بقدر ما كانت تترقب القوي السياسية صدور مرسوم قانون تقسيم الدوائر الانتخابية استعدادا وأملا في اتخاذ إجراءات إيجابية علي طريق تسليم السلطة وإجراء انتخابات برلمانية من شأنها أن تعيد الاستقرار السياسي بعد الثورة وما لها من أهمية لوضع دستور، واستعدادا لإجراء انتخابات رئاسية، بقدر ما خابت آمال الغالبية من شكل وجدوي تقسيم هذه الدوائر الذي بدا مشعلا للحرائق والفتن بأكثر من تهدئة للشارع السياسي! فحسب ما علمنا أنه طلب من القوي السياسية الفاعلة تقديم كل منها لتصورها بشكل تقسيم الدوائر الانتخابية، وهو ما قامت به فعلا لتفاجأ بصدور قانون بعيد تماما عن كل التصورات التي قدمت، وهو ما جعلنا نستطلع آراء تلك القوي خصوصا أن هناك تواتر أنباء عن إجراء تعديلات علي هذه الدوائر بعد أن وصل للحكومة والمجلس العسكري اعتراضات وانتقادات تجعل من الصعوبة السيطرة علي دوائر باتساعها وكذلك التقسيم بين الفردي والقائمة النسبية! «أيمن نور» - مؤسس حزب الغد - اعتبر أن المشكلة الأكبر في قانون الانتخابات وليس في قانون تقسيم الدوائر، وعلق موضحا بقوله: ليس هناك ما يمنع أن يكون حجم الدائرة الانتخابية يشمل مساحة مصر، لكن مقابل ذلك يكون هناك عدد يتناسب من المقاعد مع حجم هذه الدوائر. وأضاف «نور»: الناخب المصري لا يستطيع أن يقوم بالعملية التصويتية في 4 صناديق في وقت واحد، فهذا لم يحدث في تاريخ مصر لأنه غير منطقي، وسيؤدي إلي استحالة موضوعية أن تتم الانتخابات. وطالب بتأجيل الانتخابات لمدة 3 شهور حتي يتم التوافق علي الشكل المناسب، حيث إن تأجيل الانتخابات هو الحل من إجرائها بهذه الكيفية، وهو الذي يحقق الاستقرار أفضل من إجرائها في الوقت الحالي. «أبوالعز الحريري» - القيادي بحزب التحالف الاشتراكي - قال: كيف يقوم المواطن بانتخاب 14 فردا في وقت واحد ما بين قوائم مجلس الشعب والفردي وقوائم مجلس الشوري والفردي، وأي قاض يستطيع أن يراقب 4 صناديق في الوقت نفسه؟! «الحريري» توقف عند إجراء الانتخابات في يوم واحد مقارنا بصعوبتها في السابق وقت النظام البائد التي لم تكن تشهد إقبالا، فمابالنا بالإقبال المتوقع في الانتخابات المقبلة ورغبة المواطنين في التصويت! وأضاف «الحريري» بقوله: إجراء انتخابات بهذه الطريقة هو السبيل للتزوير وتشكيل برلمان مضاد للثورة لأن ترتيب الانتخابات في يوم واحد يجعل الكتل المتلاعبة بالدين والمال هي التي لها نفوذ. «ياسر سليمة» - عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة - أكد أن إجراء الانتخابات بقانون مجلسي الشعب والشوري وتقسيم الدوائر الانتخابية بهذه الكيفية سيؤدي إلي خروج شباب الثورة من المنافسة، وبالكاد قد ينجح اثنان منهم، لأن إجراء انتخابات بالنظام الفردي انتهي في الدول التي تسعي للديمقراطية لأن المتحكم فيها هو البلطجية والمال. وأوضح ضرورة أن يكون النظام بالقائمة 100% مع السماح للمستقلين بتشكيل قوائمهم إذا لم يجدوا من الأحزاب ما يتماشي مع أهدافهم. «سليمة» أشار إلي أن الأغلبية الساحقة من المصريين لم تفهم ما المقصود بالدوائر والفردي وطريقة الانتخاب، لذا سنشهد أكبر عدد من الأصوات الباطلة وسيطرة رجال الأعمال سواء كانوا من الفلول أو غيرهم فلا يوجد أحد من الشباب لديه القدرة علي التعامل مع موروث اجتماعي يري أن عضو مجلس الشعب من الكبار في السن ويسعي لتغييره في ظل حجم هذه الدوائر الانتخابية الكبيرة. وألمح إلي أن الائتلاف لا يعارض تأجيل الانتخابات شريطة أن يكون هناك جدول زمني محدد الأهداف، وإذا توقفت كل القوي السياسية علي المقاطعة فليس هناك ما يمنع. ومن جانبه أكد الدكتور فؤاد بدراوي - سكرتير عام حزب الوفد - رفض القانون الجديد شكلا وموضوعا مؤكدا أن القانون مخيب للآمال، وأنه كان من الأفضل أن يتم التقسيم بدائرتين أو دائرة واحدة لكل محافظة، بحيث تتم إتاحة الفرصة كاملة لحرية الترشح وأن يكون هناك حركة في القائمة دون التقيد بأربعة مقاعد وأن تكون النسبة ثلثين للقائمة وثلثا للفردي. وأشار إلي أن خروج هذا القانون بنفس الطريقة هو نفس النهج القديم الذي كان يعتمد علي منطق هم يقولون ما يشاءون ونحن نفعل ما نريد، فتقدمنا باقتراحات، لكن للأسف لم يتم النظر إليها من قريب أو بعيد وتم تجاهل كل الآراء والملاحظات التي طالبت بها الأحزاب وطالب بضرورة النظر في قانون انتخابات مجلسي الشعب والشوري الذي يعتبر هو الأساس. «حسين عبدالرازق» - عضو مجلس رئاسة حزب التجمع - أكد أن الحزب يرفض هذا القانون استمرارا لرفضه لقانون مجلسي الشعب والشوري، موضحا أن هذا القانون قسم مصر إلي 126 دائرة، وهو ما يؤدي إلي هيمنة الأثرياء سواء كانوا من الفلول للحزب الوطني أو غيرها من الأحزاب ويصادر إمكانية ظهور الأحزاب الجديدة. وأكد أن أي تعديل لن يكون له قيمة بدون تعديل قانون مجلسي الشعب والشوري مشيرا إلي أن الحزب رغم أن الأغلبية تؤيد ضرورة التواجد في الانتخابات المقبلة إلا أنه ليس من المستبعد اتخاذ اتجاه مقاطعة الانتخابات في حالة عدم الاستجابة. وطالب بضرورة شرح المعايير والأسس التي تم بناء عليها هذا التقسيم لأن هناك دوائر بها كتل تصويتية تصل إلي نصف مليون ناخب ودوائر أخري لا تزيد علي 10 آلاف صوت! «أحمد خيري» - عضو المكتب السياسي لحزب المصريين الأحرار - يري أن إجراء الانتخابات بنظام القوائم الكاملة غير دستوري ولا يتماشي مع طبيعة النظام في مصر الذي أعلن عنه الإعلان الدستوري بأنه سيكون رئاسيا أو برلمانيا رئاسيا فنظام القوائم يحتاج إلي نظام برلماني كامل، كما أنه يحتاج إلي حياة حزبية فعالة ومصر الآن تمر بتجربة حزبية جديدة. وأشار إلي أن إشكالية القانون هي عدم فهم الأسس التي تم بناء عليها هذا التقسيم، فمن المعروف في أمريكا مثلا أن كل 300 ألف مواطن لهم من يمثلهم في البرلمان، لكن هذا التقسيم الذي تم عجيب وفيه تفتيت للأصوات والتجمعات، فمثلا بعض الدوائر مثل الدقي والعجوزة تم تحميلهما بدائرة إمبابة، فهذا أدي إلي مضاعفة المساحة وتقليل الأعداد فكل القوائم تم ترشيح 4 مرشحين عليها فقط، وإذا تم الانتخاب علي هذا السيناريو مما يفرز لنا هو برلمان مكرر من .2005 وأشار إلي أنه مع تأجيل الانتخابات حتي يتم التقارب لأن عدم التقارب سيؤدي إلي إنتاج برلمان غير توافقي، وبالتالي سيوضع دستور غير توافقي. «د. حمدي السيد» - عضو مجلس الشعب السابق عن الحزب الوطني المنحل - قال: إن الأحزاب التي تري أن قانون الدوائر الانتخابية يسمح بعودة الحزب الوطني فهذا غير منطقي وغير عقلاني، لكن المشكلة الحقيقية أن هذه الأحزاب ليس لها وجود في الشارع موضحا أن العرف والتقاليد في الانتخابات هي العصبية والأموال والقبليات، أما الانتماء الحزبي فهو آخر شيء يمكن أن يتحكم في دافع التصويت باستثناء الإخوان المسلمين. وأضاف أن أي مواطن معه 5 ملايين جنيه يستطيع أن يشتري دائرة بأكملها، فالمواطن الذي لم يجد غذاءه ثم تحدثه عن الثورة لن يسمع لك متسائلا ماذا ظهر علي المواطن من ناحية تحسن أحواله وظروفه لكي يلجأ إليه الناخب في الانتخابات المقبلة خاصة في ظل وجود 40% أمية في الرجال و60% أمية في النساء؟! فشباب الثورة الذين لديهم الدافع للتغيير ويشعرون أنهم يستطيعون ذلك، فما لديهم عبارة عن أوهام وآمال. وأكد السيد أن الانتخابات المقبلة ستكون أسوأ انتخابات في تاريخ مصر لأنه سيكون هناك 6 مرات للانتخاب بالإضافة إلي 50 رمزا! فلكي يختار المنتخب من بينهم يحتاج إلي نصف ساعة وهو ما يستحيل عمله في يوم انتخاب، فإما أن تستمر لأكثر من يوم أو يكون هناك حل لمثل هذه القضية لأن إجراء الانتخابات سيكون في صالح الإسلاميين الذين لديهم قاعدة شعبية كبيرة ويعتمدون علي الخطب الدينية. وقال «د. سعد الكتاتني» - المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة -إن قانون تقسيم الدوائر غير عادل وغير منطقي فلا يستطيع أحد أن يغطي هذا الحجم في اتساع الدوائر، مشيرا إلي أن الأساس ليس هذا القانون، بل تعديل قانون الانتخاب لأنه هو الأصل، فإذا تم تعديله سيتم بالتالي تعديل قانون تقسيم الدوائر الانتخابية والعمل بنظام القوائم. في حين أوضح المهندس «عمرو فاروق» - سكرتير عام حزب الوسط - أن قا نون الدوائر جزء من قانون الانتخابات وفكرة النصف قوائم والنصف فردي مرفوضة، ولكن ما نطالب به هو نظام القوائم النسبية المغلقة غير المشروطة بحيث لا يكون هناك نسبة حد أدني. ولفت إلي أن القانون جعل 58 قائمة، وعلي كل قائمة 4 أعضاء اشترط أن يكون علي رأسهم عامل، وهو ما يؤدي إلي أن مجلس الشعب سيشكل من 75% من العمال. أما النظام الفردي الذي جعل مصر 126 دائرة، حيث كانت في النظام القديم 222 دائرة بحوالي 444 عضوا فاختزلهم في 126 دائرة، وهو ما أدي إلي توسيع الدوائر بشكل كبير جدا، مشيرا إلي أن الحل الذي يراه حزب الوسط هو أن يتم دمج القوائم مع بعضها بحيث يكون بدل 4 مرشحين يتم ترشيح 8 فتكون فرصة الأحزاب أكبر في الفوز. أما «د. محمد إمام» - أستاذ النظم الدستورية وعضو المكتب السياسي لحزب الفضيلة السلفي - فيستبعد سيطرة الإسلاميين علي الانتخابات المقبلة في ظل اتساع الدوائر قائلا: هذا بعيد كل البعد لأنه لم يحدث تنسيق بين الأحزاب الإسلامية، بالإضافة إلي ضعف إمكانياتها المادية. وأشار إلي أن هذا القانون ليس جديدا، بل موجود في الأدراج وكان معمولا به قبل ذلك، لكن المحكمة الدستورية العليا كان لها موقف منه، حيث ألغت القائمة النسبية مؤكدا أن القانون فيه إخلال بنص المساواة بين المرشحين بتقسيم الدوائر تقسيمات مشوهة، وكان الأمر يحتاج إلي عرضه علي القوي السياسية، لكن هذا السيناريو المتبع لصناعة الأزمات ولا توجد قضية تسيير في مسارها الصحيح. وأكد أن الحزب مع بقية الأحزاب بما يتماشي مع أهدافه، مشيرا إلي أن القانون سيدخل كل المرشحين في صراعات وسيؤدي إلي فشل وصراع الأحزاب الإسلامية وغيرها من الأحزاب الجديدة. في حين يري «د. يسري حماد» - المتحدث الرسمي لحزب النور أن أي قانون سيصدر سيقولون عنه إنه يهدف لسيطرة التيارات الإسلامية لأن الإسلاميين في كل الأحوال لديهم قاعدة شعبية، أما بقية الأحزاب فلديهم نقص في القواعد الشعبية، أما أعضاء الحزب الوطني فلديهم الأموال التي ينفقون بها علي الدوائر. وأكد حماد أنهم لا يرون أن هذا القانون عائق أمام الانتخابات لأن الشعب عاني من تأجيل الانتخابات وعدم عودة الأمن والاستقرار رغم تحفظنا علي القانون الذي جعل الدوائر الانتخابية أشبه بملعب كرة القدم الكبير وبعض الدوائر الانتخابية لم يراع فيها التوزيع الجغرافي للسكان وجعل الحضر مع البدو، هذا إلي جانب التكلفة الكبيرة التي يتحملها الناخب في الفردي، وتكون فرصة أمام من لديهم المال من أعضاء الحزب الوطني. وأضاف أن مخالفة الفردي مع القوائم النسبية سيضع الأحزاب والكتل السياسية في مشكلة، هذا إلي جانب صعوبة الدخول لاختيار 4 قوائم في انتخابات الشعب والشوري وإدارة الأحزاب لهذه الدوائر الواسعة مؤكدا أن الأحزاب الإسلامية ليست لديها القدرة علي إدارة العملية الانتخابية ماليا.