فعلها "ماجد شوقى" رئيس البورصة المصرية- وأحدث دوياً هائلاً داخل سوق المال فى مصر.. عندما فجر قنابله- الموقوتة- واتخذ عدة قرارات بإيقاف أسهم 23 شركة مقيدة من التداول ببورصة الأوراق المالية فى يوم واحد ومرة واحدة! "شوقى" الذى وعد فى تصريحاته بأن هذه القرارات لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، أكد أنه يعد لإصدار موجة جديدة من قرارات الإيقاف لأسهم شركات أخرى فور الانتهاء من دراسة حركة تعاملاتها وتطور أسعار أسهمها ومقارنته برأس مالها، والأرباح التى تحققها وحجم المضاربة عليها ومدى تأثيرها على السوق! لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل راح يكشف لنا خبايا أخرى تتم فى كواليس البورصة المصرية ليعلن تورط عدد من شركات السمسرة فى الأوراق المالية فى "المسخرة الاقتصادية" التى ضربت السوق خلال الشهور الماضية، والتى يصل عددها إلى 01 شركات، موضحاً أنه سيعلن عن القائمة السوداء لأسماء هذه الشركات خلال الأيام القليلة القادمة بعد اتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة ضدها! المفاجأة التى لم يكشف عنها شوقى أو حتى إدارة البورصة، والتى استطعنا الوصول إليها تؤكد أن شركات السمسرة المتورطة استطاعت أن تجرى عمليات تلاعب ومضاربة على أسهم الشركات التى تم إيقاف أسهمها بالتنسيق مع مسئولى شركات المساهمة المقيدة بالبورصة حتى تمكنوا من الوصول بأسعارها إلى أرقام فلكية لم يحلم بها أحد منهم، كما حولوا سوق الأوراق المالية إلى ساحة وملعب للمقامرين والمغامرين والباحثين عن الأرباح الخيالية محققين بذلك حلم الثراء السريع لأنفسهم فقط دون النظر إلى مصلحة السوق ككل.. فضلاً عن جعلهم الشركات المساهمة الصغيرة ذات رأس المال الضعيف تستفيد هى الأخرى من اللعبة، وتقوم بإعادة تقييم أسهمها من جديد وفقا للأسعار السوقية- الوهمية- التى وصلت لها عن طريق المضاربات بالبورصة لتقوم بتقسيم الأسهم إلى قيم أقل- بمباركة هيئة سوق المال- لتصبح الشركة التى رأس مالها الاسمى لا يتجاوز 3 ملايين جنيه 07 مليونا، وهذا على الورق فقط لأنه لا توجد إضافات حقيقية جديدة قد طرأت على اقتصاديات أو أصول هذه الشركة! الدليل على ذلك هو ما تؤكده بيانات وأرقام ومعلومات سجلات البورصة المصرية.. فإحدى الشركات التى تم إيقافها وتعمل فى مجال السياحة كل أصولها عبارة عن عدد من المكاتب المؤجرة أشهرها بوسط القاهرة، ومجموعة سيارات لا تتعدى أصابع اليد، ويتلخص نشاطها فى حجز تذاكر الطيران والبواخر.. هذه الشركة التى يقدر رأس مالها الاسمى بمليون دولار وبدأت بسعر السهم 01 دولارات، وعندما علم أصحابها ما يجرى داخل البورصة قرروا النزول إلى الملعب وتقدموا بطلب للبورصة للقيد فيها، وذلك للاستفادة من ناحيتين الأولى اللعب على السهم ورفع قيمته، والأخرى للحصول على ميزة الإعفاء من الضرائب، وبعد شهور قليلة من القيد توصلوا إلى شركة السمسرة التى سيتم تنفيذ اللعبة من خلالها، وبدأت المضاربات و"الجيمات" على السهم، وبعد أيام قليلة قفزت قيمته السوقية نتيجة للمضاربة عليه، فأرادت الشركة أن تتوسع وتنفذ خططها على حساب المستثمرين الجهلاء الذين جروا خلف الارتفاعات دون أن يلتفتوا إلى أصل الشركة، وحقيقة سعر السهم.. فتقدمت بطلب إلى هيئة سوق المال لتقسيم سهمها من 01 دولارات إلى دولار واحد، ليصبح سعر السهم دولاراً واحداً، وليزيد عدد المساهمين إلى مليون مساهم، ثم كررت الشركة اللعبة مرة أخرى، وقامت بعملية جديدة لتقسيم السهم من دولار إلى 01 سنتات فقط ليصل سعره فى السوق قبل اتخاذ قرار إيقافه إلى 5،33 دولار للسهم! شركة ثانية تم إيقافها يقدر رأس مالها بنحو 6 ملايين جنيه والقيمة الاسمية للسهم 01 جنيهات.. أصولها عبارة عن جراج لتصليح وصيانة السيارات بأبورواش استطاعت بعد التلاعب على أسهمها أن تصل بقيمة رأس مالها السوقى إلى 57 مليون جنيه وترتفع قيمة السهم على الورق فقط من 01 جنيهات إلى 08 جنيها! شركة ثالثة تقدر قيمة رأس مالها الاسمية ب 21 مليون جنيه بسعر 02 جنيها للسهم وصل فى ظل الارتفاعات غير المبررة إلى 011 جنيهات لتقفز قيمة السهم السوقية إلى 801 ملايين جنيه! ورابعة تقدر القيمة الأسمية لرأس مالها ب 5 ملايين وسعر السهم 01 جنيهات ارتفع سهمها إلى 55 جنيها والقيمة السوقية لرأس المال نحو 55 مليون جنيه! شكاوى كثيرة وصلت إدارة البورصة من المستثمرين الجادين حتى تتدخل وتعلن الحقيقة لكنها لم تفعل، ولم تجد الشكاوى صدى لها ولم يظهر "ماجد شوقى" ليعلن للمستثمرين حقيقة الموقف حتى يكون لهم الخيار، وتركت الكارثة إلى أن تراكمت، ثم فاجأت البورصة الجميع بقرارات الإيقاف الجماعى لتربك السوق دون أن تحسب عدد الضحايا لهذه الكارثة، وهو ما جعل الشركات الموقوفة تتقدم ببلاغات إلى النيابة ضد الإجراءات التى اتخذتها البورصة ! لا شك أن القرارات التى اتخذها "ماجد شوقى" على الرغم من أهميتها وضبطها لحركة السوق وحماية كل فئات المتعاملين من كبار وصغار، إلا أنها جاءت متأخرة أكثر من 6 أشهر شهدت فيها البورصة استقراراً لأوضاع عشوائية غير طبيعية نشط فيها المتلاعبون، فتحركت فيها أسعار الأسهم وارتفعت بنسب تتجاوز 005٪ وزاد عدد المستثمرين الذين أصبحوا ضحايا الإيقاف بعد أن عطلت القرارات أموالا سائلة يمتلكونها تصل إلى نحو 01 مليارات جنيه نتيجة هذه التوقيفات! واجهنا "ماجد شوقى"- رئيس البورصة- بما لدينا من استفسارات وأسئلة، فبرر التأخير فى إصدار قرارات الإيقاف بطريقة المثل الشائع "نقفل الشباك ولاَّ نفتحه" ، وأجاب قائلاً: قرار الإيقاف قرار صعب يحتاج إلى أدلة وقرائن كافية قبل اتخاذه، وهذا يتطلب منا وقتاً طويلاً لدراسته من جميع الأبعاد، ومن المؤكد أن كل قرار له إيجابياته وسلبياته، لكن قرارات الإيقاف إيجابياتها ستكون أفضل للسوق وللمستثمرين على المدى القصير من سلبياتها، ونحن على مدار شهرين كاملين نقوم بدراسة أوضاع هذه الشركات بالتنسيق مع إداراتها، حيث طلبنا منهم استفسارات حول القفزات الضخمة على أسهم شركاتهم، فردوا علينا بأنه لا توجد هناك أسباب جوهرية، أو أحداث طرأت على اقتصاديات الشركة.. ثم طلبنا منهم مرة أخرى تقديم دراسات خاصة عن أهداف الشركة المستقبلية وخططها التوسعية واستراتيجية توفيق أوضاعها، طبقاً لتعديلات قواعد القيد الأخيرة، بالإضافة إلى القيمة العادلة لأسهم شركاتهم عن طريق مستشار مالى مستقل، وحرصاً من إدارة البورصة على المتعاملين بالسوق أصدرت قرارات الإيقاف لنحو 23 شركة والبقية تأتى، وذلك لحين قيام الشركة بتوفيق أوضاعها وأمهلناهم حتى 13 ديسمبر القادم ومن لم يوفق أوضاعه سيتم إلغاء قيده وشطبه من جدول البورصة. "شوقى" قلل من حجم الكارثة وقال إن هذه الشركات لا تمثل سوى 2٪ من حجم التداول بالسوق و2،5 ٪ من إجمالى رأس مال الشركات المقيدة بالبورصة! لكن خبراء سوق المال تباينت ردود أفعالهم حول القرارات، فمنهم من أيده بشدة، ومنهم من انتقد تأخيره وجماعيته.. فحاتم جامع- رئيس الشركة المصرية الإماراتية لتداول الأوراق المالية- يرى أن حامل السهم من المستثمرين سيكون أكبر الخاسرين، وهو المتضرر الوحيد من هذه الإيقافات، فهذه الأسهم فى صعود مستمر منذ 4 أشهر دون أن تتدخل البورصة، فما الداعى لهذا التدخل المفاجئ الذى لا يحدث فى أى بورصة فى العالم دون سابق إنذاراً أو توجيه للمتعاملين، ثم إن هذه القرارات يمكن أن تساعد على هروب المستثمرين نظراً لتخوفهم من صدور أية قرارات سلبية، ثم ما هو ذنب شركات السمسرة الملتزمة بالنسبة لموقف مديونيات عملائها، موضحاً أن السوق كانت تحتاج إلى التعجيل بهذه القرارات لتجنب الغش والتدليس من قبل بعض المتعاملين.. مشيراً إلى أن القرار يعتبر قاسياً على البعض! بينما يرى "علاء عبدالحليم"- العضو المنتدب للمجموعة المتحدة للوساطة المالية- أن ما فعلته البورصة يصب فى النهاية فى مصلحة السوق، وينقيها من المقامرين، فالقرارات استهدفت منع المضاربات، لكنه يطالب بتحديد وقت تتدخل فيه البورصة قبل عمليات الإيقاف حتى يكون للمستثمر الاختيار فى الاستمرار فى شرائه للسهم أو بيعه قبل أن تقع الكارثة! مؤكداً أنه رغم كل ما حدث فإن القرارات جعلت المستثمرين يتجهون إلى الأسهم الأكثر استقراراً وقوة ولديها مراكز مالية عالية.