الدنيا تتغير والأحوال تتبدل ويدور الزمن دورته وتتراجع الفنون وتضمحل الآداب ويتوارى المفكرون ويختفى العلماء ويتداعى الشعراء والقبح يصبح جمالًا والجمال يصبح قبحًا.. والقامات تتقلص وسماسرة «الفيس بوك» وبوتيكات النميمة والانستجرام وتويتر يسيطرون فيتصدر «الترند الرهيب» المهرجون والدجالون والمتطفلون وباعة الوهم ولاعبو الثلاث ورقات وتجار الشنطة ولصوص المال العام والمتسلقون وكذابو الزفة والحنجوريون والأفاقون. أقول ذلك وأنا أبحث فى دفاترى القديمة فأعثر على أحد أعداد مجلة «الزهور» الصادرة فى عام (1914) والتى كان يرأس تحريرها «انطوان الجميل» الذى اقترح على القراء أن يختاروا عشر شخصيات فى مصر يرون أنهم من النوابغ وأن يرسلوا إلى المجلة بأسمائهم مجردة من الأسباب التى بنوا عليها اختياراتهم.. وجاءت نتيجة الاستفتاء كالآتى بالترتيب: أحمد بيك شوقى أمير الشعراء.. الشيخ على يوسف الصحفى الكبير.. جورجى زيدان.. الدكتور يعقوب صروف.. سعد باشا زغلول.. خليل مطران شاعر القطرين.. مصطفى لطفى المنفلوطى الأديب المعروف.. أحمد لطفى السيد أستاذ الجيل وصاحب صيحة «مصر للمصريين».. هؤلاء هم من العشرة الذين أحرزوا أصواتا أكثر من سواهم.. ويليهم فتحى باشا زعلول وعبدالخالق ثروت باشا.. كما ذكر من النوابغ جورج أفندى أبيض فى فن التمثيل.. وسمعان بك صيدناوى فى التجارة والشيخ سلامة حجازى فى الغناء والتمثيل ولم ينس القراء السيدات الأديبات مثل السيدة ملك حفنى ناصف باحثة البادية والآنسة مى زيادة الأديبة المعروفة. وقد ذكر بعض الظرفاء على سبيل الفكاهة من يعدون نوابغ فى نوعهم مثل حافظ نجيب المحتال الشهير.. والحاتى فى شى اللحم.. إلى آخره. والملحوظة الأساسية فى هذا الاستفتاء كما هو واضح من الاختيارات وترتيبها أن رجال القلم والساسة وأصحاب الفكر والموهوبين الكبار فى الأدب والشعر والمسرح والفنون المختلفة هم أرفع من سواهم فى النفوس وأجل مكانة وأهم قيمة وأعلى منزلة وأعظم شأنا. فمن هم يا ترى نوابغ هذا العصر السعيد وأيقونات هذا الزمن الجميل ونجوم المرحلة المحببون والنخبة اللامعة فى حياتنا المعاصرة والرموز الساطعة فى مجتمعنا العتيد؟! اقترح على رئيس تحرير مجلتنا الغراء أن يجرى هذا الاستفتاء على القراء الأفاضل بنفس المعايير والشروط.. أن تتصدر الاختيارات عشر شخصيات وأن يرسلوا إلى المجلة بأسمائهم مجردة من الأسباب التى بنوا عليها اختياراتهم.. أو بذكر الأسباب إن أمكن!
