«سرابيوم» قرية تتبع محافظة الإسماعيلية، تحيطها مناطق شاسعة من الزراعات التى تم تقسيمها إلى مزارع، وتبلغ مساحة الواحدة منها 60 فدانا، ورغم أن تلك المزارع تشتهر بعدد من المحاصيل الزراعية أبرزها الزيتون والبلح والمانجو، فإن المفاجأة تكمن فى تحويل عدد منها إلى أديرة رهبانية، حيث تعتبر تلك الأراضى الشاسعة مجالاً طيباً يمارس فيه الرهبان خبراتهم فى تنمية الزراعات واستحداث المزيد من المشروعات التى تتواكب مع خطة التنمية فى الدولة. فتم إنشاء مزارع سمكية وفيرة الإنتاج، ومزارع ماشية ودواجن، والبيع هناك بسعر التكلفة دون تحقيق أى مكاسب مادية، ويتم هذا بالتوازى مع تأسيس مجامع رهبانية داخل تلك المزارع حيث تم إنشاء قلالى (غرف للرهبان) وأماكن للصلاة وأماكن لاستقبال الزوار، ويخصص بكل دير منفذ لبيع منتجات الدير، تلك المنتجات التى يقبل عليها الجميع سواء مسلمين أو مسيحيين، ويبلغ متوسط مساحة الأديرة الجديدة أربعين فدانًا ومنطقة المزارع تلك تقع على طريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوى، مما يسهل الوصول إليها، فإن كانت برية «شهيت» بوادى النطرون التى تعنى «ميزان القلوب» هى أكبر تجمع رهبانى فى مصر، فها هى سرابيوم تحتضن البرية الرهبانية الحديثة. ستة أديرة بالمنطقة هناك، بعضها اكتمل له المظهر الديرى والبعض الآخر فى الطريق، وأشهر أديرة المنطقة دير الأنبا بولا ودير العذراء مريم ومار يوحنا الحبيب ودير الأمير تادرس المشرقى. «روزاليوسف» قامت بزيارة للأديرة هناك، ولكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، ففى تلك الفترة من السنة يحل على الكنيسة الصوم الكبير وفيه تتجلى الطقوس والعبادات الرهبانية ويختلى كل راهب بنفسه منفرداً فى قلايته فى هدوء وسكون، ومن أجل ذلك تغلق الأديرة فى مصر أبوابها أمام الزائرين حرصاً على خصوصية الرهبان. حاولنا الدخول منفردين وفشلنا، ولكننا عاودنا الكرة، ولكن تلك المرة كانت بمساعدة أحد الآباء الكهنة، حيث تمت الموافقة لنا بالزيارة بشرط أن تكون لمدة دقائق للصلاة والتماس بركة المكان دون محاولة إزعاج الرهبان، فدخلنا ورصدنا بالصور التفاصيل كاملة. دير الأنبا بولا دير الأنبا بولا ب «برية سرابيوم» ينقلنا إلى عبق التاريخ القبطى فلقد تم تصميم وبناء مبانى الدير على الطراز القبطى العتيق بمواد بناء حديثة تحاكى مواد البناء البدائية، والأنبا بولا كما تحكى قصة حياته طبقاً لإحدى مخطوطات الدير التى لا تزال إلى حد كبير لغزًا ودونها الباحث الغربى جيروم فى النصف الثانى من القرن الرابع استنادًا إلى رواية بعض الرهبان الأوائل (ولد بولا حوالى عام 228 م ولما بلغ السادسة عشرة من عمره توفى والداه ودرس علوم اليونانيين والمصريين وكان وديع الروح محباً لله واتجه بولا إلى البرية فى عهد الإمبراطور الرومانى داكيوس (249 - 251) الذى اضطهد المسيحيين، ومع مرور الوقت توغل أكثر فأكثر فى الصحراء حتى وصل إلى مغارة فى سفح جبل صخرى، حيث قضى الستين عاما المتبقية من حياته فى العزلة والصلاة وكان يقتات من ثمر النخل ويشرب من عين ماء بالقرب من المغارة، وكان الغراب يأتيه بنصف رغيف من الخبز كل يوم، وفى نهاية حياته أعلن الله للأنبا أنطونيوس أول الرهبان، وكان قد بلغ سن التسعين آنذاك أن هناك إنسانًا آخر يعيش فى الصحراء أبعد منه وأفضل منه وأنه يجب أن يسرع لزيارته. شرع الأنبا أنطونيوس فى رحلته للبحث عن هذا الرجل المبارك، وبمساندة العناية الإلهية وصل إلى مغارة الأنبا بولا، وقال الأنبا بولا للأنبا أنطونيوس: «انظر الآن لقد تكبدت الكثير من التعب والمشقة لتنظر للا شيء سوى جسد قد غطاه الشيب وأنهكته الشيخوخة»، ثم تقاسما رغيف الخبز الذى أحضره الغراب، وأمضيا الليل فى الصلاة وظلت علاقتهما ببعضهما حتى توفى الأنبا بولا ودفنه الأنبا أنطونيوس. بانوراما الدير فى مدخل الدير برع الرهبان فى إقامة بانوراما من التماثيل تحكى قصة حياة الأنبا بولا وعلاقته بالأنبا أنطونيوس، حيث تظهر البانوراما الأنبا بولا وحيدا ينتظر مجيء الغراب له بالرغيف اليومى الذى كان يقتات عليه، ثم تنتقل البانوراما إلى لقائه مع الأنبا أنطونيوس وتنتهى بدفن الأنبا أنطونيوس للأنبا بولا داخل مقبرة فيما تزين البانوراما تماثيل لبعض الأسود علامة على قوة إيمان الرجلين، وتمتد تلك البانوراما إلى داخل كنيسة الدير التى تعتبر تحفة فنية ومعمارية بديعة الجمال زينت جدرانها من أعلى بجداريات دينية تحكى بعض الأحداث من الكتاب المقدس بينما تزين الجدران أيقونات كبيرة لبعض القديسين رسمت بالحرق على الخشب وبعض الألوان الخفيفة على غير المعتاد فى رسم أيقونات الكنائس والتى ترسم بألوان الزيت وتطعم بورق الذهب. دير يوحنا الحبيب دير القديس مار يوحنا الحبيب يتخذ شكلاً آخر من جمال التصميم والبناء، حيث حرص الرهبان على البناء التقليدى لمبانى الدير حتى المساحات، فعلى الرغم من أن الدير يقع على مساحة شاسعة، فإن كنيسته لا تتعدى مساحتها 200 متر مربع والقديس يوحنا الحبيب هو التلميذ الذى كان السيد المسيح يحبه بحسب ما كتب القديس يوحنا فى إنجيله، فهو من كتبة الأناجيل الأربعة وهو التلميذ الذى عهد إليه السيد المسيح وهو على الصليب برعاية والدته العذراء مريم وهى الوصية التى نفذها القديس يوحنا الحبيب حتى ممات السيدة العذراء مريم وانتقال جسدها إلى السماء بحسب إيمان الكنيسة القبطية. أثرية الكنيسة على الرغم من أن كنيسة الدير حديثة البناء فإنها تعطى الإحساس بالطابع الأثرى، فالكنيسة لا تحتوى على أى مقاعد لجلوس المصلين عليها كما هو معتاد فى الكنائس، وتزين الكنيسة بعض صور القديسين والجانب التشكيلى للكنيسة بسيط ويعتمد على جماليات البناء العتيق ولا يعتمد على جمال الرسومات والألوان كما فى كنيسة الأنبا بولا والطابع (البانورامى) يغلب على أديرة (برية سرابيوم)، حيث كست أسوار الدير من الداخل العديد من صور القديسين، بينما وضعت صورة كبيرة لكل قديس، أما قلايات الراهبات المتراصة بشكل هندسى منظم ونفس الطابع يزين مدخل الدير من الخارج حيث وضعت صورة عملاقة للعذراء القديسة مريم. المشروع التنموى يعتبر دير مار يوحنا الحبيب مشروعاً تنموياً متكاملا،ً حيث يشمل العديد من المشروعات الإنتاجية كلها مشروعات غذائية فمثل باقى أديرة المنطقة تمت زراعة الآلاف من أشجار الزيتون الذى تحرص كل الأديرة على زراعته بكثافة ليس لأنه يدر الربح الوفير، ولكن قناعة من الرهبان أن الزيتون يجلب السلام للمكان الذى يزرع فيه، وهناك الكثير من أشجار النخيل التى تنتج أجود أنواع البلح والتمور، ويوجد فى الدير مزرعة للمواشى تدر كميات كبيرة من الألبان بشكل يومى، كما يتم تسمين الكثير من تلك المواشى بأجود أنواع الأعلاف وبرعاية بيطرية فائقة من أجل بيعها وذبحها، كما يوجد بالدير مزرعة سمكية كبيرة وأخرى لتربية الدواجن والأرانب. دير الأمير تادرس دير الأمير تادرس من أهم أديرة المنطقة، وهو مزرعة تبرع بها صاحبها للكنيسة لاستغلالها كدير، وعلى الرغم من أن «المزرعة الدير» أصبحت من ممتلكات الكنيسة فإنها أبقت على صاحبها المتبرع بها لكى يديرها ويرعى شئونها نظراً لخبرته الكبيرة والأمير تادرس المشرقى الذى سمى الدير على اسمه هو أحد الأمراء المصريين فى الجيش الرومانى الذى تم قطع رأسه وتعذيبه لأنه مسيحى من قبل الوالى الرومانى، والدير به كنيسة صغيرة بنيت على الشكل التقليدى للكنائس وملحق بالكنيسة مبيت لزوار الدير والدير فى طريقه إلى التعمير وتكوين مجتمع رهبانى. أديرة «سرابيوم» ومساحتها الشاسعة تؤكد حرص الدولة على حرية الأقباط فى ممارسة عبادتهم وتكوين مجتمعات رهبانية التى تعتبر مكونًا تاريخيًا وثقافيًا أصيلاً من مكونات هذا الوطن.