من فشل إلى فشل يسير الغارق فى الأوهام حتى أذنيه رجب طيب إردوغان.. ظنّ أن أرض ليبيا ستكون حبل النجاة له بعد تآكله وحزبه داخليًا، فإذا بمصر التى أطاحت بكل أحلامه فى المنطقة تطوّق أطماعه هناك.. توجه إردوغان شطر ليبيا بالأساس من أجل غاز شرق المتوسط، فضلاً عن سعيه للضغط على مصر عبر تحويل حدودها الغربية لنقطة تمركز جديدة للميليشيات الإرهابية، كما يسعى أيضًا لمشاكسة قبرص واليونان. إلا أن الخليفة العثمانلى يفيق كل يوم على صفعة مصرية جديدة توقظه من أوهامه ليجد نفسه أمام كابوس جديد يقربه من نهايته المنتظرة.. ففى خطوة من شأنها دعم تحركات مصر للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة، أُطلق فى القاهرة، أول أمس، الإطار التأسيسى لمنتدى غاز شرق المتوسط، بعد انتهاء مناقشته فى اجتماعات منتدى غاز شرق المتوسط، الذى عقد اجتماعه الوزارى الثالث ليتحول بذلك المنتدى الذى يتخذ من القاهرة مقراً له، إلى مستوى منظمة دولية.
شهادة عالمية حققت مصر مكاسب اقتصادية واكتسبت ثقلاً سياسيًا مضافًا عبر ذلك المنتدى، إذ ترأس الاجتماع المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، وحضره وزراء الطاقة فى قبرص واليونان وإسرائيل ووكيل وزارة التنمية الاقتصادية بإيطاليا ومستشار الرئيس الفلسطينى للشئون الاقتصادية وممثل وزارة الطاقة الأردنية ونائب مساعد وزير الطاقة الأمريكى ورئيس القطاعات الاستراتيجية لأوروبا والشئون الخارجية بوزارة الخارجية الفرنسية، وسفير الاتحاد الأوروبى بالقاهرة، وممثل عن البنك الدولى. وطلبت فرنسا، رسمياً، خلال الاجتماع، الانضمام إلى عضوية المنتدى، فيما أعرب نائب مساعد وزير الطاقة الأمريكى عن رغبة بلاده بالانضمام كمراقب بصفة دائمة.. ورحب الملا بالطلبين الفرنسى والأمريكى، موضحاً أنه سيجرى إقرارهما من الأعضاء المؤسسين للمنتدى، وأشار إلى أن دول المنتدى تمكّنت من تنفيذ خارطة طريق تم وضعها منذ بداية اجتماعاته بما ساهم فى الانتهاء من الإطار التأسيسى واعتماده إيذاناً بالتأسيس الرسمى. الوقوف أمام بعض تصريحات الحضور تشير بشكل واضح إلى أننا أمام شهادة عالمية بأن مصر هى المركز الإقليمى لصناعة الطاقة فى منطقة حوض المتوسط التى تعد ثانى أكبر احتياطى من الغاز على مستوى العالم، ويقدر الاحتياطى فى هذه المنطقة ب 300 تريليون قدم مكعب من الغاز. يورجوس لاكوتريبس، وزير الطاقة القبرصى، أكد أن الهدف الأساسى لإنشاء المنتدى «السيطرة الكاملة على مواردنا الغازية والتعاون لمصلحة الشعوب وفق قواعد تحترم حقوق الدول الأعضاء»، مشدداً على أن توقيع مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق «غير الشرعية» فى ليبيا يعد دليلاً على استراتيجية تركيا لانتهاك القوانين الدولية. وتحدث كوستيس هاتزيداكيس، وزير الطاقة والبيئة اليونانى، عن التزام الدول الأعضاء بحل أى خلافات قد تطرأ من خلال القانون الدولى واللجوء للحوار، وأضاف: «هذه الرسالة يجب أن تصل إلى تركيا لتوسعة هذا التعاون بانضمامها، بشرط احترامها للقانون الدولى وليس العمل من طرف واحد وبشكل غير مشروع فى المنطقة الاقتصادية لقبرص». وأوضح يوفال شتاينز، وزير الطاقة الإسرائيلى: إن بدء ضخ الغاز الطبيعى من إسرائيل لمصر يعزز التعاون بين البلدين، ويدعم الموقف المصرى كمركز إقليمى لتداول وتجارة الغاز، مشيراً إلى أن البحر المتوسط ملك للجميع، ولا تستطيع دولة امتلاكه أو إعاقة عمليات الشحن وانتقال الغاز من شرق المتوسط لأوروبا. وأضاف الوزير الإسرائيلى أنه جارٍ العمل للوصول إلى اتفاق مع الجانب الفلسطينى لتصدير الغاز الإسرائيلى له، ومساعدته فى تطوير حقل غزة مارى الذى تم اكتشافه بها. وعلى هامش الاجتماع، عقد الملا مباحثات ثنائية مع كل من يورجوس لاكوتريبس، وزير الطاقة والتجارة والصناعة القبرصى، وكوستيس هاتزيداكيس، وزير الطاقة والبيئة اليونانى، لبحث موقف التعاون الإقليمى فى مجال الغاز فى منطقة شرق المتوسط، وجرى استعراض الموقف التنفيذى لتنمية حقل أفروديت القبرصى بالبحر المتوسط، وخطوات تفعيل الاتفاق المشترك لإنشاء خط أنابيب مباشر لنقل الغاز القبرصى إلى مصنع إدكو لإسالة الغاز.
اكتفاء ذاتى وفى نفس السياق أعلن وزيرا البترول والطاقة فى مصر وإسرائيل، طارق الملا ويوفال شاينتز، بدء تدفق الغاز الطبيعى من إسرائيل إلى مصر، وقال وزير البترول المصرى، فى بيان الأربعاء الماضى: «إن ضخ الغاز من إسرائيل إلى مصر اليوم يمثل تطورًا مهمًا يخدم المصالح الاقتصادية لكلا البلدين، حيث سيمكّن هذا التطور إسرائيل من نقل كميات من الغاز الطبيعى لديها إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعى المسال المصرية، وذلك فى إطار دور مصر المتنامى كمركز إقليمى للغاز». ورغم أن الربط الذى حدث بين إسرائيل ومصر والربط الآخر بين قبرص ومصر الذى يتم العمل عليه يؤكد على الإمكانيات التى لدى مصر ودليل على قوة وقدرة البنية التحتية عندها فإن الكتائب الإلكترونية للإخوان ومواخير الدعارة الإعلامية المنطلقة من تركيا بدأت تروج لمعلومات خاطئة حول تصدير إسرائيل الغاز لمصر. والحقيقة أنه مرّ أكثر من عام على تحقيق مصر الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى، وكان استلام آخر شحنة غاز مسال مستوردة فى نهاية سبتمبر 2018، لتبدأ مصر خطة التحول لمركز إقليمى لتجارة وتداول الغاز بالمنطقة وذلك بما تمتلكه من بنية تحتية قوية تؤهلها للقيام بذلك الدور المهم ومنها مصانع إسالة الغاز المتواجدة على شواطئ البحر المتوسط، وكذلك الموانئ والموقع المتميز، وأيضًا الاكتشافات الغازية العملاقة بمياه البحر المتوسط وعلى رأسها حقل ظهر العملاق وكذلك تدشين منتدى غاز شرق المتوسط ومقره القاهرة وتوقيع العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالغاز. وفى هذا الصدد، نتذكر ما أعلنت عنه الحكومة الإسرائيلية فى 19 فبراير من العام 2018، من أنها وقعت صفقة وصفتها بأنها «تاريخية» لتصدير الغاز الطبيعى إلى مصر، وذلك بقيمة 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات.. وقتها، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى مُخاطبًا الشعب المصرى: «احنا جبنا جون يا مصريين فى موضوع الغاز، ولو معملناش كده، كانت راحت لدولة تانية»، وكان ذلك إشارة إلى مساعيه لتحويل مصر إلى مركز إقليمى لتداول الطاقة. وفى واقع الأمر، فإن مصر تحقق منفعة مالية من ذلك، حيث إن القيمة المالية للغاز فى حالته الغازية أقل بكثير من حالة التصنيع أو الإسالة، وهو ما يجعل الدول تتجه إلى تسييل الغاز فى مصر، كما ستتم إضافة أموال ورسوم التصنيع على سعر الوحدات الحرارية المباعة، ما يحقق لمصر مصدرًا ماليًا من تكلفة الإسالة للدول الأعضاء.. كما أن وجود الغاز فى مصر يؤمن احتياجات الدولة، ويحقق التشبع لدى السوق المحلية المصرية، وتأمين ما لدينا من احتياجات لتصنيع الكهرباء والربط الكهربائى بين مصر والدول المجاورة، وأن تكون مصر نقطة انتقالية لمنطقة شمال إفريقيا والجزء الأوسط من إفريقيا والتى تحتاج للكهرباء والغاز لمساعدتها فى التنمية.
صفعات مصرية لم يصمت المرتبك إردوغان كثيرًا أمام صفعات مصر المتتالية، إذ قال الرئيس التركى، الخميس: إن تركيا بدأت إرسال قوات إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق فى طرابلس، قبل أيام من موعد قمة فى برلين بشأن الصراع الدائر فى ليبيا.. أضاف إردوغان، الذى تحدث فى أنقرة، إن: «بلاده ستستمر فى استخدام كل الوسائل الدبلوماسية والعسكرية لضمان الاستقرار إلى الجنوب من أراضيها بما فى ذلك ليبيا».. ومن المقرر أن يجتمع إردوغان مع زعماء ألمانيا وروسيا وبريطانيا وإيطاليا، الأحد، لبحث الصراع.. وتابع: «تركيا ستبدأ فى منح تراخيص للتنقيب والحفر فى شرق البحر المتوسط العام الحالى، تمشيًا مع اتفاق بحرى أبرمته مع ليبيا. والسفينة التركية أوروج ريس ستبدأ أنشطة مسح سيزمى بالمنطقة». فى المقابل حذّرت مصر وإيطاليا واليونان من خطورة إرسال قوات تركية إلى ليبيا، وذلك خلال اتصال هاتفى أجراه وزير الخارجية المصرى، سامح شكرى، مساء الخميس، بنظيريه اليونانى والإيطالى. وتم التركيز على استعراض آخر التطورات على الساحة الليبية، لاسيما الإعلان الصادر عن الرئيس التركى، رجب طيب إردوغان، ببدء إرسال قوات إلى ليبيا، حيث شدّد وزراء الدول الثلاث على خطورته وتأثيره السلبى على مؤتمر برلين والوضع داخل ليبيا، كما اعتبروا أن هذا الإعلان بحد ذاته دليل على النية لخرق قرارات مجلس الأمن الدولى ذات الصلة، ويُنذر بمزيد من تدويل الأزمة الليبية. وأكدوا أن هناك توافقاً على أهمية دعم العملية السياسية فى برلين ومنحها كل فرص النجاح، بدلاً من المغامرة مجدداً بوضع الجهود الدولية فى المسألة الليبية بخطر. ويبقى الشىء المؤكد أن التوجّه التركى نحو ليبيا هو رغبة منها فى توفير موارد طاقة جديدة لأنقرة، ولذلك أبرمت أنقرة، فى 27 نوفمبر الماضى، اتفاقًا بحريًا مع حكومة الوفاق الليبية تسيطر بموجبه تركيا على مناطق لا تخضع لها بموجب القانون الدولى، خاصة أن تركيا التى تستهلك كميات هائلة من الطاقة سنويًا، ليس لديها موارد كافية، وتستورد ما قيمته 50 مليار دولار فى العام الواحد، ورغم عمليات التنقيب التى تقوم بها أنقرة، فإن المناطق البحرية التابعة لها لا يوجد بها آبار غاز أو نفط.. ومع ذلك فإن إردوغان على موعد مع صفعة جديدة.. إذ رحبت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، بمشاركة قائد الجيش الوطنى الليبى المشير خليفة حفتر فى مؤتمر برلين المزمع عقده غدًا الأحد.