لأسباب عديدة منها غياب "الداعية الكاريزما"، واختلاف الأذواق فى الدعوة الإسلامية والتدين مع تنوع البيئات من إقليم لإقليم، انتشرت خلال الفترة الأخيرة ظاهرة "دعاة المحافظات"، فأصبح لكل محافظة تقريبا داعية، أحيانا يتجاوز فى الشهرة حدود محافظته، وبديهى وقتها أن تتلقفه القنوات المحلية ومنها الفضائيات الدينية الشهيرة رصدنا هذه الحالة، فلاحظنا أن الخطاب السلفى المتشدد لا يسيطر بشكل كامل عليهم، بل منهم المعتدلون الذين يدعون للإسلام الوسطى، ولهم مواقف سياسية واجتماعية تؤكد ذلك، مثل الشيخ "محمد سعيد رسلان" مهاجم الإخوان فى المنوفية، ود. "فرج الله الشاذلى" منتقد الفضائيات الدينية ورافض لظاهرة "عمرو خالد" الصوتية فى البحيرة، والشيخ عبد المنعم عبد المبدئ كاشف المخاطر الشيعية فى المنطقة حتى أهدروا دمه فى الإمارات! ونحن فى هذا التحقيق نفند هذه الظاهرة ميدانيا من خلال مراسلينا فى المحافظات بالدلتا والصعيد. فى المنوفية، يعتبر الشيخ محمد سعيد رسلان من أشهر دعاتها، وهم من قرية "سبك الأحد" فى مركز "أشمون"، ومن مواليد 5591 وحاصل على بكالورويس طب وجراحة فى جامعة الأزهر وليسانس الآداب قسم اللغة العربية شعبة الدراسات الإسلامية والماجستير فى علم الحديث عن بحث ضوابط الرواية عند المحدثين. ورسلان متزوج ولديه ولدان عبد الله وعبدالرحمن، تأثر فى حياته بالشيخ أبو العباس أحمد بن تيمية وتلميذه البار ابن القيم الجوزيه، ويلقى الخطب والدروس اليومية فى المسجد الشرقى المجاور لمسجد الجمعية الخيرية "الفرقان" لتحفيظ القرآن الكريم. ولا يدخل فى القضايا السياسية، لكنه أحيانا يتطرق إلى القضايا الاجتماعية، ومن أشهرها عند قيام الصيادلة بعمل إضراب على مستوى الجمهورية قام بإلقاء خطبة حول هذا الموضوع وهاجم فيها الصيادلة بشدة، وهو معتدل فى خطبه ويهاجم الإخوان المسلمين وينتقد سياساتهم والنهج المتبع لديهم بشدة، وعلى رأسهم سيد قطب والشيخ حسن البنا، وخصص 9 خطب بعنوان "أسئلة جماعة الإخوان المسلمين ونظرة ونقض الإخوان فى منهج الإخوان"، وخلاصة النصيحة والبيان من الإخوان "ونظرات فى منهج الجماعة" و"أصوات الناخبين و"إقامة الحجة" ورجاء الهداية لمراجعة منهج الجماعة". واختزل "رسلان" هجومه على الجماعة المحظورة فى اختلافه مع قطب الذى وصفه "بإمام الغلاة فى الجرح فى العصور المتأخرة" واتهمه بتكفير المجتمعات الإسلامية والبشرية جميعا ورمى الصحابة بالباطل فى مؤلفاته المعالم والظلال والعقيدة والتصوير الفنى فى القرآن. نقطة التحول فى حياته هى تركه لمهنة الطب والاتجاه للبحث فى الدين والتعمق، والسبب فى ذلك أنه أثناء إلقائه لإحدى الخطب فاجأه شخص بقوله: ما علاقة الطب بالدين؟! أما فى بورسعيد، فأشهر داعية هو "عبدالمنعم عبدالمبدئ" ويعمل كإمام وخطيب مسجد "رياض الصالحين"، وهو حاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة قناة السويس وبكالوريوس فى الشريعة من جامعة الإمام محمد بن عبد العزيز، وعمل 31 عاما فى دبى إمام وخطيب مسجد سلمان الفارسى، ويقوم بإلقاء دروس أسبوعية فى التفسير بالمسجد ودرس فى تجويد القرآن، ويلقى الخطب فى مساجد متفرقة، وله أشرطة للقرآن الكريم مسجلة من صلوات التراويح وأشرطة فى التفسير والخطب والمحاضرات المسجلة فى مساجد بورسعيد ودبى. وللداعية العجوز كرامات يرددها مريدوه عن الخشوع الذى يكون سببا لهداية من لايصلون فور سماع صوته، وهناك اتهامات توجه له أنه حول تصدير الإسلام الخليجى للبورسعيدية! وكان قد فر من الشيعة بعد أن ألقى خطبة فى الإمارات أوضح فيها حقيقة المذهب الشيعى فأهدروا دمه، وطالبوا بإعادته إلى مصر لأنهم لا يستطيعون حمايته، وسجل القرآن كاملا، ويذاع على إحدى القنوات الفضائية، وساهم فى بناء مسجد رياض الصالحين ببورسعيد بجمع تبرعات لبنائه وصلت إلى 3 ملايين جنيه، وشارك فى العديد من المشروعات المختلفة من تجارة مواشى وبقالة وزراعة وغيرها، ولكنه خسر فى جميع المشروعات التى تعامل فيها، وحاليا له سيارات سرفيس تعمل داخل المدينة.. وينتمى إلى جمعية أنصار السنة، وكان عضوا فى مجلس إدارتها منذ فترة وله زوجتان وأربعة أبناء؛ ثلاث بنات وولد. وفى كفر الشيخ، هناك أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامى والأستاذ بكلية التربية جامعة كفر الشيخ، وداعية، ويلقى خطبه فى عدد من مساجد كفر الشيخ، وله برامج دينية متعددة فى الفضائيات منها "الناس والحافظ والبركة واقرأ والقناة السادسة" بالتليفزيون. وهو متزوج من زوجة واحدة ولديه بنتان وولد، وعمل بجامعات أم القرى بمكة بالسعودية وطنطا ثم كفر الشيخ، وبدأ الدعوة من خلال القناة السادسة وإذاعة القرآن الكريم. ويقول عوض: إن لى آراء سياسية متعددة، ولكن يجب على الداعية الإسلامى عدم التجرؤ على الحاكم لأن الإسلام أمرنا بحسن معاملة الكافر، فما بالك بالمؤمن؟! أما مسألة تعدد الزوجات فلا أشجعها إلا لضرورة، فلابد من العدل بين الزوجات، ولكن ليس من السهل العدل بينهن، والرسول صلى الله عليه وسلم رفض أن يتزوج على بن أبى طالب بزوجة على ابنته فاطمة، وبالفعل لم يتزوج إلا بعد وفاتها، ومعروف أن تعدد زيجات الرسول كان لحكمة.. أما عن التيارات الدينية والمذاهب فغير صحيح الانتماء لها لأن الإسلام واحد ويرفض التعددية والتيارات فعندنا السلفية والإخوان وأهل السنة، فأنا لا أنتمى لتيار، فلابد من الوسطية وسبب الاختلاف والتفرق التيارات الدينية. وفى البحيرة الشيخ د.فرج الله الشاذلى الذى انطلقت شهرته من قرية "أرمانيا" بمركز "إيتاى البارود"، وحاصل على الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 4002 فى أصول الدين والتفسير والحديث الشريف. كانت بدايته كقارئ معتمد عام ,1891 وله خمسة أبناء من زوجته الوحيدة، وهم جميعهم خريجو كليات الأزهر، ولديه 7 أحفاد، وشارك فى حرب أكتوبر فى سلاح المشاة. وهو رئيس لجنة اختيار القراء المسافرين لخارج مصر وداخلها، ونقيب قراء البحيرة، ومفتش المقارئ بوزارة الأوقاف. وعن رأيه فى انتشار الدعاة الذين يتحدثون عشوائيا فى القنوات الدينية يقول: إنهم ليسوا أهل الفتوى ولا أهل الفقه، وعلى كل مشاهد أن يحول القناة، مؤكدا بأن الحجة للشيخ الشعراوى أولا فى المقام الرفيع والأزهر ورجاله والغزالى. ويقول إنه لم يسعده أن يشاهد عمرو خالد كثيرا ويراه عابرا، وعمره ما جلس أمام أى قناة ليسمعه حتى ولو دقيقة، لكنه يشيد بالداعية خالد الجندى ويصفه بالمعتدل، ويعلق على القنوات الفضائية الدينية المتعددة بأنه ليس كل من امتطى الجواد كان فارسا، وأنه ضد أى قناة تستغل دينيا لإثارة الفتن والبلبلة وإثارة الرأى العام وتستحوذ على عقول الشباب، فعلى الخطيب والداعية أن يحافظ على الأمن العام وعلى شباب مصر، ويحث الناس على الصلاة والزكاة وغرس المواطنة فى نفوس الشباب. ويشيد بالإمام الأكبر الشيخ محمد سيد طنطاوى، ويعتبره أباه الروحى، فقد كلفه بتلاوة القرآن بجميع المعاهد القرآنية الابتدائية وتسجيل القرآن (المصحف المعلم) على نفقة الأزهر لأنه يجمع بين كونه قارئا وداعية إسلاميا. ويرى الشيخ الدكتور فرج الله الشاذلى أن الداعية الإسلامى لابد أن تتوافر فيه القدوة الحسنة وأدوات القرآن الكريم وتفسيره وأحاديث الرسول وتفسيره وإتقان اللغة العربية الصحيحة التى يعتد بها، وتتوافر فيه الملكات والإخلاص، وعن أشهر القضايا التى تفاعل معها هى قضية الحجاب، فيوجه نصيحة إلى المرأة السيدة والشابة والفتاة أن تلتزم بالحجاب الشرعى الذى يستر عورات المرأة أما النقاب فليس شرعياً. ومن القضايا التى حاربها الزواج العرفى. وشجع المرأة على أن تكون مأذونة، وهى من أشد القضايا التى أشجعها. وعن أشهر موضوعات خطبه فى صلوات الجمع يقول: شرعت خطب الجمع لمواجهة خطب أحداث وظواهر ضارة ظهرت بالمجتمع وعلى الخطيب أن يراعى ذلك، ووقفنا فى جميع المساجد وخطبنا للوقاية من وباء أنفلونزا الخنازير والطيور وجنون الأبقار وقضايا سياسية أخرى مثل البعد عن الإرهاب واستثمار أوقات الفراغ ومساندة الإخوة الفلسطينيين. وفى الفيوم هناك الشيخ أحمد رمضان الريان - أحد الأئمة الذين يشار إليهم بالبنان - والريان ولد ضريرا فى عام 44 وتتلمذ على شيخة هى "الشيخة أفندية". والشيخ "الريان" يؤكد أنه تعرض لموقف لن ينساه طوال حياته عندما كان يخطب فى أحد مساجد القاهرة فى أيام عبدالناصر، وصدرت منه جملة اعتبرها الرقيب عيبا، ونقل للفيوم، وبعد الواقعة بأربعة أشهر فوجئت بشخص يأتى للمسجد الذى أعمل به كل جمعة لمتابعة خطبتى وكان ذلك فى يناير 1791 وظل يتابعنى حتى جاء حكم الرئيس السادات.. وتلاشى ذلك فى عهد الرئيس محمد حسنى مبارك، ولم يعد هناك رقيب على خطباء وأئمة المساجد، وأصبح كل خطيب يعمل بما يمليه عليه ضميره وفق ضوابط وزارة الأوقاف. والشيخ "الريان" يرى أن خطباء هذه الأيام تنقصهم القراءة والاطلاع ويعيبهم قلة الثقافة الدينية والعامة. والريان يقوم بتدريب الدعاة الجدد على كيفية الخطاب ومواجهة الجمهور.