الوصول إلى حارة اليهود فى قلب القاهرة القديمة لا يكون إلا من خلال عدد من الأزقة الصغيرة متنوعة التجارة ما بين ذهب ونحاس وفضة وإكسسوارات وأدوات تجميل.. مئات المحلات ملتصقة ببعضها عبر ممر طويل يصل بك فى النهاية إلى هدفك، تاركا الزحام الشديد وصعوبة السير والحركة إلى «الحارة» الهادئة، والمكونة من مجموعة من الدروب. المكان لايزال يحمل بقايا معالم يهودية متهالكة، إلا أن سكانه جميعا رحلوا ويبقى اسم الحارة شاهدا على أن الطائفة اليهودية عاشت هنا ونعمت بالأمن والأمان ومارست حياتها العملية والدينية بكل حرية، لتؤكد أن المصريين لا يعرفون التعصب وأن مساحة الاختلاف بينهم مشروعة مادام فى صالح الوطن. عشرات السنوات والمبانى فى مكانها تتحدث عما تبقى من آثار اليهود المصريين والمناسبة حالة الجدل حول المسلسل التليفزيونى «حارة اليهود». «روزاليوسف» رصدت قصص اليهود من خلال من عاش معهم من كبار السن وسجلت عدستها صورا للأماكن التاريخية المتناثرة فى أرجاء الحارة. ماذا تبقى من يهود مصر؟ فى اللحظات الأولى لدخول حارة اليهود كان البحث فى كل مكان عن الأماكن الأثرية أو التى عاش فيها اليهود ومازالت تعبر عنهم. يقول الحاج حمادة صالح (65 عاما) وصاحب محل إكسسوارات: الحارة كانت تضم 13 معبدا ومكان مناسبات، وكانت تلك الأماكن جميعها تدل على اليهود فى مصر، إلا أنه لم يتبق منها على أرض الواقع حاليا سوى ثلاثة معابد فقط ودار مناسبات متهالكة جدا وآيلة للسقوط ولا يدخلها أو يخرج منها أحد، ومن يطلب الدخول لتلك الدار لابد أن يحصل على تصريح رسمى بالزيارة من الحى، وحاليا تحولت إلى خرابة، وفى عام 2011 أكد المسئولون أن عملية الترميم لها سوف تتم فى أيام إلا أن قيام ثورة 25 يناير أجّل الترميم إلى أجل غير مسمى ولا أحد يبحث حاليا عن فكرة ترميمها ولا يزورها أحد! يعد معبد «موسي بن ميمون » الأشهر لليهود فى الحارة وصاحب الاسم شخصية شهيرة فى التاريخ فكان طبيبا وفيلسوفا فى القرن الثالث عشر الميلادى السابع الهجرى وتم تسجيل المعبد بشكل رسمى كأثر عام ,1986 ووصف الحاج حمادة صالح المعبد من الداخل بأنه عبارة عن سرداب ينتهى بغرفة مقدسة يحرص عدد كبير من اليهود على زيارتها كل عام فى شكل وفد كامل، ومن طقوس التجوال فى المعبد خلع الحذاء لأنه مكان مقدس. ويضيف: إن معبد «باريوحاى» هو الثانى الموجود فى حارة اليهود حتى الآن ولا يعلم البعض اسمه إلا كبار السن فقط وهم قليلون، وآخر جيل يعلم تلك التفاصيل عن حارة اليهود، ويقع المعبد فى شارع الصقالبة ومعالمه دفينة فقد أثرت عليه تجارة الورش والمحلات التجارية الموجودة أمامه، وقد وضعت ستارات كثيفة تخفى الباب الرئيسى للمعبد وتغلقه تماما خاصة أنه لا يزوره أحد أو يقترب منه ولا يعرف أحد بوجوده من الأساس فهو ليس معروفا إلا للقليل وتميز باللون الأصفر الداكن مثل المعابد الأخرى فى الحارة. المعبد موجود فى أحد دروب الحارة القديمة وهو درب نصير، وأكد سكان الدرب أن المعبد لا يزوه أحد، فالأهمية الكبرى للمعابد الثلاثة والزيارات تكون لمعبد موسى بن ميمون الذى تم ترميمه قبل ثورة 25 يناير ويزوره وفد من اليهود كل عام وسط تشديد أمنى وحراسة خاصة، رغم أن سكان الحارة لا يكرهون اليهود فهم كانوا يعيشون كمسلمين ويهود فى سلام وأمان، ولم يكن بينهم أى خلافات فى الطائفة الدينية مثل ما يظهر فى مسلسل حارة اليهود حاليا. أكد عم محمد على صاحب محل أمام عمارة سوسو ومرزوق، وهى من العمائر القديمة لأنها الوحيدة المتبقية لليهود فى حارة اليهود وكان أصحابها تجارا للسجائر وتركوا مصر بعد عام ,1968 والعمارة كانت عبارة عن غرف صغيرة وكانت لهم تجارة كبيرة فى نهاية الحارة وأموال ضخمة. يقول الحاج صبحى محمد من كبار تجار حارة اليهود 68 عاما: آخر شخص كان من اليهود فى مصر كانت فتاة تدعى مارى وبيكى، وفى عهد مبارك كانت هناك زيارات لليهود للمعبد اليهودى فى الحارة إلا أنهم قليلو الزيارة بعد ثورة 25 يناير، واليهود كانوا محبوبين وسط المصريين والمسيحيون يتحكمون فى نفس التجارة الثقيلة التى كان يتحكم فيها اليهود منها الذهب، وعن مسلسل «حارة اليهود» الحالى الذى يتم عرضه فى الدراما الرمضانية يؤكد أنه ليست له أى علاقة بالحقيقة التى يعلمها جيدا من عاش وسط اليهود، وأستطيع أن أؤكد أنه لم تكن توجد أى خلافات بيننا كما ظهر فى المسلسل. ويذكر عم عبده الريفى بعض ذكرياته مع اليهود فى مصر من خلال محله الصغير أمام مبنى دار المناسبات اليهودى الذى تحول إلى أثر مهمل وقديم جدا مغلق الأبواب، المكان ليس معبدا، بل أقرب ما يكون إلى دار مناسبات يهودية، كان يتم فيها عقد مختلف طقوس الزفاف أو توديع الموتى، لكنه أغلق منذ أوائل الستينيات. ويلفت أنه كان يعمل مع الخواجة «لويس متاتيا مرزوق» وهو يهودى كان يمتلك ورشة لتصنيع الذهب، وبعد تهجير اليهود قام ببناء عمارة تتكون من عدة طوابق كلها ورش لتصنيع الذهب ويعمل فيها الآن أولاده وأحفاده أيضا. أما عم عبدالقادر الرجل السبعينى صاحب محل حلاقة قريب من معبد موسى بن ميمون اليهودى: كان يوجد 4 معابد يهودية فى المنطقة من الداخل تم هدم واحد منها وتبقى 3 فقط، والمسلسل ليس واقعيا وأونطة وفزلكة، والحقيقة تشرحها الأماكن الأثرية هنا فى الحارة وكان هناك ود كبير بيننا وبينهم وقصة فلسطين التى ظهرت فى التليفزيون ليس لها علاقة بيهود مصر.