كتب: د. إبراهيم أبو طاحون أستاذ مساعد بقسم الآثار - كلية الآداب - جامعة حلوان لاشك أن نظرة المجتمع المصرى لنفسه بعد ثورة يناير تختلف عما قبلها - وإذا كانت الجامعات المصرية جزءا من هذا المجتمع فإن ذلك أدعى أن تقوم هذه الجامعات بتطوير نفسها قبل أن يلقى على عاتقها تطوير المجتمع - ولا يمكن لهذه الجامعات أن تطور نفسها دون التزامها بمعايير وأخلاقيات البحث العلمى. ومما لاشك فيه أن قضية السرقات العلمية فى الجامعات المصرية قضية شائكة بكل معنى الكلمة ولها آثار سلبية على مجتمعنا وليس على الجامعات فقط، ولابد من محاربتها والقضاء عليها وعدم السكوت على من يقوم بها أو يحرض عليها، لأنها تخرج لنا أجيالا من الباحثين لا ولاء لهم لعلمهم ولا لجامعاتهم فكيف يؤتمن مثل هؤلاء على تخريج أجيال من أبنائنا؟. السؤال الذى يطرح نفسه: لماذا تنتشر مثل هذه السرقات فى الجامعات المصرية خاصة بين بعض أعضاء هيئة التدريس وبعض أعضاء الهيئة المعاونة؟ فى الحقيقة هناك عدة أسباب أدت إلى تفشى مثل هذه السرقات يأتى فى مقدمتها عدم وجد قوانين رادعة تحد من انتشار مثل هذه السرقات، وكثيرا ما تحدث وتنتهى إلى الحفظ أو إلى عقوبة التنبيه أو اللوم على أقصى تقدير أو تأخير ترقية تحت حجة الحفاظ على سمعة الجامعة وسيرة أساتذتها مما يعد تشجيعا للعناصر الفاسدة فى استكمال عملها فى تدمير أجيال الجامعة جيلا بعد جيل. ويأتى السبب الثانى فى تدنى مستويات البحث العلمى لدى بعض الباحثين مما يدفعهم إلى سرقة غيرهم من الزملاء تعويضا لضعفهم العلمى. ويأتى السبب الثالث فى تقديم المصالح والأطماع الشخصية لدى بعض الأساتذة على أخلاقيات البحث العلمى، وقد تكون هذه الأطماع فى شكل الحصول على المناصب الإدارية أو المرور من لجنة الترقيات أو الحصول على منافع مادية وعينية وفى هذا الشأن يعف اللسان عن ذكر الكثير. * (الآثار السلبية للسرقات العلمية على البحث العلمى) تتعدد الآثار السلبية للسرقات العلمية داخل الجامعة ومن هذه الآثار قتل روح الإبداع والتنافس بين الباحثين الجادين، وإصابة الباحثين باليأس أو الإحباط طالما ظل السارقون فى مأمن من العقوبة والقضاء على دور الجامعة ومهمتها فى تطوير المجتمع والنهوض به فى ظل أبحاث مسروقة ومكررة لا تقدم جديدا ولا تطرح فكرا مغايرا. وقد كان لكاتب هذه السطور واقعة تعرض فيها للسرقة من أحد المعيدين بإحدى الجامعات المصرية. ورغم معرفته برسالتى فإنه تمادى فى الموضوع وقام بتسجيله بمعرفة أستاذه وعندما تقدمت بشكوى إلى الكلية تكونت على أثرها لجنة من أساتذة الكلية قامت بفحص الرسالتين وتبين لهم السرقة، ولكنهم بدلا من تحويل الباحث إلى المستشار القانونى طلبوا منه كتابة تقرير عن الخطوات والإجراءات التى سيقوم بها لتدارك كل الملاحظات ( هل هذا حل ) والذى زاد الطين بلة أن اللجنة كتبت خمسة تقارير فى خلال سنة وشهرين جاء فى تقريرهم الرابع أن هناك نقلا مباشرا وتشابها واضحا ونقل معلومات وكتابة مراجع ليس بها تلك المعلومات وفى نهاية التقرير كتبت (وكل تلك الملاحظات وإرجاعها إلى أصحابها ما هى إلا تقنين لعمل غير مشروع) وللعلم فقد تقدمت دكتورة زميلة بشكوى أيضا فى الرسالة وأثبتت اللجنة ذلك وطلبت من اللجنة إثبات سرقة ثالثة قام بها الباحث، ولكن رئيس اللجنة قال لابد أن ترسل لنا شكوى من المسروق. وفى نهاية التقرير الخامس والأخير ادعوا أننى ارتضيت ووافقت على أن يقوم الباحث بذكر اسمى فى رسالته، وهو ما لم يحدث منى مطلقا وطلبت منهم إظهار تلك الموافقة وقد قام رئيس اللجنة وهو وكيل كلية سابق لشئون الدراسات العليا بالشهادة فى النيابة وعندما تم سؤاله هل هناك نقل مباشر قال لا يوجد نقل مباشر وزاد أن الباحث فى الماجستير ليس مطالبا أن يضيف جديدا مع العلم أن اللائحة الخاصة بوظيفة سيادته تقول لابد أن يكون الموضوع مبتكرا وقانون المجلس الأعلى للجامعات كذلك، وقام نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا بالكثير من المخالفات لكى يمرر مناقشة الطالب وبالفعل تمت المناقشة بطريقة لا يعلمها إلا الله، ولكن بعد تقديم المحامى لشكوى إلى السيد الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة وبعد اطلاعه على التقرير أصدر سيادته مشكورا قرارا بتشكيل لجنة من خارج الجامعة لفحص الرسالتين ووقف منح الدرجة للباحث لحين ورود تقرير اللجنة. والحل من وجهة نظرنا لمثل هذه السرقات يكمن فى تغليظ العقوبة على من تثبت عليه السرقة العلمية من خلال تغيير المواد الخاصة بالسرقات العلمية فى قانون تنظيم الجامعات المصرية، وينطبق ذلك على السارق ومن حرض عليها لتستطيع الجامعات تطهير نفسها من هذه العناصر الفاسدة، ويجب أن يتم ذلك على مرأى ومسمع من كل أفراد المجتمع العلمى حتى يكون مثل هؤلاء العناصر الفاسدة عبرة لكل من تسول له نفسه فعل ذلك. وعلى الجانب الآخر يجب تكريم الباحثين الجادين الذين يقدمون أفكارا علمية جديدة فى بحوثهم يستفيد منها المجتمع وبهذا نستطيع القضاء على ظاهرة السرقات العلمية فى مهدها قبل أن تتفشى فى مجتمعاتنا