"انطلقت العاصفة فى العراق فأصابت ذقن اليمن بالغبار".. هكذا لخص أحد الأصدقاء اليمنيين الموقف المأساوى الذى تشهده منطقة صعدة هذه الأيام.. حيث تحالف الماركسيون الانفصاليون مع الشيعة المدعومين من الخارج مع تنظيم القاعدة.. وهدفهم تفتيت هذا البلد الشقيق.. وأدى القتال الشرس بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين المتمردة إلى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى وهروب أكثر من 051 ألفاً من المدنيين إلى الجبال شمال شرق اليمن على الحدود السعودية.. وتناولت وسائل الإعلام صور أشلاء القتلى ونزيف الجرحى وآلام المشردين فى الجبال.. كما تناولت آراء الخبراء التى زادت المشهد غموضاً. باختصار شديد تعتبر المواجهات الحالية هى السادسة بين الجيش اليمنى والمتمردين الحوثيين.. وقد تعددت أسباب هذه المواجهات ومن أخطرها محاولة الحوثيين الانفصال عن الحكومة المركزية فى صنعاء وإقامة إمارة إسلامية على المذهب الشيعى الزيدى.. وهى محاولة للعودة إلى نظام الإمامية المتخلف الذى حكم اليمن ألف سنة حتى أسقطته الثورة عام .1962 وكانت البداية هى محاولة السيطرة على أجزاء شاسعة من محافظة صعدة.. ولذلك يخوضون المعارك فى محيط هذه المحافظة خاصة فى مناطق الأزقول والملاحيظ وحرف سفيان والمقاش ووادى شهوان والنقعة ودماج وجبل الحفور وغيرها.. ولذلك يخوض الحوثيون حرب عصابات شرسة ضد الجيش اليمنى حاليا.. وفى العام الماضى وتحديداً فى شهر مايو وخلال الحرب الخامسة بين الجيش اليمنى والحوثيين.. والتى أسفرت عن تضرر أكثر من 120 ألفاً من المدنيين منهم 20 ألف يتيم وعشرة آلاف معاق.. وتقول مصادر الحكومة اليمنية إن هذه الحرب استنزفت ما لا يقل عن مليارى دولار من ميزانية الدولة بالإضافة إلى 500 مليون دولار من المساعدات الخارجية.. أما عن حجم الخسائر التى وقعت نتيجة المعارك التى تدور حاليا فيصعب تقديرها نظراً لعدم توقف العمليات العسكرية فى صعدة حتى الآن.. هذا ما أكده د. أحمد محمد الكبسى نائب رئيس جامعة صنعاء وأستاذ العلوم السياسية.. وأضاف: إن تمرد الحوثيين فى صعدة شأنه شأن كل العمليات الإرهابية التى تعانى اليمن منها والتى ترتبت عليها خسائر فادحة وأخطرها ما يضر بالاقتصاد اليمنى نتيجة هروب رأس المال الأجنبى بل الوطنى فضلاً عن الخسائر البشرية والمادية من تدمير للطرق وهدم للمبانى.. إلخ.. وكل هذه الخسائر يتحملها المواطن العادى نزوحا من مناطق القتال أو معاناة من البطالة وارتفاع الأسعار. وفى هذا المجال أكد د. عبدالمولى الشميرى - سفير اليمن بالقاهرة - أن القوات الحكومية تحقق انتصارات فى مواجهة المتمردين، والموقف العسكرى مطمئن.. ولكن المشكلة تتمثل فى العواصف التى تضرب معسكرات الإيواء ومناطق عمران والملاحيظ وصعوبة وصول المعونات إلى المشردين فى الجبال هربا من المعارك.. والحكومة اليمنية تحتاج إلى مساهمات دولية وإقليمية فى مشروعات التنمية لأن هذه الحرب تستهلك موارد الدولة وتصيب هذه المشروعات بالشلل.. وأعتقد أن شركاءنا فى الموقف لن يترددوا فى المساعدة.. وأضاف د. الشميرى: إن العالم كله يساند الأخ الرئيس على عبدالله صالح فى موقفه حيث عقد الأسبوع الماضى اجتماع بين وزراء الخارجية العرب وهيلارى كلينتون فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث تطورات الاشتباكات التى اندلعت منذ الحادى عشر من الشهر الماضى بين الجيش اليمنى والمتمردين الحوثيين والذى انتهى إلى تأييد الرئيس اليمنى الذى أرسى الديموقراطية والاستقرار فى اليمن.. وأعلن عبدالله أوغلو الأمين العام للمؤتمر الإسلامى تأييده للنظام اليمنى فى مواجهته للتمرد الشيعى فى صعدة الذى يقوم به الحوثيون. مطالب الحوثيين وعندما سألت السيد أمين يسرى سفير مصر السابق فى اليمن: ماذا يريد الحوثيون..؟ قال: أنا شخصيا سألت قائدهم منذ أيام نفس السؤال فلم يستطع الإجابة.. وكل ما قاله إن الحكومة فى صنعاء فاسدة.. فقلت له فى اليمن ديموقراطية.. وإنه يستطيع أن يشكل حزبا معارضا ويقول ما يشاء عن فساد الحكومة ويترك الحكم للشعب فى هذا الأمر.. فإذا كان ما تقوله ياحوثى صحيحاً فسوف يلتف الناس فى اليمن حولك وحول حزبك.. عموما خرجت من كلامى مع قائد الحوثيين أنه لا يملك رؤية واضحة تحدد ما يهدف إليه.. وهو ما يشير إلى أن هناك قوى خارجية تحرك هذا التمرد.. وفى تقديرى أن هدفهم إنشاء قاعدة شيعية فى اليمن وعلى حدود السعودية ينطلقون منها إلى مناطق قريبة.. والدليل على ذلك أن القبائل اليمنية والناس هناك يملكون كميات كبيرة من السلاح الخفيف ويشترونه من الأسواق كأى سلعة أخرى.. ورغم ذلك أدهشنى جداً أن الحوثيين لديهم أسلحة ثقيلة لا تتواجد إلا فى الجيوش النظامية.. فكيف حصلوا على هذا السلاح؟.. ومن أين لهم بالأموال التى تجعل لهم مكتبا فى ألمانيا ومتحدثا رسميا وأجهزة دعاية فضلاً عن الإنفاق الضخم على العمليات العسكرية التى يقومون بها.. وأضاف يسرى: الرئيس على عبدالله صالح له كل الحق فيما أعلنه من أن القتال ضد الحوثيين لن يتوقف إلا بعد القضاء على تمردهم حتى ولو استمر لعدة سنوات.. لأن أى زعيم وطنى مخلص لا يمكن أن يسمح بأن تقام دولة داخل الدولة أو يسمح بتفتيت وطنه.. والمشكلة أن القتال يدور فى مناطق جبلية وعرة جداً بين القوات الحكومية، وهى عبارة عن جيش نظامى له أساليبه فى القتال والتى تختلف عن أساليب حرب العصابات التى تمارسها قوات الحوثيين ومنها اضرب واهرب.. أو تفجير الطرق.. أو القنص.. هذا بالإضافة إلى حرص الجيش اليمنى على سلامة المدنيين فى المناطق التى تدور فيها المعارك. بدر الحوثِى وأبناؤه والآن ما هى الحوثية؟ ومن هم الحوثيون؟.. ورداً على هذا السؤال تشير بعض المصادر إلى أن مؤسس هذه الحركة هو بدر الدين الحوثى الذى كان ينتمى للمذهب الزيدى الذى ينتمى إليه 40 ٪ من سكان اليمن.. ثم تحول إلى المذهب الجعفرى الاثنا عشرى، وعرف طريقه إلى إيران حيث درس فى قم بإيران لمدة ثلاث سنوات.. وادعى أن له الأحقية فى الإمامة.. ثم عاد إلى صنعاء بموجب عفو من الرئيس على عبدالله صالح على أن يمارس شعائره حسب المذهب الزيدى المنتشر فى اليمن.. وكان لبدر ثلاثة أبناء هم "حسين"، وقتل فى الحرب الأولى بين الحوثيين والقوات اليمنية عام 2004 و"يحيى" وكان عضوا بمجلس النواب اليمنى.. وهو الآن لاجئ سياسى فى ألمانيا.. ثم "عبدالملك" الذى يقود قوات الحوثيين المتمردة حتى الآن.. وحاول بدر الآن نشر فكره من خلال توزيع الكتيبات وإلقاء المحاضرات وتجنيد الموالين له من غير المتعلمين فى المناطق النائية مثل صعدة.. وادعى الأب أن السلطة مغتصبة وأن له الحق فى الحكم حيث كان يعتقد - حسب المذهب الذى يتبعه - أن الحكم لا يصح إلا لمن هم من نسل الحسن والحسين، وادعى أنه من هذا النسل، وبالتالى أعطى لنفسه الحق فى الحكم. تقسيم طبقى مذهبى ومعروف أن هذا المذهب لا يؤمن بالديموقراطية أو تداول السلطة من خلال الانتخابات وهو مذهب يقسم الشعب إلى ثلاث فئات أو طبقات؛ الأولى وهم السادة وهم من نسل الحسن والحسين، والطبقة الثانية وهم القضاة وهم من أتباعهم فى هذا المذهب، والطبقة الثالثة وهم العامة من الناس.. وهذا التقسيم الطبقى المذهبى كان سائداً فى عهد الأئمة الذين حكموا اليمن لمدة تزيد على الألف سنة حتى قامت الثورة عام .1962 المهم هنا أن أهل اليمن الذين عاشوا طوال تاريخهم ينعمون بالتسامح المذهبى يرفضون الآن فكر الحوثيين لأنهم يأخذون ببعض عقائد الشيعة الإمامية.. هذا بالإضافة إلى اقتراب الحوثيين من إيران وسياستها، وهو ما لا يقبله أهل الزيدية اليمنيين، وأدى تمرد الحوثيين على الحكومة اليمنية وإسرافهم فى القتل والنهب وتلغيم الطرق وهدم المبانى إلى زيادة رفض الشعب اليمنى لهم فى كل أنحاء البلاد وليس فى صعدة وحدها.. ويصل الرفض إلى حد الكراهية عند أهل الجنوب السنة الذين ينتمون لمذهب الإمام الشافعى.. هذا بالإضافة إلى أن الحوثيين غير مقبولين اجتماعيا حيث لا يقبل أحد فى اليمن بقيادتهم.. حتى أبناء ذرية القاسم الرسبى الذى يتفرع عنه السادة الأشراف فمن ظهرت فيهم - واستمرت - إمامة اليمن فأسر حميد الدين والوزير وغيرهما يرفضون قيادة الحوثيين للزيديين.. باختصار.. الحوثيون مرفوضون حتى وسط الفئات التى تؤمن بنفس مذهبهم وداخل القبائل التى ينتمون لها. مشروع انتحارى احترت وزادت حيرتى كلما استمعت إلى آراء العديد من الإخوة اليمنيين.. بعضهم رفض التعليق بدبلوماسية مثل د. محسن العينى رئيس الوزراء اليمنى الأسبق، وإن أبدى تعاطفه مع اليمن كدولة موحدة ونظام حكم يسعى لتطبيق الديموقراطية فضلا عن الاهتمام بالنمو ا لاقتصادى وتحقيق الرفاهية للشعب.. وبعضهم أغرقنى فى تفاصيل سياسية شديدة التعقيد مثل د. فؤاد الصلاحى أستاذ العلوم السياسية فى جامعة صنعاء.. وبعضهم أكد أن خطورة الحوثيين تتلخص فى سعيهم لاستعادة نظام حكم الأئمة الذى حكم اليمن مئات السنين، وهو ما يعنى العودة باليمن إلى القرون الوسطى الظلامية.. والبعض اعتبر أن الحوثيين مشروع انتحارى يهدف إلى تفتيت اليمن.. والبعض رأى أن الحوثيين استثمروا العديد من المشاكل الاقتصادية التى يعانى منها أهل الجنوب ولم تجد الحكومة فى صنعاء لها حلا منذ قيام الوحدة عام .1990 وبعضهم تحدث عن جرائم الحوثيين والإرهاب الذى يمارسونه باسم الدين.. وتحدث عبدالعزيز جبارن النائب عن حزب المؤتمر الحاكم عن معاناة المتضررين من تمرد الحوثيين وخاصة سكان منطقة قحظة الذين أجبرهم الحوثيون على ترك منازلهم وأحيائهم تحت تهديد السلاح.. وأشار إلى أن المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أكدت على لسان لور شدراوى أن الوضع الإنسانى فى صعدة أصبح صعبا جداً بعد أن نفدت المواد الغذائية نهائياً فيها.. وأن المدنيين أصبحوا فى حاجة ماسة إلى الماء والدواء.. وأضاف: إن العمل يجرى حالياً لإيجاد ممر آمن لتوصيل المساعدات لهم. تسامح دينى ولكن كيف وصل الوضع إلى هذه الدرجة من التدهور؟.. وكيف صعد هؤلاء الحوثيون إلى مسرح الأحداث بهذا الشكل؟.. عبدالودود المطرى المستشار بالسفارة اليمنية بالقاهرة أجاب وروى تفاصيل مذهلة.. قال: حقيقة الأمر أن المذهب الزيدى فى اليمن من المذاهب الشيعية المعتدلة للغاية لدرجة أنه يقال عن الفقيه زيد أنه إمام الزيديين وشيخ السنة.. ويقصد بذلك أنهم تقريباً سنة.. وهم من نسل أهل بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة سيدنا على والسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنهما.. ومعروف أن أهل اليمن طوال تاريخهم وهم يعيشون فى تسامح دينى فلم تعرف اليمن مدارس دينية تدرس مذهبا بعينه.. ولم يعرف أهلها أن هناك مساجد للسنة وأخرى للشيعة.. واقتصر التفريق بين المذاهب على بعض المظاهر الشكلية.. فهناك من يضم يديه فى الصلاة وهناك من لا يضمهما، وهناك من يقول فى الأذان "حى على خير العمل".. وهناك من لا يذكر هذه العبارة.. وبعد قيام الثورة ظل هذا التسامح سائداً، لذلك قامت الدولة بعد الحركة المباركة وإعلان التعددية السياسية فى اليمن عام 1990 بإنشاء العديد من المراكز الدينية الصيفية فى مختلف المحافظات اليمنية.. ومنها منتدى الشباب المؤمن فى محافظة صعدة بإشراف عدد من علماء المذهب الزيدى، وترأسه الشيخ محمد يحيى سالم عزام، وكان المنتدى مركزا دينيا وثقافيا ليس له أى علاقة بالعمل العسكرى أو حتى السياسى حسب بيان تأسيسه الذى نص على أن المنتدى يهدف إلى بناء الشباب دينياً وروحياً.. وهو ما يعنى أنه لم يؤسس ليكون تنظيماً سياسياً أو حزبياً أو عسكرياً.. واستمر هذا الحال حتى جاء بدر الدين الحوثى بمعتقده المذهبى الغريب.. وحاول أن يكتسب أتباعا وينشر فكره فى مناطق نائية حيث عمل على تجنيد موالين له من أبناء تلك المناطق وإغرائهم بالمال.. وبعد أن انضم الحوثيون فى منتدى الشباب المؤمن فى صعدة بدأت المشاكل عندما عارض الحوثيون المنهج الذى يدرس فيه للطلاب واشتدت معارضة زعيمهم بدر الدين الحوثى، فانسحب الشيخ محمد يحيى من الإشراف على المنتدى، بعدها بدأ الحوثيون فى كسب تأييد شريحة واسعة من الشباب غير المتعلم بهدف السيطرة على المنتدى وشكلوا قيادة جديدة له بدلاً من المؤسسين الحقيقيين له.. وبدأوا فى إقناع الشباب بفكرهم المنحرف الذى يهدف إلى استخدام الدين فى السياسة وإعدادهم نفسياً وفكرياً للقيام بالأعمال العسكرية.. وهو ما بدأ يحدث منذ عام 2004 حين اندلعت الحرب الأولى بين القوات اليمنية والمتمردين بقيادة حسين بدر الدين الحوثى الذى قتل فى جبال مراج.. والحرب الثانية قادها والده بدر الدين الحوثى فى مواجهة الدولة وانتهت بوساطة قطرية سرعان ما انهارت بسبب رغبة الحوثيين فى مواصلة القتال. انفجار الخلافات المثير هنا - وفقاً لما أكده المطرى - أن الخلاف الأول ظهر عام 1996 بين المؤسسين للمنتدى والحوثيين.. وكان حول مناهج التدريس.. وتكونت لجنة من العلماء الدينيين لمراجعة هذا المنهج.. وكان مؤسس المنتدى قد أعده فى إطار التركيز على الفكر الدينى المستنير فى إطار صحيح الدين ودراسة الموروث الدينى بجرأة والإجابة عن الأسئلة الخلافية بحرية.. بينما ركز الحوثيون على إعطاء الأولوية لدعم علاقاتهم بالشباب والعمل على إعدادهم سياسياً وعسكرياً بدعوى التهذيب الدينى والروحى.. وهو الأمر الذى أدى إلى انفجار الخلافات التى وصلت إلى قمتها عام 1999 ولكن للأسف تم التكتم عليها.. مما أدى إلى زيادة سيطرة الحوثيين على المنتدى. وفى عام 2001 وصل الأمر إلى قبول المؤسسين باتفاق يتيح لهم الإشراف على المنتدى لمدة عام مقابل إشراف الحوثيين عليه فى العام التالى، وهكذا، ورغم ذلك لم يلتزم الحوثيون بهذا الاتفاق واستولوا على المنتدى تماماً.. وبدأوا بعد ذلك فى الإعلان عن اتجاههم السياسى وقادوا الشباب فى مظاهرات معادية للدولة ورددوا الشعارات الإيرانية "الموت لأمريكا.. والموت لإسرائيل" ورفعوا صور حسن نصرالله.. واعتمد الحوثيون فى تجنيدهم للشباب والتغرير بهم على "تقديس الملازم" وهى عبارة عن "كشاكيل" مدون بها كلام لا علاقة له بالدين، وهو عبارة عن محاضرات تقنع الشباب بأفكارهم المنحرفة التى تتضمن سب السلف الصالح، وتحض على عصيان النظام القائم فى اليمن بقيادة الرئيس على عبدالله صالح الذى يحرص على نشر صحيح الدين الإسلامى.. ولم يكتف الحوثيون بذلك بل رفعوا السلاح ضد الدولة بدلاً من الدعوة للدين بالحكمة والموعظة الحسنة.. وعندما تكررت هزائمهم طلبوا وساطات شيوخ القبائل.. ومع كل وساطة يتكرر عفو الدولة عنهم، وفى الحرب الثالثة تدخلت قطر بالوساطة وتمت مصالحة، ولكن لم يكتب لها النجاح، وحالياً لم تعد القبائل اليمنية تقبل بسلوك الحوثيين وأصبح العالم كله يرفض موقفهم. الفرقاء يتفقون وكان أغرب ما فى أحداث تمرد الحوثيين الدموية ما أعلنه الرئيس السابق لجمهورية اليمن الجنوبى على سالم البيض - الذى تولى رئاسة أول دولة عربية ماركسية والتى سقطت بقيام دولة الوحدة اليمنية عام 1994- من تأييد للحوثيين ودعا أهل الجنوب للتضامن معهم فى حربهم ضد الحكومة فى صنعاء.. وإذا أضفنا إلى ذلك عناصر تنظيم القاعدة الذين سبق أن نفذوا العديد من العمليات الإرهابية فى اليمن مثل حادث المدمرة كول فى عدن، وقبلها حادث اختطاف السياح الأجانب فى محافظة أبين عام 1998 ثم الهجوم على السفارة الأمريكية، والعديد من التفجيرات التى شهدتها العاصمة.. وعملية اغتيال السياسى البارز جار الله عمر، وبعدها اختطاف عدد من الأطباء الأمريكيين فى مدينة جبلة.. والمشكلة هنا لم تعد هى قيام تنظيم القاعدة بتنفيذ عمليات إرهابية باليمن، بل أصبحت المشكلة أن هذا البلد الشقيق يوجد به العديد من الخلايا النائمة والتى صارت جزءاً من بنية فكرية وسياسية وحركية فى اليمن، وأنها تتداخل مع قوى داخل الحركة الإسلامية النشطة هناك.. وأغلب هذه الخلايا تضم من ينطلقون من منطق عدائى حاقد، ودائماً ما تجد على ألسنتهم دعاوى الانتقام، وكل ذلك تحت غطاء الدين وتحت مسمى الجهاد.. المهم هنا أن بن لادن زعيم القاعدة ذات الأصول اليمنية الحضرمية يحلم بالعودة إلى جذوره بعد أن ضاقت به السبل فى أفغانستان وباكستان والعراق.. ربما لذلك يسعى إلى زعزعة الاستقرار وتدمير الدولة فى اليمن بمساندة إيرانية واضحة.. لأن كلا من إيران وتنظيم القاعدة يسعى إلى تحقيق نفس الأهداف فى المنطقة، والتى يمكن تلخيص أهمها فى تمهيد الطريق لإقامة قاعدة لهما فى الجنوب اليمنى تهدف إلى تحويل اليمن إلى دولة فاشلة مثل الصومال تتيح للطرفين الانطلاق إلى باقى دول المنطقة.. فانطلاقاً من الجنوب اليمنى يمكن الوصول إلى العاصمة فى الشمال ومن هناك يمكن الوصول إلى شواطئ باب المندب وبحر العرب وصولاً إلى الصومال لإحكام السيطرة على مداخل البحر الأحمر. ولتحقيق ذلك ولو جزئياً أرسلت إيران قطعا بحرية من أسطولها الحربى إلى هذه المنطقة بحجة حماية نفطها من القراصنة الصوماليين.. ولتحقيق نفس الهدف سعى الطرفان إلى إشعال حروب الحوثيين كلما هدأت خمس مرات بخلاف الحرب الدائرة الآن بهدف دفع المدنيين فى صعدة وما حولها إلى الهجرة الداخلية لتزداد معاناة الناس والنظام اليمنى، وإلى دفع الناس للانضمام إلى الحوثيين المتمردين طلباً للمال أو الحماية أو خوفاً من دمار قد يلحق بهم دون ذنب ارتكبوه. وفى النهاية نجد أن الأحداث الدموية التى تشهدها اليمن حالياً قد شكلت جبهة معارضة واسعة تضم أعداء اليمن من الماركسى على سالم البيض وعلى ناصر محمد وطارق الفضلى الذى قاتل ضد الماركسيين فى جنوب اليمن فى الماضى.. وتضم هذه الجبهة عبدالمجيد الزندانى الذى كان حليفاً مخلصاً للرئيس اليمنى على عبدالله صالح حتى وقت قريب.. كما تضم بن لادن زعيم تنظيم القاعدة.. وقادة إيران الذين يدعمون المتمردين الحوثيين فى اليمن.. وهكذا تتوالى الحروب فى اليمن بتمويل من طهران التى تدفعه من المال الحلال لقتل المسلمين فى صعدة وغيرها.