تاريخه حافل بالرصاص، سجله ملطخ بدماء الحرب التى رفع شعارها طيلة حياته. أخطر جنرالات الحرب كما وصفه الإسرائيليون أنفسهم، والرجل الذى كره العرب فراح ينتهز أى فرصة وينتظرها للخلاص منهم ويزج بنفسه وجنوده لاحتلال أراضيهم. تظل السيرة الإجرامية الدموية أهم ما يميز أرشيف إريئيل شارون العسكرى والسياسى عن بقية جنرالات الدولة الصهيونية بدءًا من «منظمة هاجاناه»، حتى أفيغدور ليبرمان. ففى تقرير نشرته جريدة «هاآرتس» الإسرائيلية بعنوان «وفاة العشرات من البدو بعد طردهم من ديارهم فى سيناء». وكان هذا عام 1972 فى عملية سرية للجيش الإسرائيلى. وأشارت الجريدة إلى أنها تنشر تفاصيل وشهادات تنشر لأول مرة، وذكرت فى سيرة ذاتية جديدة ل«إريئيل شارون»، كتبها رئيس تحرير الجريدة السابق «دافيد لانداو». الجدير بالذكر أن لانداو قد نشر كتابه «إريك: حياة إريئيل شارون»، عام 2014، يذكر فيها سيرة تفصيلية لشارون الذى عايشه فيها بعمق، ويحكى جزءًا كبيرًا منه عن تاريخ إسرائيل المعاصر، منذ إنشائها عام 1948 مرورا بحربها 1948، وحرب العدوان الثلاثى 1956، وحرب 1967، ونتائج حرب السادس من أكتوبر عام 1973، إلى أن أصبح شارون زعيمًا سياسيًا، وخدم فى حكومات عديدة، أبرزها منصب وزير الدفاع خلال حرب لبنان عام 1982، الذى حمل المسئولية الشخصية، ووصف كمجرم حرب بالنظر إلى دوره العسكرى فى الاجتياح الإسرائيلى لجنوب لبنان. وعرف بدفاعه عن بناء المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية وقطاع غزة. وحسب موقع «جود ريدز» يعتبر الكتاب هو أول سيرة ذاتية شاملة ومتعمقة فى حياة شارون، الذى وصفه الموقع بالقائد السياسى والعسكرى الإسرائيلي، والأكثر دراماتيكية فى تاريخ دولة الاحتلال لأربعين عامًا. أوضحت الجريدة أن العديد من أطفال وشيوخ بدو سيناء لقوا حتفهم على أيدى الإسرائيليين الذين لم تتم محاكمة أحد منهم حتى الآن! فذكرت أنه أحد أهم التدريبات الإسرائيلية لجيش الاحتلال التى أقيمت سراً، كانت تهدف من خلال سيناريو يعزز استراتيجية إسرائيل، كيفية عبور فرقة مدرعة لعائق المياه الكبيرة، فى حالة دخولها حربًا مع مصر. وسميت المناورة الإسرائيلية باسم مناورة «عوز»، وتعنى قوة، والمفترض منها اجتياز قناة السويس، التى تعد معضلة للجيش الإسرائيلي، ونقل الحرب إلى الأراضى المصرية. كما أوضحت أن تدريب الجيش الإسرائيلى استغرق حينها ستة أيام، بدأ يوم 20 فبراير عام 1972، وحدث فى سرية تامة وتكتم شديد. كما كان يواظب القادة الصهيونيون حينها على حضورها، أمثال: رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير، ووزير الأمن الإسرائيلى موشيه ديان، ورئيس هيئة الأركان العامة فى جيش الاحتلال دافيد إليعازر. وأضافت: إن آلاف الضباط الإسرائيليين، الذين شاركوا فى هذا التدريب العملاق، لم يعرفوا أن قائد المنطقة الجنوبية، (أى شارون)، هو من خطط ودبر كل هذا. وأكدت أنه قبيل التدريب بفترة قليلة، أمر شارون بتهجير ثلاثة آلاف مواطن من بدو سيناء، بدون أى سابق إنذار من خيامهم ومناطق رعيهم وبدون أمتعتهم ومواشيهم، من أجل إجراء المناورة فى منطقتهم، ما أدى إلى موت العديد من الأطفال والنساء وكبار السن، نتيجة لعدم تحملهم البرد القارس فى ذلك الوقت. مضيفة: إنه لم تكشف تلك القضية طوال 42 عاماً، حتى بعد معرفة قائد الأركان بها، وقيامه بإعادة البدو، ولم تتم محاسبة أحد حتى الآن! واستعانت الجريدة بتقرير موثق كتبه الباحث فى الحضارة البدوية، فى منطقتى «النقب وسيناء» البروفيسير إسحاق بيلي، وهو مهاجر من الولاياتالمتحدة، وأحد الذين عاشوا فى ذلك الوقت فى مستوطنة «سديه بوكير». واستعان بيلى بشهود عيان من البدو، وبعض القادة، ومن بينهم شارون نفسه. وحسب شهادة أحد الشيوخ من عشيرة «الترابين»، التى كانت فى مدينة «العريش»، أكد أن الطرد الإسرائيلى استمر ثلاث ليال على الأقل، فى شهر يناير عام 1972. مؤكداً أنه فى إحدى المرات التى رفض فيها البدو إخلاء خيامهم، أطلق الجيش الإسرائيلى النار فى الهواء، وبدأوا فى اقتلاع خيامهم، وبعدها بدأت الجرارات فى هدم واقتلاع أماكن سكنهم. وتبين من الشهادات المدلاة، أنه نتيجة لشدة برودة الطقس حينها، حيث وصلت الحرارة إلى درجة الصفر، إضافة إلى حالة الإنهاك الشديدة، بسبب سيرهم أكثر من عشرات الكيلومترات، وغياب مأوى يلجأ إليه البدو، لقى ما لا يقل عن 40 شخصاً مصرعهم من تلك العشيرة، وقام البدو بدفنهم فى الطريق.! وتضيف الجريدة: إن البروفيسير بيلى تمكن من تصوير 28 قبراً صغيراً إلا أنها لم تنشر صورهم. وبعدها ذكر بيلى أنه عاد إلى مدينة العريش، وتحدث إلى بعض الضباط الإسرائيليين، فشرحوا له أنه تم إجلاء البدو بأمر من قائد المنطقة، الذى استغل المكان المُهجر منه الأهالى، لإنشاء مستوطنة إسرائيلية. وأضاف بيلى قائلاً: «قررت التوجه إلى قائد الحكم العسكرى، العميد شلومو جازيت، الذى أعطانى وعداً ببحث هذا الموضوع، لكن لم يحدث أى شيء». وأكد أن شارون بعدما وصل إلى مسمعه، بحث بيلى وراء تلك القضية، استدعاه إلى مقر قيادة المنطقة الجنوبية، فى مدينة «بئر السبع». وروى بيلى أن شارون تعامل معه بشكل طيب، ولطيف، وأنه حكى له كم كان يحب البدو، وأنه يزور قبيلة تدعى «العزازمة»، بل زعم أنه لم يعرف ما حدث لأولئك البدو. وعلق بيلى على هذا الكلام، مؤكداً أنه كان على معرفة تامة أن أمر التهجير صدر عن شارون. كما أشار إلى أنه تبين له فيما بعد أن شارون حاول عرقلته، من خلال إصدار أوامر لجميع القواعد العسكرية الإسرائيلية فى سيناء، بمنع دخوله إليها. وأضاف إنه التقى به مرة أخري، بعدما أصبح بيلى مستشاراً لقادة الأجهزة الأمنية للشئون العربية عدة مرات، وأن شارون اشتبه به دائماً، لكنه قدره كرجل ميداني، وطلب الاطلاع على تقارير وخرائط أعدها بنفسه. أكدت الجريدة أنه ليس معروفاً حتى الآن من هى الكتيبة الإسرائيلية التى تولت تنفيذ أمر طرد بدو سيناء. موضحة أن الجنرال جازيت الذى كان أول من توجه إليه الدكتور بيلي، أفاد حينها أنه نفذت عدة تدريبات لاجتياز الجيش الإسرائيلى لقناة السويس، لكنه لا يتذكر بالذات هذا التدريب. كما تعلق الجريدة أن الجيش الإسرائيلي، اهتم بالتستر على تلك العملية، بسبب سرية مناورة «عوز»، والرغبة فى التكتم على حوادث محرجة أخري، تتعلق بقضايا المساس بالبدو، بعد وقت قريب من الحادثة الأصلية، التى مات فيها العشرات من الأطفال والنساء وكبار السن، نتيجة لعدم وجود مأوي. ثم أوضحت أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، صرح بأنه تم تسجيل الاعترافات تلك وهى موجودة فى قسم التاريخ، شعبة العمليات الإسرائيلية، إلا أن هذا الحدث يعد حدثًا تاريخيًا، وأن جميع المشاركين فيه لم يعودوا يخدمون فى الجيش الإسرائيلى منذ سنوات، وأنه ليس من مصلحة الجيش الإسرائيلى التعليق على هذا الحدث. كما شدد على ضرورة أن يتذكر الجميع أنه لم ينتقد أحد الجيش الإسرائيلى حينها، فكانت معاملة السلطات الإسرائيلية للبدو مهينة جداً، وكان شارون إذا رأى أن هناك من يقف فى طريقه، ولا سيما إذا كان عربياً، فبإمكانه محوه بمنتهى البساطة! وأضاف أنه أراد أن ينفذ تدريبه فقط، ولم يكن يهمه الأضرار التى تلحق بالمدنيين فى طريقه. مشيراً إلى أنه كان من الممكن إجلاؤهم بصورة مؤقتة وإنسانية، من خلال توفير وسائل ومعدات نقل، وإعادتهم مرة أخرى إلى بيوتهم، إلا أن شارون لم يهمه ذلك. وأنهى بأنه مر أربعة عقود على كتابة البروفيسير «بيلي» الحرف الأول لتلك القضية، ومرة أخرى عندما تطرق إليها «ديفيد لانداو» فى كتابه عن شارون. مؤكدا أنه لم يعط أحد هؤلاء البدو ثمن ما حصل لوفياتهم.