طالعتنا مجلة روزاليوسف كعادتها في عددها رقم 8324 الصادر في 92أغسطس 9002 بملف متميز وجريء حول ( حرية العقيدة ) ورأيت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع الخطير لحساسيته في عالمنا العربي. إن من حق الإنسان وجدانيا وعقليا أن يتجه الوجهة التي يرتضيها اقتناعا منه، وحرية الضمير أو حرية الاعتقاد هي حق كل فرد في أن يؤمن أو لا يؤمن، في أن يعتقد في شيء أو فكرة أو لا يعتقد، في أن يعتنق عقيدة مغايرة للعقيدة السائدة أو يكون معارضا لها. وحرية الاعتقاد حرية مطلقة فلا سبيل لشخص أو لسلطة علي الضمائر ولا مصلحة لها في حمل شخص علي التمسك بدين يعتقد بطلانه أو التخلي عن دين يعتقد صحته. وتكمن الحرية الدينية في صميم أي مجتمع عادل وحر. وهي مجسدة برسوخ بمثابة قيمة تأسيسية كمبدأ عالمي. كما أن الحق في حرية الدين يُشكل حجر الزاوية للديمقراطية. فهو المقياس الحيوي في تشكيل وصون نظام سياسي مستقر. وبالمقابل، فإن التقصير في حماية حرية الأديان والحقوق الإنسانية الأساسية الأخري، يُنمي التطرف ويقود إلي عدم الاستقرار والعنف. لذا فإن تقييم أوضاع الحرية الدينية يعتبر مؤشرا مهما في تشخيص الصحة العامة والاستقرار لدولة ما. وتعتبر حرية الضمير أو الاعتقاد من الحقوق الراسخة في القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وهذه المواثيق صادقت عليها مصر وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 81 علي هذه الحريات إذ يقول:- 1- لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة ويشمل هذا الحق حريته في أن يدين بدين ما وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره وفي أن يعبر منفردا أو مع آخرين بشكل علني أو غير علني عن ديانته أو عقيدته سواء كان ذلك عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم. 2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. وبالإضافة إلي الإعلان العالمي، تم إعداد ثلاث وثائق دولية أخري في القرن العشرين بهدف تعزيز مبادئ الحرية الدينية : الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية 6691، إعلان الأممالمتحدة لمحو جميع أشكال التعصب والتمييز القائم علي أساس الدين أو المعتقد 1891، ووثيقة فيينا الختامية 9891. وتعزز كل من هذه الوثائق الحرية الدينية بتأييدها حقوقا من الأهمية بحيث يتوجب جعلها عالمية. هذه النصوص وغيرها تؤكد علي حرية الإنسان في اعتناق ما يشاء من فكر أو عقيدة أو دين. وحرية الانتماء للدين هي القناعة الشخصية بالإيمان بذلك الدين عن فهم ودراسة بحيث يصبح الفرد مؤمنا وداعيا في نفس الوقت وهنا قد تصطدم الحرية في اعتناق الدين مع الحرية في الدعوة لدين الآخر. ومع هذا فإن مبدأ حرية الإنسان في الانتماء لأي دين التي وردت في الفقرة الأولي من المادة 81 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وردت لتحسم الأمر أمام كل الدول والمجتمعات بأن هذه الحرية أساسية للإنسان فهو حر في اعتناق الدين أو التحلل منه أو تغيير دينه. ولقد جاء نص المادة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية : 1- لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو علي حدة 2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. 3- لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق ا الآخرين وحرياتهم الأساسية. وقد وقعت مصر علي هذه المواثيق والقوانين الدولية، ومن ثم فهذه المواثيق صار لها قوة القانون المصري وفقا للمادة (151) من دستور جمهورية مصر العربية التي تقول :(رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان. وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة ). هذا فضلا عن المواد الواردة في الدستور المصري والتي تؤيد المساواة وحرية الاعتقاد فالمادة 04 من دستور جمهورية مصر العربية تقول :( المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ).. كما تؤكد المادة 64 علي حرية الاعتقاد إذ تقول :( تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ) لكل كائن بشري أن يختار خياراته الأساسية بمنأي عن كل ضغط خارجي، فهو يستطيع الاختيار بين الزواج والعزوبية.. والإسلام والمسيحية والبهائية أو غيرها. فمن حقه الاختيار وتقرير كل تفاصيل حياته من أبسطها إلي أخطرها، ولكن من المؤسف أن السياق التاريخي يفرض في كثير من الأنظمة والمجتمعات والبلدان العربية - التي تحرص علي أفكارها المتوارثة وبخاصة لصالح الدين - تجاهل هذه القواعد والأفكار، فهذه الحرية ليست مطلقة ولكن هناك قيودا وحدودا لا تبيح التنقل بين الأديان، لأن هذه المجتمعات تظن أن تغيير الدين يهدد أمن المجتمع وسلامه الاجتماعي وطمأنينة أهله الذين يحيون في ظله بكل وداعة وسلام وحب وإخاء !! ومن المخجل أن مفهوم الحرية الدينية معدوم في معظم البلدان العربية. إن الدولة مسئولة عن التأكيد علي سيادة القانون بين مواطنيها، وإن هذا القانون ينبغي أن يكون فوق الجميع. والدولة أيضا مسئولة عن التأكيد علي حرية الاعتقاد بين مواطنيها. ولاسيما حق الفرد في اعتناق أي دين وتحوله من أي دين إلي دين آخر فحرية الاعتقاد أو الحرية الدينية كما هي معروفة في العالم أجمع هي حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من عقيدة وحريته في إقامة شعائر هذه العقيدة علنا وبحرية، وحريته في الدعوة إليها مادام يفعل ذلك بطريقة سلمية ودون إكراه، والأهم حريته في أن يتحول من أي دين إلي آخر. فهذه هي حرية الاعتقاد في تعريفها الحقيقي. إن احترام حقوق الإنسان وأولها حقه في حرية الاعتقاد أصبح اتجاها إنسانيا عاما، وقانونا دوليا وهو ما يجب أن ننادي به جميعا، والتأكيد علي حق المواطنة في مصر بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو اللون أو العرق هو السبيل الوحيد لوضع حد لأي فتنة دينية أو تدخل من أي جهات خارجية. إن أصبحنا جميعا فعلا متساوين أمام القانون حكاما ومحكومين. أغنياء وفقراء. مسيحيين ومسلمين. لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات فلن تكون هناك أي مشكلة طائفية أو غيرها، إن المواطن الصالح يقاس ليس بديانته ولكن باحترامه للقانون، وبالخدمات التي يقدمها للمجتمع، لذا فإن مصادرة الحريات الدينية استبداد ما بعده استبداد، لأن الأصل هو حرية الفرد الكاملة وغير المنقوصة في اختيار ديانته، حتي ولو كانت البهائية أو البوذية. أو اختياره أن يكون لا دينيا، أو لا أدريا.. أليس هذا ما ينص عليه الدستور المصري وكل أعراف حقوق الإنسان ؟ قد يكون بعض الناس بحسب وجهة نظر المتعصبين والمتطرفين منحرفين في عقائدهم، أو حتي كفارا أو ملحدين أو مشركين، فهل يعطي ذلك الحق في انتهاك حقهم الإنساني في حرية الاعتقاد وتكفيرهم وإباحة دمهم ؟!! إنها قضية مصير ومستقبل، القضية هل نحترم في مصر حقوق المواطنة.. حق المواطن المصري في الحياة والأمن والعمل والتعبير عن الرأي وحرية الاعتقاد وإقامة شعائره الدينية، كما هو النص في الدستور المصري نفسه أم لا ؟ إن الدستور يكتب ليحترم. وأن تكون هناك آليات لفرض هذا الاحترام. وإن المدخل الأول لفرض هذا الاحترام هو أن لا يحتوي الدستور مواد متضاربة تؤدي إلي اختلاف كبير في التفسير والتأويل، فإن كنا لا نحترم حرية العقيدة فلنرفع من الدستور المواد التي تؤكد علي احترام حرية العقيدة. وإن كنا لا نؤمن بحقوق المواطنة، فلنرفع من الدستور المواد التي تؤكد علي حقوق المواطنة بصرف النظر عن الجنس واللون والأصل والدين والعقيدة، وإن لم تدافع المجتمعات العربية عن حقوق شعوبها في اعتناق ما يشاءون من أديان ومعتقدات، فالعالم العربي في محنة حقيقية مع نفسه ومع العالم المتحضر من حوله!!؟