رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع 200 مستثمر عالمي في قطاعات مختلفة    انخفاض مخزونات النفط الخام الأمريكية الأسبوع الماضي    جهود مكثفة لانتشال جثة شاب غرق في النيل بالقليوبية    3 أفلام مصرية تتنافس في مهرجان روتردام للفيلم العربي    فحص 1068 مواطنا بقرية أبو الفتوح في قافلة طبية حياة كريمة بدمياط    سقوط مستريح الأخشاب في قبضة الشرطة بسوهاج    السكة الحديد: إيقاف بعض القطارات غدا الجمعة    مؤتمر مدرب الهلال: نطمح لتحقيق اللقب الثالث.. وسنتأثر بغياب سافيتش ولكن    جيش الاحتلال: سلاح الجو قصف مبنيين عسكريين لحزب الله جنوبى لبنان    تشعر بالاكتئاب دائمًا؟- قد تكون من مواليد هذه الأبراج    ماكرون يستقبل بايدن في زيارة دولة لفرنسا يونيو القادم    5 نصائح من هيئة الدواء لمرضى التصلب المتعدد    أستاذ اقتصاديات صحة: أزمة نقص الأدوية ستحل حينما يتم موازنة سعر الدواء    وفاة ضحية ثانية.. حكم جديد من جنايات الإسكندرية ضد "طبيب العامرية"| تفاصيل    نتنياهو يعرب عن خيبة أمله من إعلان إدارة بايدن عدم دعم معاقبة الجنائية الدولية    القمح الليلة ليلة عيده.. "تعزيز الأعمال الزراعية" يحتفي بنجاحه في أسيوط    نجم مانشستر سيتي يسهل عملية رحيله إلى برشلونة    القاهرة الإخبارية.. هنا عاصمة الخبر والتميز العربي    «معندهاش طلتها».. كيف علقت فردوس عبدالحميد على تجسيد منى زكي لشخصية أم كلثوم؟    رئيس جامعة أسيوط يستقبل مساعد وزير قطاع الأعمال العام لبحث سبل التعاون المشترك    أسعار تذاكر قطارات النوم.. في عيد الأضحى 2024    «أزهر مطروح» يعلن نتائج المرحلة الثانية لمسابقة الأزهري الصغير    من يشعل النار في أوروبا؟.. حرائق ضخمة وأعمال تخريب تجتاح القارة العجوز    رد فعل مفاجئ من زوجة رمضان صبحي بعد أزمته الأخيرة.. ماذا فعلت؟    رئيس هيئة الدواء: نساند «سلامة الغذاء» لتوفير منتجات صحية آمنة    رسميا.. تحديد موعد عيد الأضحى 2024 في مصر والسعودية في هذا التوقيت    احتفالًا باليوم العالمي.. نقيب التمريض تشارك فى مؤتمر علمي بجامعة بدر    بريطانيا: نشعر بقلق من مقترحات إسرائيل بفرض قيود على أموال الفلسطينيين    رئيس جامعة كفر الشيخ يترأس لجنة اختيار عميد «طب الفم والأسنان»    رفع 61 حالة إشغال بالسوق السياحي في أسوان (تفاصيل)    «السياحة» توافق على مقترح إقامة قاعة جديدة للتحنيط في متحف الحضارة    هل يجوز الجمع بين العقيقة والأضحية؟.. الإفتاء تحسم الجدل    «بيت الزكاة والصدقات»: صرف 500 جنيه إضافية مع الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري لشهر يونيو    «عيوب الأضحية».. الأزهر للفتوى يوضح علامات يجب خلو الأضاحي منها    للعاملين بالخارج.. 5 مميزات لخدمة الحوالات الفورية من البنك الأهلي    رياض محرز يرد على استبعاده من قائمة الجزائر في تصفيات كأس العالم 2026    محلل سياسي: الصين تتفق مع مصر في ضرورة الضغط لإنهاء حرب غزة    الصحة: تقدم 4 آلاف خدمة طبية مجانية في مجال طب نفس المسنين    مطروح: توقيع بروتوكول تعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية    مصدر مقرب من حسين الشحات يكشف ل في الجول خطوة اللاعب بعد حُكم الشيبي    فيلم بنقدر ظروفك يحقق أقل إيراد يومي.. هل خسر أحمد الفيشاوي جماهيره؟    "مفيش ممنوع".. لطيفة تكشف تفاصيل أول 4 كليبات بنظام الذكاء الاصطناعي Ai بالعالم العربي    "هقول كلام هيزعل".. شوبير يفجر مفاجأة عن رحيل حارس الأهلي    وضع حجر أساس إنشاء مبنى جديد لهيئة قضايا الدولة ببنها    اهتمام متزايد بموعد إجازة عيد الأضحى 2024 على محرك جوجل    «التضامن»: طفرة غير مسبوقة في دعم ورعاية ذوي الإعاقة نتيجة للإرادة السياسية الداعمة (تفاصيل)    ما حكم صيام العشر الأوائل من شهر ذى الحجة؟ دار الافتاء تجيب    سول: كوريا الشمالية أطلقت نحو 10 صواريخ باليستية قصيرة المدى    منتخب كولومبيا يبدأ الاستعداد لكوبا أمريكا ب10 لاعبين    فرق الدفاع المدنى الفلسطينى تكافح للسيطرة على حريق كبير فى البيرة بالضفة الغربية    الحبس عام لنجم مسلسل «حضرة المتهم أبيّ» بتهمة تعاطي المخدرات    الدفاع المدني بغزة: الاحتلال دمر مئات المنازل في مخيم جباليا شمال القطاع    الأونروا يدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لبحث الهجمات الإسرائيلية على موظفي الوكالة    مع بداية امتحانات الدبلومات.. عقوبات الغش تصل للحبس    رئيس هيئة الرعاية الصحية يجري جولة تفقدية داخل مدينة الدواء.. صور    هل يعود علي معلول قبل مباراة السوبر؟.. تطورات إصابته وتجديد عقده مع الأهلي    نقابة الأطباء البيطريين: لا مساس بإعانات الأعضاء    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المعلم» محمد عثمان: بنات التحرير أشجع منى

فى طريقى إلى شبرا لإجراء حوار مع المعلم محمد عثمان موسى استحضرت الصورة الذهنية الموروثة عن البلطجة والبلطجية وسيطر مشهد الدم والسيوف والسنج والمولوتوف على تفكيرى.. لم يكد يمر على إحراق كنيسة مارمينا بإمبابة سوى ساعات قليلة وكذلك أعمال الشغب والعنف بميدان عبدالمنعم رياض.. تملكتنى رهبة وانتابنى شعور بعدم الأمان واستشعر صديقى ريمون ذلك وأصر على أن يأتى معى ويكون بجوارى حتى يطمئن قلبى، وما إن وصلنا إلى أحد الشوارع الرئيسية بشبرا حتى التقينا المعلم محمد الذى وضع عدداً من الكراسى أمام منزله جلبها من مقهى قريب.
وبعد الترحيب بدأ المعلم محمد حديثا عاما عن البلد والحال والأحوال وتذكر أيام الثورة التى عاشها فى التحرير ولفت انتباهى حديثه عن مقارنة الثورة المصرية بالثورة الأمريكية فى القرن الثامن عشر وكذلك الثورة الفرنسية، بل تطرق إلى الفتح الإسلامى لبلاد فارس مرورا بكتابات العقاد فى عبقرياته وأشعار المتنبى وأبوالعلاء.. نظرت فى وجه المعلم محمد وتمعنت فى قسمات وجهه وجلباب ابن البلد الذى يرتديه وثقته فى نفسه وفهمه لكل ما يجرى حوله ليس فى مصر وحدها، بل فى منطقة الشرق الأوسط.. وهنا شعرت بالراحة وتبدد التوتر وتغيرت صورة البلطجى النمطية التى سيطرت على خيالى.
يقول: بدايتى مع البلطجة أو العمل «بودى جارد» كانت منذ أربعين عاما تقريبا.. أى من منتصف السبعينيات وكان الهدف فى ذلك الوقت محاكاة ما يحدث فى أمريكا وأوروبا من وجود مكاتب خاصة للمخبرين السريين ومن خلال نشاطهم وحصولهم على معلومات حول قضايا معينة يقدمونها لجهات التحقيق لسرعة إنجاز العدالة مقابل مبلغ مادى يرضى الطرفين، وللأسف الشديد لم تتحقق الفكرة فى مصر لأن المسئولين حتى الآن يؤمنون بأن الحريق إذا اشتعل لاتطفئه إلا الدولة. ومن هنا بدأت وزارة الداخلية الانحراف «بالبودى جارد» من خلال تنفيذ أوامر المسئولين سواء كان ضابط مباحث أو ضابط أمن دولة لتنفيذ تعليماته بتأديب أحد المعارضين للنظام السياسى أو فى الانتخابات لحساب مرشح الحزب الوطنى أو فى تخريب المظاهرات السلمية من خلال احتكاك هؤلاء بالمتظاهرين وخلق مبرر لجهات الأمن للتدخل فى فض المظاهرة بالقوة بزعم قيام المتظاهرين بأعمال تخريبية.
وضباط الشرطة فى هذه الحالات لا يعطون أى مقابل مادى للبلطجى إلا أنهم يوفرون للبلطجية الحماية الشرطية فى بعض الأعمال التى يقومون بها ولا يتعرضون لأى مساءلة قانونية ولكن الشرط الوحيد أن تكون الجهة الأمنية مؤيدة لهذه الأعمال من خلال اتفاقها مع الشخص الذى تتم العملية لحسابه.
ولكن مع من يتم الاتفاق وما هو النظام المتبع فى مثل تلك الأعمال؟
الاتفاق يتم بين المعلم وصاحب المصلحة سواء كان مرشحا فى البرلمان أو فى أحد الأندية الرياضية أو فى انتخابات نقابية أو عمالية ويتم تحديد العدد المطلوب، كذلك تحديد المهام التى سنقوم بها لأن الأجر أو الأتعاب تحدده تلك المهام.. يختلف الوضع إذا كانت المهمة محددة لعملية تستغرق ساعة أو ساعتين وبين ما إذا كانت تتعلق بالانتخابات البرلمانية.
ففى الانتخابات يتراوح أجر «البودى جارد» بين 500 و600 جنيه فى اليوم وتتحدد مهامه فى يوم الانتخاب بدقة حتى يستطيع تنفيذ المهمة بنجاح، لكن أؤكد أن كل ذلك لا يتم إلا بعلم الداخلية ورجالها، مثلا المرشح الذى يعمل معه مجموعة من «البودى جارد» عليه أن يحدد اللجان التى لن يحصل فيها على أصوات أو أن غريمه سيحصل على غالبية أصوات الناخبين بها وتكون التعليمات «للبودى جارد» التجمع أمام أبواب تلك اللجان وصناعة مشاجرة لإثارة حالة من البلبلة والذعر لدى جمهور الناخبين من خلال التعدى على مجموعة من المواطنين بصورة عشوائية وهنا تأتى المرحلة الأكثر أهمية وهى قيام ضباط الداخلية المتواجدين أمام اللجنة والمتواطئين مع المرشح والبلطجية بإغلاق مقر اللجان لدواع أمنية ومنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم. وبهم يكتمل تحقيق الهدف.
ولكنك تحصر البلطجة فى الانتخابات فقط؟
- لا.. طبعا، لكن الانتخابات البرلمانية ومنذ عام 1990 أصبحت موسما رائجا لشغل البلطجة وأول من فعل ذلك محام معروف رشح نفسه فى العديد من الدوائر خلال تلك الفترة وهو الذى كرس فكرة استخدام البلطجية لإرهاب الناخبين وعلى يديه انتقلت الفكرة إلى انتخابات النوادى الرياضية وهذا الرجل سن سنة سيئة فى الانتخابات البرلمانية والرياضية وسيلقى جزاءه العادل قريبا، خاصة بعد اتهامه باستئجار بلطجية ميت عقبة ودفعهم إلى التحرير يوم موقعة الجمل.
الحقيقة أن هذا الرجل ليس وحده من يستأجر بلطجية لكنى ومن خلال موقعى داخل تلك الأحداث أربعين عاما متصلة أستطيع أن أؤكد أن كل أعضاء الحزب الوطنى بالقاهرة والجيزة اعتمدوا على البلطجية اعتمادا كليا خلال السنوات الماضية للفوز فى الانتخابات، لكن أكرر أن كل ذلك كان يتم بالاتفاق مع المسئولين عن الأمن وعدد كبير من هؤلاء النواب مازالوا يحتفظون إلى الآن برجالهم من «البودى جارد» ويغدقون عليهم بالأموال لتأديب معارضيهم وتخويف المواطنين والإسهام فى صنع هالة كاذبة حول هؤلاء النواب الذين ظهروا على حقيقتهم بعد ثورة 25 يناير وسأذكر مثالين عاصرتهما لظروف عملى.. الأول عضو بالبرلمان ترشح عام 1990 وكان يمتلك سيارة 128 سعرها لايتجاوز ثلاثة آلاف فى ذلك الوقت، وما إن دخل البرلمان فى تلك السنة حتى تغيرت أحواله وأصبح يمتلك الآن برجين على النيل ومن سخرية القدر أن كان له شقيق يعمل بإحدى الفرق الشعبية بالمنطقة لزفة العروسين وتحول بقدرة قادر إلى صاحب منصب رفيع ولم تمض سنوات قليلة إلا وتم فصله بسبب تقاضيه مبلغ 5 آلاف جنيه رشوة.
أما النموذج الثانى فهو نائب بإحدى دوائر وسط القاهرة يدعى أن له شعبية جارفة وأنا أعلم جيدا كيف ينجح فى الانتخابات كمعارض للنظام ورئيس مباحث عابدين يعلم أيضا ما أعلمه ولكن لأننا فى زمن أصبح فيه كل شىء متاحا ومباحا لمن يدفع أكثر أو يقدم نفسه للنظام وفق شروط معينة.
بعد 40 سنة فى تلك المهنة كيف تراها الآن؟
- أخطاؤنا لا تغتفر وأقر أننى أول المخطئين.. وعملى فى تلك المهنة وموافقتى على الذل والسكوت عليه خطأ غير الأخطاء العادية، لكن الأصلح فينا هو من يقر بخطئه ويتراجع عنه فالإصرار عليه يعتبر فجورا ولكننا للأسف كنا نعيش حالة من الفجور والدعارة السياسية طيلة ثلاثين عاما نتيجة الفقر والجهل والتخلف لكنى أقر أننا لم نكن طابورا خامسا ولم نكن خونة، لكن مشكلة الجهل ربما جعلتنا طابورا «خامسا» خلال تلك السنوات ولم نكن نعلم تلك الحقيبة المؤسفة.
وما علاقة الجهل والفقر والتخلف بالبلطجة؟
- علاقة وثيقة.. فالساحات الشعبية والصالات الخاصة التى يتدرب فيها الشباب على كمال الأجسام والمصارعة والملاكمة تعد معامل تفريخ «البودى جارد» والسبب يرجع إلى أن غالبية هؤلاء الشباب لا يعملون فى وظيفة وإصرارهم على استكمال المشوار فى تلك الألعاب الرياضية يتطلب مصاريف عالية من تغذية وملابس ولهذا يجد الشاب نفسه فى البداية يقبل العمل «بودى جارد» لإحدى الشخصيات السياسية أو العامة أو الفنية ونظرا لضغوط الحياة لايمانع هذا الشاب إذا وجد فرصة للعمل مثلا أيام الانتخابات أو عملية خاصة لتأديب أحد ساعة أو ساعتين ليحصل على 500 جنيه نؤكد أنه لن يرفض العرض وسيقبله على الفور ومن هنا يبدأ الانحراف بالمهنة سعيا وراء دخل يغنيه عن سؤال الناس.
وفى البداية كان كثير من المعلمين يقبلون أى عمل يضر بالغير، فإذا جاء من يطلب «بودى جارد» لعملية معينة كنا نسأله عن تفاصيل التفاصيل الخاصة بالمشكلة ونتأكد من صدق روايته وأنه صاحب حق لا يستطيع استرداده والجهات المعنية لم تقدم له شيئا فكنا نتدخل لنحصل على حقه وننصره مقابل أتعاب معقولة حسب العملية والمهمة التى نقوم بها.
أما تحت وطأة الظروف المعيشية فإن الشباب صغير السن وأرباب السوابق لايعنيهم شىء سوى الحصول على المقابل المادى ولا يشغلهم كثيرا سبب المشكلة أو من صاحب الحق فيها.
ولكن ما علاقة البلطجية بالأجهزة الشرطية؟
- وثيقة جدا.. فالغاية والهدف واحد وكل من يعمل فى هذا المجال له ملف أمنى والحكاية تبدأ من جانب أجهزة الشرطة لاستقطاب البلطجية فى بعض الأعمال الخاصة بهم وبعدها تتغافل عمدا عما يقوم به البلطجى من أعمال إلا أنها تسيطر عليه من خلال تلك الأعمال التى أخطأ فيها ولذلك لا يستطيع البلطجى أن يرفض طلبا لأى مسئول بالأمن فالاضطهاد وقطع الأرزاق وتلفيق القضايا وارد.
ولاتقتصر تلك العلاقة على صغار الضباط فقط، بل كبار القادة، ففى أيام الثورة كنت متواجدا بميدان التحرير ووقعت عينى على أكثر من 30 بلطجيا كانوا يعملون معى فى السابق وهم يحيطون برئيس قطاع مباحث شمال القاهرة لحمايته فى الميدان مع أنى أعلم أن هؤلاء الشباب من الوطنيين الذين يحبون مصر ويرفضون الأوضاع الفاسدة، إلا أنهم أجبروا على حماية رجال النظام فى التحرير رغما عنهم كما سبق أن قلت لايستطيعون رفض طلب الأمن فى أى عملية خوفا على مصيرهم.
بالطبع كنت تحظى بعلاقات متميزة مع رجال الأمن؟
- العلاقة كانت سيئة للغاية وكنت من المغضوب عليهم لدرجة أنهم لفقوا لى قضية مخدرات وسجنت عشرة أشهر على ذمة القضية مع أننى حصلت على البراءة من أول جلسة.
والحمدلله أننى لم أستجب لأوامر الداخلية ولو كنت استجبت لأحد طلباتها لربما عشت بقية عمرى نادما ومكتئبا.. ففى أحد الأيام جاءنى صديق وأبلغنى أن أحد ضباط أمن الدولة يحتاج لى فى عملية خاصة أقوم بها لصالح بلدى مصر وأعطانى ورقة صغيرة فيها اسم «محمد عبدالرحمن» وعنوانه بحى المعادى وكان المطلوب منى تصفيته جسديا أى قتله، وقال لى إن الأمن سيؤمن لك عملية دخول الشقة وبعد تنفيذ المهمة سيؤمن لك الخروج الآمن، إلا أننى رفضت العرض. لكن للأسف الشديد علمت بعدها أن الأجهزة الأمنية استطاعت تجنيد فتاة اسمها «زهرة» لتلفيق قضية «بودرة» لهذا الشخص وأحضروا لها البودرة، إلا أنها رفضت القيام بالمهمة فما كان منهم إلا تلفيق القضية لها وهى الآن تقضى عقوبة جريمة لم ترتكبها فى سجن النساء بالقناطر.
ما ضمانات الاتفاق إذا حصل البلطجى على الأجر ولم ينفذ المهمة؟
- لا.. هناك قاعدة معلومة للأطراف وهى أن العهود الإجرامية لا تنقض ولا يمكن لأى من الطرفين أن يخل بالتزاماته وإلا جاء ذلك بنتائج لا تحمد عقباها.
رغم إقرارك بأخطاء الماضى إلا أنك تدافع عن البودى جارد رغم ما يرتكبونه من أعمال إجرامية؟
-ليس دفاعا عنهم.. لكن لابد أن نكون منصفين فى أحكامنا وعلينا أن نحدد أولا على من تقع مسئولية انتشار هذه الظاهرة.. على الجاهل أم المثقف، على رب الأسرة أم على الأبناء، على المواطن أم على الحكومة. يجب أن ننقد أنفسنا لنخرج من تلك المشكلة.. والبودى جارد شاب مصرى عادى مثله مثل غيره لكن يسعى إلى أن يكون مميزا رياضيا ولايجد من يدفع به إلى طريق البطولة ويتوقف فى مرحلة وسطى لا هو بطل رياضى ولا هو شخص مثل غيره فى بنيانه الجسمانى وفجأة يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يتعاون مع أجهزة الشرطة ويصبح من رجالها ويقدم لهم السبت ليقدموا له الأحد وإما التنكيل به واضطهاده وتضييق الخناق عليه ولذلك يختار الوقوع فى فخ الشرطة رغما عنه ولكن ظروفه المادية والاجتماعية هى التى دفعت به إلى هذا الوضع فعلى سبيل المثال حدثت الانتخابات البرلمانية الأخيرة وكان رجال الشرطة هم الوسطاء بين المرشحين والبودى جارد لتزوير الانتخابات، ومبلغ 500 جنيه يعد مغريا فى اليوم لشاب لا يجد فرصة عمل والمهام الموكلة إليه هى إثارة الرعب والفزع بين الناس، وهى مسألة بسيطة فى عالم البلطجة ولذلك أجهزة الشرطة فى الفترة الماضية هى التى ساهمت بفاعلية فى انتشار الظاهرة فى كل مصر ويستطرد المعلم محمد: بالعكس عندما وصلتنى معلومات مؤكدة أن هناك قيادة أمنية طلبت من عدد من البلطجية الاعتداء على حسام حسن وشقيقه إبراهيم بعد موضوع الجزائر أبلغت السائق الخاص لحسام حسن أن يوصل الرسالة إلى حسام وينبهه إلى أنه سيتعرض لاعتداء من بلطجية بل وقلت له اسم القيادة الأمنية التى كانت تخطط للعملية وهو بالمناسبة لواء حالى بالداخلية.
صحيح أخطأت كثيرا مثلى مثل غيرى ولكن جاءت ثورة يناير لأتطهر من أخطائى وأربى أبنائى على الحرية والمسئولية والعدل والإنصاف والمبادئ الحميدة ومكارم الأخلاق، لقد تعرضت للموت ثلاث مرات فى ميدان التحرير ولكن خبرتى التى اكتسبتها طيلة 40 عاما فى حرب الشوارع والكر والفر من أجهزة الأمن أنقذتنى وساعدت كثيرا من الشباب الذين كانوا حولى فى الميدان من الإفلات من نيران الشرطة وظللت فى ميدان التحرير حتى يوم تخلى مبارك وأنا لا أعتبره تخليا عن الحكم، بل إقصاء من قبل الشعب، فالتخلى عن السلطة بإرادة حرة ولكن الذى حدث عكس ذلك تماما، فالشعب أرغم مبارك على ترك الحكم وهذا يعنى الإقصاء.
فاجأنى تفسير المعلم محمد للتفريق بين الإقصاء والتخلى سألته عن المؤهل الدراسى الذى حصل عليه وكانت المفاجأة الأكبر.
- ابتسم ابتسامة ذات مغزى قائلا لم أحصل على الابتدائية ولكنى قرأت الكثير من التاريخ، خاصة تاريخ أمريكا وثورتها على الهنود الحمر وكذلك الثورة الفرنسية وتستهوينى الفلسفة وتطغى على تفكيرى وأسلوب حياتى حتى قراءتى للتاريخ تكون برؤية فلسفية لاستخلاص الصبر واستشراف المستقبل وقرأت كثيرا لعباس العقاد وعلى وجه الخصوص العبقريات وكثيرا من شعر أبى العلاء المعرى وكذلك مقدمة ابن خلدون، وفهمى للفلسفة أنها النظرة العميقة والبعيدة للأمور والتدبر فيها والتفكير من خلالها وأنا أقرأ القرآن كثيرا وأشد ما يزعجنى الآن من يسمون أنفسهم بالدعوة السلفية الذين أفهم دعوتهم على أنها ضد الرسالة المحمدية فهم يقولون إن السلفية تعنى العودة إلى الوراء والوقوف عند أقوال وأفعال السلف الصالح ولكنى أرى أن ذلك يخالف الرسالة القرآنية التى هى رسالة لكل الأزمان، أما ما يقول به السلفيون من الوقوف على الأخذ بأقوال وأفعال السلف الصالح فى الماضى فهذا يعنى أن تعاليمنا الإسلامية مرتبطة بهذا الوقت فقط. ولذلك جاء أحدهم وهو الشيخ يعقوب ليقول لنا بغزوة الصناديق وضرورة أن نقول (نعم) مع أن (لا) يفرضها علينا الشرع والإسلام علمنا أن الحاكم الذى يختاره المسلمون ويخالف الإسلام ولا يقيم العدل علينا أن نعزله فما بالنا بحاكم ظالم ولم نختره فالأولى عزله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.