تروج بعض الدوائر المحلية والأجنبية لفكرة غريبة مفادها أن صداما هائلا سيقع لا محالة بين المجلس العسكري الذي يدير الفترة الانتقالية وبين التيار الصاعد إلي السلطة وهو تيار الإخوان المسلمين، ربما تمني تلك الدوائر نفسها بأن تستمر حالة الفوضي في البلاد حتي تتحسن الأوضاع بالنسبة للطرف الثالث المجهول اسما المعلوم بملامحه وأهدافه. لست أدري حقيقة ما هي الحسابات الموضوعية التي اعتمد عليها ذلك الافتراض الانطباعي، ولا من أي مصدر أتي ذلك الافتراض، أغلب الظن أن هذا الانطباع جاء نتيجة فرضية خاطئة أخري من البداية، وهي أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو ما يحلو للبعض بتسميته اختصارا أو تندرا بالعسكر لا يريد التخلي عن السلطة السياسية لإدارة البلاد، أو أنه يخطط للبقاء في السلطة بأي وسيلة، ومن ثم فإن كل ما أعلنه منذ البداية عن خططه بتسليم السلطة السياسية إلي مؤسسات مدنية كان تمويها لاستمرار النظام الذي سقط. الملاحظ خلال الجدل الدائر أن فكرة الانقلاب العسكري سيطرت علي تفكير كثير من المحللين المحليين الذين ظهروا بكثرة في الآونة الأخيرة ولم يستطيعوا التمييز بين طبيعة قادة القوات المسلحة في هذه الأيام في هذا العصر، ومدي إدراكهم للمتغير السياسي المحلي والإقليمي والعالمي، وبين طبيعة العسكر في وقت آخر مضي منذ عدة عقود، ونظرا لسيطرة تلك الفكرة علي كثيرين من النشطاء فقد نقلوها إلي المراسلين الأجانب، وربما تناولوها في لقاءاتهم مع مسئولي السفارات الأجنبية المتعطشين إلي أي تحليل وأي تفسير لما يجري علي الأرض المصرية من أحداث. نقول هذا الكلام لننبه إلي أن ما يتم تصديره إلي الخارج من آراء وتحليلات النخب من النشطاء يسهم بنسبة ما في تشكيل الوجدان السياسي لبعض القوي السياسية الدولية المؤثرة، ومن هنا تأتي أهمية ما تتناقله بعض الدوائر الأجنبية عن الأوضاع داخل مصر. من الأفكار الخاطئة ما تناولته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن صدام وشيك بين جماعة الإخوان المسلمين وبين المجلس، وقالت إنه أمر لا مفر منه والسبب هو فوز حزبهم في الانتخابات البرلمانية التي أنجزتها الإدارة الانتقالية بدرجة عالية من الكفاءة والمصداقية. قالت الصحيفة إن جماعة الإخوان المسلمين، لا تزال في تحالف غير مريح مع المجلس العسكري الحاكم، ومع نية القادة العسكريين علي حماية مصالحهم السياسية والاقتصادية، وتخبط مصر في الطريق نحو الديمقراطية، فإن بعض المحللين يقولون إن الصدام بين أكبر قوتين أمر لا مفر منه وحتمي. هنا نلاحظ أيضا أن افتراض التحالف غير المريح مدسوس في التقرير لبناء نتائج غير دقيقة، كذلك افتراض نية العسكر في البقاء. أيضا قالت شبكة «سي بي إس» التليفزيونية الأمريكية إن الجماعة أعلنت نيتها التخلص من الحكومة التي عينها المجلس الأعلي للقوات المسلحة الحاكم، لكي تضع هي اختياراتها، وهي تريد كذلك أن تقلص صلاحيات المجلس العسكري في كتابة دستور مصر الجديد. وأيضا هنا افتراض يؤكد معلومة لا نعرف مصدرها. المهم أن افتراض حتمية الصراع قد يرضي بعض الأحلام ولكن من وجهة نظري لا يوجد سبب يحتم وجود صراع نظرا لما توافر من شواهد عملية عن استعداد المجلس العسكري للتخلي عن السلطة السياسية للحكومة وللرئيس المنتخبين، من ناحية أخري أبدي حزب الأغلبية الجديد الإسلامي في توجهه استعداده لقبول التوافق مع كل التيارات علي المسائل ذات الطابع القومي مثل الدستور، كما أنه لا يرفض أن يحتفظ الجيش بالمقومات الأساسية التي تحفظ قدراته فيما هو متفق عليه في النظم الديمقراطية. من هنا أشعر أن حزب الحرية والعدالة سيقدم منتجا سياسيا جديدا، ومشروعا سياسيا مناسبا للعصر وللنظام الديمقراطي المقترح، بما يؤدي إلي تجنب الصراع والصدام. حالة التوجس من حركة الإسلاميين، والصورة الذهنية المتخلفة عن سياسة الحزب الوطني المنحل في الاستئثار بالسلطة وتصفية كل الكوادر والتيارات السياسية التي تطل برأسها، لاتزال من الإرث الذي خلفه النظام السابق، ويجب التخلص منه والتعامل مع المتغيرات علي الساحة بقلب وعقل مفتوحين دون مصادرة علي المستقبل القريب جدا وافتراض أن الصدام واقع لا محالة.