من يشترى هذه الفتاة الحسناء العذراء. انظروا يا سادة، إن لها نهدين كثمرتى خوخ، وعينين يذوب فيهما العسل، وخصرا نحيلا، وفما يتكدس عليه السكر، كما أن بشرًا لم يمسسها من قبل، وبوسع «صاحبها» أن يشكلها وفق هواه، وحسب ما يرغب فيه. هكذا كان تجار النخاسة ينادون لبيع «السبايا» و«الإماء» فى عصور غابرة، والآن عاد هؤلاء تحت اسم السماسرة لتزويج الفتيات المصريات عرفيا أو مسيارًا لطلبة خليجيين ممن يدرسون فى مصر. التجارة فى «اللحم الغض» مربحة بالطبع، ومثلما صار لها سماسرة، هناك آباء يقبلون البيع، فيقدمون فلذات أكبادهم لمتعة الثرى الذى يأتى من الخليج، مقابل مبالغ متفق عليها، تبدأ من 20 ألفًا، ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه.. مبلغ هين بالطبع، لكنه يمثل بالنسبة للكثيرين ممن يقبعون تحت خط الفقر، طوق نجاة ينتشلهم من الجوع الذى يضغط عليهم. القصص تروى الكثير عن واقع قبيح، وتكشف عن أن الثلاثية المؤلمة: الفقر والجهل والمرض تفرز الكثير من الخطايا، وتؤدى بالمجتمع إلى كوارث لا أحد يعرف إلى أين تنتهى؟ منى والتضامن تحكى «مني. ح - 22 عاماً»، تفاصيل زواجها برجل خليجى، قائلة: «لا ألوم سوى أبى الذى كان السبب فى وصولى وطفلى لما نحن عليه الآن»، فحالتنا الاقتصادية السيئة والفقر كانا السبب الأساسى فى جعل أبى يجبرنى على الزواج بالزبون مقابل 35 ألف جنيه، وهو مبلغ لم نره فى حياتنا. وتتابع: «خرجت طفلة فى السادسة عشرة من بيت أبى مع رجل يكبرنى ب21 عامًا، وسافرت معه إلى تركيا لمدة 7 أشهر فقط، وكان فى البداية يحقق لى كل ما أتمنى من ملبس وهدايا ورحلات، ثم تحول الأمر فجأة لعنف وإهانات وضرب». وتتهم منى نشأتها الأولى فى الحوامدية إحدى مناطق محافظة الجيزة التى يقطنها كثير من الفقراء لا يعرفون شيئًا عن السفر أو العالم، قائلة: «عدم امتلاكى المال وقلة خبرتى بأى شيء، أجبرانى لأكون طوع أمره ورضيت بالواقع مهما حدث من صعوبات أو مضايقات، إلى أن عرف بحملى». وتكمل: «عاد بى إلى مصر من أجل إجهاض الجنين، لكننى هربت إلى وزارة التضامن لكن أحدًا لم يساعدنى، حتى رأتنى فتاة شابة فى إحدى الحدائق التى كنت أنام فيها هرباً من أبى ومن زوجى، ورويت لها قصتى فأخذتنى إلى جمعية «فتيات الغد» التى تؤوى اللاتى لا منزل لهن، وهنا بدأت تعلم الحرف اليدوية لأعيل بها نفسى وطفلتى». فاطمة والمسيار «غرفتنا كانت صغيرة جداً فى محافظة الجيزة، أسرتنا مكونة من 8 شقيقات وأخ لم يتجاوز الثلاثة أعوام».. هكذا بدأت فاطمة. م 25 عاماً بطلة القصة التالية تسردها قائلة: «علم أبى أن هناك طلابًا عربًا فى مدينة 6 أكتوبر يتزوجون مصريات مدة دراستهم فى مصر، والتى تصل إلى 5 أو 7 أعوام، مقابل 25 ألف جنيه سنوياً بالإضافة الى تحمل جميع مصاريف الزوجة خلال فترة الزواج». تتابع: «جاءنى أبى يخبرنى بأنه وجد لى زوجاً لن يطلب جهازاً للعروس وسيدفع الكثير من الأموال لأسرتنا.. لم أفهم فى البداية شيئًا لكننى فرحت بأننى سأتزوج، إلا أن الأمر لم يكن كما ظننت بل كان زواج مسيار، يستمتع بى أحدهم فترة إلى أن يرمينى فى الشارع بعد الانتهاء من متعته». قبلت فاطمة لأنها كرهت الحياة فى تلك الغرفة الضيقة مع 10 أفراد، ووجدت الشاب طويلا ووسيماً، فكتبوا ورقة وقع عليها أبوها و«سمسار الزواج» الذى أتى بالشاب، بداخل مكتب العقارات الذى ذهبنا إليه فى ذات المدينة. إلى هنا يبدو الأمر مألوفًا، إلا أن التفاصيل دائمًا ما تحمل معها العجائب، تسرد فاطمة تلك التفاصيل: عاش زوجى معى عامين ثم أخذنى إلى إحدى دول الخليج، وبدأ يرغمنى على أن أمارس الرذيلة مقابل مبالغ مادية يدفعها له راغبو المتعة فى المنزل.. لقد اشترى سلعة شبع منها ثم بدأ يتاجر بها فى بلده». تحملت الفتاة كثيرًا إلى أن فرغ الكيل منها، ولحسن حظها وجدت من يساعدها على الهرب والرجوع إلى وطنها بصحبة طفلها، لكن الكارثة اكتملت فى مصر عندما لم تستطع إثبات نسب طفلها، فتوجهت لسفارة بلد زوجها لطلب المساعدة فلم تجد إلا إهانات ومحاولات التحرش ممن قصصت له حكايتها. شيماء: أبويا رمانى فى منطقة الحوامدية تقول «شيماء. غ» التى خرت باكية لتصف بسخرية وأسى حكايتها، متهمة أباها بسعيه لبيعها لمن يدفع أكثر، وأنسب مشتر فى نظره رجلٌ لا يقل عمره عن 60 سنة، أتى إلى مصر طالبًا خادمة. وتابعت: «كنت من بين مجموعة البنات اللاتى يعرضهن السمسار على المشترى الخليجى، فاختارنى رغم بكائى من تعنيف أبى لى الذى كان يقف ممسكاً بيدى بشدة طالباً منى الصمت، وكتبوا بعد اختياره لى ورقة عرفية، ودفع 27 ألف جنيه لأبى وحصل السمسار على عمولته التى تكون أكثر من نصف المهر الذى يدفعه الباحث عن الزواج. وتابعت شيماء: سافرت معه، وكانت المفاجأة أنه تزوجنى خادمة له ولزوجته المريضة وأيضا لمتعته وقتما يريد، وعندما أنجبت ابنى «يوسف» الذى بلغ عمره الآن 5 أعوام طردني.. حاليا لا أعلم عن فلذة كبدى شيئاً، فقد أخذه منى ولفق لى قضية سرقة وتم ترحيلى إلى مصر نظراً لأننى لا أمتلك أى شيء يثبت أنه زوجي. صفقة مع سمسار فى منطقة الشيخ زايد، بالحى الثامن، التقت محررة «روزاليوسف» امرأة جميلة وراقية تدعى «فايزة، س» فى نحو الأربعين من العمر، شرحت لها ظروفها القاسية واحتياج أسرتها للمال، وشدة فقرهم فعرضت عليها الزواج عن طريق سمسار، يدعى «مرزوق». السمسار قال: إن هناك زوجًا لمدة بضعة شهور فقط ، وسيسدد مبلغًا متفقًا عليه ويتم الزواج فى مصر للفترة المنصوص عليها فى العقد، ويحصل السمسار على نصف المهر والأسرة أو الفتاة على النصف الثانى، ويتم الاختيار بعد عرض الفتاة عليه. أما إذا كان يريد قضاء أوقات سعيدة فقط فالدفع يكون بالليلة وتصل قيمة الليلة الواحدة «2000» جنيه، مؤكداً أنه يحصل على «%10» من قيمة ذلك المبلغ. وقالت «زينب، م» 32 عاماً إحدى ضحايا زواج المسيار فى مصر، والتى رفضت التطرق لأى تفاصيل حول قصتها اثناء لقائنا بها بجمعية الأمل لحماية فتيات الشوارع: إن الأمر يتم بطرق عدة منها المسيار والعرفى ولذلك لابد من وجود محام لإتمام الصفقة بين السمسار والفتاة أو أسرتها، ويتولى السمسار مصاريف المحامى، أما إذا كان زوجاً للمتعة وذلك يكون يوماً او أيامًا بحسب رغبة الرجل، تتم كتابة عقد بمبلغ يدفعه الرجل للسمسار وللفتاة وأسرتها، ولا يستمر الزواج أكثر من شهر أو «ثلاثة» أيام فقط وفقاً لبنود العقد. وقالت الدكتورة أمانى البدوى رئيسة جمعية الأمل لحماية فتيات الشوارع: إن ما يحدث فى مصر من بعض الفقراء تجاه بناتهن أمر فى غاية الخطورة والبشاعة واللا إنسانية، مشيرة إلى أن وظيفة الأسرة حماية بناتهن وليس بيعهن والمتاجرة بأجسادهن عبر الزواج العرفى والمسيار والمتعة. وقال الدكتور «عبدالحميد زيد» رئيس قسم الاجتماع بجامعة الفيوم: إن زواج المتعة والمسيار له أبعاد خطيرة تفقد المرأة أهليتها وتفقدها جميع حقوقها الشرعية وتكون فى وضع سيىء لكى تهرب من هذا الرجل لأنه لا يتم الاعتراف بها من الدولة ولا من المجتمع؛ ومصر حتى الآن عاجزة عن وضع قانون يحمى المرأة، ويجب أن تكون هناك اتفاقيات لملاحقة هؤلاء. وأضاف: إن هذه الظاهرة تطورت مع وجود سماسرة يمتهنون تزويج الفتيات. وقال الشيخ «عوض إسماعيل» وكيل الدراسات الإسلامية: فى كثير من الأحيان يخطئ الأب فى حق الولاية على ابنته وزواجها لأن من أهم شروطها الرضا والقبول، أما من ناحية الزواج العرفى المحرم أو زواج «المسيار» والذى يعد محللا فى بلاد عربية لكنه غير محلل فى مصر، فنحن فى النهاية أمام ممارسات حرام فى جوهرها. وأضاف: هذا ليس زواجا فى الواقع فالزواج فى الإسلام مشرع للتأبيد ويكون دائما أبدا لإنجاب الذرية وتكوين أسرة.