حالة حادة من "الفصام"!.. ازدواجية "جمعية" يشارك المصريون فى تدعيمها.. فى وضع أسس وقواعد تفعيلها! المشهد الأول: شاب وفتاة.. تائهان فى دنيا خاصة.. يتحدثان بصوت خافت.. تعقب همساتهما فترة صمت بعد أن استغرقا فى نظرة طويلة نسبيا!.. كل منهما يحلم بيوم الزفاف!.. وأغلب الظن أنهما لم يفكرا فى أبعد من هذا! المشهد الثانى: رجل.. غالبا "تركها" فى المنزل!.. فهو يفكر دائما كيف يهرب منها إلى زملائه القدامى.. يستدعون من الذاكرة ما فعلوه بأنفسهم!.. يتندرون على اليوم الذى فكروا فيه فى الزواج.. متعتهم الوحيدة السخرية من حياتهم الزوجية.. والزوجة النكدية.. وما اكتشفوا أنه "شر البلية"! هكذا تبدو دائما الصورة "الكاريكاتورية" التى ترسمها العقلية المصرية للزواج!.. وكأننا أمام حالة من حالات "الشيزوفرينيا الجمعية"!.. كأننا اكتشفنا فجأة أن ما ظنناه "زهورا" هو "ديناميت"!.. فأخذنا نبحث عن "نكتة" لنجمل بها ما نتصور أنه مأساتنا!.. ما نشعر أنه جريرتنا الكبرى التى لن ننساها إلا إذا "دغدغنا" أنفسنا بحد السكين! السخرية من شريك الحياة تحولت إلى روتين ثابت فى المقهى، وعند الكوافير.. فى النادى ووسط الأصدقاء، وخلاصة هذا "الفكر الجمعى" هو نقد مؤسسة الزواج، والتحذير بكل الطرق من نهايتها التعيسة والندم اللا نهائى. لكن سيناريو الحياة يأخذ نفس الوتيرة، فكل هذه الحكايات "بداية من أمثال قيلت على ضوء لمبة جاز، وانتهاء بنكات تطير عبر الفيس بوك"، لم تؤثر على هذا المراهق الغر الذى ينظر بأمل إلى اليوم الذى يتزوج فيه، ولا يدرك أنه بعدها - غالبا - سينضم إلى قوافل المتندرين التى تطوف المقاهى، وتلعن اليوم الذى دخلت فيه بإرادتها الحرة إلى قفص الزوجية "السعيد". على المقاهى وفى الشوارع تستطيع أن ترصد ثرثرة وأحاديث عن مؤسسة الزواج التى تتعرض للاهتزاز بشدة لأنها أصبحت بلا أساسات وبلا سمعة، فالخيارات داخلها كلها سيئة وعلى أى من الطرفين أن يختار أقلها سوءا. النكات وسيلة لتفريغ الضغوط فى البيت، حيث يبحث الزوج عن متنفس له مع أصدقائه أو فى المقاهى، فى تلك النكات حصة كبيرة للمرأة فأحدهم ذكر لى أن الزواج أشبه بشراء سيارة جديدة بعد فترة يصيبها العطل أو يشعر صاحبها بالملل وكذلك الزوجة، سمعت آخر يسخر من زوجته ويشبهها بالمسمار ويقول "الاثنين ما يجوش غير بالدق"، أو شاحن الموبايل "معظم الوقت مالوش لازمة بس فى لحظة بيبقى كل حاجة"، أو مثل التليفزيون من النادر أنه يعرض الحاجة المناسبة فى الوقت المناسب" أو مثل الحكومة "دايما محتاجة معجزة علشان تعرف تغيرها"، بل إن هناك من أطلعونى على هواتفهم المحمولة حيث سجلوا أرقام زوجاتهم تحت كلمات: "لا ترد" أو "المفتش كرومبو" أو "اتصال للبيت". حتى المعاكسات التى تحدث فى الشارع أو الأحاديث عن الفنانات أو المطربات تعبر عن الطريقة التى يفكر بها الأزواج حيال زوجاتهم، لأنها تمتلئ بعدم الرضا، فالأحاديث دائما تتضمن المقارنة بين شكل ومظهر الزوجة والأخريات، أحدهم كان ينادى على صديقه ساخرا "أبو وردة" (الشبشب)، "هيعلقك" فى إشارة إلى زوجته. التعبيرات والأسماء الكودية التى يتحدث بها بعض الرجال عن زوجاتهم فى أحد المقاهى بمنطقة السيدة زينب تضمنت "الغفير اتصلت بيك - رد عليا ضابط نظامى - هيقفلوا عليك فى الشارع - هتنزلك السبت تطلع بيه - ما تنساش الطلبات - اللبن قبل ما تطلع - بعد الساعة عشرة الباب هيتقفل"، ومع الرغبة الملحة فى الزواج التى تبدأ منذ لحظة الولادة، تظل الفكرة تلاحق الولد والبنت فى كل مراحل العمر، خاصة الفتاة بمجرد أن تبلغ سن النضوج، ينظر لها المجتمع على أنها لا شىء بدون الرجل، أى الزوج الذى يحميها ويسترها، وبدونه تبقى دائما أمام نظرات الشك والاتهام فى جميع تحركاتها، وهذا ما تؤكده المقولات الشائعة "ضل راجل ولا ضل حيطة" "سترة البنت جيرتها" "أخطب لبنتك قبل ما تخطب لابنك"، وطبعا ما أن يتم الزواج وتنتقل لبيت زوجها وتفرح بكونها أصبحت ربة منزل مستقلة ولها عائلة تبدأ الشكوى بأن رأيها غير مسموع أو مقهورة مغلوبة على أمرها! أما الرجل الذى يبدو طوال الوقت مهموما بفكرة الأسرة والبحث عن شقة فى إطار ما يندرج تحت هذا القول الشائع "الجواز نصف الدين"، هو نفسه الذى يلجأ إلى نكات وحكايات ساخرة تزيد الخلاف والهوة فى مؤسسة الزواج، هذا يصف زوجته بالغول وآخر يؤكد لأصدقائه دون أن يخجل أنه تزوج من امرأة بلهاء رغم كونها تعمل مدرسة إلا أنها لا تفهم شيئا، وآخر لا يعجبه كونها سلبية فى منزله ويصفها بالسطحية قائلا: أهرب من المنزل حتى أتجنب ضربها أمام الأطفال. وزوج يفتتح الحديث عن زوجته بإهانة حماته معها: "اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها"! يقارنون الزواج بالمعتقلً، ويطلقون على سنوات الزواج "بسنوات الاستعمار" وإن كانوا يخجلون من الخوض فى أخلاق الزوجة لأن الموضوع متعلق بالشرف إلا أنهم لا يخجلون إذا تعلق الحديث عن الشرف بامرأة أخرى متزوجة من رجل آخر. لو صدقنا كلامهم فهو مشروع كله شر ولا تنتج عنه أى مزايا، فهم يسردون نتائج مرعبة له تصدم الشباب المقبل، فالزوج يصبح "مغفلاً" والزواج "أكبر تدبيسة وغلطة عمر"، وقد يكون البخل هو السمة الأساسية للشكاوى.. مثلا.. عماد يحيى يمتلك محل ملابس ويشكو من إسراف زوجته أو أن يكون "جحيما" عندما تكون المشكلة الجنسية هى الأزمة، كما أثار ذلك ذكى عواض فى مناقشة أثارت اهتمامى بغرفة نقابة المحامين بإحدى المحاكم عندما كان يناقش زميلاته من المحاميات الأصغر سنا بشأن مبدأ تعدد الزوجات مبررا ذلك بأن الأصل فى الشرع هو التعدد والزوجة المصرية لابد أن "تعاقب" بالزواج عليها لأنها "مصدر للإزعاج"! وفى جلسات النميمة نجد الزوجات يعترفن بأن الطلاق لقب يسىء للمرأة شأنه شأن العنوسة، لكن بعض النساء يسخرن من المثال الدارج "ضل راجل ولا ضل حيطة" وبعض السيدات المتزوجات يفضلن الحيطة عن الرجل، فالحيطة فى نظر سامية ياسين - ربة منزل - لا تكذب أو تخون أو تفتعل المشكلات أو تعاملها كخادمة! ولدينا مثال لزوجة تربط بين زوجها وطبق البامية فتقول رحمة نبوى - موظفة بشركة البلاستيك - إن زوجها تزوجها لأنها تجيد طبخ البامية! وهى تطلق عليه بين زميلاتها "فنوشة" فزوجها يكره أى شئ له علاقة بالضحك والنكت، فالطعام هو شغله الشاغل! وعلى عكس ما تدعو إليه بعض الأمثال الشعبية من الإسراع بالزواج وأهميته "اخطب لبنتك قبل ما تخطب لابنك"، "خطبوها اتعززت وفاتوها اتندمت"، "إن كان بدك تصون العرض وتلمه جوز بنتك اللى عينها منه". تأتى أمثال أخرى عن فشل الزواج، فالرجل يندب حظه وتندب المرأة اختيارها السيئ وأكثرها ما يورده أنيس منصور : قبل الزواج : مثالية وبعد الزواج : مسلية أيام الخطوبة : مقدمة قصيرة لكتاب ممل الزواج مثل علم مصر : يوم أبيض ويوم أحمر ثم يوم أسود يتكرر كثيرا - الزواج حلة بغطاها فى الفرن نشم منها رائحة الشياط ولا نعرف بالضبط ما الذى يحترق. الحب : حديث التليفون، والزواج : حديث المدينة الزواج قرار فى السماء، ولكن مع الشغل والنفاذ فى الأرض - 10 ٪ يقبلون زوجاتهم عندما يتركون البيت و 90 ٪ لا يقبلون البيت عندما يتركون زوجاتهم - فى الزواج لا تتردد ! فقد فشل كل الذين حاولوا قبلك. أيضا رصدنا نكاتا ترددها النساء عن أزواجهن، والتى تعكس قدرا كبيرا من الاستهانة تواجه به المرأة طوفان النكات الرجولية، مثل الرجل زى النشرة الجوية.. صعب تصديقها بس بتتفرجى عليها للآخر - "الرجالة زى البيتزا - الفرق فى الحشو".. "الرجل زى الملاهى.. متعة تعقبها دوخة ورغبة فى القىء".. "الرجل زى البقال المفلس دايما يقول ماعندوش وهو عنده جوه" - "تعبيرا عن السخرية وإفلاس الزوج - ونكات أخرى تتحدث عن الخيانة مثل واحد ماتت مراته ماشيين فى الجنازة وكل الناس بتبكى، وهو بيضحك وقف شيخ الجنازة، وقال له أنا مش ماشى إلا لما أعرف أنت بتضحك على إيه، فقاله بقالى معها 02 سنة أول مرة بعرف هى رايحة فين؟! واحدة اتأخرت عن زوجها فقال لها اتأخرتى ليه فقالت له أصله كان فى واحد بيعاكسنى فقال لها برده اتأخرتى ليه فقالت له أصله كان ماشى على مهله، ونكات أخرى يتداولها الأزواج تشير إلى إهانة الزوجة نكاية فيها، ووصفها بأبشع الصفات. "واحدة اشترت موبايل من وراء زوجها فحبت تعمله مفاجأة حلوة دخلت الحمام واتصلت وقالت له : آلو حياتى.. قالها : اتصلى بعدين البقرة فى الحمام"، "فى واحد قاعد يبص فى عقد جوازه قالت له مراته : إيه فى إيه، قالها : بدور على تاريخ انتهاء العقد" "واحد بيقول لزوجته الحياة بقت زى حديقة الحيوانات قالت له : ليه.. قالها : أقوم من النوم زى الحصان وأروح اشتغل زى الحمار وأرجع بالليل ألهث زى الكلب وأخرتها أنام مع بقرة" "واحد يسأل صاحبه : مراتك من النوع النكدى قال له : ليه.. هو فى نوع تانى" كل ذلك من التعبيرات والنكات والأمثال يعطى مؤشرا على حدوث انقلاب فى المؤسسة الزوجية عندما يكتشف شاب بعد شهور قليلة من زواجه خطأ توقعاته وانهيار أحلامه، ليس بالضرورة لأسباب مادية، ولكن قد تكون شخصية أو غير ذلك لتبدأ فى تلك اللحظة المعركة التى تستخدم فيها كل الأسلحة للإساءة لتلك المؤسسة التى خيبت أمله. يوضح د. إبراهيم شعلان - صاحب موسوعة الأمثال الشعبية المصرية والتعبيرات السائدة - دوافع التناقص فى الأمثال الشعبية المتعلقة بالزواج، والتى تصل فى بعض الأحيان إلى الإساءة للعلاقة الزوجية، مشيرا إلى أن الزواج المصرى زواج كلاسيكى تحدث به مشاكل بحكم الاختلافات فى الصفات البشرية حيث تتدخل العادات والتقاليد أكثر من العواطف، ويعترف أن هناك بعض السلبيات تستوجب أن تحكم على الأجزاء الفردية من تلك الأمثال بعد جمعها وإخضاعها لمبدأ النسبة والتناسب، مشيرا إلى أن هناك الجانب الإيجابى فى الأمثال بحكم أننا مازالنا مجتمعا ريفيا يحافظ على الأسرة وتكوينها. أما فى حالة الأمثال الشعبية التى تتناول الجوانب السلبية للعلاقة الزوجية، فإنها تعبر عن موقف عام من الحياة، وليس هدفها الهجوم أو التخريب، فحتى الأمثال التى تتندر على العلاقة تحاول التقليل من السلبيات بتسليط الضوء عليها لحماية الزوج والزوجة والأبناء من أضرارها. ويرجع السينارست "عاطف بشاى" مؤلف مسلسل "يا رجال العالم اتحدوا" و»النساء قادمون" المفارقة بين اعتبار عدم مقدرة الشباب على الزواج كارثة قومية وبين السخرية الدائمة من الزواج إلى التناقض الذى أصبحنا نعيشه فى ظل مجتمع تغلغلت فيه الثقافة السلفية بحيث أصبح جسد المرأة عورة مما أفرز سلوكيات اجتماعية غريبة أثرت على العلاقة الزوجية كأن تصبح المرأة أشبه بحقيبة يسير بها الرجل، وكأنه يحمل عارا، معتبرا أن المرأة هى من ساهمت فى ذلك الوضع الذى يختصرها فى مجرد وعاء جنسى لتخسر حريتها وكرامتها وتبحث عن الزواج فى ظل مجتمع تسيطر عليه ثقافة الحلال والحرام بمسلميها ومسيحييها الأمر الذى أثر بدوره على موقف الرجل ونظرته السطحية متأثرا بثقافة التدين الشكلى لتظل العقدة النفسية المتمثلة فى أن الحرام ليس حراما مادام لا يطلع عليه الناس، وبهذه الازدواجية عدنا إلى الوراء وسلبت المرأة حريتها ليصبح جزء من أسباب انهيار مؤسسة الزواج أن الرجل الشرقى ليست لديه شجاعة مواجهة مجتمع المرأة فيه سافرة ولديها طموحات سياسية، وإنما يريدها بلا إرادة أو طموح، هذا بالإضافة إلى العامل الاقتصادى، فالرجل الآن يبحث عن امرأة لديها شقة دون أى اهتمام بالتناغم الفكرى أو العاطفى أو يبحث عن متدينة وبعد الزواج يكتشف أن التدين شكلى مع إهمال قيمة الحب ليصبح الزواج قائما على المصالح. مما يحول تلك العلاقات إلى علاقات تربص وعلاقات مصادرة وحصار وقهر. وعن أسباب استغلال "الزواج" كمادة دسمة فى الأعمال الفنية أرجع بشاى ذلك إلى اختلاف طبيعة الرجل والمرأة قائلا : هناك فروق كثيرة بين الطرفين من الناحية البيولوجية والسيكولوجية يستغلها كتاب الدراما جيدا، فكل طرف له طبيعة خاصة كجنس، وحتى فى الجنس الواحد توجد فروق فى سمات الشخصية. ومن منطلق الاختلاف والتناقض بين الجنسين تنشأ الكوميديا التى تقوم فى الأساس على مبدأ التضاد والتناقض لخلق "المفارقة" التى هى أحد أهم أسباب الكوميديا واتضح ذلك فى مسلسل "يا رجال العالم اتحدوا" حيث التناقض وتبادل الأدوار الذى يولد الضحك والسخرية. احنا كشعب النكتة عندنا جارحة وجنسية فى أغلب الأحوال - والكلام على لسان بشاى - وبالتالى تتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة مادامنا نظرنا إلى الجنس.. هذا بالإضافة إلى التطرق فى مفهوم الرجولة والأنوثة فالجنس دائما هو المسيطر على تفكيرنا، ولهذا نضخمه جدا فى نكاتنا. الكاتبة كوثر هيكل من أشهر أعمالها "العاشقان" و»إمبراطورية ميم" و»حبيبى دائما"، "حكاية كل زوج"، "عصفور فى القفص" - ترى أن المفارقة هنا دافعها عدم التواصل، وليس الإمكانيات المادية فحسب فالأسباب مختلفة ومتعددة، جزء منها الأعباء المادية وجزءا آخر له علاقة بالتواصل الإنسانى، وهناك أمراض مختلفة للعلاقة الزوجية كالخرس الزوجى والإهمال والبرود، خاصة مع غياب الحب الحقيقى، وهى ترفض وصف الزواج بأنه هدف قومى، وإنما هدف إنسانى قد ينجح وقد يفشل، مشيرة إلى أن الخلافات الزوجية مشكلة أزلية لن تختفى أبدا لأن صعوبات الحياة لن تنتهى. مما يثير تناولها فى الأعمال الفنية، خاصة وهى علاقة آدم بحواء منذ القدم تتناول البنت والولد والشاب والفتاة والأم والأب والجدة والجد.. تتعلق بمشاعر تختلط فيها الدراما بالسخرية، خاصة إذا كانت تتناول موضوعات غير تقليدية محورها الاحتياجات الإنسانية.