محمود عبد الفتاح هل تصدق عزيزى القارئ أن بداخل بطون أمهات كتب الحديث روايات تطعن مباشرة فى القرآن الكريم ابتداء من الطعن فى اكتمال النص القرآنى بادعاء ضياع الكثير من آياته ونسيان كتابتها، إلى الطعن فى اللفظ القرآنى والزعم بكتابته فى المصاحف الأولى بطريقة مغايرة لما نزل على النبى (صلى الله عليه وسلم)؟. وهل تعلم أن مجمع البحوث الإسلامية، أكبر هيئة علمية إسلامية، يصرح بطباعة هذه الكتب بكل ما تحمله من روايات وأكاذيب بدون تحقيقها أو تجريدها من غير الصحيح؟ فإذا كنت غير مصدق، وقبل توجيه السباب لشخصى الضعيف قم بنفسك بالاطلاع على الرواية رقم 1944 (سنن ابن ماجة - الجزء الأول - مطبعة دار إحياء الكتب العربية) لتعرف بنفسك الحقيقة المذهلة، فهذه الرواية المدسوسة - وحدها - والتى مازالت بجانب الصحيح فى سنن ابن ماجة تطعن مباشرة فى اكتمال القرآن الكريم وتعكس النزعة الشعوبية لبعض أصحاب هذه الكتب. فما هو الهدف من إيراد رواية تطعن فى القرآن بكتاب مصنف على أنه أحد كتب الصحاح الستة؟! وإذا كانت هذه الرواية بداخل كتاب أحاديث يفترض من تصنيفه أن كل ما به صحيح فماذا يكون بداخل كتب الأحاديث الأخرى والتى لا تتمتع بأى تصنيف ؟! ونسوق نص هذه الرواية المدسوسة مع روايات أخرى قليلة على الرغم من امتلاء كتب الأحاديث بها: الرواية الأولى: (حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، ثنا عبدالأعلى عن محمد بن إسحق، عن عبدالله بن أبى بكر، عن عمرة عن عائلة، وعن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة قالت : لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا، ولقد كان فى صحيفة تحت سريرى، فلما مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها). (سنن ابن ماجة - الجزء الأول - كتاب النكاح - ص 625 - مطبعة دار إحياء الكتب العربية). الرواية الثانية 21264- حدثنا عبدالله، حدثنى خلف بن هشام، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر قال: قال لى أبى بن كعب: كأين تقرأ سورة الأحزاب أو كأين تعدها؟ قال: قلت له ثلاثا وسبعين آية، فقال: قط لقد رأيتها وإنها تعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها (الشيخ والشيخة، إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالا من الله، والله عليم حكيم) (المسند للإمام أحمد بن حنبل - الجزء الثامن - دار الفكر للطباعة والنشر). الرواية الثالثة (أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبى حامد، أخبرنا محمد بن عبدالله بن زكريا، أخبرنا محمد بن عبدالرحمن الدغولى، أخبرنا أبو عبدالرحمن محمد بن يونس، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا حفص بن سعيد القرشى قال حدثتنى أمى عن أمها خولة، وكانت خادمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أن جروا دخل البيت، فدخل تحت السرير فمات، فمكث النبى (صلى الله عليه وسلم) أياما لا ينزل عليه الوحى، فقال: (يا خولة ما حدث فى بيتى؟ جبريل عليه السلام لا يأتينى قالت خولة: لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا شىء ثقيل، فلم أزل حتى أخرجته فإذا جرو ميت، فأخذته فألقيته خلف الجدار، فجاء نبى الله (صلى الله عليه وسلم) ترعد لحياه، وكان إذا نزل عليه الوحى استقبلته الرعدة فقال: (يا خولة دثرينى ) فأنزل الله تعالى: ( والضحى (1) والليل إذا سجى (2) ما ودعك ربك وما قلى (3)) (مجموعة أسباب النزول للنيسابورى - الجزء الخامس - ص 269- دار نوبليس - بيروت 2009). ولا تحتاج الروايتان الأولى والثانية إلى متخصص فى علم (حدثنا) للحكم عليهما لأن تصديقهما يعنى التكذيب الكلى للقرآن. أما الرواية الثالثة فهى رواية مضحكة ومبكية فى آن واحد فعلى فرض ثبوتها عن (خولة) يجب على المسلمين على الأرض أن يصلوا شكرا لله على أن وهبنا امرأة فى ذكائها حيث تدخلت فى الوقت المناسب ومنعت الوحى من الانقطاع وأنقذت الرسالة من الضياع !!! ولكن ما هو الأصل التاريخى لهذه الروايات وكيف تم ترويجها وتدوينها فى كتب الأحاديث ؟ الحقيقة أن القوى الشعوبية المعادية للإسلام والعرب من الفرس والزنادقة هى التى قامت بتأليفها وترويجها بين المسلمين حتى فاقت فى أعدادها الدراهم المتداولة فى العصر العباسى. فالبداية وضع متن الرواية بما يتضمن من إساءات بالغة سواء إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) أو إلى الصحابة أو الطعن فى الإسلام بوجه عام. وبالرغم من أن أغلب متون هذه الروايات جاء متهالكا إلا أن نسبتها إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) والصحابة كان يعطيها قدسية. وعندما جاء علماء الحديث ممن قاموا بالتجميع والتدوين فى الإسلام، وخاصة الحديث وجدوا هذه الروايات رائجة ومنتشرة وكان أغلبهم من الفرس ومن أشد المناطق، التى تم فتحها عداء للإسلام فجمعوها ودونوها فى كتبهم وأصبحت إلى اليوم سائدة مقدسة. والغريب أن علماء السنة على مر العصور هم الذين حذروا من الشعوبية والزنادقة ودورهم فى الوضع فى الحديث وهم أنفسهم الذين روجوا لهذه الروايات - بدون قصد - لغفلتهم عن تتبع السنة وتحقيق كتب الأحاديث وتجريدها من غير الصحيح. فما زال مجمع البحوث الإسلامية يعطى تصريحا بطباعة أمهات كتب الأحاديث بالمخالفة لأحكام القانون رقم 102 لسنة 1985 بشأن طبع المصحف والأحاديث الشريفة. فقد ألزم هذا القانون المجمع دون غيره بالإشراف على طبع ونشر وعرض وتداول المصحف الشريف وتسجيله للتداول. والأحاديث النبوية وفقا لما تقرره اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والتى تلزم المجمع بتحقيق هذه الكتب وتجريدها من الفضول والشوائب قبل طباعتها. وقد حدد هذا القانون فى مادته الثانية عقوبة السجن والغرامة التى لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه. كل من قام بطبع أو نشر أو توزيع أو عرض أو تداول المصحف أو الأحاديث بالمخالفة لأحكام القانون المشار إليه حتى ولو تم الطبع فى الخارج. وشدد العقوبة فى حالة العود وجعلها لا تقل عن خمس سنين. وبالرغم من نصوص هذا القانون إلا أن المجمع يقوم بالتصريح لمن يرغب فى طباعة كتب الأحاديث بدون تحقيقها وتجريدها من غير الصحيح. بل أكثر من ذلك فالمجمع نفسه يقوم بطباعة كتب الأحاديث بدون تحقيقها كما فعل مع كتاب الجامع الكبير للسيوطى وبه أكثر من ثلاثين ألف حديث موضوع طبقا لإقرار لجنة البحوث والسنة فى اجتماعها رقم 5 ,6 الدورة 44 ,46 أى أن المجمع قد قام بضخ ثلاثين ألف حديث موضوع فى عقول المسلمين، فكم قرنا نحتاجه لاقتلاع أثرها من الوعى وقد ذابت به وتأصلت كجزء لا يتجزأ من السنة ؟ ولاشك أن وجود مثل هذه الروايات وهذه الكتب وإعادة طبعاتها بتصريح من المجمع يثير الكثير من الأسئلة.. وعلى رأسها السؤال الضخم المحير: ما جدوى التمسك بروايات مدسوسة وغير صحيحة تؤدى إلى التكذيب الكلى للقرآن والسنة؟! ؟