نادرًا ما أجد تعليقا للأستاذ مفيد على صفحتى المتواضعة بالفيس بوك.. ولا أخفى على حضراتكم أننى عاشق لما يكتبه مفيد فوزى وأكثر عشقا للاختلاف معه أحيانا، ولكن مع حفظ المقامات.. فالأستاذ قامة كبرى لدينا فى مؤسسة روزاليوسف غير كونه أحد الكبار فى عالم الصحافة، وفوق ذلك فهو أستاذ للجيل الذى أنتمى إليه عندما ترأس فى زمان الكبار المطبوعة المحببة إلى القلب «صباح الخير». كان أبناء الجيل يشعرون أن هناك جيلاً يستندون إليه فى مواجهة الصعاب أيًا كانت.. ومفيد فوزى صاحب مدرسة لا يمكن إنكارها. ذات يوم تعرضت نجمة مصر المثيرة للدهشة شريهان لحادث مرعب ودخلت فى دوامة المرض والعلاج والسفر وكانت الإصابة فى مقتل فى العمود الفقرى وهو أمر يهدد أجمل من تصدت للاستعراض لا أقول فى مصر ولا عالمنا العربى، ولكن ربما على مستوى العالم.. وغابت صاحبة الوجه الأشبه بالبدر عند بزوغه المشرق.. وفى باريس وجدت الحل السحرى لدى بروفسور فرنسى أعاد ما أفسده البعض إلى سابق عهده، ولكنه حذر من العودة إلى الرقص أو الحركات العنيفة. وبعدأشهر قليلة استعادت شريهان كامل لياقتها، ولأنها لا تعيش بدون أن تحيا فى عالم الضوء والتألق فقد اتجهت إلى راعى الفن الراقى سمير خفاجى لكى تواصل الإبحار فى العالم السحرى المخملى وخاف سمير خفاجى وهنا كان يمثل الأب الروحى على نجمته التى عشقها وبروح الأبوة فاتحها فى أن الأمر يمثل خطورة بالغة على العملية الجراحية، وكان خفاجى المنتج والكاتب المسرحي قد حقق نجاحات على كل صعيد من خلال العمل مع شريهان. ولكن الرغبة الجامحة فى العودة والإرادة الحديدية التى تملكها هذه الفتاة المعجونة بعشق الفن وسنينه حسمت الأمر وقالت لا مجال للراحة. وجدت سمير خفاجى يعيش أعماق الأسي.. وحوله حسن مصطفى وحسين كمال وأركان مسرح المتحدين. الكل يفكر فى كيفية العودة واستحالة الأمر لأن فيه تضحية بالنجمة الأخطر فى عالم الاستعراض، وجدت سمير خفاجى يفكر فى أمر آخر.. وهو التمهيد لهذه العودة إعلاميا فهذه الخطوة الأهم والتى ينبغى أن تسبق كل الخطوات. وجدت خفاجى يقول..مافيش غير مفيد فوزى .. هنا سألت لماذا مفيد فوزى بالذات وهناك العشرات من أصحاب القلم.. ولم يكن قصدى ولا سؤالى استنكاريا.. بل العكس هو الصحيح فسمير للمسرح فى كل تاريخنا المسرحى أردت أن أعرف سر هذا الاختيار.. فقال.. مفيد فوزى أهم من يكتب فى هذا المجال لا مثيل له.. ولا مفر من الحديث معه حول كيفية التصرف فى أمر العودة.. هو الوحيد الذى يؤثر بقلمه وأفكاره فى هكذا أمور، وفى هذه الأيام كنا نبحث أنا وأبناء الجيل المحظوظ فى «صباح الخير» عن مكان فى بلاط صاحبة الجلالة ومن حولنا زهور ليست كبقية زهور البساتين.. إنها لا تذبل أبدا ولا تفقد رائحتها الزكية ولا تسقط إلا بالموت أو المرض. كان هناك عمنا حسن فؤاد وأستاذنا لويس جريس والجميل رءوف توفيق والأستاذ مفيد فوزى والأستاذ صبرى موسى والأستاذ عبدالله الطوخى وأيضا الفنان والكاتب الصحفى الذى لم يأخذ حقه كأحد أصحاب المواهب العبقرية فى تاريخ الصحافة الأستاذ الكبير صلاح حافظ. وكنا كما الفراشات أو كما النحل أحيانا ننتقل بين هذه النخبة نأخذ من رياحينها أجمل ما تفرزه من عصير التجارب والحياة. وكنت أجد متعة حقيقية فى الجلوس إلى مفيد فوزى فهو ينحت تعبيرات فورية تجعلك تندهش أحيانا وتضحك أحيانا وتسعد فى كل الأوقات بها. كان مفيد فوزى ديكتاتورًا فى قيادته للصبوحة وهو أمر محمود لأنه لا يوجد قائد لكتيبة يترك الأمور أو الحبال على الغارب. اختلفت مع الأستاذ كثيرا واتفقت معه كثيرا لكننى لم أفقد احترامى له على الدوام ولعلمه الكبير ولمكانته العالية ولتجربته التى كانت للمرارة فيها النصيب الأكبر فى البداية والتى كانت أيضا أقرب إلى الأشغال الشاقة كما هو حال جيله بأكمله.. وجدت أستاذنا يعلق على أحد البوستات التى أفرغ فيها طاقته ربما يتعذر أن أجد لها متسعا فى الصحف. وكانت حول مهرجان القاهرة السينمائى الدولي.. ورئيسه حفظى الذى لم أسمع به من قبل مع شديد الأسف.. وجدت الأستاذ بكتب كلمات تحمل عتابا لهذا الزمن الردىء الذى تشهد فيه القاهرة مهرجانا دوليا لأرقى الفنون ويغيب عن هذا الحدث الأروع تكريم أو تحية لفتى مصر الأكثر شبها بالمصريين فى ملامح الوجه ولون البشرة السمراء التى هى من لون أديم الأرض السمراء الطيبة والقامة الباسطة كأنه يستعير شموخ النخيل الذى تمتد جذوره فى باطن الأرض وترتفع قامته إلى عنان السماء ويثمر أطيب الثمار إنه صاحب الصوت الخطر.. الصوت الذى يصل القلب دون إذن فيحدث طربا ويجد المراحب الحارة على أشدها.. إنه الفنان الرائع محمود ياسين ابن الجيل الذهبى الذى صعد إلى قمة المجد بعد كفاح مرير فى سبعينيات القرن الماضى. لم يجد مهرجان القاهرة السينمائى الدولى والذى لمحمود ياسين إسهام لا حدود له فى تراثه الفني.. أقول لم يجد المهرجان فسحة لتكريم هذا النجم الأسطورى فى تاريخنا وهو أمر يصعب على شخصى الضعيف أن يتحمله أو يتصوره. ولكن الذى زاد الطين بله أن سعادة رئيس المهرجان صرح.. فض فوه.. إن المهرجان لم يكرم الفنان الكبير حتى لا يسقط فى فخ تقليد مهرجان الجونة.. وهنا أقول لسعادة حفظى بيه.. إن الأصول لا تقاس بمثل هكذا مقاييس وأن محمود ياسين بالتأكيد أبقى وأقوى من سعادتك ومن كل الذين سوف يقودون هذا المهرجان فى مستقبل الأيام.. محمود ياسين باق من خلال هذا الشريط السحرى المسمى بالفيلم، صحيح أنه غادرنا إلى رحاب ربه، ولكن الأثر الذى تركه هو الأثر الأعظم خلودا ..إنه ممثل شعب مصر فى عالم الصور.. نسأل الله أن يحرمنا من رئاسة سعادتك فيما هو قادم من مهرجانات. وأعود إلى الأستاذ وأقول يا أستاذنا الكبير شعرت بمرارة المأساة من خلال كلماتك التى زينت صفحتى المتواضعة على الفيس بوك وأحزننى أن تكون أحد المؤسسين لهذا المهرجان الدولى ويتم تجاهلك بهذا الشكل ،وهو الأمر الذى خاطبت بشأنه صديقة غالية عزيزة على قلبى قبل أن تكون مسئولة عن الثقافة وبسنوات طويلة الفنانة الرقيقة إيناس عبدالدايم واعتقد أنها ستتولى تحقيق وتصحيح هذه الأخطاء غير المسئولة.. أو كما قلت.. عن حفظى أنه لم يحفظ شيئا عن تاريخك وإسهاماتك أستاذنا الفاضل.. تذكرت بالخير أشخاصًا لهم مكانة فى القلوب لا مثيل لها وأنا أقرأ تعليقك.. تذكرت صديق العمر سمير خفاجى وأحب من عرفت إلى قلبى فى دنيا الأضواء المبهرة المتألقة غير القابلة للتكرار المعجزة شريهان فى يوم مولدها تتجدد مشاعر الدهشة ولحظات الإبهار والارتفاع بمستوى الأداء إلى حد الإعجاز فى كل مجال اقتحمته. هذا الأداء البشرى الثرى بالمواهب. وفى النهاية أعود وأقول أن قلمك وإبداعك أيضا سيكون له البقاء وسيبقى أثرا بقدر أعظم وأقوى من كل من لم يحفظ ألف باء ما تمليه المسئولية فى مجال الفن.