تساءل كاتب مقال ماذا يريد مؤسسو الحركة الوطنية أحمد رجب عن هذه الحملة، وتطوع بالإجابة- عما يجهل- بقائمة اتهامات معدة سلفا من سعى الحملة إلى هدم العلوم الإسلامية بالحذف والتنقية. وعلى الرغم من ذلك، أقول له: أن هدف الحملة هو السعى نحو وضع مرجعية للوصول إلى السنة الصحيحة يمتنع بها على أى أحد أو تيار أن يخضع المسلمون إلى ذوقه الخاص أو رؤيته الذاتية. وفى إطار تحقيق ذلك أقام رائدها طعنا ضد شيخ الأزهر لإلزامه بتحقيق كتب الأحاديث المعروفة باسم الصحاح الستة والمسند أعتقد أنه لا يوجد مسلم عاقل رشيد، خاصة فى هذه المرحلة الفاصلة من تاريخنا، خاصة بعد أن أصبحنا مهددين بالوقوع بين فكى الأسد من تيار سلفى وتيار إسلامى يمكن أن يقف ضد ذلك. وقد كشف الطعن المشار إليه عن حقيقتين مذهلتين: الحقيقة الأولى: أن مجمع البحوث الإسلامية يقوم بطباعة كتب غير محققة، ويسمح بطباعتها بالمخالفة لأحكام القانون، وأن الأزهر بهيئاته المتعددة يتبع سياسة السكوت والتعمية على ما فى بطون هذه الكتب. وهذا ما فعله المجمع مع كتاب الجامع الكبير للسيوطى، فقام بطباعته دون تحقيق أو تجريد من غير الصحيح وأهدر بذلك الملايين من الجنيهات. وأناشد أصحاب الضمائر اليقظة من المسلمين بتقديم بلاغات ضد المسئولين عن هذه الجريمة وملاحقتهم قضائيا وليقم بهذه المهمة السامية رجال القانون لمنع تكرار ذلك. الحقيقة الثانية: إنهم يدافعون عن هذه الكتب ولا يعرفون ما بداخلها. فمازالوا يدافعون عن البخارى دون قراءته لأن الأصل المخطوط لهذا الكتاب ليس تحت أيديهم، كما صرح بذلك الدكتور/ محمد مختار المهدى بخصوص الطعن المقام منى. وأفاد بأن الأزهر يسعى لاقتناء الأصل المخطوط كتاب البخارى وهذا التصريح منشور على شبكة المعلومات. وهذا الأمر يبرر أيضا محاكمتهم قضائيا وعزلهم من وظائفهم لأنهم يصرحون بطباعة كتاب ليس له أصل مخطوط، فعلى أى أساس يصدر التصريح؟ وهناك ما يزيد على عشر نسخ من هذا الكتاب كلها غير محققة. أما ما أورده الكاتب من حقائق علمية فى غير مقامها يؤكد أنه لم يقرأ كتاب أبى شجاع ولم يفهم مغزى المقال. وقبل أن تترسب فى عقله خيالات أبى شجاع أهدى إليه هذه الحقيقة: إن أغلب مقررات الأزهر من كتب الفقه تنتمى إلى العصرين المملوكى والعثمانى والمعروفة تاريخيا ب«عصور الانحطاط». وكان الفقه، فى هذا العصر، غالبا ما يدور حول أسئلة غير واقعية، أغلبها أسئلة منحطة يطرحها الفقيه ثم يتولى الإجابة عنها بأجوبة أكثر انحطاطا.. وهو ما يعرف باسم «الفقه الفرضى» و«فقه الحيل» ومن أمثلة هذه الأسئلة: من لقضيبه فرعان وأدخل أحدهما فى فرج امرأة وأدخل الآخر فى دبرها فهل يعتبر هذا الفعل زنى؟ وماذا عليه من إثم؟ - وآخر يسأل عن حكم من حمل قربة «فساء» على ظهره هل ينقض ذلك وضوءه؟ ونسى أن يقول لنا كيف يمكن توصيل الفساء إلى القربة. والإشكالية التى تواجه المجلس الأعلى للأزهر فى اختيار المقررات الدراسية أن هذه الكتب غير محققة ويختلط بها الصحيح بغير الصحيح والجدل بالهزل. فعماد هذه الكتب هو الإسرائيليات والمدسوسات التى بطول وعرض أمهات كتب التراث. فأبى شجاع يورد فى كتابه حديثا ينسبه إلى النبى «ص» نصه: إن النظر إلى فرج امرأة يورث العمى. فلو صح هذا الحديث لكانت كارثة على أبناء المسلمين، فلماذا نعرض السنة الشريفة للتكذيب الكلى بهذه المدسوسات؟ فهل مازلت يا أخى الكريم عند رأيك فى الانحياز لفقه أبى شجاع؟ ولقد صدمنا جميعا عندما خرج علينا من رفات أبى شجاع أحد المفتين السابقين، وتحدث عن «مفطرات الصوم». بلغة العصرين المملوكى العثمانى العصر قائلا: إن المفطرات هى: أكل الطين الأرمنى وأكل اللحم النيئ إلا إذا دود وأكل الشحم وقديد اللحم. وابتلاع بزاق «يقصد بصاق» زوجته أو صديقه لا غيرهما. ومن مفسدات الصوم أيضا: «إذا أكل الصائم أرزا نيئا أو عجينا أو دقيقا بدون سكر أو ملح كثير أو طينا غير أرمنى لم يعتد أكله أو نواة أو قطنا أو سفر جلا لم يطبخ أو ابتلع حصاة أو حديدا أو ترابا». وقد ثار المجتمع بمثقفيه على المفتى الذى يتحدث بلغة لايفهمها أحد وتصدى له المرحوم الصحفى/ أحمد بهاءالدين فى عموده اليومى بجريدة الأهرام يوم 2/6/.1985 ومن ضمن ما قاله: «لم أهين القراء بما ذكره المفتى من مفسدات الصوم من صور غريبة للعلاقة الجنسية الشاذة والتى لم ترد فى ألف ليلة وليلة، المصادر بحكم قضائى والتى ذكر أنها تفسد الصوم. وكأن فضيلته يرى أنها - فى غير أيام الصوم - أمور مقبولة. «ورغم أننى لا أعرف الطين الأرمنى فلا بأس وأنا أفهم بزاق الرجل فى فم المرأة، أما بزاق الرجل فى فم الرجل فهذا ما أعافه ولا أقبله ولا أفهمه اتق الله يا شيخ فى المسلمين». ولأننا شعب ضعيف الذاكرة فقد انتهى الموضوع ومر مرور الكرام. ولم يطالب أحد المؤسسة الدينية بتقنية كتب التراث ووضع قواعد ثابتة للتعامل معه. وكعادتنا فى مناقشة قضايانا المصيرية تناولنا الأمر بتهريج ومنذ سنين طفا على السطح حديث إرضاع الكبير ووضع المؤسسة الدينية فى مأزق رهيب لا تحسد عليه، فالحديث صادم وشائن ووارد فى البخارى فى باب كامل تحت عنوان «إرضاع الكبير». الأمر الذى اضطر معه العلماء الأفاضل إلى التخلى مؤقتا عن عبارة «البخارى أصح كتاب بعد كتاب الله» حتى تمر الأزمة، فصرح وزير الأوقاف بجريدة المصرى اليوم بتاريخ 22/5/2007 العدد 1072 بأن إرضاع الكبير «كلام فارغ» ومعنى هذا أن البخارى به كلام فارغ فكيف يستقيم هذا مع وصف الكتاب بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله. وقال أمين المجمع كلاما قريبا من كلام وزير الأوقاف وكان ينبغى على شيخ الأزهر السابق أن يدعو المجلس الأعلى للانعقاد للنظر فى كتاب البخارى بما يحتويه من «الكلام الفارغ»، طبقا لكلام وزير الأوقاف ويدرجه على جدول أعمال المجمع لتحقيقه وتجريده من رواية إرضاع الكبير تطبيقا لأحكام القانون ولكنه فضل أن يكفى عليها ماجور. وبعد انتهاء الأزمة نسى وزير الأوقاف تصريحه وعاد يدافع عن البخارى ومعه العلماء الأفاضل الأمناء بذات العبارات الإنشائية المحفوظة. وعندما أطل فضيلة المفتى الحالى علينا بكتاب «الدين والحياة» حيث قال فى الصفحة رقم 178: «إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتبركون بشرب بول النبى «صلى الله عليه وسلم» ثار شيخ الأزهر وطالب المفتى بالاعتذار ولكنه رفض وكانت مسرحية هزلية لأن المرحوم فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر كان يعلم أن طلب الاعتذار لم يكن إلا للاستهلاك المحلى وامتصاص غضب المسلمين وكان يعلم علما يقينا أن الأزمة ستمر بسلام كما مرت الأزمات السابقة. وقد صح تعليق المفكر جمال بدوى فى تعليقه على كلام المفتى بشأن مفطرات الصوم حين قال: إن المسلم المعاصر يعرف من أمور دينه أضعاف ما تقدم تلك المعلومات التى تذكرنا بما كان يتناقله أدعياء الفقه فى عصور الانحطاط عندما كانوا يفترضون المستحيلات لإظهار براعتهم فى الإفتاء فكان شأنهم شأن الحواة والمحتالين وليس شأن العلماء الذين يحترمون أنفسهم. فهل فهمت الآن عزيزى مغزى المقال؟ وهل أدركت أنه بعد حقن عقول العلماء الأفاضل بعلوم فقه عصور الانحطاط كان لزالما عليهم أن ينحازوا إلى فقه أبى شجاع؟ رحم الله أبا شجاع وضحاياه والتائهين فى وضح النهار. مؤسس الحركة الوطنية لتنقية الثقافة الإسلامية.