«الوقوف أمام الغرب».. فكرة كانت محور الحديث فى واحد من أكثر اللقاءات حساسية فى الوقت الراهن بين الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، والزعيم الكورى الشمالى «كيم جونج-أون»، والذى يأتى فى ظل تواصل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، بالتزامن مع استمرار اختبارات الصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية، ما يؤرق (الغرب)، وبعض حلفائه الآسيويين، من تعزيز هذا التحالف الثنائى فى تلك اللحظات الحاسمة. لقاء ثنائى نادر لحظات فارقة تابعها العالم صباح يوم الأربعاء الماضى مع عقد الرئيس الروسى، ونظيره الكورى الشمالى محادثات مع وفديهما، قبل أن يعقدا مفاوضات ثنائية استمرت لأكثر من ساعتين، فى اجتماع هو الأول ل«كيم» مع زعيم أجنبى، منذ إغلاق «كوريا الشمالية» حدودها فى يناير 2020. اللقاء بين الجانبين تناول تعزيز العلاقات الثنائية المشتركة بين «موسكو، وبيونج-يانج»، إلى جانب بحث مختلف القضايا الثنائية، والإقليمية، والدولية، من بينها: مناقشة الأمور العسكرية، والأزمة الروسية - الأوكرانية، والمساعدة الروسية المحتملة لبرنامج الأقمار الصناعية السرى لكوريا الشمالية. وخلال اللقاء، قال «كيم جونج-أون» لنظيره الرئيس الروسى، إن «موسكو» تخوض حربًا -وصفها- بالمقدسة ضد (الغرب)، من أجل حماية سيادتها وأمنها، ضد القوى المهيمنة؛ مؤكدًا أن البلدين سيحاربان معًا ما وصفه ب«الإمبريالية». توقع الزعيم الكورى الشمالى أن «روسيا» ستحقق نصرًا عظيمًا؛ مشيدًا بالجيش الروسى الذى يخوض مواجهات عسكرية فى «أوكرانيا»؛ قائلًا: «أنا على قناعة تامة، بأن الجيش الروسى والأمة سوف يرثون إلى حد كبير تقليد النصر، وسيظهرون فضائل وشرفًا لا يقدر بثمن على جبهات العملية العسكرية». وأضاف إن العلاقات مع «روسيا» تمثل الأولوية الأولى بالنسبة لبلاده؛ مشددًا -فى الوقت ذاته- على دعم بلاده لكل قرارات القيادة الروسية. من جانبه، أفاد الرئيس الروسى بأن «موسكو، وبيونج-يانج» تقودان -ما وصفه- بالمعركة ضد السياسة الاستعمارية. وقال «بوتين» خلال حديثه مع «كيم»: «نحتاج بطبيعة الحال إلى الحديث عن مسائل التعاون الاقتصادى، والمسائل ذات الطابع الإنساني»؛ مضيفًا إن «روسيا» ستساعد «كوريا الشمالية» فى بناء أقمار اصطناعية. وبعد انتهاء اللقاء، أشار الرئيس الروسى فى مقابلة مع التلفزيون الرسمى، إلى وجود احتمالات للتعاون العسكرى مع «كوريا الشمالية»، رغم العقوبات الدولية. ومع ذلك، لم يكشف «بوتين» مزيدًا من التفاصيل عن هذا الأمر. بدوره، أكد (الكرملين) أن البلدين ناقشا قضايا حساسة لا يجوز مناقشتها علنًا؛ فيما نوه وزير الدفاع الروسى «سيرجى شويجو» إلى أن «روسيا، وكوريا الشمالية» تدرسان إمكانية إجراء تدريبات عسكرية ثنائية. كيف تطورت علاقات البلدين؟ يتفق البلدان بشكل عام بأنهما يخوضان مواجهات منفصلة مع «الولاياتالمتحدة»، وهى النقطة التى يعتبرها العديد من المحللين السياسيين بأنها نقطة انطلاقهما فى التعاون، رغم عدم مقدرتهما لإيجاد سبل لذلك. فكانت بداية تطور العلاقات فى عهد الرئيسين الروسى والكورى الشمالى الحاليين، فى عام 2015، عندما دعا «بوتين»، «كيم جونج-أون» لحضور احتفال «روسيا» بالذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أن الزعيم الكورى الشمالى لم يكن مستعدًا بعد للمشاركة فى اجتماعات القمة فى ذلك الوقت. وفى قمة أخرى بين الرئيسين عام 2019، والتى عُقِدت بعد أشهر من فشل قمة «هانوي» بين «كيم»، والرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب»، حاول الطرفان بحث مزيد من الجهود، من أجل إيجاد نقاط قوة مشتركة، إلا أنهما لم يجدا التوافق فى مصالحهما. ومع بدء العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» فى 24 فبراير 2022، تحسنت العلاقات بين البلدين، بل يعتبرها بعض الخبراء أنها الأساس لتقارب الاحتياجات السياسية، والمصالح بين البلدين. فقدمت «كوريا الشمالية» الدعم السياسى لروسيا من خلال الاعتراف باستقلال المناطق التى سيطرت عليها «روسيا» فى بعض المقاطعات. من جانبها، وفر الدعم السياسى الروسى لكوريا الشمالية الحماية، والإفلات من العقاب من إدانة مجلس الأمن الدولى، لإطلاق الصواريخ بعيدة المدى، والأقمار الصناعية، التى تتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولى. ومن هنا، بدأت وتيرة العلاقات تتحسن مع اتفاق المصالح المتبادلة فى ظل الظروف الدولية الراهنة. الهدف من الزيارة رأى العديد من الخبراء والمحللين السياسيين أن الهدف من الزيارة الثنائية الأخيرة بين البلدين، هو المخزونات الكبيرة من الأسلحة، والقاعدة المحتملة لإنتاج الأسلحة فى المستقبل التى تتمتع بها «بيونج-يانج»، فى ظل محدودية شراء الأسلحة الكورية الشمالية، بسبب فرض العقوبات عليها. وعليه تسعى «كوريا الشمالية» أن تصبح قاعدة تصنيع لتوريد الأسلحة إلى «روسيا»، الأخيرة التى تستنفد -بدورها- أسلحة كثيرة فى عمليتها العسكرية فى «أوكرانيا». وفى المقابل، فإن طلبات «كوريا الشمالية» للحصول على الدعم من «روسيا» مقابل الأسلحة ستكون واسعة النطاق، إذ من المتوقع أن تشمل: المساعدة فى شراء ونشر تقنيات الصواريخ، والأقمار الصناعية المتقدمة، فضلًا عن المساعدات الغذائية، وطلبات المواد الأخرى. الصين على خط المواجهة فور انتهاء زيارة الرئيس الكورى الشمالى «كيم جونج-أون» للأراضى الروسية، قالت «الصين» إنها ستعمق التبادلات الثنائية والتعاون مع «كوريا الشمالية».. حيث قالت المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية «ماو نينج»، إن: «العلاقات بين «الصين، وكوريا الشمالية تتطور بشكل جيد». جاء هذا، بالتزامن مع إعلان السلطات الصينية أن وزير الخارجية الصينى «وانج يي» سيزور «موسكو» فى 18 سبتمبر الجارى، من أجل عقد مباحثات مع نظيره الروسى «سيرجى لافروف»، دون إعطاء المزيد من التفاصيل؛ وهو ما لفت انتباه الغربى خشية من تعزيز تعاون ثلاثى فى المنطقة مراقبة غربية قبل اللقاء الثنائى الأخير بين رئيسى «روسيا، وكوريا الشمالية»، حذرت «الولاياتالمتحدة» السلطات الكورية الشمالية من أنها «ستدفع ثمنًا باهظًا، إن قامت بتزويد «روسيا» بالأسلحة؛ مشيرة إلى تقدم مفاوضات الأسلحة بين البلدين بنشاط. وقال مستشار الأمن القومى الأمريكى «جيك سوليفان»، إن: «توفير الأسلحة لروسيا لن ينعكس بشكل جيد على «كوريا الشمالية» وسيدفعون ثمن ذلك فى المجتمع الدولي»؛ مؤكدًا -فى الوقت ذاته- أن «واشنطن» ستواصل دعوة «بيونج-يانج» إلى التمسك بالتزاماتها العلنية، بعدم تزويد «موسكو» بالأسلحة التى ستؤدى -فى نهاية المطاف- إلى استخدامها ضد الأوكرانيين. على صعيد آخر، أعلنت وزيرة الخارجية الكورية الجنوبية «بارك جين» أن حكومة بلادها تنظر فى اتخاذ إجراءات مضادة، فيما يتعلق بزيارة زعيم «كوريا الشمالية» إلى «روسيا»، خاصة مناقشة صفقة الأسلحة بين البلدين. فى النهاية، تأتى هذه القمة بين رئيسى «روسيا، وكوريا الشمالية» فى ظل ظروف دولية حساسة، لتشير -بوضوح- إلى مستوى جديد من التعاون الاستراتيجى القائم على تصوراتهما للمنفعة المتبادلة، إلا أن الإشارات النابعة من قوة ثالثة عظمى أخرى -وهى «الصين»- بتعزيز التعاون مع البلدين، تثير قلق (الغرب) –وفى مقدمتها «الولاياتالمتحدة» المنافس الأول للدول الثلاث- الذى يواصل تحذيراته إنذاراته من أى تحرك قد يخل بصورته على الساحة الدولية. ومع ذلك، يبقى التحرك القادم من الجانبين فى ظل هذا الهدوء الحذر، هو القرار الحاسم لفرض واقع جديد على النظام الدولى.