رغم أن هناك غضباً شعبياً لا تزال آثاره بادية بوضوح علي الشارع المصري، إلا أن واقع الأمر أن الخارجية المصرية غابت عن المشهد في الثماني والأربعين ساعة الأولي من جريمة الحدود. وكان لافتاً خروج «الخبر الأول» لاحتجاج مصر علي لسان مصدر عسكري لا علي لسان وزير الخارجية كما هو معتاد، باعتبار أن الجهاز الدبلوماسي هو المنوط به إيصال رسائل الاحتجاج عبر قنواته. وقد يبدو في ذلك إشارة إلي أن الأزمة تدار علي أعلي مستوي في الدولة وتبع ذلك إصدار مجلس الوزراء لبيانه الأول، ثم البيان الثاني الذي تم التراجع عنه ووصمه بالخطأ والذي تضمن الإشارة إلي سحب السفير المصري من تل أبيب لحين اعتذار الدولة الإسرائيلية وغابت الخارجية أيضاً عن المشهد وتسبب غيابها في حدوث بلبلة مهولة في الشارع والرأي العام المصري والذي ظل ملتبساً عليه الأمر علي مدار اليوم لا يعرف ما هو وضع سفير بلدهم لدي إسرائيل؟ أما المشكلة الأكبر فهي أن حالة الالتباس هذه وحسب ما أكدت مصادر دبلوماسية لروز اليوسف كانت موجودة داخل الخارجية المصرية نفسها باستثناء أعضاء مكتب وزير الخارجية وأعضاء السفارة المصرية في تل أبيب. وبدأ الدور الدبلوماسي في الظهور علي الأقل إعلامياً مع إعلان الخارجية المصرية إنها استدعت القائم بالأعمال الإسرائيلي في القاهرة في ضوء غياب السفير خارج البلاد لإبلاغه بالموقف المصري علي النحو المبين بالبيان الصادر عن اجتماع اللجنة الوزارية. والقائم بالأعمال الذي ذكر البيان الإعلامي الرسمي للخارجية صفته دون أن يذكر اسمه هو «شالوم كوهين» سفير إسرائيل السابق لدي القاهرة والذي يشغل حالياً منصب مستشار شئون الشرق الأوسط لدي الخارجية الإسرائيلية!! عملية الاستدعاء الرسمية من جانب الخارجية المصرية، تم إسنادها إلي السفير حسام زكي المسئول عن ملف الشرق الأوسط في مكتب وزير الخارجية محمد كامل عمرو.. واستمرت نحو الساعة، ولم يسلم خلالها كوهين اعتذاراً مكتوباً بل كان يحمل في يده البيان الذي ألقاه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في توقيت متزامن مع وقت الاستدعاء وهو المشهد الذي فتح الاجتهادات الصحفية وادعي البعض أن إسرائيل سلمت لمصر اعتذاراً مكتوباً، وهو الأمر الذي نفته مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوي لروز اليوسف جملةً وتفصيلاً. وجاء حضور مصطفي القوني نائب السفير المصري في تل أبيب، لحفل الإفطار الذي أقامه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، ليشتعل الشارع غضباً ولم توضح الخارجية أيضاً أبعاد الأمر وملابساته وأشيعت الأنباء وخرجت التسريبات بأن وزير الخارجية محمد كامل عمرو يستفسر عن الواقعة.. وخروج مثل هذه التسريبات لرأي عام يغلي لا يحمل سوي معني واحد هو أن الخارجية أرادت الهروب من الموقف ووضعت السفارة المصرية ونائب السفير المصري في تل أبيب «كبش فداء» أمام الشارع الثائر في مصر. فالملابسات ووفقاً لمصادر دبلوماسية تتمثل في أن الرئيس الإسرائيلي لم يكتف بدعوة السفير ياسر رضا بل قام بإجراء اتصال معه ليطلب منه الحضور وياسر رضا أبلغه باعتذاره وهو أمر له مدلوله في الأعراف الدبلوماسية بأن سفيرا يرفض دعوة رئيس الدولة المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية.. ولكن كان لابد أن توفد السفارة أحد أعضائها لحضور الإفطار، وتساءلت المصادر إذا أغلقت السفارة أبوابها علي نفسها وعلي أعضائها، فما فائدة وجودها من الأساس في إسرائيل؟ فهي موجودة لمباشرة الاتصالات مع المسئولين الإسرائيليين والدولة أوفدتهم إلي إسرائيل لهذا الغرض.