أخيرًا اكتوت تركيا بنار الإرهاب الذى احتضنته طيلة سنوات مضت، حيث فجر انتحارى ينتمى لتنظيم داعش نفسه فى بلدة سروج التركية ما أسقط 23 قتيلاً و100 مصاب، فيما يؤكد خبراء أن تلك العملية الإرهابية وما تبعها محاولة مفضوحة من جانب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وجهاز مخابراته لتوتر الأجواء فى تركيا لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة لاستعادة خسائره فى الانتخابات الأخيرة. وللمرة الأولى يدخل الجيش التركى فى اشتباكات مباشرة الخميس الماضى مع عناصر من داعش بعد مقتل أحد جنوده بنيران قادمة من الجانب السورى إلى المناطق الحدودية، وذلك بعد المذبحة المروعة التى نتجت عن تفجير انتحارى فى بلدة سروج التابعة لمحافظة شانلى أورفا فى جنوبتركيا، والتى خلفت 32 قتيلاً و100 جريح ونفذها شاب تركى تجاوز العشرين بقليل، سافر إلى سوريا للتدريب وعاد لتنفيذ هذه المجزرة التى كشفت عجز أجهزة الأمن والمخابرات التركية صاحبة ثانى أكبر جيش فى حلف شمال الأطلسى، والتى تنشر 54 ألف مقاتل معززين بالآليات والمدرعات والدبابات على الحدود مع سوريا. خنادق وسياج حدودى تركيا التى طالما اتهمت مصر بالتضييق على الفلسطينيين فى غزة خصوصًا عناصر حركة حماس بالتعاون مع إسرائيل بسبب أنفاق التهريب الممتدة من غزة إلى سيناء، لجأ جيشها إلى حفر الخنادق على الحدود السورية بطول 900 كيلو متر لتأمين حدودها ومنع عبور عناصر داعش من سوريا. وشرعت تركيا فى إقامة جدار باستخدام القوالب سابقة التجهيز على امتداد جزء من حدودها، وتعزيز سياج من الأسلاك وحفر خنادق إضافية بعد تفجير سروج. ومنذ فترة طويلة يبدى حلفاء تركيا فى حلف شمال الأطلسى مخاوف بشأن مسألة السيطرة على الحدود مع سوريا والتى تتحول فى بعض المناطق إلى حدود موازية مباشرة مع الأراضى الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش. وأدى التفجير الانتحارى فى سروج إلى تسليط الضوء على المخاوف من امتداد الصراع السورى إلى الأراضى التركية، وعقب هذا التفجير أجرى الرئيس الأمريكى باراك أوباما اتصالاً هاتفيًا مع نظيره التركى رجب طيب أردوغان الأربعاء الماضى، واتفق الاثنان على العمل معًا لوقف تدفق الإرهابيين الأجانب على سوريا وتأمين الحدود معها. وقال بولنت أرينتش، نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة إنه تم تحديد قطاعات حيوية (فى الحدود). وستعطى الأولوية لهذه المناطق وستتخذ التدابير بكل الإمكانيات التكنولوجية. وسافر آلاف المقاتلين الأجانب عبر تركيا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش فى السنوات القليلة الماضية بعضهم بمساعدة شبكات تهريب تركية متعاطفة مع الإرهابيين. وقال مسئول حكومى رفيع المستوى إن جدارًا بالقوالب الجاهزة طوله 150 كيلومترًا سيقام على امتداد جزء من الحدود وسيتم تعزيز سياج من الأسلاك فى مناطق أخرى. وأضاف أنه سيتم تركيب أضواء كاشفة على امتداد 118 كيلومترا وسيجرى إصلاح طرق الدوريات الحدودية بتكلفة (86 مليون دولار). وقال الجيش التركى إنه يعمل على حفر خندق بطول 365 كيلومترا على امتداد الحدود وإنه نشر نحو 90٪ من الطائرات دون طيار وطائرات الاستطلاع على الحدود مع سوريا. وأضاف مسئول أن حوالى نصف العربات المدرعة التابعة لحرس الحدود تقوم بدوريات على امتداد الحدود السورية، وتم توزيع 20 ألف جندى. غضب كردى وكان تفجير سروج أثار غضب الأقلية الكردية التى تؤكد أن أنقرة أيدت داعش فى سوريا ضد القوات الكردية. بينما تنفى الحكومة التركية ذلك بشدة.. هذا الغضب أدى لرد فعل كردى عنيف حيث أعلنت منظمة حزب العمال الكردستانى مسئوليتها عن قتل اثنين من ضباط الشرطة يوم الأربعاء ردًا على تفجير سروج، وفى إقليم تونجلى الشرقى فتح مسلحون النار على قاعدة عسكرية ما أدى إلى اشتباك قصير، وقال بيان للجيش إن متشددين أشعلوا النار فى شاحنات وفتحوا النار على جنود قرب الحدود الإيرانية، وعطل متمردون حركة المرور على الطرق السريعة وأشعلوا النار فى سيارات فى محافظات مختلفة بشرق البلاد. انتقادات لأردوغان ووجَّه الخبير التركى البارز فى شئون الشرق الأوسط الكاتب بصحيفة «راديكال»، جنكيز تشاندار، انتقادًا حادًا لنظام الرئيس أردوغان على خلفية حادث سروج الإرهابى.وقال تشاندار إن نظام حزب العدالة والتنمية لاطف وداعب الجماعات الإرهابية الموجودة فى سوريا، بما فى ذلك تنظيم داعش المتورط الآن فى إراقة الدماء بتركيا. وجاءت تصريحات رئيس الحزب الديمقراطى الكردى، صلاح الدين دميرتاش، لتصب الزيت على النار، وتزيد الأزمة لهيبًا؛ حيث قال: «لم يتم الكشف عن المتورطين فى المذابح والوقائع التى تقف وراءها أيادٍ خفية للدولة، أو تشارك فيها عناصر تستمد قوتها من الدولة». لعبة أردوغان ورغم هذه التفاصيل فى المشهد المعقد فى جنوب وجنوب شرق تركيا الآن، يعتقد مراقبون أن كل ما يجرى هو لعبة من أردوغان ورئيس جهاز مخابراته خاقان فيدان من أجل التمهيد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بعدما خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم أغلبيته فى البرلمان فى الانتخابات الأخيرة فى يونيو الماضى. ويقول هؤلاء المراقبون إن لعبة الحرب فى جنوبتركيا هى لعبة أردوغان ومخابراته لمحاولة توتير الوضع بين الأكراد والإسلاميين المتشددين المنتمين لحزب الله التركى الموالى بشدة لأردوغان، وبالتالى كسر شعبية حزب الشعوب الديمقراطى فى المنطقة وتبرير انسحاب الحكومة من مفاوضات السلام مع الأكراد تحت زعم أن منظمة حزب العمال الكردستانى عادت للقتال ضد الدولة وأعلنت مسئوليتها عن قتل شرطيين، وبالتالى سحب جزء من شعبية حزب الحركة القومية اليمينى المعادى للأكراد، مع أخذ الفرصة للتعمق قليلا فى شمال سوريا لخلخلة الحزام الكردى الذى نشأ فى شمال سوريا وبالتالى يتجاوز إصرار حزب الشعب الجمهورى على عدم دخول تركيا إلى الأراضى السورية، ويحذر خبراء من تداعيات هذا السيناريو لأنه قد يجلب على تركيا توترا شديدا لا يستطيع أردوغان السيطرة عليه.