هى امرأة مصرية استثنائية، لا يجود الزمن بمثلها كثيرًا، كانت سابقة فى كل شىء، تتحدى وتحارب وتنتصر لصالح وطنها وبنات جنسها، حتى صارت قدوة وأيقونة للعمل النسائى؛ الإنسانى والسياسى، لذلك يكفى أن تطرح اسم راوية عطية، لكى تعبر عن قصص كفاح ونجاح المصريات، على جميع الأصعدة، فهى أول نائبة تفوز بعضوية البرلمان، كما أنها أول امرأة تعمل ضابطة بالجيش المصرى. نشأت راوية عطية وسط أسرة سياسية، فكان والدها الأمين العام لحزب الوفد فى الغربية، وأدى نشاطه السياسى المكثف إلى سجنه، لكنه كان يترك وراءه فتاة ثائرة لا يتعدى عمرها 14 عامًا، لتشارك الفتاة فى مظاهرات التنديد بالاحتلال البريطانى عام 1939، وتصاب بعدة جروح، وتلعب بعدها دورًا قياديًا بين زميلاتها فى مدرسة الأميرة فوزية الثانوية، ومن هنا بدأت تتشكل شخصية «راوية» السياسية، والرافضة للظلم والمنادية بحقوق المرأة. وعلى عكس أغلبية النساء المصريات فى تلك الحقبة الزمنية، أكملت الفتاة تعليمها، وحصلت على شهادات جامعية فى مجالات مختلفة، بداية من ليسانس كلية التربية جامعة القاهرة سنة 1947، ثم دبلوم التربية وعلم النفس، حتى حصلت على ماجستير الصحافة، بجانب دبلوم الدراسات الإسلامية، وعملت بالتدريس لمدة 15 عامًا، وكان للصحافة نصيب من عملها لعدة أشهر، تدربت فيها على يد مصطفى أمين وعلى أمين وموسى صبرى. وبعد العدوان الثلاثى على مصر، كانت «راوية» أول امرأة تتقلد رتبة عسكرية، عند التحاقها بالجيش المصرى كضابطة، لتتولى تدريب 4 آلاف امرأة على الإسعافات الأولية والتمريض لجرحى الحرب، ولعبت دورًا كبيرًا فى حرب السويس، واستقبلت الجرحى من الجنود والضباط لتضميد جراحهم فى النكسة، وقال الرئيس جمال عبدالناصر عنها: «لقد آمنت بكفاح المرأة المصرية من كفاح السيدة راوية عطية»، كما أنها اختيرت أمًا مثالية للعام الأصعب على المصريين 1967. كانت «راوية» على موعد مع دور ريادى آخر، عندما أصبح للنساء الحق لأول مرة فى أن يدلين بأصواتهن، ويرشحن أنفسهن فى الانتخابات البرلمانية، بعد صدور دستور 1956، ورشحت «راوية» نفسها لعضوية مجلس الأمة فى انتخابات عام 1957 عن محافظة القاهرة، ونجحت فى الحصول على 110.807 أصوات، ودخلت التاريخ باعتبارها أول امرأة فى مصر والدول العربية، تنجح فى الانتخابات البرلمانية وتصبح عضوًا فى البرلمان. وفى حرب أكتوبر، كانت راوية عطية تقوم بدور محورى، وطنيًا وإنسانيًا، عندما ترأست جمعية أسر الشهداء والجنود، لتلقب بأم المقاتلين الشهداء، وكانت تقوم يوميًا بزيارة الجنود على الجبهة، وحصلت على نوط الجيش الثالث لحرب أكتوبر، ودرع القوات المسلحة ودرع الجيش الثالث، كما حصلت على نوط الواجب من الطبقة الأولى من الرئيس أنور السادات. ورغم خسارتها فى تجديد عضويتها للبرلمان؛ فإنها خاضت المعركة الانتخابية مرة أخرى، ورشحت نفسها لعضوية مجلس الشعب فى انتخابات 1984، ونجحت فى استعادة مقعدها تحت القبة، ليبدأ دورها النيابى البارز، والذى بدأ يتسع بمناقشتها خلال الجلسات؛ حيث شاركت فى مناقشة بيان وزير الشئون الاجتماعية حول مشاكل الأسرة، وطالبت الوزير بتنفيذ المشروع الخاص بإنشاء مكاتب للتوجيه الأسرى والاستشارات الزوجية فى أنحاء الجمهورية، كما طالبت بتعاون لجنة العادات والتقاليد بالوزارة مع وزارة الإرشاد القومى، للقضاء على العادات والتقاليد التى تسىء إلى سمعة مصر فى الخارج، وتقدمت أيضًا باقتراح مشروع قانون بتنظيم الأسرة. ولم تنس «راوية» دورها الإنسانى الذى توازى دائمًا مع دورها النيابى، فقامت بدور كبير فى حرب العراقوالكويت، وأشرفت على تقديم دورات إسعاف وتمريض ودورات دفاع مدنى للسيدات الكويتيات اللاتى حضرن من الكويت.. وبعد مسيرتها الكبيرة فى العطاء، ورفع اسم المرأة المصرية، لم يكن غريبًا أن يقع الاختيار عليها لتصبح رئيس المجلس القومى للأسرة والسكان فى عام 1993، وشغلت المنصب حتى وفاتها فى مايو 1997، عن عمر ناهز 71 عامًا. فى النهاية، يرحل الجميع ويبقى الأثر، وما قدمته راوية عطية سيظل أثرًا مؤثرًا ونموذجًا مشرفًا لكفاح المرأة المصرية، وصمودها ونجاحها.