العنبر مليء بالمصابين الكثير من القصص المثيرة لاتزال مختفية عن الأنظار حتى الآن فى دفاتر أحوال الشهداء والجرحى، وكشفنا عن أغلبها من خلال جولات مطولة فى عشرة مستشفيات استقبلت النسبة الغالبة من ضحايا الثورة، وكان أبرزها مستشفيات قصر العينى الذى استقبل خلال الأيام الثلاثة الأولى للأحداث أعدادا طفيفة من المصابين لم يتعد عددهم 20 مصابا، ما لبثت أن تضاعفت فى الجمعة الدامية، حينما انتشر الرصاص الحى وظهر الطابور الخامس الذى قتل المتظاهرين والشرطة دون تفريق. الإصابات كانت خفيفة ولا تتجاوز حالات اختناق من الأدخنة المسيلة للدموع خلال الساعات الأولى من الأيام الثلاثة الأولى للمظاهرات، وغادروا غرف الاستقبال فى هذه الأيام نفسها، حيث لم يتم احتجاز أحد منهم. وبعد بزوغ 28 يناير ازدادت وتيرة الأحداث وبدأت أعداد غفيرة من المصابين تصل إلى المستشفيات التى استقبلت فى هذا اليوم 440 مصابا منهم 250 جريحا تم إجراء الإسعافات لهم وغادروا الأقسام العلاجية المختلفة فى ذات اليوم فيما احتجز 47 آخرون لخطورة حالتهم فى الوقت الذى توفى فيه 5 مصابين داخل غرف العمليات ليصل إجمالى القتلى فى هذا اليوم إلى 11 قتيلا منهم 6 وصلوا إلى المستشفيات بعد أن لفظوا أنفاسهم. وشهد 28 يناير إجراء 21 عملية جراحية كبرى و4 عمليات متوسطة وعمليتين صغيرتين. أما 29 يناير فاستقبلت فيه المستشفيات 380 مصابا تم احتجاز 75 حالة منهم وعاد باقى المصابين إلى منازلهم بعد إتمام علاجهم فى حين لفظ 8 مصابين أنفاسهم داخل الأقسام العلاجية المختلفة. ومع انخفاض حدة الأحداث تراجع عدد المصابين فى 30 يناير إلى 37 مصابا فقط احتجز 15 منهم وتوفى 4 آخرون. وكذلك 31 يناير، حيث استقبلت المستشفيات 15 مصابا. وخلال الأيام الأربعة تم إجراء 23 عملية كبرى و4 عمليات متوسطة و3 صغرى، إلا أن جهود الأطباء كانت أكثر تكاتفا فى يوم 28 يناير، كما يؤكد د. محمد شهاب مدير الطوارئ بمستشفى المنيل الجامعى، حيث قال إنه تم إجراء 17 عملية فى آن واحد داخل المستشفى بواسطة 45 جراحا منهم أكثر من 20 طبيبا متطوعا. - أكثر العمليات خطورة وتابع «شهاب» قائلا: إن أكثر تلك العمليات خطورة كانت للمصاب إيهاب حسين الذى وصل إلى المستشفى فى حالة سيئة للغاية، بعد أن اخترق جسده 14 عيارا ناريا تفرقت فى منطقتى الصدر والبطن، وتم نقله سريعا إلى غرفة العمليات فى محاولة لإنقاذه خاصة أن الحالة على حد وصف الأطباء الذين استقبلوها كانت «ميئوسا منها»، إلا أن الجراح د. سيد عقل نجح فى إنقاذه بعد أن استخرج 12 عيارا من جسد المصاب. - إجراءات التموين الطبى د. أشرف حاتم مدير عام مستشفيات قصر العينى من جانبه كلف مديرى الأقسام العلاجية المختلفة بفتح جميع المخازن لتلبية احتياجات المصابين من الأدوية والإسعافات الأولية، حيث تم توفير جميع أنواع المحاليل فضلاً عن فتح بنك الدم لإسعاف المصابين. - ميليشيات المرافقين المستشفيات لم تشهد العمليات والإسعافات فقط خاصة بعد غروب شمس 28 يناير، حيث انقسم الأطباء والمرافقون إلى فريقين الأول كان يجرى عمليات للمصابين ويشرف على عمليات إسعافاتهم أما الفريق الثانى من المرافقين فكونوا ميليشيات لحماية المستشفيات من البلطجية الذين التفوا حول أسوارها فى محاولة لاقتحامها وسرقة مخازنها. د. شهاب أكد أن مدير عام المستشفيات كلف المسئولين عنها بتأمينها وحمايتها من البلطجية فقاموا بتشكيل فرق من المرافقين والعمال وتوزيع مهام حماية أرجاء المستشفيات عليهم فضلاً عن تأمين مدخل قسم الاستقبال لضمان وصول المصابين إليه بعد أن حاول البلطجية منعهم من الدخول. وأكمل: عندما شعر المرافقون باقتراب البلطجية من أسوار المستشفيات قاموا بغلق جميع الأبواب والوقوف خلفها بعد أن ارتدوا «غطاء الرأس» الخاص بالجراحين ليكونوا أشبه ب«فرق الدفاع» ثم قاموا بتجميع زجاجات المياه الغازية الفارغة وألقوها على البلطجية المرابطين عند أبواب المستشفيات. ومع تبادل البلطجية والمرافقين القذف بالحجارة والزجاجات على جانبى الأسوار لجأت «فرق التأمين» إلى ملء الزجاجات بالكحول وإشعالها لتتحول إلى قنابل «مولوتوف» ثم ألقوها على البلطجية ليركضوا هاربين بعد محاصرتهم بالنيران. - فقء العيون أقسام الرمد احتلت نصيب الأسد بين الأقسام العلاجية المختلفة، حيث وصل عدد المصابين بفقد وفقء العين إلى 159 حالة فقء عين، تباينت أسبابها بين الحجارة والمقذوفات الصغيرة والشظايا، حيث تم احتجاز أكثر من 120 حالة رمد فى مستشفيات قصر العينى وحدها، ومن بينهم محمد سعيد وحمادة مصطفى ويوسف شعبان وحسام سعيد ولطفى عبدالكريم وأحمد عبدالحميد ومحمد فؤاد ومصطفى بدوى واختلفت إصاباتهم بين فقدان العين الواحدة وكلتا العينين. وأكد المصابون أن الشظايا والذخيرة الصغيرة كانت تخترق أعين المتظاهرين بعد إطلاقها بشكل عشوائى فضلاً عن الرصاص المطاطى الذى تسبب فى فقدان العديد منهم للنظر. - أنواع الأسلحة والذخيرة المجهود الذى بذله أطباء قصر العينى لم يسفر عن إنقاذ المصابين فقط بل مكنهم أيضاً من تحديد أنواع الأسلحة التى استخدمت فى الأحداث بعد استخراج الذخيرة التى اخترقت أجساد المصابين. هذه الذخيرة حددت مسار تلك الأحداث باختلاف وتيرتها بين تزايد وتراجع.. ففى الأيام الأولى للثورة تباينت أنواع «الأعيرة» المستخدمة بين «سنج» و«سنج بليتس» و«خرطوش» و«مطاطية» مثلما يؤكد د. شهاب.. ومع تزايد وتيرة الأحداث فى 28 يناير بدأت الإصابات تأخذ بعدًا جديدًا، حيث استقبلت المستشفيات عددًا كبيرًا من المصابين بالأعيرة الحية خاصة بعد اقتحام البلطجية لأقسام الشرطة والاستيلاء على الأسلحة الآلية منها. وقال «شهاب» إن أنواع الإصابات اختلفت فى الأيام الأولى للأحداث بين أعيرة ال«سنج بليتس» التى تتكون من رأس 9 ملى وعدد من المقذوفات الصغيرة التى وصفها المصابون ب«البلى»، حيث كانت تخترق أجسادهم عند قذفها من مسافات قريبة. أما أعيرة «سنج» فكانت تتكون من رأس مدبب يتبعه عدد من المقذوفات يتراوح عددها بين 10 إلى 15 مقذوفًا فضلاً عن أعيرة الخرطوش حيث تباينت أنواعها بين «50 و70» بجانب الرصاص المطاطى والرش. وأضاف أنه مع نهاية 28 يناير وصل إلى المستشفى عشرات المصابين بالأعيرة النارية الحية، حيث أكدوا أن تلك الأعيرة انطلقت من بلطجية مسلحين بعد استيلائهم على الأسلحة الآلية من أقسام الشرطة قبل إشعالهم النيران فيها. - الطابور الخامس المصابون الذين ترددوا على المستشفيات فى 28 يناير سردوا عدة وقائع فوجئوا بها فى ميدان التحرير والمناطق المحيطة به، وأجملوها تحت اسم «الطابور الخامس» الذى نزل ينشر الفوضى بين أرجاء الميدان وأطلق أفراده النار على المتظاهرين وأفراد الشرطة فى آن واحد بهدف إحداث الفتنة. ويقول محمد سعيد وحمادة مصطفى «مصابان» أن المتظاهرين فوجئوا بعد غروب شمس 28 يناير بعدة سيارات تشبه مركبات الشرطة تنتشر فى الشوارع المحيطة بميدان التحرير ويطلقون النار عشوائيًا ولا يفرقون بين شرطى ومتظاهر، حيث أصيب عقيد شرطة أمام أعينهم بعدة أعيرة نارية ونقل إلى قصر العينى ثم مستشفى الشرطة. - صعوبة الحصر المشكلة التى واجهت مديرى المستشفيات المختلفة والتى أدت إلى تأخر إجراءات حصر الضحايا تمثلت فى قيام العديد من أهالى القتلى بإثارة حالة من الفوضى داخل المستشفيات ورفضوا الخروج منها بدون الحصول على جثث ذويهم، مما اضطر المسئولين إلى تسليمهم تلك الجثث بدون تسجيل بياناتهم فضلاً عن وجود عشرات الجثث المجهولة التى لم يتم التعرف على هوية أصحابها حتى الآن. - التعتيم منذ بداية الأحداث أثيرت خلافات عديدة حول أعداد الضحايا والمصابين خاصة فى ظل تأخر وزارة الصحة عن إعداد ذلك الحصر وطلبه من المستشفيات المختلفة فضلاً عن رفض المسئولين بعدة مستشفيات الإدلاء بمعلومات لأجهزة الإعلام حول تلك الأعداد ومنهم مسئولو مستشفى المنيرة التى استقبلت عشرات القتلى والمصابين. 54 جثة مجهولة د. السباعى أحمد مدير مشرحة زينهم أكد أن المشرحة استقبلت 142 جثة لضحايا الأحداث وقامت بتسليم 88 جثة منها إلى ذويهم فى الوقت الذى استمرت فيه 54 جثة مجهولة داخل المشرحة فى انتظار التعرف عليها ودفنها بينهم 33 جثة لسجناء. قصص إنسانية لأسر شهداء ثورة الغضب الذين سقطوا خلال المظاهرات وأخرى لشهداء مجهولين مازالت أسرهم تبحث عنهم فى المستشفيات حتى الآن الذين خرجوا للمطالبة بالإصلاح والتغيير وانتهت أحلامهم بالاستشهاد. دفع أحمد شريف محمد محيى الدين حياته فى سبيل الوطن مطالباً بالتغيير وكان يتمنى الشهادة دائماً ونالها أحمد - شاب فى ال 18 من عمره طالب بالسنة الأولى كلية اقتصاد وعلوم سياسية وهو شاب كان يحلم بحياة ومستقبل سعيد وسط أسرته المكونة من والده والدته وأختين أصغر منه سناً وتعيش الأسرة بالجيزة وهو كان روح هذه الأسرة السعيدة. وكان حلمه أن يلتحق بإحدى الكليتين الشرطة أو الحربية حتى ينال شرف الدفاع عن الوطن والشعب ويستشهد فى سبيل الواجب ونظراً لكونه وحيد العائلة وعائلها بعد والده أردنا أن يخدم فى مجال آخر وهو الاقتصاد والعلوم السياسية حتى شاء القدر فى يوم جمعة الغضب ليقف ويشارك شباب مصر الشرفاء فى هذه الثورة بميدان التحرير فى مواجهة الفساد. يقول والده إن أحمد كان دائم الاتصال به أثناء تواجده بالمظاهرات وكان يؤكد له أن الجميع كانوا ملتزمين بمظاهرات سلمية حتى واجهتهم الشرطة بالرصاص المطاطى والخرطوشى المحرم دولياً لخطورته، ثم عرفت أنه أصيب بعد أن انقطعت الاتصالات معه. وبعد عمليات بحث استغرقت يومين دون فائدة إلى أن شاء الله بمحض الصدفة أن نجده جثة هامدة فى مشرحة قصر العينى القديم وعلمنا بأنه دخل المستشفى مصاباً بطلق نارى وأنهم حاولوا إسعافه بالمستشفى ولكن أمر الله نفذ وتم استلام الجثة ودفنه بمقابر الإمام الشافعى. وقال على حسن موظف والد الشهيد مهاب 19 سنة طالب بالجامعة إنه لن يتنازل عن القصاص من قتلة ابنه فى مظاهرات يوم الغضب، مؤكداً أنه دائماً كان يشجع ابنه على المشاركة فى المظاهرات السلمية. موضحاً أنه فوجئ باختفاء ابنه الذى ظل يبحث عنه بالمستشفيات لمدة ثلاثة أيام وبعد العثور عليه بمستشفى الدمرداش عرفت أنه أصيب بطلق خرطوش فى الرأس. وأضاف قائلاً أنه سعد عندما سمع شيخ الأزهر يؤكد أن الضحايا يعدون شهداء لأنهم كانوا يجاهدون من أجل الوطن.