ماذا تتوقع أن ينتج من حوار بينك وبين طبيب نفسى شهير؟! بل ماذا لو تعاملت معه باعتبارك الطبيب وهو الحالة؟! أنت الواعى وهو المستلقى أمامك فوق الأريكة الشهيرة فى وصلة بوح صادقة؟ بل ماذا تتوقع لو كان هذا الطبيب هو الدكتور أحمد عكاشة؟! * هل سيجيبك بسهولة عن أسئلة دوما ما يسألها لمرضاه مثل تلك التى تحكى عن علاقة المريض بأمه أو تلك التى تفضح قهر العادات والتقاليد القاسية أو حتى عن الانكسارات والانهزامات العادية واليومية؟ * هل سيقبل دكتور عكاشة التجربة؟ وهل سيجيبك بصدق أم ستكتشف أنك مازلت كما أنت مريضا وهو الطبيب؟! وكانت البداية لا تبشر بالخير باغتُّه بالسؤال: هل أنت طيب؟ - يعنى إيه طيب، الطيب فى مجتمعنا تعنى شخصا هامشيا يقبل أى شىء وكل شىء، وأنا عكس ذلك تماما، كما أننى لم أسبب أذى لأحد فى حياتى وأمتلك قدرة فائقة على التسامح. حدثنى عن علاقتك بوالدتك. - عشت مع والدتى أكثر من خمسين عاما، كانت علاقة رائعة وطبيعية، لكنها بعد وفاة والدى لم تعد ترحب بالحياة، بدأت تنزوى، بل لم تعد ترغب فى التواجد إلا فوق سريرها، أحضرت لها كونسولتو ولم يجدوا مرضا أو علة بها غير حزنها الذى منعها من الرغبة فى مواصلة العيش! متى تشعر بالندم؟ - من أكثر الأحاسيس التى تؤلمنى جدًّا هو عدم الوفاء، كنت مرة فى رحلة إلى اسكتلندا وشاهدت ميدانا كبيرا فى وسطه تمثال لكلب، وحكاية هذا التمثال أن الكلب كان لرجل مسن، كان الكلب يصحبه لكل الأماكن، مات الرجل، وحين أخذ الجيران الكلب ليكمل حياته معهم، كان قد رفض الطعام والشراب ومواصلة الحياة، مات حزنا على صاحبه فصنعوا تمثالا للوفاء. هل صادفك إحساس عدم الوفاء؟ - أنا كأستاذ جامعى ألتقى بالكثير من الطلبة والأساتذة وأرى أن بعضهم وفاؤه لى واضح، وأرى إحساس الحقد لدى آخرين! أين هى مواقف الخطأ منك تجاه زملائك فى الجامعة؟ - أخطائى تكون حين أغفر أخطاء معروفة من الآخرين، أخطاء كان يجب أن يحاسبوا عليها حسابا شديدا مثل أن أكتب تقريرا عن بحث علمى لزميل وأعرف أن شائبة علمية تشوبه، فأجدنى لا أقوى على كتابة هذه العبارة: "هذا البحث غير مقبول لأنه لا يحتوى على أمانة علمية"، وأجدنى أكتب فقط: هذا البحث غير مقبول. ليست لدىّ قدرة على الأذى، حتى لو كان الأذى هنا مجرد واجب أخلاقى، أذكر مرة واحدة قمت فيها بعمل شرير بعد أن شاهدت مسرحية "انتهى الدرس يا غبى" وغضبت بشدة من هذه السخرية من الأغبياء، مع أن كل عائلة بها فرد غبى، ولأننى لا أسمح بالسخرية من مرضاى أو أى مريض نفسى آخر، فقد اتصلت بوزير الإعلام وقتها السيد صفوت الشريف وطلبت منه أن يوقف عرض المسرحية.. وفعل. هل راودك يوما إحساس بالخوف أو الهلع من أماكن عالية أو من الظلمة أو من كائنات غريبة أو ضارة؟ - لم أشعر بالخوف إلا حين كنت أستعد لامتحان الدكتوراه فى بريطانيا، كان رهيبا جدا وقاسيا، خاصة أن الممتحنين لا يبتسمون أبدا، هذه اللحظة تفوقها لحظة خوف أخرى يوم أن ذهبت لامتحان أمراض الباطنة مع النفسى فى أدنبره، وكانت الامتحانات هناك لمدة ثلاثة أشهر، قال لى الأستاذ الاسكتلندى: أستاذ عكاشة أنت تمتلك تعليما فائقا وأكثر من اللازم بكثير، وهذا يتسبب لك فى ضغط بأفكارك، وبالتالى لن تتفهم من أمامك، ولن يفهم منك أحد شيئا، لذلك سوف أمنحك إجازة لمدة أسبوعين تقرأ فيهما القصص والروايات ثم تأتى لتمتحن"، وفعلا قمت بالإجازة وعاودت الامتحان ونجحت. هذه هى حالة الخوف التى سيطرت علىّ حين كان عمرى ستة وعشرين عاما. هل تعطى انطباعا لكل من يراك أنك أحسن منه حتى لو تساوى معك فى الدرجات والمراتب؟! - مش عارف، يمكن يكون عندى ثقة فى ثقافتى العلمية، وأتذكر أن هذا الإحساس كان يزعج البريطانيين منى، حتى مدير المستشفى الذى كنت أعمل به كان ينزعج من تلك الثقة بالنفس التى كانت ولاتزال تلازمنى. هل تشعر بالزهو كونك عالما متميزا وكبيرا؟ - صحيح، خاصة أثناء وبعد تلك الانتخابات التى حدثت فى هامبورى عام 1999 وتلك التى حدثت فى اليابان عام 2002 حين قام ولى العهد بتطويقى بميدالية رئاسة العالم فى الطب النفسى، أحسست أننى عكاشة المصرى الأفريقى الشرق أوسطى العربى والمسلم. قيل إنك بكيت لحظة تتويجك؟! - نعم، كانت هى المرة الأولى التى أبكى فيها، لقد وجدت أن كل المتقدمين للانتخابات ينسحبون احتراما وإجلالا لشخصى، كان هناك 200 ألف طبيب يحضرون هذا التتويج، كان إحساسى غريبا، فأنا متهم كمصرى وعربى بالإرهاب، لكن العالم انحنى لى ومنحنى شرفا وقدرا كبيرا.