متى ننتبه إلى خطورة هذه الروايات الخرافية المبعثرة فى كتب التراث والتى شكلت عقول أغلب المشتغلين بالعلوم الإسلامية ودعاة الإسلام السياسى؟! إن ربط الدين بالخرافة كان هو الهدف الأول لمن قاموا بوضع هذه الروايات، كرواية الجساسة التى تتحدث عن المسيح الدجال وظهوره آخر الزمان وروايات عذاب القبر. فخطورتها تتمثل فى أنها مازالت مصدرا رئيسيا من مصادر ثقافة أغلب الدعاة الرسميين منهم وغير الرسميين، يبتلعون منها كل ما تقع عليه أعينهم ثم يقومون بضخها فى عقول عامة المسلمين لتتحول عقليتهم إلى عقلية خرافية تعانى من الازدواجية. لقد سبق أن نادى عالم فاضل من علماء الأزهر بتجريد كتب التفاسير من هذه الروايات بمقال منشور بجريدة «العربى» الكويتية «عدد أكتوبر 1969» والمشار إليه فى كتاب المفكر الإسلامى جمال البنا «تفسير القرآن الكريم بين القدامى والمحدثين»، فلقد تضمن ما قاله الدكتور عبدالمنعم النمر، وبعد أن أشار إلى تفسير الطبرى وكيف كان يتم وضع هذه الروايات والمناخ الذى انتشرت فيه وراجت: «جاء الطبرى فحشدها فى تفسيره، وكنا نحب ألا تنتقل إلى ما بعد عصره. إننا نجنى الآن الكثير من المر والكثير من التهجم على الإسلام..» ثم محذرا من خطورة هذه الروايات: «لقد كونت هذه الروايات عقلا خرافيا فى أوساط المسلمين». لقد استرجعت هذه الكلمات البليغة والتى تدل على نظر ثاقب، بينما كنت أطالع مقال الدكتور خالد منتصر بجريدة «المصرى اليوم» عدد 2012 / 1 / 14 «ص: 4» الذى أعلن فيه قبول تحدى المهندس عبدالمنعم الشحات ملقيا فى وجهه بعضا من روايات وردت بالبخارى وغيره من كتب التراث طالبا منه قراءتها بصوت مسموع وذلك على أثر تحديه لمنتصر أن يقرأ روايات نجيب محفوظ بصوت مسموع. ونعود فنكرر القول أن المسئول الأول عن الإبقاء على مثل هذه الروايات التى شوهت الثقافة الإسلامية وسمحت بظهور الاتجاهات الدينية الشاذة، فى مجتمعنا، هو الأزهر بهيئاته المتعددة لانحسار دوره عن هذه الروايات، بل إنه يدافع عنها ويحافظ عليها.. وبذلك فقد أصبح دوره أشد خطورة على العقلية الإسلامية من السابقين لأن جهدهم أصبح يتركز فيه ويترعرع وينمو، وآية ذلك استمرارهم فى الاقتناع بها وتدريس رواية كرواية ابن عباس فى تفسيره ل «ن» الواردة بسورة «القلم» بأن نون هذا هو: حوت يحمل الأرض على ظهره واسمه «البهموت»! «الجامع لأحكام القرآن للقرطبى، الجزء السابع عشر - تفسير سورة القلم، ص: 223». إن أغلب المشتغلين بالعلوم الإسلامية والخطباء ومعهم دعاة الإسلام السياسى والذين لا يمتلكون فى إطار تمزقهم الفكرى إلا عبارات محفوظة يرددونها فى كل مناسبة بغير وعى من «أن الإسلام بخير وأنه عظيم ونافع وتطبيقه فى أى منحى من مناحى الحياة كفيل ببلوغ المراد» وهذه كلها مجرد كلمات لا يؤكدها الواقع بسبب إعلانهم شأن مثل هذه الروايات، بل إقحامها على آيات القرآن تفسيرا وتأويلا وتغليبها على الأحاديث الصحيحة، وعلى الرغم من ذلك فإننا مازلنا نفر من تاريخنا إلى تاريخ الآخرين نبحث فيه عن حلول لمشاكلنا. إنه حتى الآن لم تجر أى محاولة من جانب المجمع لتحقيق كتب التراث، لأنه يكتفى هو الآخر بجهود السابقين رغم أنها ليست تحقيقا بالمعنى العلمى المتعارف عليه فى علم التحقيق. وهذا ما حدث فى طبعة حديثة من طبعات كتاب «روضة المحبين ونزهة المشتاق» لابن القيم.. حيث أكد الناشر فى المقدمة على العودة إلى المرجعية الدينية الصحيحة وهى الأزهر الشريف ووضع تصريح مجمع البحوث الإسلامية فى صفحته الثالثة، ويحمل توقيع فضيلة الشيخ عادل عبدالباقى أمين المجمع. ونكتفى بما جاء من روايات بصفحة واحدة من الكتاب المذكور كنموذج يبين كيف تشكلت عقليات معظم من ينتمون إلى تيارات الإسلام السياسى، حيث إن اعتمادهم الأكبر على كتب ابن القيم وابن تيمية. 1- قال عبدالله بن صالح: كان الليث بن سعد إذا أراد الجماع خلا فى منزل فى داره ودعا بثوب يقال له الهركان، وكان يلبسه إذ ذاك، وكان إذا خلا فى ذلك المنزل علم أنه يريد أمرا وكان إذا غشى أهله قال: اللهم شد لى أصله، وارفع لى صدره، وسهل على مدخله ومخرجه، وارزقنى لذته، وهب لى ذرية صالحة تقاتل فى سبيلك. قال وكان جهوريا، فكان يسمع ذلك منه صلى الله عليه وسلم. 2- وقال الخرائطى: حدثنا عمارة بن وثيمة، قال: حدثنى أبى، قال كان عبدالله بن ربيعة من خيار قريش صلاحا وعفة، وكان ذكره لا يرقد فلم يكن يشهد لقريش خيرا ولا شرا وكان يتزوج المرأة فلا تمكث معه إلا أياما حتى تهرب إلى أهلها، فقالت زينب بنت عمر بن أبى سلمة: ما لهن يهربن من ابن عمهن؟ قيل لها إنهن لا يطقنه، قالت فما يمنعه منى فأنا والله لعظيمة الخلق، الكبيرة العجز، الفخمة الفرج، قال: فتزوجها فصبرت عليه، وولدت له ستة من الولد. 3- وقال رشيد بن سعد عن زهرة بن معبد، عن محمد بن المنكدر: أنه كان يدعو فى صلاته: اللهم قوّ لى ذكرى، فإن فيه صلاح أهلى. 4- وقال حماد بن زيد عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين قال: كان لأنس بن مالك غلام، وكان شيخا كبيرا، فرافعته امرأته إلى أنس وقالت: لا أطيقه، ففرض له عليها ستة فى اليوم والليلة. وحتى لا يسرح الشباب من الجنسين بخيالهم فى هذه الروايات فيحلم الرجال بارتداء «الهركان» استرجاعا لأمجاد الفحولة الضائعة، وتتمنى السيدات أن يكون لهن حظ زوجة غلام أنس، يؤسفنا أن نوقظهم من أحلامهم اللذيذة والمنشودة فى ظل الظروف السياسية المقبلة التى تعد بتحقيق الكثير من هذه الأحلام، يؤسفنا أن نقرر أن هذه الروايات تظللها مظلة كبيرة من الكذب، لأن ابن القيم لم يكن يتحقق من صحة ما يورده من روايات بدليل هذه الرواية: «وقال على بن عاصم: حدثنا خالد الحذاء قال: لما خلق الله آدم وخلق حواء قال له: يا آدم اسكن إلى زوجك، فقالت له حواء: يا آدم ما أطيب هذا، زدنا منه». وطبقا لعلم الحديث الذى يدرسونه وفى تعريفهم للسند بأنه «هو ما صح من أوله حتى منتهاه». فمن الذى أخبر خالد الحذاء برأى حواء فى الجنس وهو لم يشهد أول لقاء بين آدم وحواء؟! «روضة المحبين ونزهة المشتاقين - لابن القيم الجوزية - دار الفاروق للاستثمارات الثقافية - ص 263». ولعل ذلك الربط الوارد فى الروايات السابقة بين الفحولة الجنسية والتدين يفسر سبب المعلومة الشهيرة التى تناولتها وسائل الإعلام منذ حوالى عامين التى جاءت على لسان أحد أطبائهم من أن الفحولة الجنسية تتناسب طرديا مع إطلاق اللحية. أعتقد أنه آن لنا أن نعيد النظر فى تراثنا خاصة فى هذه المرحلة الفاصلة من حياتنا. محامي مؤسس الحركة الوطنية لتنقية الثقافة الإسلامية