ليس هناك خلاف على أن الحكومة أخذت قرارات اقتصادية إصلاحية عنيفة يدفع ثمنها المواطن باختلاف قدراته، منها تحرير سعر الصرف منذ 3 نوفمبر الماضي، تخفيض اولدعم عن المنتجات البترولية والتى تسببت فى زيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم لأرقام غير مسبوقة.. واليوم، الحكومة أعدت مشروعًا جديدًا لقانن حماية المستهلك يجعل لها اليد الطولى لمواجهة النتائج السلبية للإصلاح الاقتصادي. القانون المعمول به الآن صدر منذ عام 2006 فقط أى لم يمر عليه سوى 11 عاما وهى فترة تعتبر فى عرف معظم القوانين المعمول بها فى مصر صغيرة. اللجنة الاقتصادية فى مجلس النواب ناقشت فى دور الانعقاد الجديد للمجلس هذا القانون الذى تقدمت به الحكومة، ولأن اللجنة الاقتصادية يسيطر عليها ائتلاف دعم مصر فى التشكيل الجديد بدأت الخلافات تدق بابها وتنفرد «روزاليوسف» بنشرها مع ملامح القانون الذى حدثت به تعديلات على القانون الحالي. وأبرز هذه الخلافات حول المادة 3 فهى تنص على أن تصدر اللائحة التنفيذية للقانون بقرار من الوزير المختص بشئون التجارة الداخلية وهو «وزير التموين» خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به. والخلاف يأتى من رئيس اللجنة ووكيلها ويريان أن يقوم رئيس الوزراء بإصدار اللائحة، والحقيقة أنه غير مختص بذلك فليس من المفترض أن كل خلاف سيحدث على قانون أو لائحته بعد التطبيق يتم اللجوء لرئيس الوزراء فيه، ولنا فى قانون الاستثمار الجديد مثل، حيث أعدت د.سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى لائحة القانون الجديد، صحيح أنه ذهب لرئيس الوزراء لإصدار موافقة المجلس عليه لكن فى النهاية التى أعدتها وزارة الاستثمار. بعض مواد القانون مهتمة بإعطاء الوزير صلاحيات كبيرة، فطبقا للمادة 46 ينص القانون على أن يعين رئيس الجمهورية أو من يفوضه، بناء على عرض الوزير المختص بشئون التجارة الداخلية، رئيس الجهاز، وهذا تأكيد لدور الوزير فى عمل الجهاز وله أيضا الحق فى تعيين اثنين من أعضائه، فكيف نسحب اختصاصًا منه كما يؤكد عمرو الجوهرى عضو اللجنة ووكيلها السابق، وذلك بحجة استقلالية الجهاز، وإذا كانت اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب غير مقتنعة بالوزير فعليها أن تعلن ذلك صراحة دون التعلل باستقلالية الجهاز، أيضا المادة السابعة فى مشروع القانون يدور بشأنها خلاف، فهى تنص على إلزام المورد لأى سلعة أن يعلن أسعار السلع أو الخدمات التى يعرضها أو يقدمها بشكل واضح على أن يتضمن السعر ما يفرضه القانون من ضرائب إدارية أو أى فرائض مالية أخرى وفقا للضوابط التى تحددها اللائحة التنفيذية، وهى هنا لا غبار عليها، لكن الجزء الثانى منها الذى ينص على أنه «يجوز تحديد أسعار بعض السلع الأساسية بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص بشئون التجارة الداخلية وفقا للضوابط التى تحددها اللائحة التنفيذية..». وهنا تحضر شبهة عدم الدستورية لأن الدستور ينص على أن الاقتصاد المصرى اقتصاد حر وأى تدخل من السلطة التنفيذية فى التسعير مخالف لهذه المادة وهناك حلول أخرى للسيطرة على الأسعار.. وإن كانت هناك ظروف خاصة يمكن التدخل فيها. النقطة المهمة فى بداية هذه المادة والتى يجب التوقف عندها هى أن القانون يؤكد ضرورة تحديد أسعار السلع وإعلانها على كل سلعة، وهو ما يؤكد القرار الذى صدر خلال الأسابيع القليلة الماضية من وزير التموين بإلزام المنتجين بكتابة أسعار كل سلعة عليها وتطبيقه خلال 3 أشهر والذى أثار اعتراضات من التجار والمنتجين لصعوبة تطبيقه لأسباب عديدة. وتثير المادة العاشرة من القانون أيضا خلافات، فرغم أن ظاهرها يؤكد ضرورتها إلا أن تطبيقها على كل مستويات البائعين صعب، فهى تنص على إلزام الموردين للسلع بتسليمهم فاتورة للمستهلك تثبت التعامل أو التعاقد معه على المنتج متضمنة بصفة خاصة رقم تسجيله الضريبى وتاريخ التعامل أو التعاقد وثمن المنتج، وخلاف اللجنة عليها هو أن بعض الأعضاء يرى ضرورة قيام اللائحة التنفيذية بعد إصدارها بحذف الحالات التى لا تحتاج إلى فاتورة على أساس أن هناك مستويات من البائعين ليسوا مؤهلين لذلك مثل الباعة الجائلين وهناك أسواق شعبية ومناطق كثيرة لا تستطيع الحكومة توفير أماكن مناسبة لهم أو أسواق مجمعة، بالإضافة لأن ذلك يؤثر سلبيا على المشروعات الصغيرة التى مازالت تبحث عن بيئة حاضنة لها. القانون اهتم بالإعلان عن المسابقات، حيث ينص على أنه لا يجوز الإعلان عن أى مسابقات بأى وسيلة إلا بعد إخطار الجهاز بالبيانات التى تحددها اللائحة التنفيذية قبل موعد الإعلان بثلاثة أيام على الأقل وللجهاز أن يوقف المسابقة أو أى إعلان بشأنها إذا تبين له عدم الجدية أو أنها خادعة.. إلخ. ويرى بعض أعضاء اللجنة أنه إذا كان الجهاز يسحب المسابقة أو يلغيها إذا ثبت عدم الجدية، فلماذا إذن ضرور الإخطار بها، ولكن يجب فرض عقوبة أو غرامة ينص عليها القانون فى مثل هذه الحالات حتى لا نرى فوضى المسابقات. أتى القانون الجديد بأشياء مهمة للمستهلك لأول مرة تتعلق بفوضى بيع العقارات وقيام شركات وهمية بالإعلان وبيع وحدات ليس لها وجود، حيث ينص على أنه لا يجوز الإعلان عن حجز وحدات عقارية أو التعاقد على بيعها أو بيع الأراضى المعدة للبناء أو تقسيمها إلا بعد الحصول على ترخيص بالبناء وفقا لأحكام قانون البناء، ولا يجوز أن يتضمن العقد أى شرط بتقاضى البائع أو خلفه نسبة أو رسوما أو عمولة أو أى مقابل تحت أى مسمى من ثمن تصرف المشترى فى الوحدة العقارية مقابل هذا التصرف.. إلخ، والقانون فى هذه الحالة يعاقب كل مخالف بغرامة تصل إلى مليون جنيه لأول مرة، القانون أيضا أكد فى مواده الجديدة على حق المستهلك فى استبدال أى سلعة أو إعادتها واسترداد قيمتها خلال أسبوعين دون إبداء أى أسباب ودون تحمل أى نفقات، وللجهاز تحديد مدد أقل بالنظر لطبيعة السلعة، وهناك استثناء حدده القانون بعدم جواز مباشرة حق الرد أو الاستبدال للسلعة فى حالات محددة، تشمل: إذا كان قد حدث فى طبيعة السلعة أو تغليفها وطريقة تعبئتها أو تغيير أيضا السلع الاستهلاكية القابلة للتلف السريع، السلع التى تصنع بمواصفات خاصة والكتب والصحف والمجلات والبرامج المعلوماتية وما يماثلها وهو يعطى للائحة التنفيذية الحق فى إضافة حالات أخرى . ويراعى القانون عدم التفرقة والتمييز بين المواطنين أو الإساءة للعرق واللون والدين. حيث يحظر استيراد أو إنتاج أو تداول منتجات أو الإعلان عنها على نحو يكون من شأنه التمييز بين المواطنين أو الإخلال بقواعد النظام العام والآداب. بقى أن نتحدث عما أغفله القانون وما يجب أن يتم وضعه فيه، فرغم أنه محاولة لإعادة تنظيم الرقابة على عمليات التجارة الإلكترونية التى انتشرت فى السنوات الأخيرة بشكل كبير وقد سبقتنا فى ذلك دول عربية مثل السعودية، حيث فرضت رقابة شديدة على موقع التجارة الإلكترونية المعروف باسم «وادي» وهو أشهر موقع هناك للتجارة والاستبدال. وفى مصر نجد أن عمليات التجارة الإلكترونية كما يشير د. حسن هيكل أمين عام جمعية «مواطنون ضد الغلاء» أننا فى حاجة للرقابة وضوابط صارمة، وهنا نطالب بزيادة الشفافية فى المعلومات بحيث تكون دقيقة حول المنتجات. وتنتقد الجمعية القانون فى أنه جاء خاليا من أحقية الجهاز فى تحديد السعر العادل للسلعة والاكتفاء بعبارات خارجة تماما عن مفهوم السعر العادل، كأحقية الوزير المختص فى تحديد أسعار بعض السلع والخدمات وهى لا تقدم جديدا للمستهلك، حيث إنها مطبقة منذ عشرات السنين فى مجالى الأدوية التابعة لوزير الصحة ومجال المنتجات البترولية مثل الوقود والكهرباء فأسعارها محددة، وما ورد فى القانون لا يقدم جديدا للمستهلك، فالمقصود بالسعر العادل ألا تزيد أسعار بيع الشركات العاملة فى مصر عن أسعار بيعها للمنتجات فى فروعها الأخرى فى دول خارج مصر، وخير دليل على ذلك أسعار الأسمنت، فلا يملك القانون بعد تعديله ولا أى مسئول فى مصر أن يجبر هذه الشركات على البيع حتى بالسعر العالمى أو ألا تتجاوزه، وهذه الشركات تمارس ضغوطا على المسئولين لمنع المستوردين من الاستيراد بحجة حماية الصناعة الوطنية، بل تدعو لفرض رسوم إغراق حينما تنوى رفع أسعارها، فلا تسمح للمسئولين بوضع أى ضوابط تمس السياسات السعرية. أيضا لم يتحدث القانون عن عدم تجاوز أرباح المنتجين التكلفة عشرات المرات وكأن هذا حق طبيعى مشروع خاصة فى السلع الأساسية. والمقصود بالسعر العادل ألا ترفع الشركات فجأة أسعارها بنسبة كبيرة، ولا تملك الدولة التدخل كما حدث مؤخرا فى كروت الشحن للتليفون المحمول، ولذلك نجد أن القانون لم يتطرق إليه ونجحت الغرفة التجارية والمستثمرون فى خداع البرلمان والحكومة بالمواد التى تضمنت أحقية الوزير فى تحديد أسعار بعض المنتجات مثل الوقود ورغيف الخبز التموينى وهو مفهوم بعيد عن السعر العادل. ونجد أيضا أن ضمان الوسائل الآمنة للدفع الإلكترونى والمساواة فى المعاملة فى الشراء عبر الإنترنت وخارجه جاء القانون خاليا من حماية المستهلك فيها، مثل إلغاء الخدمات عبر المحمول والإعلانات أيضا، حيث يفاجأ المستهلك بأنه اشترك فيها دون معرفة والأكثر أنه لا يعرف طريقة سهلة لإلغائها ولذلك نطالب بأن يكون هناك رقم ثابت موحد فى حالة الاتصال به تلغى الخدمة مباشرة. وكذلك الإعلانات والمسابقات الوهمية عبر المحمول، والقانون جاء خاليا من آلية تضمن حماية بيانات المستهلك من سوء استخدام المنتجين والمعلنين خاصة فى عصر الديجتال. وهناك حق أصيل للمستهلك أغفله القانون، وهو عدم وجود توضيح لحق المستهلك فى المعرفة فيما يتعلق بأضرار بعض السلع، خاصة الوجبات السريعة والمشروبات الغازية من حيث تكرار استخدامها بشكل يومي، وكذلك الأغذية المحفوظة لاحتوائها على نسب عالية جدا وخطيرة من الدهون الثلاثية أو المشبعة والمواد الحافظة بحيث لا تستخدم بشكل متكرر. وقد أصدرت الأممالمتحدة فى اليوم العالمى لحقوق المستهلك تحذيرا شديدا لذلك من استخدام نجوم الكرة العالميين ونجوم الفن فى التسويق لهذه المنتجات الضارة، خاصة على الأطفال. بقى أن أقول: هل ستنجح الحكومة فى ضم هذه الطلبات ومراعاة النواقص فيه قبل إصداره؟!