فى أكبر تأكيد على أن الجينات المصرية ثابتة، لم تتغير من زمن الفراعنة إلى الآن، نكشف اليوم عن الدليل.. بردية ترجع لعصر الفراعنة تحكى لنا الثورة الشعبية الأولى التى قام بها المصريون لينهوا فترة حكم ثلاثة أضعاف فترة حكم مبارك، فى سيناريو ثورى متطابق مع ثورة يناير 2011.. فى نهاية الأسرة القديمة دخل البلد فى مرحلة انتقالية استمرت قرابة 150 سنة فى أعقاب الثورة الفرعونية التى أطاحت بالملك الذى ظل يحكم مصر أطول فترة فى تاريخها. ظروف الثورة الفرعونية تتطابق مع الظروف التى تمر بها مصر من فساد سبق الثورة وسيطرة الأسرة الحاكمة على مقدرات البلاد وفساد الوزراء والمحافظين مما أدى إلى قيام الثورة التى أطاحت بالملك ببى الثانى وتولية أحد أبناء الشعب حكم البلاد. الثورة الفرعونية قامت فى نهاية عهد آخر ملوك الأسرة السادسة وآخر ملوك الدولة القديمة ببى الثانى، أى فى أواخر القرن 23 ق.م بعد فترة حكم استمرت نحو 96 عاما، حيث تولى الحكم وعمره أربع سنوات وامتد به الحكم حتى بلغ مائة عام وهى أطول فترة حكم فى تاريخ مصر الفرعونية، مثلها مثل عهد مبارك الذى يعد الأطول فى العصر الحديث وكانت الأسباب الاقتصادية أبرز العوامل المحركة لقيام الثورة حيث أطلق عليها أنصار الطبقة الحاكمة فى ذلك الوقت «ثورة الجياع» أو «ثورة الفقراء» كما ورد فى البردية التى وثقت الثورة وصوروها على أنها «انقلاب اجتماعى»، فى حين يرى الباحث الأثرى «أحمد صالح» مدير أثار أبوسمبل ومعابد النوبة أنها ثورة بمعنى الكلمة قامت فى وقت واحد وفى أماكن متفرقة من البلاد مثلها مثل ثورة يناير.. ولا يعد السبب الاقتصادى وحده هو السبب إنما السبب الرئيسى هو طول فترة الحكم التى قاربت من القرن، وهذا غير معروف لدرجة أن معظم الباحثين يعتقدون أن رمسيس الثانى هو الأطول حكما، فى حين أنه لم يحكم سوى 69 عاماً فقط. يضيف «صالح» أن التشابه بين الثورتين فى عهد ببى الثانى ومبارك كبير جداً خاصة من حيث التدخلات العائلية فى شئون الحكم، فقد وقع ببى الثانى تحت وصاية أمه وخاله بالإضافة إلى سيطرة حكام الأقاليم وتحكمهم فى مقدرات البلاد لدرجة أن الملك سيتى الأول تزوج من ابنتى حاكمى إقليم الدلتا والصعيد وعين الحاكمين فى درجة وزير، وهو تغير اجتماعى خطير حيث أنهما من غير أصحاب الدم الملكى، مما أدى إلى اضعاف سلطة الملك وزيادة سلطة حاكمى الأقاليم.. لدرجة أنهما كونا جيشين مستقلين عن جيش المملكة ونشبت بينهما حرب أهلية طويلة! التاريخ يعيد نفسه تماما، وما حدث فى ثورة الفراعنة يكاد أن يكون صورة طبق الأصل من ثورة يناير، مع اختلاف الأشخاص.. فطريقة التنفيذ واحدة فى كلتا الثورتين.. حسب المصادر التى تحدثت عن الثورة - كما يقول أحمد صالح - فهناك بردية موجودة بمتحف تورين بهولندا برقم 344 وتخص «إيبو ور» أو «إيبو الحكيم» وهو من أصحاب الرؤى الإصلاحية فى السلطة. البردية تصف طريقة الثورة وهى سيناريو مكرر لثورة يناير.. حيث سيطر الشعب على أماكن محددة أثناء الثورة مثل الأهرامات ومعابد الملوك والكنوز الموجودة بها، وهناك بعض الأقوال تؤكد أن الثوار اقتحموا قصر الملك وخطفوه. كذلك قام الثوار - حسب البردية - بمهاجمة مجالس القضاء وحرق مستندات القضايا وإلقائها فى الطريق مؤكدين أن القضاء لم يكن نزيها فى عهد ببى الثانى.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل هاجموا المكاتب الحكومية التى يوجد فيها السجلات التى تضم مديونيات الشعب وقيمة الضرائب المفروضة عليهم. الطريف أنه أثناء الثورة تزايد عدد قطاع الطرق والبلطجية لأن النظام انهار فجأة وبشكل خيالى لدرجة أن الجثث كانت ملقاة فى الشوارع ونهر النيل، وتحول معها لون النيل للأحمر ولجأ المصريون لحفر الآبار بقرب النيل حتى يشربوا مياهًا نظيفة. الثورة لم يكن مخططا لها وكتب إيبو ور: لقد انقلب الحال فجأة، وفى ساعة معينة كان الرجل الموجود فى الفنتين فى أسوان يخرج للشارع فى نفس الوقت الذى خرج فيه الرجل الموجود فى الدلتا. بعد الثورة الفرعونية ظهرت ظروف تشبه ما تمر به مصر حاليا من خلاف حول موعد الدستور والانتخابات.. وحسب بردية «نفر ننى» أو «نفر حو» الموجودة فى متحف «بطرس برج» بروسيا وتحكى عن أحوال الثورة وعلى الحاكم الفرعونى وأن الشعب يبحث عن الحاكم العادل الذى يحكم بالدستور «ماعت»، وتقول البردية أن الحاكم العادل سوف يأتى من الجنوب لأن الشمال تكدس فيه الاسيويون وشاعوا فيه فسادا، وقالت البردية إن الحاكم القادم اسمه «امين» وهو اسم الدلع ل«امنمحات الأول». البردية الثانية المعروفة باسم تعاليم الملك «خيت نى» إلى ابنه ويقول له فيها: الحاكم قد يتعرض للخطأ والصواب وأنه مثل البشر وأنه عليه إذا أخطأ أن يندم ويعلن خطأه، «وقال أيضاً «الحساب فى العالم الآخر لا يعتمد على الحسب والنسب إنما على العمل الصالح». وهناك نقطة غاية فى الخطورة جدا نتمنى ألا تتشابه معها الثورة المصرية وهى أن الفترة الانتقالية التى مرت بها مصر بعد ثورة الفراعنة استمرت 150 عاما! من نهاية عصر ببى الثانى حتى منتصف الأسرة 11، حتى ظهرت أسرة طيبة الجديدة التى وحدت مصر بعد الانقسام الذى تعرضت له أعقاب الثورة.. عقب فترة الثورة ظهرت أربع أسرات وتعرضت فيها مصر لحكم 70 حاكما فى 70 يوما مما يعد أول حكم ائتلافى، لكن المعلومات قليلة جدا فى هذه الفترة حيث سادت حرب أهلية فى كل أقاليم مصر وتغيرت نظرة المصريين للحكم العادل الذى يحكم بالدستور بعيدا عن التمسح فى الألهة. وقدمت البرديات روشتة العلاج، وهى الصالحة لمصر حالياً.. وكانت فى ثلاث نقاط.. الأولى الاتحاد ولم الشمل وأن تعود مصر قوية وعدم الانفصال بين إقليمى الدلتا والصعيد. الثانية هى عودة الدستور وأن يقوم الحاكم بإرساء دعائم ملكه باستخدام «الماعت».. والنقطة الثالثة هى البحث عن حاكم عادل. تستمر علامات التشابه بين الثورتين فى البحث عن مشروع قومى يلتف حوله المصريون جميعاً، بعد حالة التدهور الاقتصادى عقب الثورتين، حيث بحث الفراعنة عن المشروع ووجدوا أن الحل فى نهر النيل الذى زاد فيضانه ووصل ارتفاع المياه إلى 19 مترا تهدد البلاد.. فكان المشروع هو تحويل مجرى النهر إلى بحيرة قارون، فقاموا بشق قناة تخرج من نهر النيل عند أسيوط حتى الفيوم، والمعروفة الآن باسم «بحر يوسف» والهدف منها تصريف مياه الفيضان وتخزينه فى البحيرة، وإقامة أراضِ زراعية بلغت 100 ألف فدان وتوزيعها على الناس.. والمشروع يتشابه مع فكرة ممر التنمية ل د.فاروق الباز الذى يقسم الصحراء الغربية إلى قطاعات تنموية وزراعية وسكنية. قصة اختيار امنمحات الأول كأول ملك من غير أسرة حاكمة، لعب فيها القدر دورا كبيرا، فحسب بردية «نفرتى» هو ابن الشعب ووجد نفسه يتصدر الأحداث فى زمن الثورة نظرا لخلفيته العسكرية، لكن بعد أن شكك الناس فى دمه الملكى، وأنه ابن آلهة، ظهرت قصة «امينى» الملك الذى يأتى من الجنوب لحكم البلاد واقتنع الناس بها. من أهم مكتسبات الثورة الفرعونية أن المصريين كفروا بأصحاب السلطة الدينية ومن الفزاعات التى كانوا يرصدونها للمصريين، حيث اكتشفوا أنهم من أصحاب المصالح والنفعيين ولا يهمهم إلا الثراء فقط بغض النظر عن الشعارات التى يرفعونها باسم الله.. وانقلب الفراعنة على الكهنة بعد أن تأكدوا أنهم استغلوا الدين للتقرب من الحكام وسيطروا على الشعب من خلال تقديم القرابين وتخويف الناس من العالم الآخر لذلك هاجم الثوار المقابر والمعابد مما يعنى أنهم هاجموا الفكر الدينى.