أثار ما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» أخيرًا من قيام عملاقى التكنولوجيا الصينيين «بايدو» و«على بابا» بحذف اسم إسرائيل من خرائطهما وسط مواصلة قوات الاحتلال جرائمها غير الإنسانية بحق الشعب الفلسطينى فى غزة واستمرار انتهاكها القرارات الدولية التساؤلات بشأن الموقف الصينى إزاء ما يحدث حاليًا فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة. بكين تثير غضب الغرب «الصين تدعم الفلسطينيين رغم غضب أمريكا والغرب»، كان ذلك هو العنوان الرئيسى لردة الفعل الصينية منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» التى شنتها الفصائل الفلسطينية فى السابع من أكتوبر الماضى وقابلتها قوات الاحتلال الإسرائيلى بعملية السيوف الحديدية، حيث رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج خلال مؤتمر صحفى، إدانة الهجوم الذى نفذته المقاومة الفلسطينية، مؤكدة مساندة الصين دائمًا للإنصاف والعدالة. وكررت وزارة الخارجية الصينية دعوتها إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما أغضب الغرب. وعندما حاول مجلس الأمن فى اجتماعه إدانة حماس وحدها، رفضت الصين ذلك بشدة، وبسبب ذلك لم يستطِع مجلس الأمن التوصل لصيغة نهائية يصدر من خلالها بيانًا مشتركًا! وعلى إثر ذلك، قال خبراء إن مجلس الأمن لم ينظر فى أى بيان مشترك، ناهيك عن إصدار قرار ملزم، فى ظل حرص عدد من الأعضاء بقيادة روسياوالصين على إصدار بيان متعلق بالقضية بشكل أوسع أكثر من التركيز على إدانة حماس. رد فعل تل أبيب رفض الجانب الإسرائيلى الموقف الصينى، وصرح نائب رئيس بعثة دولة الاحتلال فى بكين يوفال واكس بأن فشل الصين فى إدانة عنف الفلسطينيين أمر مؤسف من دولة تربطها علاقات ودية بإسرائيل! ذلك الغضب الإسرائيلى فسره رافايلو بانتوتشى، وهو زميل بارز فى كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية فى سنغافورة، قائلًا: «لقد تحركت بكين لتصوير نفسها على أنها لاعب عالمى وقد تتوقع منهم أن يقدموا بعض الأفكار أو الرؤى حول كيفية حل هذا الوضع، ومع ذلك لا نراهم يقدمون أى شيء حقًا». فيما أرجع محللون غربيون ذلك إلى أن الصين رأت الدعم الواضح من أمريكا لإسرائيل، حين أرسلت إدارة بايدن الدفعة الأولى من حزمة المساعدات الأمنية لإسرائيل، مع تعهدات بمزيد من المساعدة فى المستقبل، مما جعلها تأخذ الجانب المضاد بأن رفضت إدانة المقاومة الفلسطينية. حذف اسم إسرائيل ولكن بعد حذف أكبر شركتين صينيتين اسم إسرائيل من خرائطهما الرقمية، وسط تزايد المشاعر المعادية لتل أبيب عبر منصات التواصل الاجتماعى الصينية، والدعم الكبير لفلسطين منذ بداية «طوفان الأقصى». بدأت الصحف الأمريكية تكيل الاتهامات الى الصين متهمة إياها بأنها تريد إظهار صورة عن نفسها تُبرزها بأنها صانعة سلام، وبأنها فى الوقت الحالى تغازل الشرق الأوسط ليدعمها فى خطتها الأخيرة التى تسعى إليها مع روسيا لصنع عالم متعدد الأقطاب. أبرز هذه الصحف، كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، التى ذكرت أن عملاقى التكنولوجيا الصينيين «بايدو» و«على بابا»، أوقفا عرض اسم إسرائيل على خرائطهما الخاصة، واصفين هذه الخطوة بأنها تعكس «دبلوماسية بكين فى المنطقة». وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن الخريطة تظهر حدود ومدن إسرائيل لكن دون ذكر اسمها، على عكس البلدان المجاورة الأخرى، مثل الأردن ولبنان ومصر. وشارك مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعى خرائط قالوا إنها تؤكد وجهة نظر «وول ستريت جورنال». معاداة السامية وقال جوناثان تشينج، مدير مكتب الصين فى وول ستريت جورنال، فى تغريدة على «إكس»: «أعرب مستخدمو الإنترنت الصينيون عن حيرتهم لأن اسم «إسرائيل» لا يظهر على الخرائط الرقمية من بايدو وعلى بابا، وهو غموض يتطابق مع دبلوماسية بكين الغامضة ويتناقض مع اهتمامها العام بالخرائط». وفقا لما ذكرته الصحيفة. فيما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن معاداة السامية تتصاعد على الإنترنت فى الصين، وقالت الصحيفة إن هيئة الإذاعة الحكومية الصينية، استضافت أخيرًا صفحة مناقشة على موقع ويبو، تفيد بأن اليهود يسيطرون على قدر غير متناسب من الثروة الأمريكية. وأضاف: إذا شعرت الصين أن السماح للتعليقات المعادية للسامية بالازدهار أمر خطير وإشكالى، فإن الرقابة ستوقف ذلك. فيما قالت كاريس ويت، المديرة التنفيذية لمجموعة سيجنال، وهى مؤسسة بحثية إسرائيلية تركز على الصين: «من الواضح أن الحكومة تنقل رسالة مفادها أنها متسامحة». كما أشارت الصحيفة الأمريكية فى تقريرها إلى استخدام كل من روسياوالصين، حق النقض (الفيتو) ضد مسعى أمريكى فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتحرك بشأن الحرب فى غزة من خلال الدعوة إلى وقف القتال للسماح بوصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين. وكانت الصين قد استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد القرار لأنها أرادت الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذى رفضت الولاياتالمتحدة القيام به. وقال سفير الصين لدى الأممالمتحدة تشانغ جون للمجلس بعد التصويت: «مشروع القرار لا يعكس أقوى الدعوات فى العالم لوقف إطلاق النار وإنهاء القتال، ولا يساعد فى حل القضية». وأضاف: فى هذه اللحظة، وقف إطلاق النار ليس مجرد مصطلح دبلوماسى إنه يعنى حياة وموت العديد من المدنيين. معسكران منفصلان وبينما وضعت الأزمة الصينوروسيا فى معسكرين منفصلين عن الولاياتالمتحدة بشأن الصراع؛ حيث تشتركان فى نفس الموقف المتمثل فى أن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطينى لم تلب. مؤتمر دولى للسلام دعت الصين أخيرًا إلى عقد «مؤتمر سلام دولى أكثر حسمًا وفاعلية وأوسع نطاقًا» فى أقرب وقت لتعزيز استئناف محادثات السلام بين دولة الاحتلال والفلسطينيين. وطالبت مجلس الأمن الدولى أن يضطلع بمسئوليته بفاعلية، وقال وزير خارجيتها يتعين على المجتمع الدولى أن يتحرك سريعًا، ويجب على الدول خارج المنطقة، وخاصة القوى الكبرى، أن تكون موضوعية ومحايدة. كما أعربت بكين عن موقفها إزاء الجرائم والانتهاكات الأخيرة التى ترتكبها قوات الاحتلال من خلال مبعوثها الخاص لقضية الشرق الأوسط تشاى جيون فى القاهرة والذى أكد أن الوضع الحالى فى فلسطين خطير للغاية، وقد أدى الصراع إلى عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وتشريد مئات الآلاف. وأن الجانب الصينى يشعر بالألم إزاء ما تسبّب فيه الصراع من وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى بين صفوف المدنيين والتدهور الحاد للأوضاع الإنسانية، ووأعرب عن قلقه البالغ من احتمال توسع رقعة الصراع فى المستقبل. كما أعرب عن رفض واستنكار الجانب الصينى جميع الأعمال التى تستهدف المدنيين، ورفض أى تصرف يخالف القانون الدولى، ويدعو جميع الأطراف المعنية إلى التحلى بالهدوء وضبط النفس، تفاديًا للمزيد من التدهور للأوضاع حتى خروجها من السيطرة، وما ينتج عنه من كوارث إنسانية أخطر. كما أكدت بكين من خلال مبعوثها للشرق الأوسط أن شغلها الشاغل هو ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار بين أطراف الصراع، والالتزام بالقانون الدولى الإنسانى، وضمان سلامة المدنيين، وتهيئة ظروف مواتية لتهدئة الأوضاع والإغاثة الإنسانية. هذا وتواصل الصين بذل جهود حثيثة من أجل تسوية شاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية فى وقت مبكر، وفقًا لما قال وانغ ون بين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، الأسبوع الماضى. أدلى وانغ بهذه التصريحات فى مؤتمر صحفى عندما طُلب منه التعليق على أن إسرائيل قالت إنها «ترفض تمامًا» دعوة الأممالمتحدة لوقف إطلاق النار فى غزة بعد أن تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بشأن الوضع فى غزة بأغلبية مؤيدة فى جلسة خاصة طارئة يوم 28 أكتوبر الماضى. رفض التهجير القسري وقال إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى «هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدى إلى وقف الأعمال العدائية» والامتثال للقانون الدولى وحماية المدنيين وإلغاء أمر إخلاء شمال غزة. وأضاف إن القرار «يرفض أيضًا أى محاولات للنقل القسرى للسكان المدنيين الفلسطينيين». وقال «هذا يوضح الدعوة القوية من الغالبية العظمى من دول العالم». ظلم تاريخى «لفترة طويلة، ظلت الأراضى الفلسطينية تحت الاحتلال غير القانونى ولفترة طويلة، جرى إغفال حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولة مستقلة. ولفترة طويلة، لم تحصل حقوق الفلسطينيين الأساسية على أى ضمان أساسي»، وفقًا لما قال وانغ، مضيفا إن هذا هو السبب الجذرى لدورة الصراع بين فلسطين وإسرائيل ويجب ألا يستمر مثل هذا الظلم التاريخى. وقال «لجميع البلدان الحق فى الدفاع عن النفس. لكن يتعين ممارسة هذا الحق على أساس احترام القانون الدولى والقانون الإنسانى الدولى على وجه الخصوص، وحماية سلامة المدنيين». وأوضح أن «كل الأرواح ثمينة. حياة الفلسطينيين بحاجة إلى الحماية تمامًا مثل حياة الشعوب فى أى بلدان أخرى»، مضيفا إن الأولوية الملحة الآن هى التنفيذ الكامل لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ووقف القتال ومنع المزيد من تدهور الوضع وتجنب كارثة إنسانية أسوأ. وذكر أن التاريخ يخبرنا بأن استخدام القوة لن يجلب أبدًا سلامًا دائمًا، وسيؤدى العنف والعنف المضاد إلى حلقة مفرغة من الانتقام. «فقط من خلال السعى نحو الأمن المشترك، يمكن تحقيق الأمن المستدام. فقط من خلال مراعاة القانون الدولى، يمكن التمسك بالنزاهة والعدالة الدوليتين. فقط من خلال التسوية السياسية، يمكن معالجة الشواغل الأمنية المشروعة لجميع الأطراف بشكل أساسي»، وفقًا لما قال. وأضاف إن الطريق الأساسى لحل القضية الفلسطينية يكمن فى تنفيذ حل الدولتين وفى تعايش جنبًا إلى جنب فى سلام.