بوجهه القبيح، أطل فيروس كورونا المستجد على العالم، ليذيق ملايين البشر من ويلاته .. من لم يصب أو يمت به، مسته ضراء من تبعاته.. لكنْ للضيف الثقيل وجه آخر .. فذلك الشبح المخيف الذى لم ترتبط أخباره منذ ظهوره إلا بكل ما هو سلبى كانت له بعض الآثار الإيجابية على الاقتصاد المصرى. خلال لقائه الأسبوع الماضى مع الدكتورة نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، والمهندس محمد السويدى، رئيس اتحاد الصناعات لمناقشة إجراءات دعم قطاع الصناعة خلال المرحلة الحالية، فى ضوء تداعيات أزمة فيروس «كورونا» المستجد، أكد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أن المحنة الحالية تعتبر فرصة ذهبية للصناعة المصرية لن تُعوض، من خلال ضرورة الاعتماد على أنفسنا فى جميع الصناعات وتشجيع التصنيع المحلى وفق رؤية الدولة فى هذا الاتجاه، مشددًا على أن الدولة بدورها مهيأة حاليًا لدعم قطاع الصناعة، ومستعدة لتقديم جميع الامتيازات للنهوض بهذا القطاع.
دعم الصناعة
توصيف رئيس الوزراء للوضع بالفرصة الذهبية للقطاع الصناعى لم يكن من قبيل التفاؤل غير المرتبط بإجراءات يتم اتخاذها على الأرض.. فقد تم خلال الاجتماع ذاته الاتفاق بين وزيرة التجارة والصناعة، ورئيس اتحاد الصناعات لتسويق المجمعات الصناعية التى تقوم الدولة بتنفيذها حاليًا، والعمل على أن تسهم هذه المجمعات فى توفير مستلزمات الإنتاج المختلفة، ونهضة الصناعة المصرية، وفى هذا الصدد، أكد رئيس الوزراء على أهمية أن تبدأ تلك المجمعات الصناعية فى العمل بأسرع وقت ممكن.
سبقت تلك الخطوة حزمة قرارات لدعم قطاع الصناعة فى البلاد، والتعامل مع التداعيات الاقتصادية لتفشى فيروس كورونا، وعلى رأسها خفض سعر الغاز الطبيعى للصناعة.
وتضمنت القرارات خفض سعر الغاز الطبيعى للصناعة عند 4,5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وخفض أسعار الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالى والمتوسط بقيمة 10 قروش، وعدم زيادة أسعار الكهرباء لباقى الاستخدامات الصناعية لمدة من 3 – 5 سنوات مقبلة، وتوفير مليار جنيه للمصدرين خلال شهرى مارس وإبريل 2020 لسداد جزء من مستحقاتهم، وفقاً للآليات المتفق عليها مع سداد دفعة إضافية بقيمة 10 % نقدًا للمصدرين فى يونيو المقبل.
وبشأن الضريبة العقارية، فقد تقرر تأجيل سدادها المستحق على المصانع والمنشآت السياحية لمدة 3 أشهر، إضافة لرفع الحجوزات الإدارية على الممولين الذين لديهم ضريبة واجبة السداد مقابل سداد 10 % من الضريبة المستحقة عليهم وإعادة تسوية ملفات هؤلاء الممولين من خلال لجان فض المنازعات.. ويضاف إلى كل ما سبق قرار البنك المركزى المصرى بخفض معدلات سعر الفائدة بنحو 3 % دفقة واحدة، حيث تأتى أهمية هذا القرار لتشجيع القطاع الصناعى على الاقتراض، كما يترتب عليه خفض تكلفة الاقتراض الحكومى من البنوك المحلية إلى حد كبير، كما يخفض من حجم الفوائد المحتسبة على الدين المحلى.
أجهزة التنفس
من رحم الأزمات تولد دائمًا الإنجازات الكبيرة.. وقد تكون مصر على أعتاب صناعة أجهزة التنفس الصناعى التى تُعد كنزًا ثمينًا فى تلك الظروف العالمية.. حيث أعلن الدكتور مدحت نافع، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، أن هناك تجاوبًا كبيرًا مع مبادرة الاستفادة من منح حقوق الملكية الفكرية لتصنيع أجهزة التنفس الصناعى بالمجان من الشركة صاحبة الملكية لمواجهة فيروس كورونا.
وكانت الشركة الأشهر فى صناعة أجهزة التنفس الصناعى Medtronic قد أسقطت حقوق الملكية الفكرية الخاصة بجهاز التنفس الصناعى الذى تملكه، فيما شاركت كل التصميمات مع الدول للبدء فى تصنيعها دون عوائق الحصول على ترخيص أو شراء حقوق الملكية الفكرية ليتمكن الجميع من صناعتها بسرعة، لمساعدة الأطباء والمرضى فى ظل الانتشار الكبير لفيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19).
على الفور بدأت فى مصر منذ إطلاق مبادرة تصنيع أجهزة التنفس الصناعى مجموعات العمل التى تم تشكيلها أنشطتها من خلال (لجنة مركزية- وحاضنة مجموعات بحثية- ومجموعة عمل التمويل- ومجموعة عمل الاتصال وتبادل المعلومات- ومجموعة عمل تحليل الاحتياجات والمكونات- ومجموعة عمل دراسة مواقع المصانع وتأهيلها).. ووفقًا للدكتور مدحت نافع، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، فإن المجموعات البحثية التى تعمل بالفعل على الأرض من قبل المبادرة قد اقتربت من الانتهاء من النماذج الأولية، وتتم متابعة الاختبارات وبدائل المكونات النادرة.. ووجه نافع الدعوة إلى جميع المتخصصين فى ال biomedical engineering بإتاحة كافة مصانع القابضة المعدنية خاصة مصانع تصنيع وتجميع السيارات لتصنيع أجهزة مثيلة للجهاز الذى أتاحت شركة medtronic وهى الأكبر فى العالم تصميماته دون حقوق الملكية الفكرية، خاصة أن شركات السيارات الأمريكية بدأت فى تصنيعه.
وتعد أبرز الدول التى تصنع مثل هذة الأجهزة شديدة الحساسية هى الولاياتالمتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وتايوان، والصين، وكوريا، لكنها تعمل حاليا على تكثيف إنتاجها لصالح شعوبها بسبب الأزمة العالمية بانتشار فيروس كورونا.
خفض الأعباء
تأتى الفائدة الثالثة من أزمة كورونا، من خلال تهاوى أسعار البترول عالميًا، وهو ما يترتب عليه خفض الأعباء التى ستتحملها الموازنة العامة للدولة لتوفير احتياجات السوق المحلية من المواد البترولية والوقود.. حيث قالت شركة «سى آى كابيتال»، فى ورقة بحثية حديثة، إن انخفاض أسعار برميل النفط عالميًا يسمح للحكومة المصرية بتخفيض أسعار الطاقة المحلية بنسبة تصل إلى 10 %، وذلك فى المراجعة القادمة لأسعار البنزين طبقا لآلية التسعير التلقائى، مشيرة إلى أن جميع المنتجات البترولية تقريبًا تباع فى مصر بسعر يعادل نسبة 100 % من التكلفة باستثناء غاز البوتان الذى خصصت الحكومة له دعمًا قدره 50 مليار جنيه خلال العام المالى الحالى.
وأوضحت «سى آى كابيتال»، أن انخفاض سعر البترول من شأنه أن يساعد فى احتواء جزئى للضغوط التضخمية الأخرى التى قد تظهر خلال الفترة المقبلة، متوقعة تراجع مستويات التضخم بمصر لأقل من المتوقع البالغ 7 إلى 8 % خلال العام الجارى 2020.
وتوقعت الشركة أن ينخفض دعم المواد البترولية خلال العام الجارى من 50 مليار جنيه إلى 37 مليار جنيه، حيث كانت تقديرات الحكومة على أساس سعر للنفط يبلغ 65 دولارا للبرميل بينما يبلغ المتوسط السنوى 54 دولارا، والذى يمكن أن ينخفض بشكل أكبر فى الفترة المقبلة. وهو ما يعنى أن الانخفاض الحالى فى أسعار النفط سيوفر للحكومة المصرية نحو 13 مليار جنيه من إجمالى مبالغ الدعم.
مكاسب بيئية تحولت الخسارة الكبيرة للبشر بسبب كورونا، إلى مكسب كبير لكوكب الأرض، الذى من الناحية البيئية بعد تجديد نفسه وتخلصه من كثير من الملوثات المستمرة برًا وجوًا، وبحسب الدكتور مصطفى مراد، رئيس الإدارة المركزية لنوعية الهواء بوزارة البيئة فقد شهدت مصر، نسبة تحسن فى الهواء، بعد انخفاض مصدر الملوثات بشكل ملحوظ، كما يعد تخفيض عدد السيارات على الطرق هو أحد أوضح الآثار لسياسات العمل من المنزل وسياسات العزلة الاجتماعية، ولعل هذا ما يحدث فى العديد من بلدان العالم وليس مصر فقط، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية التى رصدتها وكالة ناسا الفضائية، أن منطقة هوبى فى الصين وحدها شهدت انخفاضًا فى نسبة التلوث بنسبة 21.5 % فى شهر مارس، مقارنة بالعام الماضى،وشهدت الولاياتالمتحدةالأمريكية انخفاضًا كبيرًا فى نسبة تركيز ثانى أكسيد الكبريت، وثانى أكسيد الكبريت الأمريكى وهو ملوث الهواء ويتفاعل مع بخار الماء لتكوين أمطار حمضية.. كما شهدت أوروبا وشمال إيطاليا انخفاضًا ملحوظًا فى انبعاثات ثانى أكسيد النيتروجين، وهو غاز ضار ينبعث من محطات توليد الطاقة والسيارات والمصانع.