وكأن قدر جامعة القاهرة منذ نشأتها أن تكون طرفًا فى قضايا التنوير والنقاشات الكبرى داخل المجتمع، فمثلما كان طه حسين وأحمد لطفى السيد طرفًا فى المواجهة ضد التيارات الظلامية فى النصف الأول من القرن الماضى، جاء الدور على الجامعة لتقف نفس الدور التنويرى فى بدايات القرن العشرين، فقبل ساعات من المجادلة الفقهية بين الدكتور محمد عثمان الخشت أستاذ فلسفة الأديان ورئيس الجامعة من ناحية والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حول ضرورة تجديد الخطاب الدينى، ألقت المحكمة الإدارة العليا حجرًا فى المياه الراكدة بالحكم الذى صدر يوم الاثنين الماضى بحظر ارتداء عضوات هيئة التدريس بجامعة القاهرة للنقاب داخل قاعات المحاضرات. جاء الحكم النهائى بمثابة ضربة قاسية لبقايا حملة الأفكار المتطرفة التى تسللت إلى «منبر التنوير» على حين غفلة من أهلها، وكان طبيعيًا أن تعلن هذه القلة رفضها لهذا الحكم بشكل قاطع، ورحن ينشرن موقفهن منه عبر بعض القنوات الفضائية ومن خلال صفحات التواصل الاجتماعى. الدكتور عثمان الخشت من جانبه قال، إنه لا رجعة فى تطبيق حكم الإدارية العليا. موضحًا أنه سيمنع أى عضوة هيئة تدريس من دخول قاعات المحاضرات بالنقاب، ومشددًا على أن الجامعة تحترم أحكام القضاء، خاصة أن الحكم صادر وفق تأصيل قضائى رفيع ورؤية لطبيعة عمل المؤسسات الأكاديمية، وجاء فى ضوء روح ومقتضيات قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية، فهما لم يتضمنا نصًا يلزم أعضاء وهيئة التدريس وغيرهم من المدرسين المساعدين بارتداء زي محدد، إلا أن المادة 96 من قانون تنظيم الجامعات ألزمتهم بالتمسك بالتقاليد الجامعية، ومن ثم فيتعين عليهم فيما يرتدون من ملابس احترام التقاليد الجامعية وخصوصية العمل بها. وأضاف رئيس الجامعة: إذا كان الأصل أن يتمتع الموظف العام بحرية اختيار الزى الذى يرتديه أثناء عمله بشرط أن يتوافر فى الزى الاحترام اللائق بكرامة الوظيفة، فإن هذه الحرية قد تحمل قيودًا تنص عليها القوانين واللوئح أو القرارات الإدارية أو العرف الإدارى أو تقاليد الوظيفة. كما أن قيام بعض عضوات هيئة التدريس بارتداء النقاب أثناء المحاضرات لا يتحقق معه التواصل المباشر مع طلابهن، ولا شك أن التدريس يستلزم التواصل، مضيفًا أن النقاب ليس فرضًا دينيًا؛ بل إن من شروط الحج والعمرة والصلاة إظهار الوجه. ولو كان وجه المرأة عورة لما أمر الدين بإظهاره عند أداء هذه العبادات، فالمرأة يكره أن تصلى بالنقاب أو البرقع وكذلك عند الإحرام.
الوضع على أرض الواقع مصدر داخل جامعة القاهرة كشف لنا أن عدد المنتقبات اللاتى يقدمن محاضرات داخل الحرم الجامعى لا يتعدى عددهن 14 منتقبة أغلبهن فى كلية دار العلوم وباقى الكليات الموجودة داخل الحرم الرئيسى. بينما يتعدى عددهن ال 80 منتقبة بكليات الطب والتمريض والكليات التى تقع خارج الحرم. موضحا أن منتقبات كلية دار العلوم رفضن تطبيق القرار، وبالتالى هناك نية بعدم دخولهن إلى قاعات المحاضرات خلال التيرم الثانى المقرر له منتصف فبراير، على أن يقتصر عملهن مع طلبة الدراسات العليا، والعملى فقط، وليس هناك نية للتراجع عن ذلك. الدكتورة «صفية.ع» إحدى المنتقبات بكلية التمريض قالت إنها لن ترضخ لتنفيذ الحكم، وفى حالة إصرار الجامعة سترتدى هى وزميلاتها كمامات كبيرة على الوجه، ولن يقبلن حكم الإدارية. مؤكدة أنها موافقة على رفع النقاب عن وجهها فى حالة صدور قرار من رئيس الجامعة بمنع دخول مرتديات البنطال الضيق، والملابس الفاضحة، وأضافت: فليس كل مرتديات النقاب إرهابيات كما يتوقع البعض، فهو قرار شخصى. معركة النقاب لم تبدأ الآن وإنما بدأت مع تصريحات الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة السابق، والذى كان له السبق فى إصدار قرار منع دخول المنتقبات لقاعات المحاضرات، من منطلق أحقية أعضاء هيئة التدريس فى أن يكون لزيهم ضوابط على غرار الشرطة والقوات المسلحة، موضحًا أن أحكام الإدارية العليا ترسى مبادئ قانونية عامة تلتزم بها المحاكم الأخرى، وهو ما يعنى أنه يحق للتعليم العالى إصدار قرار بمنع ارتداء النقاب بجميع الجامعات.
المخاوف تنتقل للجامعات حالة الخوف من الحكم امتدت لبعض الجامعات الأخرى، وأكد مصدر بالمجلس الأعلى للجامعات أن قيادات المجلس، والوزارة تلقوا العديد من الاتصالات من بعض رؤساء الجامعات حول هذا القرار، وذلك خوفًا من تطبيقه بباقى الجامعات الأخرى، خاصة الإقليمية، والتى لن تستطيع مواجهة المجتمع حيث إن الجامعات الإقليمية ملتزمة بعادات المجتمع الذى تنتمى إليه، وفى حالة منع أى جامعة إقليمية دخول منتقبة لقاعة المحاضرات سيكون هناك لغط كبير وحالة من التذمر، ولن يمر مرور الكرام. وأضاف المصدر أن الوزارة لن تفرض القرار على الجامعات، وسوف يقتصر على جامعة القاهرة فقط، لغلق حلقة النقاش فى تلك الأزمة. موضحًا أن المجلس ليس ضد ارتداء النقاب أو خلعه، ولكن ممنوع منعًا باتًا ارتداء البنطلونات المقطعة والغريبة، والسلاسل والشورت، والطلاب بالشعر الطويل. الدكتور أحمد غلاب رئيس جامعة أسوان قال لنا إن الجامعة إلى الآن لم تتطرق إلى هذا النوع من القرارات؛ حيث إن طبيعة الجامعة الصعيدية تجعلها تخلو من أوجه الشذوذ فى الملبس. وعندما سألناه عن عدد المنتقبات بالجامعة أجاب بأنه ضئيل جدًا، ولا يشكل أى مشكلة داخل الحرم الجامعى، وأيضًا بالنسبة للطالبات ليس منتشرًا بشكل كبير نهائيًا.
رئيس الفيوم يتنصل عندما سألنا الدكتور محمد سلطان رئيس جامعة الفيوم صاحبة أعلى معدلات ارتداء النقاب بين عضوات هيئة التدريس قال لنا، إن الجامعة لم تجر حصرًا للمنتقبات داخل الحرم الجامعى. موضحًا أن قرار منع النقاب داخل قاعة المحاضرات صادر لجامعة القاهرة فقط، وليس ملزمًا لجميع الجامعات الأخرى،وفى حالة تطبيقه بجميع الجامعات سوف يتم عمل جلسة لمجلس الجامعة لمناقشته. موضحًا أن النقاب ليس له أى ضرر مادامت العملية التعليمية تسير بشكل منتظم، وليست هناك أى شكاوى من جانب الطلاب. فيما قال الدكتور ماجد نجم رئيس جامعة حلوان إنه ملتزم بالمادة 96 من قانون تنظيم الجامعات الملزم بالتمسك بالتقاليد الجامعية، وأنه لن يسمح بوجود أى مخالفات بملابس أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب، والطالبات، موضحًا أن قرار منع النقاب صدر لجامعة القاهرة فقط، ولم يعمم على جميع الجامعات، وأنه فى حالة وجود أى مخالفة سواء من منتقبة أو طالبة غير ملتزمة بقواعد ملبس الجامعة ستكون هناك قرارات حازمة وصارمة من جانب الجامعة. وإذا كانت بعض الجامعات كجنوب الوادى وطنطا منعتا دخول الطلاب الذين يرتدون البنطلونات المقطعة والغريبة، حفاظًا على الأعراف والتقاليد الجامعية واحترامًا لقدسية الحرم الجامعى،على أن يسرى القرار، اعتبارا من الفصل الدراسى الثانى، فإن قياداتهما لم تجرؤ على قرار مقابل يمنع ارتداء النقاب لنفس المبررات.
رئيس المنصورة : وضع البلد لا يسمح قال الدكتور أشرف عبدالباسط رئيس جامعة المنصورة إنه من الأفضل عدم الخوض فى قرار الإدارية العليا فى الوقت الحالى، حيث إن قرار منع النقاب بجامعة القاهرة كان له ملابسات فى الوقت الذى اتُخذ فيه، والغريب أنه اعتبر أن الوقت الحالى الذى تمر به البلاد لا يتحمل الجدال حول النقاب، لمنع تفاقم الأزمة، داخل الجامعات. كاشفا أنه يوجد منتقبات بجميع الجامعات ولكن ليس بشكل مبالغ فيه يضطرنا لاتخاذ قرار بمنعهن من دخول قاعات التدريس للطلاب. وعلى نفس النهج سار الدكتور عادل مبارك رئيس جامعة المنوفية، قائلا إن قرار منع المنتقبات من دخول قاعات المحاضرات، يخص جامعة القاهرة فقط، وليس لجامعة المنوفية أى إلزام به. موضحًا أن عدد المنتقبات فى الجامعة لا يتعدى صوابع الأيدى، ومن النادر أن نصادف عضوة هيئة تدريس منتقبة إلا فى حالات نادرة للغاية، ولكن يوجد عدد من المنتقبات بين الموظفات، والعاملين، ولا يشكل أى نسبة خطر أو عرقلة للعمل. فيما أشار الدكتور أحمد بيومى رئيس جامعة السادات، إلى أن عدد المنتقبات بالجامعة بسيط للغاية، لا يشكل ظاهرة. موضحًا أن قرار منع المنتقبات من الدخول لقاعات التدريس، قرار صائب للغاية. وقال الدكتور مصطفى عبدالرحمن رئيس جامعة المنيا، إنها لم تتلق أى قرارات بمنع دخول المنتقبات إلى قاعات التدريس. موضحًا أن الجامعات مستقلة، ولكل جامعة قراراتها الخاصة، وفى حالة تلقى الجامعات أى قرار بذلك لا بد من مناقشته بالأعلى للجامعات أولا، ومن ثم يوجه للجامعات، ولكن ما نطبقه الآن هو منع دخول أى شخص يرتدى ملابس تتنافى مع الذوق العام. وفى نفس السياق قال الدكتور منصور حسن رئيس جامعة بنى سويف إن الجامعة لم تتلق أى تعليمات من الوزارة بشأن منع دخول المنتقبات إلى قاعات التدريس. كاشفا أن الجامعة لا تضم فى عضوية هيئة التدريس بها أى منتقبة.