قطاع السياحة فى مصر يعانى منذ ثورة 52 يناير من خسائر اقتصادية فادحة، فكان الأوفر حظا منذ الثورة فى حجم الخسائر التى لحقت بمختلف قطاعات الاقتصاد، وعلى الرغم من الحملات الترويجية التى تقوم بها هيئة تنشيط السياحة لعودة السياحة إلى نشاطها من جديد، فإن التصريحات المتتالية غير المسئولة والأحداث السياسية المتلاحقة تضرب كل هذه الخطط فى مقتل.ش قد زاد الطين بلة تصريحات المرشح المحتمل للرئاسة «حازم صلاح أبو إسماعيل» عن الممارسات السياحية فى مصر ونيته عن إصدار تشريعات لمنع ارتداء المايوه وشرب الخمر بالأماكن العامة ردود فعل واسعة فى الأوساط الاقتصادية التى تئن أصلا. «روزاليوسف» استطلعت آراء شركات السياحة وخبراء اقتصاديين ومصرفيين حول هذه التصريحات، وقالوا: «إن قطاع السياحة من القطاعات الحيوية فى مصر، والتى تمثل جزءا كبيرا من الإيرادات فى السوق المصرية، حيث يبلغ عدد السائحين الوافدين إلى مصر نحو 12 مليون سائح سنويا، كما أن قطاع السياحة يدر دخلا على مصر شهريا يقدر بنحو مليار دولار، بما يعادل نحو 12 مليار دولار سنويا». وتوقعوا أن تفقد السياحة فى مصر نحو 80% من إيراداتها فى حال تطبيق هذه التصريحات، مما سيؤدى إلى تحقيقها خسارة تقدر بنحو 80% من ال 5,12 مليار دولار إيرادات العام الماضى. «أحمد الخادم» - رئيس هيئة تنشيط السياحة - يرى استحالة تطبيق أفكار وآراء حازم صلاح أبو إسماعيل واعتبرها «خراب بيوت» لأن ما ينادى بتطبيقه من منع وتحريم يصعب تطبيقه على أرض الواقع، فهو صلب نشاط القرى السياحية والفنادق. وأشار إلى أنه لو تم تطبيق هذا القرار سيؤدى إلى خسارة تقدر بنحو20 -25 مليار دولار من إيرادات السياحة والأنشطة المتعلقة بها فى الاقتصاد المصرى. وأوضح أنه لابد أن يبحث صاحب التصريح عن بديل يستطيع من خلاله تعويض الاقتصاد المصرى عن هذه الخسارة. فيما يرى «سمير مالك» - نائب رئيس شركة رمكو للقرى السياحية - أن هذه الأفكار التى يروجها الرجل غير مسئولة، وأنها ستتسبب فى تدمير نشاط القرى السياحية. ويوضح أن الاقتصاد المصرى لا يتحمل فى الفترة الحالية أى خسائر، أو أى مشاكل يتعرض لها، خاصة بعد الخسائر التى حققها على مدار الفترة الماضية. بينما يقول هشام زعزع - نائب منظمة السياحة العالمية - أن شرب الخمور وارتداء المايوه كلها عادات وتقاليد يمارسها السائح، فهذا السلوك يعد جزءا من الثقافة العامة للسائح. ويضيف: إن السياحة حققت لمصر ما يقرب من 5,12 مليار دولار إيرادات خلال عام 2010 بالإضافة إلى المكاسب التى حققتها الصناعات الأخرى القائمة على السياحة مثل الفنادق وشركات السياحة وغيرها. ويشير إلى أن واحدا من كل 6 مصريين يعملون فى قطاع السياحة، كما أن مصر تعد من أفضل 18 مقصدا على مستوى العالم، وبالتالى فإن هذا النجاح غير المسبوق لو تم وضع قيود عليه سيتعرض لخسائر كبيرة. كما أن السائح الذى يأتى إلى مصر يأتى من أجل الترفيه، وليس من أجل شرب الخمور وذهاب الملاهى الليلية، ولكنه يأتى لزيارة المساجد والكنائس والمعابد أيضا. «زعزع» توقع أن تفقد السياحة نحو 80% من إيراداتها فى حال تطبيق هذه التصريحات. وعلى صعيد آخر، ترى «بسنت فهمى» - مستشارة بنك البركة - أن قطاع السياحة ليس كله يعتمد بشكل كبير على الخمور والملاهى الليلية، فمصر لديها الكثير الذى تقدمه للعالم، كبديل عن ذلك. وتضيف: إن تصريحات دكتور حازم أبوإسماعيل لن تؤثر بشكل كبير على قطاع السياحة، لأن هناك سياحة علاجية وسياحة دينية وغيرها من أنواع السياحات الأخرى. وتوضح أن قطاع البنوك لديه حساسية شديدة من تمويل قطاع السياحة نظرا لارتفاع درجة المخاطرة المحفوفة بهذا النوع من التمويل، فالبنوك عندما تمول قطاع السياحة، تفرض قيودا محددة على هذا النوع من التمويل. وتضيف: إن هذه التصريحات هدفها جمع أكبر عدد من المؤيدين من الإخوان والسلفيين، أكثر من تأثيرها بشكل كبير على قطاع السياحة. وتشير إلى أن هناك نحو 10-20 مليون مصرى يعيشون على قطاع السياحة ويعتمدون عليه بشكل كبير، مطالبة بضرورة - فى حال تطبيق هذه التصريحات - بوضع البدائل التى قد تنشط قطاع السياحة فى مصر. فيما يرى محمد بدردة - خبير مصرفى - أنه نظريا هناك عدد من الدول التى تطبق هذه التصريحات بالفعل، ونحن لا نستطيع أن نختلف عليها، ولكن فى مصر لا أعتقد أن مثل هذه التصريحات يمكن تطبيقها. ويشير إلى أن المصريين لا يمثلون نسبة كبيرة من السياحة فى كل من شرم الشيخ والغردقة وغيرهما من الأماكن السياحية فى مصر، حيث إن هذه الأماكن تعتمد بشكل كبير على السياحة الوافدة أكثر. ويوضح أن قطاع السياحة سيتعرض لبعض الخسائر فى حال تطبيق مثل هذه التصريحات، مما سيؤثر على أداء الاقتصاد المصرى بالسلب. ومن ناحية أخرى يقول د. صلاح جودة - مدير مركز الدراسات الاقتصادية - إن قطاع السياحة يدر دخلا على مصر شهريا يقدر بنحو مليار دولار، بما يعادل نحو 12 مليار دولار سنويا أى نحو 72 مليار جنيه مصرى فى العام الواحد، وأن هذه التصريحات أدت إلى خسائر تقدر بملايين الدولارات بسبب إلغاء حجوزات. ويضيف: إن قطاع السياحة يعمل به نحو 4 ملايين مواطن مصرى بصفة مباشرة، ونحو 4 ملايين مصرى بطريقة غير مباشرة. كما يبلغ عدد السائحين الوافدين إلى مصر نحو 12 مليون سائح سنويا، مضيفا أن اقتصاد مصر خدمى يعتمد على الخدمات أكثر من قطاع الزراعة والصناعة، لأن مصر بعد ثورة 25 يناير أصبحت تستورد حوالى 85% من احتياجاتها من الغذاء، و64% من احتياجاتها فى مجال الصناعة، و4/5 من احتياجات كل رغيف، كما أن واحدا من كل ستة أفراد يعملون فى قطاع السياحة. ويشير إلى أن قطاع السياحة يحتاج خلال الفترة الحالية إلى مزيد من الدعم وإلى خطة لتنشيطه، لزيادة عدد السائحين إلى 40 مليون سائح خلال 5 سنوات، لأن مقومات مصر السياحية تؤهلها لذلك. «جودة» أوضح أن تصريحات الدكتور حازم صلاح أبوإسماعيل، وغيره من السلفيين أمثال عادل عفيفى رئيس حزب الأصالة، ستعمل على خراب البلد، لأن مصر ليست لديها مصادر دخل أخرى كبديل للسياحة، لأن مصر ستكون مستوردة للبترول خلال 15 سنة، كما أن دخل قناة السويس لن يكفى لتلبية احتياجات الاقتصاد المصرى، بالإضافة إلى أن تحويلات المصريين فى الخارج قلت بنحو 65% بسبب حروب الدول العربية أمثال ليبيا والبحرين وسوريا واليمن وتونس، وعلى الجانب الآخر الاقتصاد المصرى مطالب بتوفير فرص عمل لما يقرب من 12 مليون مواطن يعانون من البطالة. ويشير إلى أن الاقتصاد المصرى سيتكبد خسائر تقدر بنحو 22-27% فى حال استمرار تطبيق مثل هذه التصريحات، كما أن الاقتصاد المصرى لن يستطيع تحمل مثل هذه الصدمات والعقليات «الخربة» - على حد قوله - التى تريد أن تعود بمصر إلى الوراء مئات السنين. ويوضح أن قطاع البنوك يمول عددا كبيرا من شركات السياحة والقرى السياحية، وبالتالى فى حال تعرض هذه الشركات لخسائر ستعجز هذه الشركات عن سداد قروض البنوك، مما سيؤثر على قطاع البنوك بالسلب، بالإضافة إلى تأثر قطاع الضرائب لعجز هذه الشركات عن سداد الضرائب وهى الإيراد الأول فى الدولة لأنها تمثل نحو 350 مليار جنيه سنويا، بالإضافة إلى قطاع التأمين الذى سيتأثر لعجز العاملين عن سداد أقساط التأمين. من جهة أخرى يرى د. حمدى عبد العظيم - رئيس أكاديمية السادات السابق - أن أغلب السائحين غير مسلمين، وبالتالى فهم على غير إلمام بعادات وتقاليد الدين الإسلامى. وأكمل قائلا: «منع مثل هذه الخمور سيفقد السياحة جزءا كبيرا من مواردها، مما سيؤثر بالسلب على الإيرادات وعلى موارد البلاد من النقد الأجنبى، بالإضافة إلى أسهم شركات السياحة فى البورصة وغيرها، فطريقة تطبيق هذه الآليات ستتحكم إلى حد كبير فى مدى الخسائر التى سيحققها الاقتصاد، هل هذه الإجراءات ستكون محظورة على المصريين فقط أم المصريين والأجانب معا؟! ويضيف: إن قطاع السياحة حقق على مدار الفترة منذ ثورة 25 يناير خسائر فادحة، تمثلت فى تراجع عدد الليالى السياحية والإنفاق وأعداد السياح. ويشير إلى أن القطاع يواجه الآن عددا من المشكلات أهمها تراجع معدلات الإشغال الفندقى إلى ما بين 10% و15%، كما تراجعت عائدات القطاع بشدة، والتى كانت تصل إلى 17 مليار دولار سنويا. وقد بدأت شركات السياحة المحلية فى مصر تسريح العمالة وهو تطور خطير فى بلد يصل فيه معدل البطالة بين السكان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما إلى 34% وفقا لبعض التقديرات.