قبل بضع سنوات لم تكن أوروبا تدرك أهمية محاربة الجماعات الإرهابية أو الجماعات التى تأخذ من الدين ستارًا لأعمالها ضد المجتمعات والأوطان، لكن على ما يبدو أن هناك صحوة كبيرة تشهدها القارة العجوز هذه الفترة، نحو وقف تمويل نشاطات عدد من الجمعيات الإسلامية والتى ثبت صلتها الوثيقة بالإرهاب وبجماعة الإخوان. تأتى هذه التحركات بعد أن تبنّى مؤخرًا الجناح الأوروبى لتيار الإخوان الإرهابى العالمى ومقره برلين، استراتيجيات جديدة للحماية والتمويه، بدأت بتحايل الدوحة على تغيير اسم جمعية قطر الخيرية ومقرها لندن إلى «نكتار تراست»، فى محاولة لتبييض سجلها ونفى تمويلاتها المشبوهة للإرهاب ومساندة الإخوان. تموّل الجمعية باسمها الجديد «نكتار تراست» فى الظاهر أنشطة اجتماعية، فى حين قامت بضخّ 4 ملايين يورو سرّا لصالح 5 مشاريع فى فرنسا بقيمة مليون يورو، من أصل 28 مليون يورو جرى توزيعها على عدة جمعيات ومساجد فى أنحاء أوروبا، مثل: (مسجد وجمعية شيفيلد - أمانة الإيمان بإنجلترا) والذى بلغت تكلفته نحو 8 ملايين استرلينى مابين مدرسة وحضانة وقاعات مؤتمرات. وتنكشف الحقائق تباعًا حول جهود تركيا الحثيثة فى توسيع نفوذ جماعات الإخوان فى أوروبا وجمع الكثير من المساعدات من جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين المحافظين والخطوط الجوية التركية لصالح جمعيات الإخوان. وبهدف التمويه أيضًا قامت تركيا بتغيير اسم «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» إلى «مجلس مسلمى أوروبا»، الذى يندرج تحته ما يزيد على ال50 جمعية فى مؤتمرها الأخير الذى استمر 3 أيام فى الفترة من 23 حتى 26 يناير الماضى فى تركيا، وذلك بعد فضيحة التجسّس التى طالت مديرية الشئون الدينية فى تركيا، والكشف عن معلومات خطيرة حول تورط التنظيم فى أعمال عنف كبيرة خلال السنوات الماضية، تجعلها مصنفة كمنظمة «خاصة شرسة» وليست مجرد اتحاد سلمى للمسلمين المعتدلين. كانت خطة الإخوان الرئيسية منذ أن وطأت أقدامها أرض القارة العجوز، تكمن فى السيطرة على المجالس الإسلامية المركزية لتكوين جماعة ضغط سياسى على الحكومات الغربية، خاصةً من خلال المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث، والمجلس المركزى للمسلمين فى ألمانيا والمجلس الإسلامى فى برلين والمركز الإسلامى فى ميونيخ ، والمجلس الإسلامى فى بريطانيا واتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، اتحاد التجمعات الإسلامية فى إيطاليا التابعين لجماعة الإخوان الكبرى. فى يونيو الماضى، وفى جلسة عاصفة أبدى البرلمان الهولندى قلقًا ومخاوف من معلومات مؤكدة حول توغل تركياوقطر فى تمويل جماعة الإخوان الإرهابية ، وطبقًا للمعلومات التى ذكرها النائب فى البرلمان الهولندى ميشيل روج؛ فإن التمويلات التى يقدمها النظام القطرى والتركى تصل لعشرات الملايين من اليوروهات، موزعة فى جميع المدن الهولندية عبر المراكز الدينية والمساجد، خصوصًا المسجد الأزرق فى أمستردام ومسجد السلام الإسلامى الثقافى فى روتردام ومركز ميدنويج لدعم التنظيم وتعزيز نشاطاته الإجرامية الإرهابية، وأنه تم رصد استقطاب عدد كبير من المسلمين وتشجيعهم على التطوع للحرب فى سوريا وليبيا. أضاف ميشيل روج أن مؤسسة قطر الخيرية المانحة وتركيا تعلم جيدًا أين تضع أموالها، عن طريق أنظمة فحص وضمان شديدة التعقيد، وتتيح الأموال شراء ممتلكات وتنظيم أنشطة لاستقطاب أكبر عدد من الشباب والشابات المسلمين والاستحواذ على مساجد ومقار مؤسسات تعانى من مشاكل مالية وشراء مواقع إلكترونية وقنوات تليفزيونية بعرض أفلام ومسلسلات تركية بهدف التقارب والاستقطاب. وبعد اطلاع البرلمان الهولندى على شهادات تؤكد أن سرية الجماعة وعدم الشفافية وتهديد كل من يحاول الكشف عن نشاطهم المشبوه يجعل فكرة التخلص من التنظيم فكرة جيدة لصالح سلامة المجتمع الهولندى. ومن هولندا إلى ألمانيا يستمر القلق، بعد الكشف عن معلومات خطيرة بعد فضيحة تجسس «ديانت». وتعتبر ألمانياالغربية منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضى ملجأ لأعضاء جماعة الإخوان الهاربين من الاعتقالات والمتسترين تحت غطاء الجمعية الإسلامية فى ألمانيا والتى غيّرت اسمها منذ عامين إلى الجمعية الإسلامية الألمانية. تتعامل الجمعية الإسلامية بتكتم كامل حول هياكلها وأعضائها وتمويلاتها، ما مكّن التنظيم فى زرع خلايا له فى ألمانيا، تتخذ من ميونيخ مقرًا للتنظيم الدولى منذ عام 1983. وكانت منظمة الإغاثة الإسلامية قد تلقت مساعدات من وزارة الخارجية الألمانية بلغت 1,5 مليون يورو فى 2017، و2,5 مليون يورو فى عام 2018، كما تم منع التبرعات لمنظمة الإغاثة الإسلامية حتى العام الحالى بسبب ثبوت صلات شخصية ومؤسسية بينها وبين منظمة الإخوان الإرهابية. بالتزامن مع التحركات الأوروبية الحالية ضد الجماعات الإرهابية، تحركت السويد رسميًا بتوجيه ضربات قوية ضد مؤسسات الإخوان بوقف نشاط وحظر «جمعية ابن رشد التعليمية» والتى تعد ذراع الإخوان الرئيسية هناك، كما تم حظر الجمعيات السبع المنبثقة عنها، ومصادرة التمويلات وتجفيف منابع المال المتدفق لصالحها من دول ثبت ضلوعها فى الإرهاب مثل قطروتركيا، خاصةً فى مدينة جوتنبرج وغيرها على السواحل الغربية، بعد اكتشاف أن منظمتين تابعتين للجمعية، وهما الرابطة الإسلامية ورابطة الشباب المسلم السويدى لا تتوافق أنشطتها المشبوهة مع قيم الديمقراطية المعمول بها فى السويد. كانت جمعية ابن رشد التعليمية دعت مؤخرًا شخصيات متطرفة تحرض على العنف ضد المجتمعات وتدعو لحمل السلاح والعنف ضد المرأة فى ندواتها ومؤتمراتها المختلفة، وشجّع أحدهم وهو قيادى من تونس على الذهاب إلى سوريا للجهاد. من ناحية أخرى، حرصت النمسا فى الشهور القليلة الماضية على إغلاق عدة جمعيات تابعة للإخوان وإغلاق حسابات مصرفية تمول التنظيم، حيث مولت قطر وحدها مساجد ومقرات بمبالغ تفوق ال200 مليون يورو فى البلدين، كما أعلن عضو البرلمان البريطانى البارز إيان بيزلى بالتصدى لتشعب وتحور نشاطات جماعة الإخوان الإرهابية. أما فى فرنسا، فأعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عن مشروع قانون سيُعرض فى التاسع من ديسمبر المقبل على مجلس الوزراء، يتضمّن عدة إجراءات مثل إلزام أى جمعية تطلب إعانة عامة بالتوقيع على ميثاق العلمانية، وتعزيز الإشراف على المدارس الخاصة التابعة لطائفة دينية، وفرض قيود صارمة على التعليم المنزلى، وتعزيز الرقابة على تمويل دور العبادة، من خلال تشجيع الجمعيات الدينية الإسلامية على تغيير نظامها، ووضع حد لما وصفه بأنه «نظام التعتيم».