قدر الله لمصر أن تمر عبر تاريخها بقادة ينقلونها من مرحلة التبعية إلى الاستقلال، من الجمود إلى الحراك والفاعلية، من ضياع الأمل لدى أبنائه إلى زراعته وغرسه من جديد، عاشتها مصر والمصريون على يد قائدين، مع جمال عبدالناصر ومع عبدالفتاح السيسى لذلك ليس غريبا أن يخرج المصريون للزعيمين مرتين، الخروج الأول 23 يوليو 1952 كان تأييدا لسياسات ناصر ضد الاستعمار والفساد والظلم الاجتماعى مطالبين بالعدالة الاجتماعية وبحق المصريين فى خيرات وطنهم التى كانت منهوبة، أما الخروج الثانى فكان فى 30 يونيو، 26 يوليو 2013 وتكليف الرئيس السيسى بمحاربة الإرهاب والجماعات الرجعية التى كانت تدفع مصر إلى التخلف والظلمات، وإعادة دور مصر الذى فقدته وتحولت إلى شبه دولة. لم يكن خروج المصريين مرتين فى ثورتين أمراً عفوياً، وإنما كانت الفطرة السياسية السليمة للشعب والرغبة فى تغيير الأوضاع الراكدة هى المحرك والدافع لخروجهم، ما جمع المصريين على القائدين هو زراعة الأمل لدى الشعب المصري؛ فالمصريون افتقدوا الأمل طوال عقود سابقة على الثورتين، لأن العقود السابقة كانت مليئة بالممارسات المحبطة التى رآها المواطن المصرى بأنها لم تكن تبشر بالخير، كانت ممارسات قاتلة للأمل، للحياة، ممارسات لم يجن منها الشعب المصرى إلا الفشل والتراجع السياسى للدور المصري. ليس غريبا أن نجد مصر بعد عبدالناصر كانت صاحبة مشروع قومى نهضوى عربى، كانت الجماهير العربية تنتظر خطاب عبدالناصر تنتظر ماذا تقرر القاهرة، ولم تكن مصر قبلة للعرب فقط وإنما كانت قبلة للدول الأفريقية، فمن قلب القاهرة خرج العشرات من القادة والزعماء الأفارقة، منها أيضا خرج مقترح منظمة الوحدة الأفريقية «الاتحاد الأفريقى حاليا»، ولم يقتصر دور مصر على الصعيد العربى أو الإقليمى، بل شمل البعد الدولى فكانت فكرة منظومة عدم الانحياز التى كانت فاعلة وقتها وحاولت القوتان (الاتحاد السوفيتى - الولاياتالمتحدةالأمريكية) آنذاك استقطاب مصر إلا أن مصر كانت مستقلة فى سياساتها ورؤيتها لقضايا الأمن الإقليمى والدولى، لذلك ليس غريبا أن تكون لمصر فى عهد السيسى سياسة مستقلة ورؤية خاصة بها تجاه قضايا المنطقة وحتى وإن تعارضت مع بعض الأشقاء إلا أن تطورات الأحداث ومرور السنوات اتضح للجميع صحة ونجاعة الرؤية المصرية سواء من الأزمة السورية أو الليبية، وبعد أن كانت الأزمة السورية سببا للخلاف بين مصر وعدد من الأشقاء العرب أصبحت نقطة تلاق واتفاق بل كانت مصر خلال الفترة الماضية فاعلة فى إنشاء مناطق للتهدئة ووقف القتال فى سوريا، وإتمام المصالحة الفلسطينية ووقف النزاع المسلح فى جنوب السودان ومساعيها للحفاظ على وحدة الأراضى الليبية والحفاظ على مؤسساتها. العدالة الاجتماعية أهم ما يجمع عبدالناصر والسيسى هو زراعة الأمل فى نفوس المصريين، منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر نَسى المصريون أن لهم دولة تحن عليهم، أن لهم رئيسا يجالس الغلابة من الشعب المصرى، منذ عهد عبدالناصر لم يروا رئيسا يستمع لفلاح عن شكواه وهمومه، منذ عهد عبدالناصر والأمل ضاع فى نفوس الطبقات الفقيرة والبسيطة. خاصة بعد واقعة «لفافة العيش والبصل» فحينما كان الرئيس عبدالناصر فى أحد القطارات بالصعيد، خلال إحدى الزيارات الدورية له لتفقد أحوال الناس، فوجئ بقذفه بلفافة قماش، فاعتقد المرافقون له فى البداية أنها قنبلة، وبفتحها وجدوا «عيش وبصل»، وهو ما فسره جمال عبدالناصر بأنه جواب من الناس هناك بأنهم يعانون من الفقر، فأمر بإلغاء نظام السخرة للعاملين «عمال التراحيل»، وتوفير الرعاية الطبية للمواطنين، وتلبية احتياجاتهم من الغذاء. وكانت قوانين الإصلاح الزراعى والضمان الاجتماعي. قُدر للسيسى أن يكون فى نفس الموقف الذى وضع فيه عبدالناصر منذ نحو 70 عاما، السيدة «مطيعة» صرخت عندما شاهدت موكب السيسى أثناء زيارته لأسوان يناير الماضى، صرخت من ألم المرض، كانت على يقين ألا أحد ينقذها إلا الرئيس وبالفعل عندما استمع الرئيس لصراخها أوقف الموكب وذهب للسيدة وعرف ما تعانيه من مرض، فكان أن أمر بعلاجها حتى ولو على نفقته وبعد ذلك طالب الرئيس بضرورة أن يكون هناك تأمين صحى لكل مواطن مصرى وأن تلتزم الدولة بعلاجهم فكان قانون التأمين الصحى الذى صدر العام الماضي. الآن الرئيس عبدالفتاح السيسى أعاد زراعة الأمل فى نفوس المصريين، أصبح من حق وبمقدور أبناء جميع المهن والحرف البسيطة أن يجلسوا بجوار الرئيس، من حق شباب مصر أن يشعر بالأمان والأمل طالما أنه جد واجتهد فإنه سوف ينال جزاء اجتهاده وتفوقه، قيمة جلوس - مريم أوائل الثانوية العامة ومنى البائعة التى كانت تجر عربة - بجوار الرئيس فى مناسبات سابقة تكمن فى أنها بداية عهد جديد لبناء دولة جديدة قائمة على العمل والاجتهاد، بأن كل من يعمل سوف يجد له مكانا فى بلده مصر حتى ولو بسيطا فقيرا، حتى ولو كانت مريم ابنة البواب. لم يكن المواطن البسيط يحلم بأن يكون له سكن نظيف وآدمى بعد سنوات من العيش فى المقابر ومقالب القمامة وفى المناطق الصخرية الخطرة، لم تكن تحلم سيدة مصرية تسعى لكسب لقمة عيشها بجهدها وكدها على قدميها التى تورمت من كثرة المشى والجرى وراء لقمة العيش لتجد نفسها تجلس بجانب الرئيس ويستقبلها ويشد من أزرها ويدعمها من ماله الخاص، لم تكن تحلم الطالبة ذات 16 ربيعا من عمرها بنت الطبقة البسيطة أن تكون بجانب الرئيس تجلس بجواره؛ إنه تقدير الرئيس للعمل والاجتهاد والعلم. فالدول لا تبنى إلا بهذا النهج، القانون والعدالة الاجتماعية. المواطنة مصر فى عهد عبدالناصر لم تعرف التمييز بين أبنائها كان للجميع حقوق وواجبات، كان للمسيحيين حق فى كاتدرائية وكان عبدالناصر أول من ساهم فيها بعدة آلاف من الجنيهات، وافتتحها بنفسه فى عهد البابا كيرلس السادس، 25 يونيو 1968 . التاريخ يعيد نفسه فى يناير 2017 حيث افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى الكاتدرائية الجديدة فى العاصمة الإدارية، فى عهد البابا تواضروس الثانى، حيث كان الرئيس أول المتبرعين لبناء الكاتدرائية والمسجد الذى يجرى بناؤه بالعاصمة أيضًا. ويعد أيضا أول رئيس فى تاريخ مصر يحضر القداس بنفسه، فعلى مدار تاريخ مصر الحديث كان رؤساء مصر السابقون لهم زيارات للكاتدرائية، إلا أنها لم تكن للتهنئة فى قداس عيد الميلاد، وجرت العادة على أن يرسل رئيس الجمهورية مندوبًا له، لحضور الاحتفال والتهنئة بالعيد مع عدد من الوزراء، حتى كسر السيسى القاعدة وانحاز للمواطنة وبناء الدولة. البنية الأساسية فى مشروعات البنية الأساسية يمكن القول أن كلا الرئيسين استلما وتحملا المسئولية بدون أدوات أو بنية أساسية، فكانت البنية الأساسية خلال تلك الفترة إما كانت متهالكة أو خارج الخدمة ناهيك عن عدم وجود قواعد أساسية للإنتاج، فكان أن قام عبدالناصر بإنشاء المجمعات الصناعية العملاقة كمجمع الحديد والصلب والألومنيوم وصناعة السكر وغيرها من المصانع الحربية التى توقفت عن الإنتاج خلال الفترة التى سبقت ثورة يناير ويونيو، بل وتم بيعها ولعل الخسارة التى تكبدتها الدولة جراء بيع شركة المراجل البخارية ومصانع الحديد والصلب بالدخيلة كانت خير شاهد على ما كانت تعانيه الدولة من فساد وتدهور، وكانت ترسانة الإسكندرية البحرية الأخرى على وشك الضياع لولا تدخل القوات المسلحة واحتفاظها بتلك المنشأة الصناعية الاستراتيجية وتم إعادة تطويرها وإعادتها للعمل مرة أخرى وافتتحها الرئيس السيسى العام الماضي. الآن تشهد مصر تطور وإعادة بناء مشروعات البنية الأساسية فى مصر من خلال شبكات الطرق التى تم إنشاؤها والتى بلغت نحو 7 آلاف كيلومتر طولى إضافة إلى مليون ونصف مليون فدان لتحقيق الاكتفاء الذاتى لمصر، إضافة إلى مشروع مصر القومى فى مجال الطاقة النووية «مشروع الضبعة» الذى كان يعد حلم مصر منذ أيام عبدالناصر إلا أنه لم يكتب له النجاح أو التحقيق إلا فى عهد الرئيس السيسي. فى حياة الأمم والشعوب ومضات تبقى شاهدة على العظمة، وفى تاريخ الدول قادة يظلون يكتبون التاريخ الحديث، حتى وإن رحلوا فإن هناك من يأتى ويستكمل مسيرة الإنجاز والتطوير، الشعوب ذات الوعى والفطرة السليمة هى التى تدرك هذه الحقيقة وليس النخبة أو المثقفين أو السياسيين، لذلك لم يكن غريبا أن تكون صورة السيسى مرفوعة فى ميادين مصر بجانب صور عبدالناصر.