الزواج فى مصر القرن الحادى والعشرين وسيلة تعذيب ومعاناة نفسية فكل الشباب الفقراء يحلمون ويحقدون.. والأغنياء يحققون الحلم فى لحظات، ويفيقون منه بعد لحظات.. إنهم يبنون بيوتا من القش سرعان ما تتبدد مع أول هبة ريح.. يبيعون حريتهم وشبابهم ومستقبلهم، فى صفقات يعقدها الآباء، ويتحول فيها الأبناء إلى أرقام، أو بمعنى أصح أصفار تضاف إلى أرقام فى حسابات البنوك.. زواج الفقراء سراب بعيد.. وزواج الصفقات وهم كبير.. وراجعوا إحصائيات الطلاق فى مصر. باختصار شديد الزواج فى مصرنا اليوم أصبح معضلة.. ورغم ذلك تجد من ينصحون الشاب.. تزوج فالزواج نصف الدين. هذه حقيقة.. فالزواج كان دائما وسيظل متعة للرجال ولا يشذ عن ذلك إلا من كانت به علة بدنية أو نفسية، "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة". الاحتياج للزوجة يجرى فى جينات الرجال منذ بدء الخليقة، فأبونا آدم كان مستوحشا ولم يدخل الجنة إلا بعد زواجه من حواء "يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة"، خلق الله المرأة فتبدلت حياة الرجل، رأى النور وعرف دفء الشمس ونبض الحب، وكانت حواء نِعم الرفيق لآدم حتى أنها وافقته عندما عصى ربه وغوى، تبعته وأكلت من الشجرة رغم أن الله نهاهما عن الشجرة وحذرهما من الشيطان، وخرجت حواء مع آدم من الجنة، هبطا معا إلى الأرض ليعمراها، فالزواج جنة للرجال وتعمير للأرض وعقوبة للمرأة، فلولا طاعة حواء لآدم ربما بقيت فى الفردوس. وكان الرجال فى العصور الماضية لا يجدون متعة أفضل ولا أهنأ من الزواج فأكثروا من التزوج حتى كان لبعضهم عشر زوجات، بالإضافة إلى عشرات الجوارى، وتعددت قبل الإسلام أنواع الزواج، فكان هناك "نكاح المتعة« المحدد المدة، وزواج "الشغار« يتبادل فيه رجلان الزواج من ابنة الآخر، وزواج المضامدة "التزوج من ثرى ثم العودة للزوج الأول بعد أن تثرى الزوجة!"، ونكاح المقت والاستبضاع والسبى وزواج الرهط.. إلخ. وكلما كثرت نساء الرجل دل ذلك على ارتفاع مكانته فى القبيلة، أما المرأة فكانت مجرد بضاعة يتبادلها الرجال ويتمتعون بها، وقد ألغى الإسلام أغلب أنواع الزواج الجاهلى، فاختفت ولكن الاستهانة بالمرأة واعتبارها شيئا وليس إنسانا لايزال موجودا إلى يومنا هذا، وعاد إلى الوجود زواج الاستبضاع، أى تبادل البضاعة، بين اثنين من الشيوخ أحدهما مصرى يقدم ابنته ويقبض الثمن، والثانى خليجى يدفع لعله يستعيد بعض شبابه بعد أن يرتشف رحيق زهرة فى عمر حفيداته! عودة لسوق النخاسة ملفوفة فى ورق سوليفان! لايزال الزواج فى العالم العربى يتجاهل مشاعر المرأة ولا يلقى بالا لرأيها أو يضع فى الاعتبار موافقتها أو رفضها، وذلك رغم أن الإيجاب والقبول من شروط الزواج الأساسية، وهناك من لايزال يروج لفكرة الولى كشرط من شروط الزواج الشرعية، أى أن رأى العروس لا يهم وتكفى موافقة الولى، وهم يزعمون أن الرسول قال: "لا نكاح إلا بولى"، ورغم ذلك لم يهتم أبوحنيفة بشرط الولي، وأباح زواج الفتاة العاقل البالغ الرشيد من دون ولى، إن مجرد ترديد شرط الولى فيه احتقار للمرأة، وهو دليل على أن مؤسسة الزواج تبنى فوق أسس واهية، ولذلك فهى تتهاوى مع أول هزة. أغلب الزيجات تتم رغم إرادة المرأة، سواء أعلنت ذلك أم كتمته، تتزوج البنت العربية إذعانا لرغبة أهلها أو استسلاما للظروف كى لا تعير بكونها عانسا أو مطلقة، تتزوج لتتحرر من أسر العائلة وتحكم الأب والإخوة وأحيانا الأم أيضا، وفى أفضل الأحوال تتزوج ليكون لها بيتها وأسرتها وأبناؤها. أما الحب وهو اللبنة الأساسية للزواج والتفاهم أهم عنصر للدوام، والاحترام المتبادل، كل ما يمكن أن ينبنى عليه زواج سعيد، فهو نادر وشبه معدوم فى زيجاتنا العربية. كان الزواج وسيظل من أطايب الحياة بالنسبة للرجل، وقد اعترف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه من المؤمنين بالزواج: ".. وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى"، أما المرأة فالزواج بالنسبة لها وظيفة محددة المهام، أن تكون ولودا ودودة، إذا نظر إليها الزوج سرته وإن أمرها أطاعته، ولا يوجد فى تراثنا العربى ما يذكر تمتع المرأة بالرجل، ولا صفات الزوج المثالى إلا أن يكون قادرا على القوامة ومسئولا عن رعيته. وبسبب هيمنة الفكر السلفى الذى لا يرى إنسانية المرأة ولا يعترف بحقوقها، طمست حقوق كثيرة للزوجة، لو عرفتها ونالتها لتغير شكل الزواج تماما وتحول فعلا إلى سكن وظللته سحابة مرطبة من المودة والرحمة. ولم نجد حتى اليوم فقيها أو داعية من أدعياء الفضائيات يذكر ما منحه الإسلام للزوجة من حقوق، كلهم يتحدثون عن واجباتها، أما الحقوق فقد محيت من ذاكرتهم، والمعركة التى خاضتها الحركة النسائية فى السنوات القليلة الماضية لاستعادة حق "الخلع"، إضافة إلى كم المهاترات والسخرية والنقد اللاذع الذى أحاط به، خير شاهد على ما أحاق بمؤسسة الزواج من ترهل وانهيار. لو بحثنا عن السبب الحقيقى وراء انهيار الأخلاق وتفشى السلوكيات المعيبة بين شباننا وتفاقم جرائم العنف العائلى وظاهرة التحرش بالنساء فى الشوارع ووسائل المواصلات العامة وارتفاع معدلات الطلاق.. فلسوف نجدها فى نظرتنا للزواج، وفى انهيار مؤسسة الزواج.