوب متخلفة تغلب عليها الأمية بنسبة 75٪، وهذا الجهل والتخلف يجعل منها فريسة سهلة لأى فكر متطرف أو عنيف أو مخرب، خاصة إذا جاء هذا الفكر تحت قناع الدين، وفى شكل فتاوى من المشايخ.. وهذا ما يجعل فتاوى أمثال الشيخ عمر عبدالرحمن تسرى بسرعة من القاهرة إلى إندونيسيا شرقا وإلى المغرب والجزائر غربا، وأخيرا انتقل بأفكاره إلى أمريكا نفسها.
ثالثا: إن غياب الديمقراطية وحرية الإعلام وأجهزة التنوير فى العالم العربى كله.. تجعل الفكر الهدام والأفكار المنحرفة تسرى فى الخفاء كما تسرى النار فى الهشيم، وذلك لأن الفكر المستنير الذى لا يعمل إلا فى النهار، والذى لا يستطيع كشف الحقائق محروم من العمل أو الظهور.
وأحب أن أنبه هنا إلى حقيقة مهمة جدا فجميع المسئولين فى العالم الإسلامى وفى مصر بالذات يتصورون أن موجة الإرهاب ضد السياحة التى اشتعلت بشدة فى السبعينيات قد انتهت إلى غير رجعة بفضل الإجراءات البوليسية الحاسمة، والعقاب والسجون وهذا خطأ كبير، فالفكر لا يحارب إلا بالفكر، والتوعية والتنوير الذى حدث اليوم وفترة الهدوء التى ننعم بها، مما أدى إلى ازدهار السياحة مرة أخرى، هذا لا يجب أن يغرر بنا، وكل ما حدث هو فترة انكماش للإرهاب تحت ضغط القوة.. ولا مجال للقضاء على هذه الأفكار الهدامة إلا بالتوعية الفكرية، وبالذات الدينية وبالتنسيق بين وزارة الداخلية والأزهر الشريف، والدليل على ذلك الحادث الإرهابى فى طابا والحادث الإجرامى فى الأزهر سنة 2005 وحادث الحسين!
رأى الدين فى السياحة:
دين الإسلام هو دين السلام والمحبة والتعاون بين سائر شعوب الأرض، وقد أمر الله المسلمين أن يتعاملوا بالبر والمودة والقسط، أى العدل مع أصحاب الديانات الأخرى، يقول تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين سورة الممتحنة.
والإسلام يطلق على غير المسلمين فى دولة الإسلام لقب أهل الذمة.. يستوى فى ذلك إن كان الذمى مقيما مع المسلمين أو سياحا عابرين.
ومعنى أهل الذمة أنهم فى ذمة الدولة ومسئولية الحكومة المسلمة والشعب المسلم، ولهم كل حقوق الرعاية والحماية والمواطنة، ولهم حق ممارسة كل طقوسهم الدينية، وكل حقوق المواطن، وأيضا لهم الحق فى العمل بكل ما يسمح به دينهم، ومن ذلك شرب الخمر ولعب القمار، وأى مسلم يمنعهم من ذلك أو يكسر الخمر الذى يشربونه يعاقب من الدولة ويغرم وقد يسجن، وهذا أمر متفق عليه فى جميع المذاهب.
والقرآن الكريم يشجع المسلمين على السياحة فى البلاد الأخرى فيقول تعالى: فسيحوا فى الأرض التوبة، فالسياحة علم وفن ورزق وعبادة، وهى أمر مستحب ويلقى التشجيع فى ديننا، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول اطلبوا العلم ولو فى الصين، ولذلك يبلغ عدد المسلمين المستوطنين والمقيمين فى أوروبا وأمريكا اليوم أكثر من 30 مليون مسلم، وأضعاف ذلك فى الصين، فهل من المنطق أو العقل أن نرفض قدوم سياحهم إلينا أو نعتبر السياحة حراما؟!
وقد بلغ الأمر ببعض الشباب المضلل والإرهابى أن يفجر نفسه فى وسط السياح المسالمين لكى يقتل أكبر عدد منهم ومن المواطنين العاملين فى السياحة! وهو يعتقد أن هذا استشهاد وله الجنة كشهداء فلسطين، والواقع أنه فى نظر الشرع مصيره نار جهنم لأنه يقتل إنسانا بريئا مسالما وليس عدوا محاربا، وعقابه فى الحياة الدنيا كقاطع الطريق وحد الحرابة أى تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وفى الآخرة فى النار لأنه فى حكم القاتل والمنتحر وليس شهيدا.
السياحة والحضارة الإنسانية:
السياحة ظاهرة حضارية من أرقى مظاهر التقدم البشرى فى العصر الحديث، فالسائح الذى يأتى من بلد بعيد ويترك عمله وأهله وأصدقاءه لكى يزور بلدا آخر غريبا عليه ويتعرف بقوم غرباء عنه، لكنهم أشقاء فى الإنسانية والآدمية.
وكل ما يريده هذا السائح من زيارته والمال الذى يدفعه بسخاء ونفس راضية، كل هذا فى طلب العلم والمعرفة، والتعارف بين الإنسان وأخيه الإنسان، وهو تقدير عظيم من هذا السائح للدولة التى يزورها، والشعب الذى يتعارف به، ولتاريخ هذه الأمة من الماضى السحيق وحضارة الأجداد.. وحتى العصور الحاضرة.
ولولا أن هذا السائح يحترم هذا الشعب ويحبه.. ولولا أنه يقدر ماضيه وحضارته، لما كلف نفسه عناء السفر الطويل والتكاليف الباهظة، وكثير من هؤلاء السياح يقضى فى بلده السنة كلها فى جد واجتهاد حتى يوفر نفقات رحلته مقدما.
ومثل هذا الإنسان المثقف الراقى.. صاحب هذه المشاعر النبيلة، والعزيز الكريم فى بلده.. مثل هذا يجب أن نستقبله فى بلادنا بأرق المشاعر، وأعظم التكريم، وقد شاهدت فى جميع الشعوب الأوروبية أثناء سفرى وزياراتى أن الكثير من المواطنين فى هذه البلاد يعطون للسائح رعاية خاصة من جانبهم بصرف النظر عما تقدمه له الحكومات والرسميون، فمنهم من يستضيفهم فى بيته ومنهم من يتطوع باصطحاب السائح وأسرته فى سيارته إلى مكان يحبه ويريد زيارته.. وكثيرا ما تقوم الصداقات والمودة بين العائلات ويتبادلون بعد ذلك الزيارات فى كل مناسبة.
فهذا فى حد ذاته أحد أعظم أهداف السياحة لأنه يخلق المودة والتعارف بين الشعوب وينمى مشاعر الألفة والصداقة بين البشر باختلاف أجناسهم وشعوبهم.
والسياحة فى مصر بالذات.. قد مرت بمرحلة طويلة من الإهمال فى عصور الظلمات عندما كان يحكمها المماليك والأتراك.. فالمماليك كانوا جهلة.. ولا يتعلمون فى المدارس.. وكل تعليمهم فى الفروسية والقتال.. وكانوا يطلقون على الآثار الفرعونية والتراث التاريخى كلمة المساخيط لأنهم بجهلهم كانوا يعتقدون أن هذه التماثيل الفرعونية والمومياوات المحنطة كانت بشرا فغضب الله عليهم وسخطهم فى هذه الصورة.. ولذلك كانوا يفرطون بغباء فى هذه الآثار لتجار أوروبا.. ويعتبرون أن التخلص منها نعمة وخدمة للإسلام إلى حد أن جميع متاحف أوروبا اليوم وأيضا أمريكا مليئة بهذه الآثار المنهوبة وتدر عليهم من زيارتها دخلا بمليارات الدولارات، هذا إلى جانب المسلات الفرعونية الضخمة التى يزينون بها ميادين لندن وباريس ونيويورك وغيرها من العواصم العالمية، وبعد المماليك جاءت الحملة الفرنسية ثم الاستعمار الإنجليزى الذين نهبوا الكثير والكثير فى غفلة منا وعدم إدراك لقيمة هذا الكنز وهذا التراث.
ورغم كل ما حدث لتراثنا الحضارى، وتاريخ الأجداد وعلومهم، فلايزال لدينا الكثير مما يجب أن نعتز به، وأن نصونه ونرعاه، وأن نهتم بالسياح الذين يعرفون قيمته ويأتون لمشاهدته من جميع أنحاء الأمم.
لقد كانت قناة السويس صاحبة الإيراد الأكبر والدخل من العملات الصعبة الذى يبلغ المليار دولار سنويا.. ولكن مع تركيز الدولة على السياحة، وإنشاء الطرق البرية، وأسطول السياحة النيلية، والفنادق الفاخرة، ومع الضرب على أيدى الجماعات الإرهابية والمخربين ابتدأت السياحة تنتعش.. وأصبحت مورد الدخل الأول فى مصر.. ووصل الدخل إلى 10 مليارات دولار سنويا.. ولاشك أن السياحة مع تحسن الخدمات يمكنها أن تغنى مصر عن المعونة الأمريكية التى لا تزيد على المليار دولار سنويا، التى تقيد الإرادة الوطنية الحرة.
والمعروف أن الكثير من دول العالم قامت حضارتها وصناعتها، ورخاؤها على السياحة أولا، وبعض هذه الدول كأسبانيا تستقبل كل عام 40 مليون سائح، ونفس الشىء فى إيطاليا وفرنسا، وهذا يوفر للدولة الواحدة ما بين 40 و50 مليارا من السياحة وحدها.
ومصر فيها من الإمكانات السياحية ما لا يوجد له مثيل فى أى دولة من هؤلاء وتتميز بالتنوع السياحى لكل الأذواق والأهداف، أولها ما حباه الله لها من جو ممتع طوال العام، لا هو حار ولا بارد، فمدن الصعيد تغرى بالسياحة الشتوية، أيضا ابتدأت السياحة الدينية تأخذ مكانها، سواء للآثار القبطية أو الإسلامية، وخاصة تتبع رحلة السيد المسيح عليه السلام إلى مصر وخروج موسى عليه السلام وقومه من البحر الأحمر، وصحراء سيناء التى كلم الله فيها نبيه موسى عليه السلام تكليما، أيضا ابتدأت السياحة للصحة، والاستشفاء في العيون الكبريتية وفى الحمامات الشمسية، ثم ابتدأت السياحة للرياضة مثل سباق الخيل والجمال وسباق السيارات والمباريات الدولية والغطس فى البحار.. وأخيرا المؤتمرات الدولية والعلمية والسياسية والاجتماعية.
وإذا كان تعداد الشعب المصرى 80 مليونا فلماذا لا نهتم بعدد مثل الدول الأخرى لا يقل عن 30 مليون سائح على الأقل، ودخل 30 مليار دولار؟!
المهم فى هذا كله هو توفير عنصر الأمان للسائح.. وذلك لن يتم كما ذكرنا بالشرطة وحدها، لكن أولا وقبل كل شىء عن طريق توعية الشعب كله بأهمية السياحة ويكون ذلك عن طريق رجال الدين وخطباء المساجد قبل وزارة السياحة ووزارة الإعلام.

بيان دار الإفتاء المصرية
حول مشروعية السياحة
فى مؤتمر عقدته لجنة السياحة والثقافة بمجلس الشعب ووزارة السياحة وأصحاب الشركات السياحية طلبوا من فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوى مفتى الديار المصرية أن يبين موقف الدين من السياحة، وقد أدلى فضيلته ببيان تفصيلى رد فيه على جميع النقاط والتساؤلات بكل وضوح وشجاعة نادرة.. وهذا تلخيص للبيان:
أولا: حول مشروعية السياحة ودخلها أكد أن السياحة حلال.. وأن الدخل السياحى يدخل من باب النفع العام وتجب عليه الزكاة، فالسياحة صناعة من الصناعات لها خيرها وقد يكون فيها بعض المخاطر والشرور، وعلينا أن نأخذ بالخير ونترك الشر، ونصح فضيلته بعدم إقحام الدين فى كل شىء حتى السياحة والصناعة والتجارة لأن هذا يضر بالدين نفسه، كما أكد أن زيارة التماثيل والآثار الفرعونية حلال.. ويجب رعايتها والمحافظة عليها باعتبار أنها ثروة قومية.
ثانيا: حول الاعتداء على السياح: فهو أمر يحرمه الإسلام.. وهو تخريب للاقتصاد القومى ولا ينبغى لأحد أن يتمسح بالدين، والدين برىء من هذه الجهالات، وقتل السائحين سفالة ونذالة وخسة، ولا علاقة له بالدين أو بالرجولة، والقائمون بهذه العمليات الإرهابية مغفلون وجهلاء والإسلام برىء منهم.
ثالثا: وحول ما يفعله السائح من شرب الخمر ولعب القمار والملابس القصيرة أجاب فضيلته: من حق الذمى أن يتصرف فى حدود عقيدته الخاصة به، والتى تبيح هذه الأمور، ومن الخطأ فى حق الإسلام أن نحاول إجبار السائح الضيف لنا، على ترك عقيدته، أو العمل بعقيدتنا، ومادام السائح جاء إلى بلادنا وبإذن من الدولة، أصبحنا مسئولين عنه وعن سلامته وحريته، وإذا خرج السائح عن القوانين التى وضعتها البلاد يجب على رجل الأمن أن يرشده بأسلوب مهذب وحكيم، ويبين له أن عقائد البلاد تمنع ذلك، وعلى سبيل المثال إذا حضر السياح خلال شهر رمضان، فيمكن أن تسلم لكل منهم نشرة رقيقة بعدم الأكل فى الطريق العام والاكتفاء بالأكل فى فنادقهم ومطاعمهم أثناء فترة الصوم.
رابعا: وحول ما تستلزمه السياحة من السماح بالخمور واستيرادها ووجود أندية للقمار، أجاب فضيلته:
لا شىء فى استيراد شركات السياحة للخمور، ولا شىء فى وجود أندية للقمار فى الفنادق، كما أن ذلك لا يضر البلاد، ومادام هذا خاصا بالسائح.. ولا ينبغى لأحد أن يتمسح بالدين، والدين برىء من هذه الجهالات.
وليت هذا البيان يوزع على أئمة المساجد والوعاظ، وأن يهتم فضيلة وزير الأوقاف الدكتور زقزوق بتوزيعه على أئمة المساجد وخطباء الجمعة، وأن يلتزم الجميع به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.